تاريخ التشريعات النقابية في مصر

في نهاية 1894، أنهى عمال صناعة السجائر إضرابهم في القاهرة بقيام أول نقابة عمالية في مصر، وفي عام 1910، بلغ عدد النقابات في القاهرة تسع نقابات تضم 3000 منتسب اتسمت المرحلة الأولي للطبقة العمالية في مصر بطابع كفاحي شكلت الإضرابات علامة فارقة فيه.

وهي التي حولت الأنظار إلى حالة العمال في مصر وخلو القوانين من كل نظام يتعلق بمصلحة العمال أو حالتهم الاجتماعية مما دفع الدولة لإصدار تشريعات منظمة.1 وفي 1912 صدر القانون 26 الذي يسمح بتشكيل نقابة للمحامين.

وبرغم من ذلك فقد بدأ التاريخ النقابي المصري من الناحية التشريعية متأخراً بصدور القانون رقم 85 لسنة 1942 والذي حدد لأول مرة الشروط المطلوبة لإنشاء النقابات والأشخاص الذين يحق لهم إنشاؤها والغرض منها، قد أطلق عليه أسم “قانون عدم الاعتراف بالنقابات”، وبعد ذلك بعشر سنوات قامت الثورة وصدر القانون رقم 319 لسنة 1952 ليحل محل القانون السابق2 ،

ولا يعني تأخر التنظيم التشريعي للنقابات في مصر أنها لم تكن موجودة بقوة على أرض الواقع قبل عام 1942، فكما ذكرنا، بدأت الحركة النقابية المصرية منذ أواخر القرن التاسع عشر.

وبالرغم من القيود المعرقلة التي وجدت في القانون رقم 85 لسنة 1942 إلا أن الحياة النقابية بعد ثورة يوليو 1952 فرض عليها قيود أشد، فقبلها كانت هناك حركات مطلبية واسعة وإن كانت غير معترف بها قانونا إلا أنها في كثير من الأحيان كانت مؤثرة، ولكن بعد قيام الثورة كان النظام الثوري يتوجس خيفة من النقابات على اعتبار أنها يمكن أن تكون مصدر إزعاج له فعمد إلى احتوائها وجعلها جهازا تابعا للدولة وتم وضع قيود تضمن عدم تحرك الحركة النقابية بحرية، كما فرضت اتحادات النقابات قيادات مواليه للدولة مما جعل نشاط النقابات هشا ومحدودا.

وبعد صدور دستور 1971 وإقرار الوجود النقابي على أساس ديمقراطي ثم الأخذ بالتعددية الحزبية انتعشت الحركة النقابية المصرية وأدى هذا إلى تصادم مستمر بينها وبين السلطة، وقد استخدمت السلطة في هذا الصراع كافة الأسلحة لمحاولة إبعاد منافسيها لاسيما من التيار الإسلامي عن المواقع القيادية في النقابات المصرية فعمدت إلى اتخاذ كافة الوسائل التي تكفل عدم سقوط النقابات في يد القوى المعارضة لها. ووسط هذا الصراع الخاسر الوحيد هو العمال التي تلاشت مصالحهم في هذا الصراع ، وتوالت التشريعات النقابية إلى أن وصلت للقانون الحالي وهو القانون رقم 35 لسنة 1976 المعدل بالقانون 1 لسنة 1981 3 .

يوجد نوعان من النقابات، نقابات مهنية ونقابات عمالية ويفرق بينهم فيما يلي:
فالنقابات المهنية بحسب المبادئ الأساسية في القانون المصري عبارة عن أشخاص عامة أو مؤسسات عامة مهنية عهدت إليها الدولة باختصاصها الأصل في تنظيم شئون المهنة التي يمارسها الأفراد كمهنه حرة ويمنح المشرع هذه النقابات بقانون الشخصية القانونية وبعض السلطات العامة وبعض المزايا المالية التي تمكنها من تحقيق الغرض الأصلي من وجودها ويكون الانضمام إليها إجباري بقصد ضمان عدم ممارسة الأفراد للمهن الحرة التي تقوم عليها هذه النقابات على تنيمها بقصد حمايتها من الدخلاء عليها وحماية الحقوق المهنية لأعضائها ورفع المستوي المهني والعلمي والفني لهؤلاء الأعضاء.

أما النقابات العمالية فهي من أشخاص القانون الخاص ذلك أن الدولة لا تقوم بمنحها سلطات عامة كإرغام الأفراد على الانضمام إليها أو على البقاء إذ أن تكوين هذه النقابات يتعلق بإدارة مكونيها ويحكمها مبدأ حرية الانضمام والانسحاب وهي ليس قوامه على إدارة وتنظيم مهنة داخل المجتمع شأن النقابات المهنية فيقتصر دورها على الدفاع عن أعضائها وتطويرهم وحمايتهم والمساهمة في تحقيق بعض الخدمات لهم بجوار دورها القومي والوطني في الدفاع عن المصانع القومية والوطنية للمجتمع.4

أولاً: النقابات المهنية:
ليس للأفراد في مصر حرية تكوين النقابات المهنية وليس لأعضاء تلك النقابات حرية في وضع دساتير أو برامج هذه النقابات فالنقابات المهنية ولدت بأداة تشريعية في صنع السلطة التنفيذية التي تملك الأغلبية بالمجالس النيابية وبالتالي فإن قوانين كافة النقابات المهنية في مصر صدرت دون أن تكون معبرة تعبيراً كاملا في إرادة أعضاء هذه النقابات بقدر ما عبرت عن وجهة نظر السلطات التنفيذية في الوصايا على النقابات 5

وكنا نود أن تقدم نماذج من بعض قوانين النقابات المهنية ولكن ليس لهذا متسع في هذه الدراسة ولذا سنتعرض لقانون النقابات المهنية الموحد رقم 100 لسنه 1993 وقد صدر تحت مسمى ضمانات ديمقراطية التنظيمات النقابية المهنية المعدل بالقانون رقم 5 لسنه 1995:

جاء إصدار القانون 100 لسنة 1993 كجزء من الصراع بين الحكومة وجماعات التيار الإسلامي فمنذ نهاية عقد الثمانينات وتأثير التيار الديني متصاعداً على مختلف أوجه الحياة وكانت الدولة قد عقدت العزم على الدخول في حرب وصراع مع هذا التيار ونجحت الحكومة وتحت تأثير أجهزة أعلامها في جعل خروجها على القانون واستغلالها لسلطتها أسوأ استغلال أمر مقبول جماهيرياً صراعها مع هذا التيار الديني وقد كان إصدار القانون رقم 100 لسنة 1993 تحت زعم من الحكومة أنه جاء بهدف القضاء على ديكتاتورية الأقلية وقد كان لهذا القانون تجربة سابقة قبل ذلك بعامين6 وقد رفض ولكن الحكومة اختارت الوقت الصحيح لتمريرة في غمرة أحداث متصاعدة.

وأبرز ما وجه من انتقادات لهذا القانون:
أولاً: اشتراط القانون لصحة انتخاب النقيب وأعضاء مجلس النقابة العامة أو الفرعية تصويت 50% من عدد أعضاء الجمعية العمومية المقيدة أسماؤهم في جداول النقابة ممن لهم حق الانتخاب على الأقل (م 1/1) والمرة الثانية والثالثة بنسبة ثلث عدد الأعضاء (م 1/2،3)

وهذا يعنى أن تتم العملية الانتخابية ثلاث مرات مع طول مدة إجراءات الترشيح والدعاية والتي تؤدي إلى إنهاك المرشحين وأعضاء الجمعية العمومية بسبب طول المدة وتخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين وذلك لأن العملية الانتخابية ستفقد عملياً سريتها وبالتالي تفقد أهم خصائصها وبديل ذلك حل غير ديمقراطي هو أنه في حالة عدم اكتمال نصاب التصويت في المرات الثلاثة يعيين مجلس مؤقت للنقابة يحتم عناصر قضائية وأربعة أعضاء ممن لهم حق الانتخاب بحسب أُقدميتهم وتتولى اللجنة المؤقتة اتخاذ إجراءات الترشيح وانتخاب النقيب ومجلس النقابة خلال ستة أشهر وهذا الحل البديل 6 مخالف للمادة 56 من الدستور والتي تنص على “إنشاء نقابات واتحادات على أساس ديمقراطي حق يكفله القانون” وهو ما لا يحقق بوجود عناصر قضائية غير منتمية للنقابة والمشرع لم يتعرض لحالة من إذا لم يكتمل النصاب بعد مدة الستة أشهر وبهذا يكون المجلس المؤقت قد أصبح مجلس دائم

ثانياً: سريان هذا القانون على جميع النقابات المهنية برغم من اختلاف كل نقابة عن الأخرى فهناك نقابة مركزية مثل نقابة الصحفيين وهناك نقابات منتشرة أي لها فروع في كل أنحاء الجمهورية وهناك اختلاف في أعداد العضوية في النقابات بشكل كبير مما يجعل هناك حاجة لاختلاف قواعد انتخابات مجالس النقابات وفى حكم المحكمة الدستورية العليا رقم (15 لسنه 14 ق.د) تنص على “أ” ما قصد إليه الدستور بنصه في المادة 56 منه على أن إنشاء النقابات على أسا س ديمقراطي حق يكفله القانون هو ضمان حق أعضاء النقابة في صياغة أنظمتها وبرامجها وتنظيم إدارتها وأوجه نشاطها واختيار ممثليها في حرية تامة وتلك هي الديمقراطية النقابية التي تكفل حرية النقاش والحوار في أفاق مفتوحة تتكافأ الفرص من خلالها وتتعدد معها الآراء وتتماين داخل النقابة الواحدة” 7

وهناك كثير من المشكلات في مواد القانون ولكن قصدنا أن نتعرض لأهمها:
ويوجد بمصر 23 نقابة مهنية تتباين في تاريخ نشأتها وحجم عضويتها وشهدت النقابات المهنية في فترة نهاية التسعينات إلى نزاعات متعددة في أكثر من نقابة بين اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات والتي استحدثها القانون الجديد وبين مجالس النقابات ذات الأغلبية الإخوانية مما أدى إلى تكرار تأجيل الانتخابات في العديد من النقابات.

النقابات العمالية
وينظم النقابات العمالية أنشئها وتكوينها وكل ما يتعلق بها القانون 35 لسنه 1976 المعدل بالقانون رقم 1 والقرارات المنفذة والمكملة له وهو ما يمثل نوع من الوصاية والإشراف والتدخل من السلطات الإدارية على الحرية النقابية وعلى حق العمال في تشكيل التنظيم النقابي سواء حقها في وضع دساتيرها وأنظمتها وانتخاب ممثليها في حرية واستقلال برغم تقديم هذا القانون لبعض الإيجابيات مثل عدم أشتراطة للترشيح لعضوية الهيئات القيادية الحصول على شهادة عضوية الاتحاد الاشتراكي أو أ ى جهة أخرى واعترافه بالشخصية الاعتبارية الكاملة للتنظيم النقابي في جميع مستوياته ويفصل لأول مرة نشاط التنظيم النقابي عن قانون العمل وهذا لم يكن موجود في القانون 62 لسنه 1964 ولكن جاء بالقانون 35 لسنه 76 قيود كثيرة تؤخذ عليه.

أولاً: أبقى لوزارة العمل سلطة إصدار القرارات ولو بعد موافقة الاتحاد وهو أمر لا معنى له إذا كنا بصدد الحرية النقابية فإذا أراد العمال أصحب النقابة سن لائحة نظام لنقابتهم أو تقرير أوضاع لإدارتها ونفذت قيادتهم النقابية ذلك فإن الأمر يعد منتهيا ولكنها روج التسلط وعلاقة قديمة من تبعية الاتحاد للوزير ووصاية الوزارة على الاتحاد فمثلاً المادة 61: “يضع الاتحاد العام لنقابات العمال نظامها نموذجيا للمنظمات النقابية المختلفة، تتخذه هذه المنظمات أساساً لوضع لوائحها وتصدر هذه اللائحة النموذجية بقرار من الوزير المختص”8

وهناك العديد من مواد القانون على هذا المنول وأهم مادة تمثل وصاية وزارة العمل هي المادة الخاصة بالانتخابات النقابية فإن وزارة العمل تهيمن هيمنة مطلقة عليها وتتولى مباشرتها بالكامل تقريبا وهى المادة 41 “وتحدد مواعيد وإجراءات الترشيح والانتخابات لتشكيلات المنظمات النقابية بقرار من الوزير المختص بعد موافقة الاتحاد العام لنقابات العمال” في حين أن الحرية النقابية تقوم على أن تمارس النقابات انتخاباتها دون تدخل وتضمن القانون 35 بابا كاملا تحت عنوان “الرقابة على المنظمات النقابية” بدون أي فكرة عن أن هذا العنوان نفسه يخالف مبادئ الحرية النقابية9

ويتضمن هذا الباب الأشراف الكامل على المنظمة النقابية وأسوا مواد هذا الباب هي المادة 70 وتنص على أن للوزير المختص أن يطلب المحكمة الابتدائية الكائن بدائرتها مقر المنظمة النقابية الحكم بحق هذا القانون وإنذاره بإزالتها خلال مدة لا تقل عن خمسة عشر يوم دون أن ينفذ مجلس الإدارة ما طلب منه وللنيابة العامة أن تطلب من المحكمة الجنائية المختصة على مجلس إدارة المنظمة النقابية في حالة من بينها الترويج لمبادئ ترمى إلى تغير أحكام الدستور الأساسية للهيئة الاجتماعية بطريق غير مشروع أو التحريض على بغض طائفة من الطوائف أو التحريض على ترك العمل أو الامتناع عنه عمداً إذا كان يتعلق بخدمة عامة وفى مرفق عام 10

ويتضح من كل ما سبق أن القانون 35 لسنه 1976 وإن كان قد حرر النقابات من بعض صور الوصاية المباشرة لوزارة العمل فإنه أبقى على صور عديدة منها وجاء القانون 1 لسنه 1981 بتعديل بعض مواد القانون 35 لسنه 1976 .

ولم يأتي مغيراً للكثير ولكن جاء محققا لسياسة تركيز السلطات في الاتحاد أولا ثم النقابات العامة

ثانيا: وجاء هذا على حساب التنظيم القاعدي ونص على العديد من المواد التي تحقق هذا حتى أنه أصبح الواقع في ظل القانون يلغى الشخصية الاعتبارية للجنة النقابية أي أضعاف التنظيمات القاعدية .

وقد استخدم التعديل أيضاً استقلالية النقابات عن وزارة العمل وتتمثل ذلك في إلغاء حق الوزارة (مادة 61) في إصدار اللائحة النموذجية للمنظمات النقابية التي يعدها الاتحاد العام وتصدر بقرار من الوزير المختص والاكتفاء في التعديل بأن يعدها الاتحاد العام.

وجاء في تعديل المادة 32 بشأن تمثيل اللجنة النقابية من الجمعية العمومية للنقابة العامة بممثلين يختارهم مجلس إدارة اللجنة النقابية من بين أعضائها ليضاف إلى ذلك “والأعضاء الذين أتموا الدورتين السابقتين على الدورة الجديدة أعضاء بمجلس إدارة النقابة العامة”.

وجاء بالمشروع أن هذا التعديل الهدف منه الاحتفاظ بالخبرات النقابية التي قد تضطرها ظروف التفرع النقابي على مستوى النقابة العامة إلى البعد عن قواعدها باللجان النقابية، ويعنى هذا استمرار هؤلاء الأعضاء مدى الحياة بمجالس إدارات النقابات العامة .

ودفعت صفاقة هذا التيار الانتهازي الذي يتصرف كما لو كانت الحركة النقابية ملكا خاص مما جعل العديد من النقابين رأوا أنه يجب كبح جماح القيادات النقابية وذلك بإقامة التنظيم النقابي على أساس حرية العمل وتكوين وليس تطبيق القوانين النقابية.