يعد الاعتماد المستندي روح التجارة الخارجية بحيث يتصل اتصالا وثيقا بالبيوعات البحرية وذلك واضح من خلال النظر إلى البيئة التي ولد ونشأ فيها، فالاعتماد المستندي ظهر من أجل تحقيق مجموعة من الغايات والأهداف كانت التجارة الدولية في حاجة ماسة إليها. فغالبا ما يتم تمويل هذه التجارة بواسطة أحد البنوك وذلك عن طريق النص في بنود عقد البيع على أن الأداء يكون من طرف أحد البنوك ويكون عادة بنك موطن البائع المستفيد (1) . من هنا يتبين لنا أن الاعتماد المستندي جاء لتحقيق نتيجتين أساسيتين: أولهما، أنه وسيلة وفاء وثانيهما، أنه وسيلة ائتمان. وهذا ما سنحاول التطرق إليه.
أولا: الاعتماد المستندي وسيلة وفاء (2) :
إن المسافة التي تفصل البائع والمشتري في عقود التجارة الدولية تكون في الغالب طويلة وبعيدة (3) ، كما أن أطراف الاعتماد المستندي لا يعرفان بعضهما، وبالتالي فرغم العلاقة التعاقدية التي تربط كلا الطرفين فإن كلاهما ينتابهما شعور بعدم الثقة والاطمئنان خوفا على مصالحهما المالية والتجارية. فالبائع المصدر لا يكون على استعداد لتصدير البضاعة قبل الحصول على ثمنها، أو الحصول على الضمانات اللازمة التي تمكنه من استيفاء ثمن البضاعة. وكذلك المستفيد المشتري فإنه يماطل دائما في عدم دفع ثمن البضاعة حتى التوصل بها والتأكد من أن البضاعة مطابقة للشروط التي تم الاتفاق عليها. وإنطلاقا من هذا التعارض بين مصالح كلا الطرفين فقد صار من الواجب التفكير في إيجاد توافق بين المصالح المتعارضة لطرفي عقد البيع الدولي. من هنا ظهرت فكرة الاعتماد المستندي، إذ بواسطة الاعتماد المستندي يحصل البائع على ثمن البضاعة بمجرد تقديم المستندات إلى البنك (4) . غير أن هناك من يشترط ضرورة مطابقة الموصفات المنصوص عليها في العقد لموصفات البضاعة. و بالتالي ففي حالة عدم وجود هذا التطابق فمن حق المورد الاعتراض لدى البنك المصدر بعدم الأداء.
ثانياً : الاعتماد المسندي كأداة ائتمان :
بالإضافة إلى الدور الذي يقوم به الاعتماد المستندي كوسيلة أداء، فإنه يعتبر بمثابة وسيلة ائتمان وضمان لكل من البائع والمشتري (5) . فبالنسبة للاعتماد للبائع المستفيد من الاعتماد المستندي يستطيع من خلال إبرازه لخطاب الاعتماد أمام المتعاملين معه أن يحصل على ثقتهم، وبالتالي يكون هؤلاء المتعاملين مطمئنين إلى حقوقهم في حالة تزويد البائع بما يحتاجه تنفيذا للصفقة (6) . ومن جهة أخرى قد لا يكون المستفيد منتجا للبضاعة وبالتالي يكون عليه البحث عن مورد جديد من أجل تزويده بالبضاعة المطلوبة في مقابل تحويل حقوقه في الاعتماد. ويتم هذا التحويل بأن يشترط المستفيد في الاعتماد على البنك أن يكون الاعتماد قابلا للتحويل، فيقوم البنك بتحويل الاعتماد بناءا على طلب المستفيد. ويكون هذا التحويل بنفس شروط الاعتماد الأصلي. باستثناء قيمة الاعتماد التي تتغير (7) . بالإضافة لذلك، هناك وسيلة أخرى يستطيع بواسطتها المستفيد الحصول على الائتمان اللازم لتمويل ثمن البضاعة التي يريد الحصول عليها من الموردين، وهي الاعتماد الظهير Back to Back credit ، حيث يقوم المستفيد في هذه الحالة برهن الاعتمادالأصلي الصادر لمصلحته لدى البنك الذي يتعامل معه، ويقوم هذا الأخير بإصدار اعتماد لصالح المورد ويسمى الاعتماد المرهون لدى بنك المستفيد بالاعتماد الأصلي ويسمى الاعتماد الصادر بضمانة الاعتماد الأصلي بالاعتماد الظهير (8) . أما من ناحية الاعتماد المستندي كأداة ائتمان بالنسبة للمشتري حيث يخول حيازة المستندات أن يتصرف فيها بالبيع أو الرهن حتى قبل وصول البضاعة إليه، لأن حيازة هذه المستندات تمثل حيازة البضاعة، وهو يتيح تقديم تسهيلات للمشتري المستورد في الحصول على المساعدات اللازمة لبيع بضاعته من أجل تسديد الثمن (9) . أما في الحالة التي يكون فيها الاعتماد المستندي مؤجل الدفع فإن المشتري يستطيع استثمار ثمن البضاعة وذلك خلال الفترة الممتدة بين التعهد بالدفع وتاريخ الاستحقاق.
__________________
1- عكاشة محمد عبد العال : قانون العمليات المصرفية الدولية دار الجامعة الجديدة لبنان 2000،ص362.
2- محمد صبري: الأخطاء البنكية مسؤولية البنك عن عدم ملائمة الائتمان مع مصلحة الزبون. مطبعة النجاح الجديدة، الطبعة الأولى: 2007 ، ص: 74 .
3- محمد برادة أغزيول: دور البنوك في التجارة الدولية، الندوة الثالثة للعمل البنكي والقضائي، يونيو – 1993 منشورات المعهد الوطني للدراسات القضائية والمجموعة المهنية لبنوك المغرب، مطبعة الأمنية، ص: 49 .
4- هاني محمد دويدار: العقود التجارية والعمليات المصرفية، دار الجامعة الجديدة للنشر، الإسكندرية، – 1994 ، ص: 240 .
5- محمد صبري : المرجع السابق، ص: 74
6- فيصل محمود مصطفى النعيمات : مسؤولية البنك في قبول المستندات في نظام الاعتماد المستندي . دار وائل للنشر 2005 ص 26 .
7- فيصل محمود مصطفى النعيمات، المرجع السابق ص: 27
8- أكرم إبراهيم حمدان الزعبي، مسؤولية المصرف المصدر، في الاعتماد المستندي، دراسة مقارنة وفقا لأحكام النشرة 500 ، دار وائل للطباعة والنشر والتوزيع 2000 ، ص: 48 .
9- محمد علي مانع الميدمة: الاعتمادات المستندية في التجارة الدولية،1971،ص 37 (بدون دار النشر).
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً