مقال يوضح المبادئ الأساسية للمشروعية الدستورية
ان تحقيق مبدأ المشروعية الدستورية فى اى مجتمع هى من اكبر التحديات التى تواجهه وخصوصا فى المجتمع المنقسم على نفسه الى شيع وطوائف ومناطق وذلك لانه من جهة يفتقد الى مبدا الاجماع بين ابناء الشعب. ومن جهة اخرى محاولة بعض القوى السياسية فى ذاخل المجتمع وخارجه استغلال القضايا الخلافية التى تقود الى الفرقة اكثر من الاتحاد. وعليه فانه من الضرورى على كل شعب يريد ان يكتب دستور جديد (أو يريد اعادة صياغة دستوره القديم) ان يحاول فهم ووعى هذه المبدأ الشائك وذلك لانه شرط أساسى وجوهرى لبناء أى دوله عصرية متقدمة وعادلة. ولعل من أهم الاسئلة التى أرى ضرورة الاجابة عليها الاتى:
1. ماذا نعنى بمفهوم المشروعية الدستورية؟
2. ما هى أهم أنواع المشروعية الدستورية؟
3. ما هى أهم شروط المشروعية الدستورية؟
أولا: ماذا نعنى بمفهوم المشروعية الدستورية؟
الدستور هو القانون الاساسى الذى يؤسس شكل الدولة, ويبين نوع وأختصاصات سلطاتها, ويوزع السلطات بين مؤسساتها ويحدد سلطاتها, وحقوق وواجبات المواطنيها. وفى الحقيقة ان تعريف مفهوم المشروعية الدستورية يتوقف على مجموعة من العوامل لعل من أهمها المباذى التى أسست عليها الدولة, والاهذاف التى يسعى لتحقيقها الدستور, والبيئة التى خرجت منها هذة الوثيقة الدستورية.
وبمعنى أخر يمكننا القول بأن المشروعية الدستورية تتحقق عندما يحترم ويطيع كل أبناء الشعب هذة الوثيقة التى تقوم عليها الدولة, وعندما يتم أختيارالحاكم بالطرق المقبولة من الشعب, وعندما يكون الغرض الاساسى من هذة الوثيقة هو حماية حقوق الشعب وتقييد سلطات الحاكم.
ثانيأ: ما هى أهم أنواع المشروعية الدستورية؟
قد ثم استخدام هذا المفهوم لأغراض مختلفة وبمعانى عديدة. بعض هذة المفاهيم “مغلوط” مثل مفهوم مشروعية “الغالب” أو كما يحلو للبعض ان يسميها بالمشروعية “الثورية.” وهذا المفهوم مغلوط لأسباب عديدة لعل من أهمها ان الثورة الحقيقية ليست مجرد ادعاء كما هو الحال اليوم فى أغلب الدول وخصوصا العربية وانما هى مطلب وعمل جماهيرى وارادة شعبية. فمن المسلمات التى لا خلاف عليها انه لا ثورة بدون جماهير ولا حكم حقيقى للجماهير بدون دستور. بمعنى اخر ان الدولة التى لا يوجد بها دستور لا توجد بها ثورة. وعليه فالادعاء بان ما عرف بمفهوم “الثورة فوق كل شىء” هو مجرد ادعاء لا أساس له من الصحة. ولقد اعترف بخطاء هذا المفهوم كل العقلاء حتى الذين كانوا مؤمنين به. فعلى سبيل المثال يقول الاستاد أصلان عبد الكريم أحد الشيوعيين السوريين:”أنا شيوعى وسابقى حتى اشعار اخر. ومع ذلك أقول ان لينين قال:
ان الثورة فوق القانون وتلك هى المشكلة. لا أحد فوق القانون على الاطلاق لاالثورة ولا أى شىء اخر ممكن ان يوازى هذة المسألة.”(عبد الكريم, 2002)
وعيله يمكن القول بأن ولاية الغالب ليست أصلا من المشورعية الدستورية مهما كان هذا المتغلب وذلك لانها خروج على شرط التراضى. ولذلك أجاز فقهائنا الافاضل التخلص منها كلما كان ممكنا “… واذا جازت فانما تجوز كما يجوز أكل الميتة ولحم الخنزير اّذا ألحت الضرورة فى ذلك….”(جريشه, 1986).
وبعض هذة المفاهيم “ناقص” مثل مفهوم “المشروعية الدولية” فهى مشروعية ناقصة لأنها ترتكزعلى جانب واحد فقط الا وهو “الاعتراف الدولى بنظام الحكم فى دولة معينة واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.”
والنقص فى هذا النوع من المشروعية يكمن فى تجاهل الشروط والابعاد الاخرى للمشروعية الدستورية والتى لابد من توافرها لكى تتحقق المشروعية الدستورية الحقيقية. أن المشكلة الاساسية فى المشروعية الدولية هو محاولتها الفصل بين السياسات الخارجية (الدولية) والسياسات الداخلية (المحلية).
وبعض هذة المفاهيم يمكن أن نسميها مفاهيم “ميتة” مثل ما يعرف بمفهوم “المشورعية التاريخية” كما هو الحال اليوم فى الجزائر اذ يدعى أعضاء جبهة التحرير الجزائرى حقهم التاريخي فى حكم البلاد وذلك كاستحقاق لجهادهم ضذ الاستعمار الفرنسى..
والبعض الآخر من هذة المفاهيم هى المفاهيم “السليمة” مثل مفهوم “المشروعية الدستورية.” وهى تعنى هنا ببساطة ان كل القوانيين لابد ان تكون مقبولة من قبل الشعب ولكى تكون مقبولة لابد ان تكون وفقا للدستور. بمعنى ان كل قانون يجب ان يكون موضع احترام من الجميع — من السلطة التى أصدرته وحتى من الذين لايتفقون مع غرض أوهدف هذا القانون. وهذا ببساطة يعنى ايضا ان المشروعية الدستورية قد تكون نتاج مجموعة من العمليات الاجرائية التى تجعل الاوامر القانونية مقبولة حتى وان كانت غير عادلة او يعتقد البعض بانها غير مفيدة. بمعنى اخر ان وجود القانون ليس بالضرورة وجود العدل فعلى سبيل المثال هناك العديد من القوانين فى أمريكا اليوم يعتقد الكثير من الامريكيون أنها غيرعادلة ولكنهم يحترموها.
ثالتأ: ما هى أهم شروط المشروعية الدستورية؟
قد يسأل البعض عن ما هى شروط ومكونات المشروعية الدستورية وكيف يمكن ان نميز بينها وبين المشروعيات الآخرى؟ أو بمعنى اخر ماذا يجب ان تتكون منه المشروعية الدستورية؟ وفى هذا الصدد لابد من التاكيد على خمس شروط أو مكونات للمشروعية الدستورية والتى أرى ضرورة توفرها فى كل دستور لكى يكون مشروعا:
1. القبول:
ان الشرط الاول من شروط ومكونات المشروعية الدستورية هوشرط القبول. بمعنى ان المشروعية لا يمكن ان تكون افتراضية او مفروضة. وهى قبول وأحترام (وليس بالضرورة رضى) المواطنين بالسلطة والقانون. ان الدستور كغيره من العقود الاجتماعية يشترط موافقة كل المتعاقدين عليه لكى يكون مقبولا. والاصل فى الاسلام أر تصح ولاية المسلمين بغير القبول. وكل من يدرس سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم يجد انه حرص على هذا المبدا وقبل أن يلى أمور الدولة فى المدينة كانت هناك بيعة العقية الاولى وبيعة العقبة الثانية. وفى هذا الصدد يعلق الامام ابن تيميه على خلافة سيدنا أبو بكر قائلا:
“… والصديق صار إماما بمبايعة أهل القدرة … ولو قُدّر أن أبا بكر بايعه عمر وطائفه وأمتنع سائر الصحابة من بيعته لم يصر إماما لذلك. وإنما صار إماما بمبايعة جمهور الناس. ولهذا لم يضر تخلف سعد (يقصد سعد بن عبادة) لانه لم يقدح فى مقصود الولاية.”(وافى, ص100). ويؤكذ الامام أبو حامد الغزالى نفس المبدا عندما يقول تعليقا على نفس الحادتة: “… لو لم يبايع أبا بكر غير عمر, وبقى كافة الخلق مخالفين لما إنعقدت الامامة. فإن المقصود الذى طلبت له الامامة هو جمع شتات الآراء. ولا تقوم الشركة الا بموافقة الأكثرية.” (العربى, 1978). والحقيقة ان هذا الشرط هو من أهم الشروط والاكثر شيوعا لفكرة المشروعية الدستورية. وهذة الشرط ينبثق من الحقيقة التى يبدا بها كل دستور والتى تقول: “نحن أبتاء الشعب نوافق ونعتمد هذا الدستور ….” وهذا يعرف فى القانون الدستورى: “بمبذا موافقة المحكومين.” وقد رفض بعض علماء القانون الدستورى مثل البروفسور راندى بارنت (استاد القانون الدستورى بجامعة بوستن بالولايات المتحدة الامريكية) هذا النظرية وذلك لانها كما يقول نظرية تقوم على أسس مثالية لا يمكن تحقيقها على أرض الواقع (بارلت, 2001). والحقيقة التى لا جدال فيها ان أى نظام سياسى يريد التقدم لابد من أن يكتسب القبول والمصداقية من كل أبناء الشعب. ولكى يتحقق ذلك لابد من تحقيق الاجماع حول الثوابت الوطنية وعلى وجه التحديد حول ما يعرف بالوثيقة الدستورية كثابت أساسى من هذة الثوابت.
2. القانونية:
أما الشرط الثانى من شروط ومكونات المشروعية الدستورية فهو شرط “القانونية.” وهى تعنى التقيد بحرفية القوانين. والقوانين تعنى ببساطه مجموعة القواعد التى تنظم الروبط الاجتماعية والتى يجوز للدولة أن تحمل الناس قسرا على إتباعها وأن تنزل العقاب على مخالفيها (رضوان, ص3). والقانونية ليست بالضرورة تعنى المشروعية.
فالمشروعية الدستورية تعنى ضرورة ان تكون القواعد القانونية التى تسنها الحكومى متفقة مع أحكام الدستور وغير مخالفة له. وهى عبارة عن الرضا بالقرارات الحكومية فى الدولة مما يجعل أعمال وتصرفات الحكومة محترمة ومقبولة. وهذا التفريق بين هذين المبدأين قد يعنى من جهة ان الاعمال والقرارات التى يتخدها حاكم اونظام حكم فى دولة ما قد تكون قانونية دون ان تكون مشروعة. فعلى سبيل المثال الكثير من القرارات والقوانين التى أصدرها نظام الحكم فى ليبيا يمكن ان يطلق عليها صفة القانونية ولكن الاشكالية انها فوقية وتسلطية وتفتقد للمشروعية. ومن جهة أخرى هناك العديد من التصرفات التى يمكن أعتبارها مشروعة من قبل الجماهير ولكن قد لا تكون قانونية وفقا لقوانين الحكم فى ليبيا. فعلى سبيل المثال ان حق الشعب فى المعارضة السلمية هو عمل مشروع, وحقه فى التعبيرعن نفسه هو حق مشروع, وحقه فى قبول الراى الاخر أورفضه هو ايضا حق مشروع. كل هذة الاعمال وغيرها يمكن أعتبارها حقوق مشروعة فى نظر أغلب الجماهير حتى ولو جرمتها قوانين حكم القدافى. والحقيقة المحزنة هو غياب هذا الشرط الهام للمشروعية فى ليبيا بل وقد نقول فى كل الدول العربية اليوم. لقد أصبح الغرض الاساسى من القانون فى هذةالدول هو حماية الحكام بينما تجد الحكام قى الدول المتحضرة فى خدمة القانون.
3. الهرمية
أما الشرط الثالت من شروط ومكونات المشروعية الدستورية فهو شرط “الهرمية.” وهذا يعنى ببساطة انه لكى تتحقق المشروعية الدستورية لابد من ضرورة وجود التسلسل الهرمى للمشروعية. بمعنى لكى يكون نظام الحكم مقبولا ومحترما من قبل الحكام والمحكومين فى الوطن لابد ان تكون كل اعمال وسلوكيات الحكام والمحكومين فى هذا الوطن مقبولة ووفقا للآطر المتفق عليها مسبقا. وهذا باختصار يعنى اشتراط أولا ان تكون أعمال وسلوكيات الحكام والمحكومين قانونية, وثانيا ان تكون كل القوانين والاجراءات دستورية, وثالتا ان يكون الدستور مقبولا ومحترما من قبل كل أبناء الشعب. ولعل الرسم البيانى (1) يوضح ما أقصده بالتسلسل الهرمى للمشروعية.
4. الحريات العامة:
أما الشرط الرابع من شروط ومكونات المشروعية الدستورية فهو السماح لكل المواطنبن بممارسة حرياتهم فى حدود الدستور. والحقيقة ان كل العقلاء فى أى مجتمع يتفقون بأن الحماية والحفاظ على حريات المواطنين هى جوهر وأساس المشروعية الدستورية. وان نقطة البداية فى العملية الدستورية هى التاكيد على مبدا حق الانسان فى الاختيار. وذلك لان هذا الحق هو الركيزة الاساسية التى يجب الانطلاق منها. بمعنى قبل مناقشة الدستور يجب ان يتحقق لكل المواطنين حقهم فى أختيار نوع وافكار وهيكلية الدستور. وذلك لان حق الاختيار هو الحق الطبيعى والاساسى الذى لابد من توافره لتحقيق المشروعية فى أى دوله تريد أن تكون دستورية. فلا مواطتة بدون دستور ولا دستور حقيقى بدون اعطاء حق الاختيار لكل أبناء الشعب فى أختيار نوع الحكم الذين يريدون..
5. استقلالية القضاء:
أما الشرط الخامس والاخير من شروط ومكونات المشروعية الدستورية فهو شرط استقلالية القضاء. بمعنى وبأختصار شديد يمكن القول بأنه لا يمكن الحديت عن المشروعية الدستورية وعن مبذأ سيادة القانون وعن دولة المؤسسات وعن تحقيق الحريات العامة الا يوجود نظام حكم به قضاء مستقل ويؤمن بمبدا الفصل بين السلطات. وبمعنى أخر لكى تتحقق المشروعية الدستورية فى أى دوله لابد ان يطبق الدستور وأن تكتسب كل التصرفات والاقوال والافعال الصبغة القانونية. وبمعنى أخر ان أى تصرف أو ممارسة نخالف ما نص عليه الدستور يجب ان يحكم عليها بالبطلان وتفتقد مشروعيتها.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً