دراسة وبحث قانوني هام عن مكافحة الإرهاب في ضوء المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان
ـ هل يجب إرهاب الإرهابيين ؟
سؤال طرحه وزير داخلية فرنسا الأسبق فى عنفوان إشتداد التفجيرات الارهابية فى فرنسا وجاء الرد عليه فى الإعلان المتعلق بمسألة مكافحة الارهاب الوارد فى مرفق قرار مجلس الأمن رقم 1456 (2003) بتاريخ 20 يناير 2003 ، والذى أكد انه يتعين على الدول أن تكفل امتثال جميع التدابير المتخذة لمكافحة الإرهاب لجميع التزاماتها بموجب القانون الدولى ، وأن تتخذ هذه التدابير وفقاً للقانون الدولى ، ولا سيما القانون الدولى لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين الدولى والقانون الانسانى الدولى .
وقيل بحق أن الإرهابيين يهدفون من خلال نشاطهم الإجرامى الى تقويض أركان ” دولة القانون ” بكل ما تعنيه من مثل عليا تقوم على قيم العدالة والديمقراطية وإحترام حقوق الفرد وحرياته الأساسية ، وأنه لا يستقيم ان تسلك دولة القانون ذات المسلك الهمجى الذى تحترفه العناصر الارهابية فى انشطتها الاجرامية .
إشكالية التوفيق بين مكافحة الإرهاب واحترام المعايير الدولية لحماية حقوق الإنسان فى وثائق الأمم المتحدة
من المسلمات أن المجتمعات الديمقراطية مخولة أن تتخذ تدابير معينة ، ذات طبيعة وقائية أو رادعة لتحمى نفسها من التهديدات التى تمس مبادئها واستقرار نظامها الديمقراطى . وفى المقابل ، تكون السلطات التشريعية والقضائية والإدارية ملزمة قانوناً أن تراعى فيما تتخذه من تدابير مقتضيات حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية المبينة فى الصكوك النافذة فى أقاليمها .
وفى حكم شهير للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بتاريخ 4 يوليـو 1978 فى قضيـة ” كلاس” قضت بأن المجتمعات الديمقراطية ، باتت مهددة حالياً بأشكال معقدة من التجسس والإرهاب بما يجعل الدولة مضطرة لأن تراقب فى سرية العناصر الخطيرة العاملة على إقليمها بحيث تكون قادرة على التصدى بفعالية لهذه التهديدات …
ومن هنا ، تجد الأنظمة الديمقراطية نفسها مدفوعة لإتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة الظواهر الإجرامية المتنامية مع الحرص ، فى الآن ذاته ، على ألا تنطوى هذه التدابير على تقويض للديمقراطية بذريعة الدفاع عنها . فهى ليست طليقة اليد فيما تقرره من تدابير قسرية إنما يكون ذلك بقدر ما تقتضيه مكافحة الإرهاب من تدابير لتقييد الحقوق الفردية المكفولة دستورياً حيث يتعلق الأمر بضرورة التوفيق بين متطلبات الدفاع عن أمن المجتمع الديمقراطى وتلك المتعلقة بحماية الحقوق الفردية .
وإزاء التطور الراهن الذى اصطبغت معه حقوق الإنسان بطابع العالمية والتدويل فقد خضعت عملية التوفيق لقدر من الرقابة الدولية المتنامية .
ويجرى تعريف حقوق الإنسان بأنها امتيازات يحوزها شخص طبيعى فى علاقاته مع أشخاص آخرين أو مع السلطة ، وهى جملة حقوق تحكم حرية الإنسان وإزدهار شخصيته . وقد ذكر الأمين للأمم المتحدة فى تقريره المعنون ” نحو حرية أكثر شمولاً ” والمقدم فى عام 2005 ” أن الـدول ، قد أقـرت فى إعلان الألفية أنها لن تدخر أى جهد لتحسين الديمقراطيـة وتعزيـز دولة القانـون
وكذلك احترام كل حقوق الإنسان والحريات الأساسية المعترف بها على الصعيد الدولى . وبذلك تكون هذه الدول قد اعترفت بأنه لئن كان الحق فى الحياة بمنأى عن الحاجة والخوف أمراً أساسياً ، إلا أنه ليس كافياً ، فلكل إنسان الحق فى أن يعامل بكرامة وإحترام ” .
وقد ورد فى التقرير النهائى لنتائج القمة العالمية 2005 المنعقدة بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة فى نيويورك فى الفترة من 14 إلى 16 سبتمبر 2005 . (وثيقة 1 L . / 60/A ) التأكيد على أن ” قيمنا الأساسية المشتركة ، ومنها الحرية ، والمساواة ، والتضامن والتسامح ، وإحترام جميع حقوق الإنسان ، وإحترام الطبيعة ، والإشتراك فى المسؤولية ، هى قيم أساسية فى مجال العلاقات الدولية . ” ( بند 4) ، ويستطرد التقرير و ” يدين بشدة الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره أيا كان مرتكبوه ، وحيثما إرتكب ، وأيا كانت أغراضه ، إذ أنه يشكل تهديداً أخطر للسلام والأمن الدوليين ” ( بند 81 ) مع مراعاة ” أن التعاون الدولى من أجل مكافحة الإرهاب يجب أن يتم وفقاً لأحكام القانون الدولى ، بما فى ذلك الميثاق والإتفاقيات والبروتوكولات الدولية ذات الصلة . ويتعين على الدول ضمان إمتثال أى تدابير تتخذ لمكافحة الإرهاب لإلتزاماتها بموجب القانون الدولى،لاسيما قانون حقوق الإنسان وقانون اللاجئين والقانون الإنسانى الدولى ” . ( بند 85 ) . وأضاف التقرير فى البند 89 منه على ” أهمية مساعدة ضحايا الإرهاب وتقديم الدعم لهم ولأسرهم كى يواجهوا خسائرهم ويتحملوا مصابهم ” .
وكانت أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 فى الولايات المتحدة الأمريكية وما تلاها من اعتداءات إرهابية فى أنحاء متفرقة فى العالم كاشفة للخطورة المتنامية للإرهاب الدولى حتى بات يهدد استقرار المجتمعات ويخل بالسلم والأمن الدوليين . من ثم ، فإن الجماعة الدولية مجتمعة فى مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك توافقت على إدانة الإرهاب بكافة صوره لما يمثله من تهديد لإنطوائه على مساس جسيم بحقوق الإنسان وبالأخص الحق فى الحياة ، مع التأكيد فى الآن ذاته ، على وجوب صون منظومة حقوق الإنسان فى عملية الملاحقة الجنائية للعناصر الإرهابية .
ومن قبل استشراء التهديدات الإرهابية وإتخاذها بعداً دولياً بعد أن كانت ذات طابع محلى أو إقليمى ، شكلت الأنشطة الاجرامية هاجساً ملحاً لدى المجتمع الدولى عبّر عنه خلال المؤتمر العالمى الأولى لحقوق الانسان الذى عقد فى مدينة فيينا فى عام 1993 .
ونصت الفقرة 17 من الفرع الأول من اعلان وبرنامج عمل فيينا الذى إعتمده المؤتمر العالمى لحقوق الإنسان فى 25 يونيه 1993 على أن ” أعمال وأساليب وممارسات الإرهاب بجميع أشكاله ومظاهره هى أنشطة تهدف إلى تقويض حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية وتهدد السلامة الإقليمية للدول وأمنها وتزعزع استقرار الحكومات المشكلة بصورة مشروعة ، وأنه ينبغى للمجتمع الدولى أن يتخذ الخطوات اللازمة لتعزيز التعاون من أجل منع الإرهاب ومكافحته”.
وتجدر ملاحظة أن التنديد بخطورة الارهاب على نحو ما جاء فى ” إعلان وبرنامج فيينا ” لعام 1993 وما قد يستتبعه من شرعية إتخاذ تدابير مقيدة للحقوق والحريات الأساسية يتفق وما سجلته صكوك دولية سابقة لعل من أبرزها الإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التى تعد ، بحق ، مرآة صادقة لأسمى القواعد التى اعتمدتها الأنظمة الديمقراطية فى دفاعها عن حقوق الإنسان وحرياته الأساسية مع مراعاة مقتضيات حماية الأنظمة الديمقراطية القائمة فى بلدانها .
فقد حظرت المادة 17 من الإتفاقية على أية جماعة أو فرد أن يقوم بنشاط أو عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات المقررة فى الإتفاقية ، وإتخذ هذا النص ركيزة لإضفاء الشرعية على عدد من التدابير التى اتخذتها بعض الدول الأوروبية والمقيدة للحقوق والحريات فى خضم معركتها ضد الأحزاب والحركات الشيوعية وجماعات اليمين المتطرف على حد سواء .
وإزاء استشراء الخطر الإرهابى فى الحقبة الراهنة وأفول الصراع الإيديولوجى فى زمن القطب الأوحد ، تتخذ المادة 17 أساساً لتسويغ العديد من التدابير المقيدة للحقوق والحريات والتى تضمنتها تشريعات مكافحة الإرهاب التى صدرت فى العديد من الدول الأوروبية غداة أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001 فى الولايات المتحدة الأمريكية وما أعقبها من حوادث ارهابية فى مدريد ولندن وأنحاء متفرقة أخرى من العالم .
ويأتى ما تضمنه تقرير القمة العالمية 2005 فى ذات سياق ما سبق أن سجلته قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولى ومن أبرز هذه القرارات ما يلى :
أولاً _ على صعيد قرارات الجمعية العامة :
بتاريخ 28 يناير 2006 صدر قرار الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة رقم 60/158 بشأن “حماية حقوق الانسان والحريات الأساسية فى سياق مكافحة الإرهاب” (وثيقة A/RES/60/158) أعادت فيه التذكير بعدد من القرارات السابقة ذات العلاقة وهى أرقام 48/141 بتاريخ 20ديسمبر 1993 و 57/219 بتاريخ 18 ديسمبر 2002 ، و 58/187 بتاريخ 22 ديسمبر 2003 ، و 59/191 بتاريخ 20 ديسمبر 2004 ، وقرارات لجنة حقوق الانسان 2003/68 بتاريخ 25 ابريل 2003 و 2004 / 87 بتاريخ 21 ابريل 2004 ، و 2005/80 بتاريخ 21 ابريل 2005 .
وأكدت الجمعية العامة فى هذا القرار “إدانتها القاطعة لجميع أعمال الارهاب وأساليبه وممارساته ، بجميع أشكالها ومظاهرها ، أينما إرتكبت وأيا كان مرتكبوها ، بصرف النظر عن دوافعهم ، بوصفها أعمالاً إجرامية ولا مبرر لها” وقرنت ذلك بالتأكيد على أنه “يتعين على الدول أن تكفل إمتثال أية تدابير تتخذها لمكافحة الإرهاب لإلتزاماتها بموجب القانون الدولى ، ولا سيما القانون الدولى لحقوق الانسان وقانون اللاجئين الدولى والقانونى الانسانى الدولى ” .
وبتاريخ 9 ديسمبر 1994 أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 49/60 بشأن الإعلان المتعلق بالتدابير الرامية الى القضاء على الارهاب والذى شجعت فيه الدول على أن تستعرض على وجه السرعة نطاق الأحكام القانونية الدولية القائمة بشأن منع الإرهاب بجميع أشكاله وقمعه والقضاء عليه بهدف ضمان وجود إطار قانونى شامل يغطى جميع جوانب المسألة .
وعادت الجمعية العامة لتأكيد الضوابط المتقدمة فى قراراها الرقيم 60/43 بتاريخ 6 يناير 2006 والمعنون ” التدابير الرامية الى القضاء على الإرهاب الدولى ” فذكرت فى ديباجة القرار وفى بنده الثالث على واجب الدول ” فى أن تكفل تقيد اى تدابير تتخذها لمكافحة الإرهاب بجميع التزاماتها بموجب القانون الدولى ، وأن تتخذ تلك التدابير وفقاً للقانون الدولى ولاسيما القانون الدولى لحقوق الإنسان والقانون الدولى للاجئين والقانون الانسانى الدولى ” .
وجـاء فى قرار الجمعية العامة الرقيـم 57/219 بتاريـخ 27/2/2003 التأكيد على ” تشجيع الدول على أن تأخذ فى إعتبارها قرارات ومقررات الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان فى سياق مكافحة الارهاب ، وتشجعها على النظر فى التوصيات المتمثلة فى الإجراءات والآليات الخاصة للجنة حقوق الإنسان وفى التعليقات والآراء ذات الصلة الصادرة عن الهيئات المنشأة بموجب معاهدات الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ” . وكلفت الجمعية العامة كلاً من المفوض السامى لحقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة بأن يتابعا التزام الدول بتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية فى سياق إتخاذ الإجراءات الرامية إلى مكافحة الارهاب .
وطلبت الجمعية العامة من المفوض السامى متابعة تنفيذ توصياتها وإعداد دراسة ” تراعى وجهات نظر الدول بشأن مدى قدرة الإجراءات الخاصة لحقوق الإنسان وهيئات رصد معاهدات حقوق الإنسان فى إطار ولاياتها القائمة ، على معالجة توافق التدابير الوطنية لمكافحة الإرهاب مع التزامات حقوق الإنسان الدولية فى عملها ، لكى تنظر فيها الدول من أجل تدعيم تعزيز حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحمايتها فى سياق مكافحة الإرهاب فيما يتعلق بالآليات المؤسسية الدولية لحقوق الإنسان ” .
وتكرر المعنى ذاته فى قرارات مجلس الأمن أرقام : 1456 لسنة 2003 والقرار 1535 (2004) بتاريخ 26/3/2004 والقرار 1566 (2004) بتاريخ 8/10/2004 والقرار 1624 ( 2005) الصادر بتاريخ 14/9/2005 .
الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب :
بتاريخ 27 ابريل 2006 قدم الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً الى الجمعية العامة عنوانه “الاتحاد فى مواجهة الارهاب : توصيات لاستراتيجية عالمية لمكافحة الإرهاب” ذكر فيه أن استراتيجية الأمم المتحدة فى مكافحة الإرهاب تقوم على خمسة أركان حاصلها ما يلى : إقتناع الناس بعدم اللجوء الى الارهاب أو دعمه ، حرمان الإرهابيين من وسائل القيام بهجوم ، ردع الدول التى تدعم الإرهاب ، تطوير قدرات الدول على دحر الإرهاب ، والدفاع عن حقوق الانسان” . وعرضت هذه الاستراتيجية على الجمعية العامة للأمم المتحدة وإعتمدتها بتاريخ 6 سبتمبر 2006 ، وإعتمدت “خطة عمل” تناولت أركان هذه الاستراتيجية وأكدت بالنسبة للمحور المتعلق بـ “التدابير الرامية الى ضمان إحترام حقوق الانسان للجميع وسيادة القانون بوصفه الركيزة الأساسية لمكافحة الإرهاب” على عدد من الخطوات من أهمها :
– التأكيد مجدداً على أنه يتعين على الدول أن تكفل فى أية تدابير تتخذها لمكافحة الإرهاب الوفاء بالالتزامات المنوطة بها بموجب القانون الدولى ، لا سيما قانون حقوق الانسان وقانون اللاجئين والقانون الانسانى الدولى .
– النظر فى الانضمام دون إبطاء الى الصكوك الدولية الأساسية المتعلقة بقانون حقوق الانسان وقانون اللاجئين والقانون الانسانى الدولى وتنفيذها ، فضلاً عن النظر فى قبول إختصاص هيئات رصد حقوق الانسان الدولية والإقليمية المعنية .
– تشجيع سيادة القانون وإحترام حقوق الإنسان وإنشاء نظم عدالة جنائية تتسم بالفاعلية،تشكل الركيزة الأساسية للمعركة المشتركة ضد الإرهاب . (وثيقة A/60/825 ووثيقة A/60/l.62) .
مسعى الدول للتوفيق بين مقتضيات مكافحة الإرهاب وكفالة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية :
قدمنا انه فى إطار المجتمعات الديمقراطية يكون لكل إنسان الحق فى الحرية ويكون له بالقدر ذاته الحق فى الأمن . ومن المتعين العمل على كفالة التمتع بهذين الحقين فى جميع الظروف دون النظر اليهما على أنهما متعارضان . ويتحقق ذلك فى اطار الضوابط التى يضعها المشرع على نحو يضمن تفعيل هذين الحقين بما يكفل أن ينعم المجتمع بالأمن والحرية بشكل متوازن .
وهكذا تواجه الأنظمة الديمقراطية تحدياً مزدوجاً : يأتى التحدى الأول من الإرهاب،فيكون مطلوباً منها أن ترد على الإرهاب دون هوادة ،وفى الآن ذاته دون أن تنحرف عن قيمها الليبرالية فتتحول بدورها إلى نوع من إرهاب سلطة الدولة .
فمن اللازم أن يتطابق دفاعها عن نظامها السياسى والمبادئ القانونية والسياسية التى يرتفع صرحها فوقها ، وأن يكون استخدام القوة منضبطاً دون أن يتجاوز حدوداً معينة تمثل حدود الديمقراطية ذاتها . ويستتبع ذلك أن يستند التدبير الذى تتخذه سلطات الدولة لمكافحة الإرهاب إلى ركيزة قانونية ، وتكون القيود التى ترد على حقوق الإنسان محددة بأكبر قدر ممكن وضرورية ومتناسبة مع الهدف المنشود .
فالديمقراطية تقوم على مفهوم للحرية السياسية يشكل الضمانات الدنيا لدولة القانون ، ويقوم على الاحترام الكامل لبعض المبادئ القانونية الأساسية مثل قرينة البراءة وبموجبها لا يجوز ادانة أحد ما لم يثبت إذنابه ، وشخصية الجرائم والعقوبات ، وعدم رجعية القانون الجنائى ، وعدالة المحاكمة بحيث يكون مكفولاً حق الشخص فى أن يبدى دفاعه أمام قضاء منصف فى علانية وفى أجل معقول . الأمر الذى يستتبع رفض الممارسات القائمة على الحبس الإحتياطى الممتد لآجال طويلة واستبعاد كل أشكال المعاملة القاسية وغير الانسانية أو المهينة أى كافة أشكال التعذيب ، وكفالة حرية الدفاع بكل متطلباتها .
وفى هذا المعنى ذكرت المحكمة الدستورية العليا فى جمهورية مصر العربية ” أن خضوع الدولة للقانون محدد على ضوء مفهوم الديمقراطية طبقاً للمواد ( 1و3و4و65 ) من الدستور مرتبطة، مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق التى يعتبر التسليم بها فى الدول الديمقراطية مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية ، وضمانة أساسية لصون حقوق الإنسان وحرياته وكرامته وشخصيته المتكاملة ، يندرج تحتها طائفة من الحقوق تعتبر وثيقة الصلة بالحرية الشخصية التى كفلها الدستور فى المادة 41(منه) واعتبرها من الحقوق الطبيعية التى لا تمس ، من بينها ألا تكون العقوبة الجنائية التى توقعها الدولة بتشريعاتها مهينة فى ذاتها وممعنة فى قسوتها أو منطوية على تقييد الحرية الشخصية بغير انتهاج الوسائل القانونية السليمة المتضمنة معاقبة الشخص مرتين عن فعل واحد .
( حكم 4 يناير 1992، ق رقم 22لسنة 8ق) .
ضرورة كفالة حـق التقاضى :
من المقرر ان التقاضى حق مصون ومكفول للناس كافة وهو مبدأ دستورى أصيل فى الدول الديمقراطية ، وهو من الحقوق العامة التى كفلت الدساتير المساواة بين المواطنين فيها ، وأن حرمان طائفة معينة من هذا الحق مع تحقق مناطه ينطوى على إهدار لمبدأ المساواة بينهم وبين غيرهم من المواطنين الذين لم يحرموا هذا الحق ” فالقضاء هو دعامة الدولة القانونية من خلال استقلاله وحصانته لتكون القاعدة القانونية محوراً لكل تنظيم وحداً لكل سلطة ورادعاً لكل عدوان . ” ( حكم محكمة دستورية عليا فى 4 يناير 1992 ، ق رقم 22 لسنة 8 ق ) ” .
الاستثناء المتصل بظروف مكافحة الإرهاب
مع التسليم بالضوابط المتقدمة ، من المقرر فى الدول الديمقراطية أنه إذا تمت مكافحة الإرهاب فى ظروف حرب أو خطر عام يهدد حياة الأمة فللدولة أن تتخذ من جانبها تدابير تنتقص مؤقتا بعض الالتزامات المترتبة على الصكوك الدولية المتعلقة بحماية الإنسان ، وذلك بالقدر الذى تتطلبه مواجهة الأوضاع القائمة وفى إطار الحدود والشروط التى يقتضيها القانون الدولى . وتخطر الدولة بهذه التدابير السلطات المختصة وفقاً للصكوك الدولية ذات العلاقة .
نصت على هذه القاعدة المادة الرابعة من العهد الدولى الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذى إعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16 ديسمبر 1966 ودخل حيز النفاذ إعتباراً من23 مارس 1976 .
ومع ذلك لا يجوز للدول، فى جميع الأحوال وأيا كان مسلك الشخص المشتبه بارتكاب أنشطة إرهابية ، أو أدين بارتكابها ، أن تنتهك الحق فى الحياة على النحو المنصوص عليه فى الصكوك الدولية أو حظر التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية أو المهينة ، أو مبدأ شرعية التدابير والعقوبات ، ومبدأ حظر رجعية النصوص القانونية الجنائية . (المادة الرابعة فقرة ثانية من العهد الدولى ).
وتتم مراجعة هذه الاستثناءات من التزامات الصكوك الدولية بصورة دورية لإنهاء العمل بها متى زالت الظروف المبررة لإتخاذها .
وقد تسنى للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن تحدد المقاييس التى يسوغ الاستناد إليها للتذرع بوجود ” أخطار عامة تهدد حياة الأمة”. وأصدرت المحكمة حكماً بجلسة 26 مايو 1993 فى قضية مرفوعة ضد المملكة المتحدة من Brannigan & Mc.Bride . أقرت فيه المحكمة للدولة بسلطة تقديرية واسعة لتحديد مدى تناسب التدابير المخالفة للإتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والخطر الارهابى القائم . وذكرت المحكمة انه بالنسبة لتحديد طبيعة الوسائل الأكثر مناسبة لمواجهة الأزمة القائمة ، فلا يكون للمحكمة ان تستبدل رأيها برأى الحكومة المسئولة مباشرة عن إقامة التوازن بين اتخاذ التدابير الفعالة لمكافحة الإرهاب من جانب ، واحترام الحقوق الفردية من جانب آخر ” .
واستندت المحكمة الى المادة 15 من الاتفاقية الأوروبية التى تجيز للدول الأطراف أن تخرق الالتزامات المنصوص عليها فى الاتفاقية ” فى حالة الحرب أو فى حالة الخطر العام الذى يهدد حياة الأمـة ” .
وأكدت المحكمة على أن المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية تكرس إحدى القيم الإساسية للمجتمعات الديمقراطية حتى عند التصدى لأشد الظروف خطورة مثل مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة . فالاتفاقية تحظر بصورة قاطعة التعذيب والعقوبـات أو المعاملة غير الإنسانية أو المهينـة . ولا تنص المادة الثالثة على أية استثناءات حتى فى حالة الخطر العام الذى يهدد حياة الأمة ( حكم لابيتا ضد ايطاليا ، جلسة 6/4/2000 ، وسلمونى ضد فرنسا ، 28/7/1999 ) .
ومع تسليم المحكمة بالسلطة التقديرية الواسعة المقررة للدول للقول بتناسب التدابير المتخذة مع الخطر الذى تجرى مواجهته ، الاّ أنها تقرر لنفسها سلطة التحقق من مدى استيفاء الشروط المبينة فى المادة 15 من الاتفاقية الأوروبية لممارستها للحق الاستثنائى فى عدم التقيد بالالتزامات الواردة فى الاتفاقية .
فوفقاً لما ذكرته المحكمة ، ” تكون السلطات الوطنية بحكم اتصالها المباشر والدائم مع الحقائق الراهنة الملحة أكثر قدرة من القاضى الدولى على الفصل فى توافر ” الخطر العام ” الذى يهدد الأمة وطبيعته ومدى المخالفات الضرورية لمواجهته . “
(حكم دعوى ايرلندا ضد المملكة المتحدة فى 18/1/1978) . ومع ذلك ” لا تكون سلطة الدول مطلقة فى هذا المجال . وتكون المحكمة مختصة بأن تقرر ، بوجه خاص ، ما إذا كانت هذه الدول قد
تجاوزت ” المقياس الدقيق لمقتضيات الأزمة ” . وحين تمارس المحكمة هذا الاختصاص ” يكون عليها أن تعطى الوزن المناسب للعوامل ذات العلاقة مثل طبيعة الحقوق التى تم المساس بها ، ومدة حالة الطوارئ والظروف التى ولدتها ” . ( حكم صادر بجلسة 26/5/1993 فى قضية Brannigan,Mc.Bride ضد المملكة المتحدة ) .
وفى المعنى ذاته تجدر مراعاة الملحوظة العامة الرقيمة 29 للجنة حقوق الإنسان بمنظمة الأمم المتحدة التى تم اعتمادها بتاريخ 24 يوليو 2001 بشأن المادة الرابعة من العهد الدولى المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية ( 16/12/1966) ، وهى ترمى إلى تقييد المخالفات المصرح بها لأحكام العهد ولو تمت فى ظروف استثنائية .
وفى السياق ذاته يشار إلى أن المبادئ الديمقراطية لدولة القانون تستبعد وجود أى قضاء استثنائى أو تشريع طوارئ ، ذلك أنه ” لا يجوز أن يكون العمل القضائى موطناً لشبهة تداخل مجردة ، وتثير ظلالاً قاتمة حول حيدته ، فلا يطمئن إليه متقاضون استرابوا فيه بعد أن صار نائيا عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية “(حكم دستورية عليا 15/6/1996 ، ق رقم 34 لسنة 16ق ) .
وقد أرست المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الضوابط المقررة لقياس حيدة المحكمة واستقلالها ، وتقول أنه يجب النظر إلى أسلوب اختيار أعضاء المحكمة ومدة ولايتهم ومدى وجود حماية ضد الضغوط الخارجية ومدى توافر مظهر الاستقلال من عدمه … أما شرط ” الحيدة ” فيتحقق بالنظر إلى أمرين : من جانب ، محاولة تحديد مدى القناعة الشخصية للقاضى فى مثل هذه المناسبة ، والثانى ، فحص مدى توافر الضمانات الكافية فيه لاستبعاد كل شك مشروع فى هذا الخصوص … فليس من مهمة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن تفحص بصورة مجردة مدى ضرورة إنشاء محاكم خاصة فى أى بلد طرف والممارسة الجارية أمامها ، وإنما عليها أن تفحص ما إذا كانت الممارسة أمامها تمس حق الطاعن فى عدالة المحاكمة .. وفى هذا الخصوص ، تنعقد للمظاهر أهمية خاصة . فالأمر يتعلق بالثقة التى يتعين أن توحيها المحاكم فى مجتمع ديمقراطى للمتقاضين وللمتهمين فى المجال الجنائى .. وللفصل فى مدى توافر سبب مشروع للشك فى افتقار رئيس المحكمة إلى الاستقلال أو الحيدة ، تكون لوجهة نظر المتهم أهميتها دون أن يكون لها دور حاسم . ويتحصل العنصر الحاسم فى معرفة ما إذا كانت لهواجس الشخص المعنى ما يساندها بشكل موضوعى .. وتعطى المحكمة أهمية لواقعة أن شخصاً مدنياً يمكن أن يمثل أمام محكمة مشكلة ، ولو جزئياً ، من عسكريين . ويترتب على ذلك أن الطاعن يحق له أن يخشى من أن مشاركة قاض عسكرى فى هيئة تشكيل المحكمة من شأنه ان يجعل المحكمة تتأثر باعتبارات أجنبية عن طبيعة القضية المنظـورة …
{ راجع على سبيل : أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان فى قضية “Findlay” ضد المملكة المتحدة ، ( حكم صادر بجلسة 25/2/1998 ) والحكم فى قضية “Goutrin” وآخرين ضد فرنسا ( حكم صادر بجلسة 25/5/1998) والحكم الصادر فى قضية “Hauschildt ” ضد الدانمرك ، (حكم صادر بجلسة 24/5/1989) وقضية “Jncal” ضد تركيا ، ( حكم صادر بجلسة 96/1998) . }
ومع ذلك قضت المحكمة الدستورية العليا فى جمهورية مصر العربية بأن “محاكم أمن الدولة العليا المشكلة وفقاً لقانون الطوارئ رقم 163 لسنة 1958 هى جهة قضاء اقتضى إنشاؤها قيام حالة الطوارئ وما يقترن بها من ظروف استثنائية . ومن بين ما تختص به الفصل فى كافة التظلمات والطعون من الأوامر الصادرة بالقبض او الاعتقال وفقاً لقانون حالة الطوارئ” .
وأن التظلم من الاعتقال يشكل “خصومة قضائية ” تدور بين السلطة التنفيذية وبين المعتقل، أو غيره ، الذى يتظلم من أمر الاعتقال على أساس عدم مشروعية أو انتفاء المبرر للإشتباه فى المعتقل أو عدم توافر الدلائل على خطورته على الأمن والنظام العام . وقد كفل المشرع للمعتقل عند نظر تظلمه أمام محاكم امن الدولة العليا طوارئ ضمانات التقاضى من إبداء دفاعه وسماع أقواله . وأن التظلم من أمر الاعتقال يعتبر ” تظلما قضائياً ” أسند اختصاص الفصل فيه الى جهة قضاء وفقاً لما تقضى به المادة 71 من الدستور . والقـرار الذى تصـدره محكمة أمن الدولة العليا “طوارئ” فى هذا التظلم يعتبر ” قراراً قضائياً ” نافذاً بعد استنفاذ طريق الطعن او إعادة النظر فيه” . (حكم محكمة دستورية عليا فى 16 يونيو 1984، ق رقم 55 لسنة 5 ق ) .
ويلاحظ أن محكمة العدل الأوروبية بلوكسمبورج قد سايرت هذا التوجه المنطوى على الكثير من المرونة فى تقييمها لإجراءات الطعن فى القرارات الصادرة من لجنة الجزاءات المشكلة اعمالاً لقرارى مجلس الأمن رقمى 1267/1999 و1333/2000 بشأن تجميد الأصول والموارد المالية للعناصر المنتمية لحركة طالبان وتنظيم القاعدة . وآية ذلك أنه : إعمالا لقرارى مجلس الأمن آنفى الذكر والصادرين نفاذاً للفصل السابع من الميثاق اتخذ مجلس الاتحاد الاوروبى عدة قرارات تقضى بتجميد الأصول المالية الخاصة بأشخاص وهيئات مرتبطة بتنظيم القاعدة وحركة طالبان . وطعن مواطن سويدى من أصل صومالى ومؤسسة تعرف بأسم البركة ضد قرارات مجلس الأمن ومفوضية الاتحاد الاوروبى سالفة الذكر والتى انطوت على تجميد اصولهما المالية .
وبنى الطعن على انتهاك هذه القرارات لحقوق الطاعنين المقررة بالصكوك الدولية والأوروبية لحقوق الإنسان وبالأخص المساس بحق الملكية دون أن تتاح لهما فرصة إبداء دفاعهما .
وقد رأت محكمة العدل الأوروبية فى حكمها الصادر بجلسة 21 سبتمبر 2005 أن قرارات مجلس الأمن الصادرة إعمالا للفصل السابع من الميثاق والمتضمنة النص على تدابير لمكافحة الإرهاب ترتب على الدول أعضاء المنظمة العالمية التزامات تعلو أية التزامات مستمدة من صكوك أوفى من ميثاق الأمم المتحدة ، وأن القرارات الصادرة من لجنة الجزاءات قابلة للمراجعة بمعرفة اللجنة وفقاً للقواعد التوجيهية الصادرة من مجلس الأمن فى هذا الخصوص الأمر الذى ينتفى معه القول بانتهاك حق الدفاع المقرر للطاعنين فضلا عن أن التدبير الصادر يقضى بتجميد الأصول دون مصادرتها بما لا يستقيم معه القول بأن مساساً بحق الملكية قد وقع ضد الطاعنين .
وغنى عن التعليق مدى التسامح من جانب محكمة العدل الأوروبية إزاء القرارات الصادرة عن مجلس الأمن فى مجال مكافحة الإرهاب ، وتخليها عن سلطتها فى فحص شرعية تلك القرارات فضلاً عن التخلى عن الضوابط الدقيقة المقررة لفحص الانتهاكات المحتملة لحقوق الإنسان المقررة فى الاتفاقية الأوروبية وغيرها من الصكوك الدولية ذات الصلة .
ضوابط صلاحيات سلطات الدولة فى مكافحة الارهاب :
من المقرر ، كقاعدة عامة ، أن سلطة الدولة فى مواجهة حرية من الحريات تقف عند حدود الصكوك القانونية المنظمة لها ولا يرخص لها بتجاوز أحكامها .والأصل أن السلطة العامة مقيدة بعدم الخروج عن الغرض المستهدف من أية نصوص تنظم الحريات و الحقوق و إلا شاب البطلان الإجراء الذى اتخذته السلطة متى تجاوز الغرض الذى نص عليه الصك القانونى .
توكيداً لما تقدم ، حكم بأن سيادة القانون هى ركيزة الحريات والحقوق ، وهى أيضا معيار للتمييز بين الدولة البوليسية والدولة الديمقراطية . وقالت المحكمة الدستورية العليا فى جمهورية مصر العربية ، “أن الدولة القانونية هى التى تتقيد فى كافة مظاهر نشاطها وأياً كانت طبيعة سلطاتها بقواعد قانونية تعلو عليها وتكون بذاتها ضابطاً لأعمالها وتصرفاتها فى أشكالها المختلفة ،وتتوافر فيها لكل مواطن الضمانة الدولية حماية حقوقه وحرياته” . ( حكم محكمة دستورية عليا فى 4 يناير 1992، ق رقم 22 لسنة 8 ق ) .
وفى المعنى ذاته أكد ” شوبيل” خلال رياسته لمحكمة العدل الدولية ، فى خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 26/10/1999 التزام المحكمة العمل من أجل تكوين مجتمع دولى منظم ومبنى على احترام القانون وان المحكمة ” تكافح من اجل حقوق الإنسان التى لا يمكن ان تتحقق الا فى إطار أنظمة قانونية تعمل على الأصعدة المحلية والوطنية والدولية ” .
وبالمثل أصدر مجلس وزراء مجلس أوروبا فى يوليو 2002 ” قواعد إرشادية حول حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب” ، وهى تؤكد التزام الدول بأن تحمى كل فرد من الإرهاب وتنص على حظر التدابير التحكمية ، ووجوب أن يتدثر كل تدبير لمكافحة الإرهاب بالشرعية بالإضافة إلى الحظر المطلق للتعذيب .
وترسم هذه الخطوط التوجيهية الإطار القانونى لجمع المعلومات ذات الطابع الشخصى وكيفية التعامل معها ، والتدابير المنطوية على التدخل فى الحياة الخاصة ، والقبض والاحتجاز والحبس الاحتياطي ، والإجراءات القضائية وتسليم المجرمين وتعويض الضحايا .
وفيما رأى المجلس الاوروبى ، إن الرد على التهديد الارهابى يجب ألا يمس القيم والمبادئ التى تسعى المجتمعات الديمقراطية الى الحفاظ عليها ، ويجب ألا تقوض على أى نحو حماية حقوق الإنسان وتقدمها .
وصدرت عن المجلس الاوروبى عدة صكوك تتوخى هذا الهدف ، من ذلك ” القواعد الارشادية بشأن حماية ضحايا الأعمال الإرهابية ” (2005) ، و”إعلان بشأن حرية التعبير والإعلام فى وسائل الإعلام فى إطار مكافحة الإرهاب ” (2005 ) ، و”توصية بشأن السياسة العامة فى مجال التشريع الوطنى لمكافحة العنصرية مع مكافحة الإرهاب ” (2004 ) .
وتم تعديل الاتفاقية الأوروبية لمكافحة الإرهاب الموقعة فى ستراسبورج فى 1977، وفتح باب الانضمام إلى هذا التعديل فى 15 مايو 2003 ومن ابرز ما تضمنه النص على إمكانية رفض تسليم المجرمين لبلاد يتعرض فيها الأفراد لاحتمال توقيع عقوبة الإعدام ، أو التعذيب أو السجن مدى الحياة دون إمكانية الإفراج الشرطى .
وأعقب ذلك إبرام اتفاقية المجلس الاوروبى بشأن منع الإرهاب والتى فتح باب التوقيع عليها فى 16 مايو 2005 و هدفت إلى سد بعض الثغرات فى مجال القانون الدولى والصكوك الصادرة بشأن مكافحة الإرهاب. وقد تضمنت هذه الإتفاقية عدداً من النصوص المتعلقة بحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية سواء بالنسبة لتعزيز التعاون على الصعيدين الوطنى والدولى بما فى ذلك أسباب رفض تسليم المجرمين والتعاون القضائى ، أو بالنسبة لتأثيم أفعال جديدة بشروط وضمانات معينة .
وينعقد الإجماع على إدانة الإرهاب لمساسه بصورة جسيمة بحقوق الإنسان وتهديده للديمقراطية ويهدف الى زعزعة استقرار الحكومات المشكلة بطريقة شرعية . ومع إدراك خطورة التهديدات التى ينطوى عليها الإرهاب، إلا انه يجرى التأكيد على انه من الضرورى مكافحـته فى إطار حقوق الإنسان وسيادة القانون واحترام القانون الدولى الانسانى حيث يكون هذا القانون واجب التطبيق . ويتطلب ذلك احترام الصكوك الدولية المعنية بحماية حقوق الإنسان والصكوك الإقليمية والسوابق القضائية التى أرستها محاكم حقوق الإنسان .
ومقتضى القواعد المتقدمة وجوب التعامل مع العناصر الإرهابية فى إطار احترام حقوق الإنسان ومبدأ سيادة القانون واستبعاد كل معاملة تمييزية أو عنصرية وخضوع هذه التدابير لرقابة مناسبة .
ويستتبع ما تقدم وجوب أن يكون كل تدبير تتخذه الدول لمكافحة الإرهاب مستنداً إلى ركيزة قانونية ، وحين ينطوى التدبير على تقييد لحقوق الإنسان ، فمن المتعين ان تحدد هذه القيود بشكل دقيق بقدر الامكان وان تكون ضرورية ومتناسبة مع الهدف المنشود .
ويتواكب مع هذه القواعد حظر التعذيب . أو اللجوء إلى العقوبات أو المعاملة غير الإنسانية أو المهينة ، فى كافة الظروف سواء عند إلقاء القبض أو الاستجواب أو احتجاز الشخص المشتبه فى ارتكابه أعمال إرهابية أيا كانت الأفعال المنسوب إليه ارتكابها . فوفقاً لما استقر عليه قضاء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ” لا تنال طبيعة الجريمة مبنى حكم الإدانة من الحظر المفروض على ممارسة التعذيب أو ما شابهه من معاملة قاسية أو غير أدمية ” .
وقد أصدرت لجنة مناهضة التعذيب المعنية بمراقبة اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من أشكال المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللانسانية أو المهينة قراراً فى 24 مايو 2005 فى بلاغ مقدم اليها ضد حكومة السويد بشأن ضوابط حماية حقوق الإنسان وحرياته عند اتخاذ إجراءات مكافحة الإرهاب . وقضت اللجنة بأنه يمتنع على الدول الأطراف فى اتفاقية مناهضة التعذيب تسليم أو ترحيل أى شخص لدولة حيث توجد أسباب موضوعية للإعتقاد بأنه سيكون فى خطر التعرض للتعذيب، ويتم تقييم مدى توافر هذه الأسباب الموضوعية فى الوقت الذى يتم فيه التسليم أو الترحيل . ويعد مؤشراً على توفر هذه الأسباب الموضوعية وجود اتجاه عام فى الدولة التى سيرحل إليها هذا الشخص نحو ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان أو أن تكون التقارير الدولية قد رصـدت حصـول ذلك التعذيب فيها بشكـل مستمر وواسع النطـاق .
وانه لا يمكن التعويل على التعهدات الدبلوماسية التى تقدم بحسن المعاملة وعدم التعرض للتعذيب ما لم تقترن هذه التعهدات بآلية لمراقبة تنفيذها .
ويخضع الحصول على معلومات ذات طابع شخصى لضوابط تكفل عدم المساس بحرمة الحياة الخاصة للأفراد أن تكون هذه الإجراءات منصوصاً عليها تشريعياً ومتناسبة مع الهدف من جمع هذه المعلومات ، وخاضعة لرقابة سلطة مستقلة خلاف تلك التى مارست الإجراء.
ويشترط فى التدابير المنطوية على مساس بالحياة الخاصة ، مثل التفتيش والتنصت ورقابة المراسلات وبث المرشدين أن تكون هذه التدابير منصوصاً عليها قانوناً وخاضعة لرقابة قضائية .
ويكون استخدام الأسلحة النارية فى أضيق نطاق وبما يتناسب مع حماية الغير من العنف غير المشروع او إذعانا لضرورات إجراء القبض القانونى .
ويكون استيقاف الأشخاص مستنداً إلى أسباب وجيهة يبلغ بها الشخص المعنى ، مع مراعاة مثوله أمام القضاء خلال فترة احتجاز معقولة يحددها القانون . ويكون للشخص المحتجز الحق فى الطعن فى قرار احتجازه أمام القضاء ويكون تفتيش مكان احتجازه خاضعاً لتفتيش الجهات القضائية للتحقق من شرعية احتجازه .
ضوابط التحقق من هوية الأشخاص .
فى إطار التحرى عن مرتكبى الجرائم الإرهابية ينظم قانون الإجراءات الجنائية الأحوال التى يجوز فيها إستيقاف الأشخاص للتحقق من هويتهم ، ويحدد أعضاء الضبطية القضائية المخولين هذه السلطة . وكان المجلس الدستورى الفرنسى قد تعرض فى قراره الصادر فى 5 اغسطس 1993 لأهمية التناسب بين ضرورات النظام العام وحماية الحرية الفردية ورأى ” أن ممارسة التحقق من الهوية بصورة معمة وتحكمية أمر يتنافى واحترام الحرية الفردية ” ومن ثم يخضع التحقق من الهوية لشروط خاصة حاصلها ما يلى :
– توافر شكوك حيال ارتكاب شخص لجناية أو جنحة .
– أن يكون قد صدر قرار كتابى من عضو الادعاء العام بحثاً عن مرتكب الجريمة يحدد شروط الزمان والمكان .
– صدور القرار حيال شخص ما بهدف منع المساس بالنظام العام وبناء على أسباب محددة .
– وخلص المجلس الدستورى الفرنسى الى شرعية التحقق من هوية الأشخاص فى ” المناطق التى تنطوى ، بحسب طبيعتها ومساحتها ، على مخاطر خاصة تنبئ بوقوع جرائم أو مساس بالنظام العام وتكون متصلة بالانتقال الدولى للأشخاص ” .
وفى حكم شهير أصدرته المحكمة الاوروبية لحقوق الإنسان فى 30/8/1990 Fox, Campbell et Hartley c. Royaume – uni تناولت فيه الأسباب الوجيهة المسوغة للقبض على المشتبه بارتكابهم جرائم ارهابية وذكرت ان المقصود بذلك وجود وقائع او معلومات من شأنها اقناع الباحث الموضوعى بأن الشخص المعنى قد ارتكب الجريمة . وذكرت المحكمة ان الإجرام الارهابى يندرج فى طائفة خاصة . فإزاء مخاطر الآلام او فقدان الحياة الناجمة عن الجرائم الإرهابية ، تكون الشرطة مطالبة بأن تتدخل بسرعة فائقة وأن تعتمد على مرشدين سريين دون ان تستطيع ان تفصح عن مصدر المعلومات الأمر الذى لا تستقيم معه مطالبة سلطات الدولة بالكشف عن المصادر السرية لمعلوماتها ، وإنما يكون من المتعين على هذه السلطات أن تكشف للمحكمة عن بعض الوقائع او المعلومات الكفيلة باقناعها بتوافر أسباب معقولة للشك فى ان الشخص المقبوض عليه قد ارتكب الجريمة المنسوبة إليـه .
ويكون للمتهم بارتكاب أنشطة إرهابية الحق فى أن يحاكم بصورة عادلة وفى اجل مناسب بمعرفة محكمة مستقلة ومحايدة ومنشأة بموجب قانون ويتمتع المتهم بقرينة البراءة .
ويجوز ان يرد على حق الدفاع عن المتهم بعض القيود المتصلة باتصالاته بمحاميه أو جواز الإطلاع على ملف القضية واللجوء إلى شهادة شهود لايفصح عن هويتهم . على ان تكون هذه القيود بالقدر الذى يتناسب مع الهدف المنشود ، وأن تتقرر للمتهم تدابير تعويضية كفيلة بحماية مصالحه توخيا لعدالة المحاكمة وحتى لا تفرغ حقوق الدفاع من مضمونها .
ويتعين أن تكون العقوبات الصادرة ضد المحكوم عليه منصوصاً عليها قانوناً وقت ارتكاب الأفعال ، فلا يجوز تغليظ العقوبة بأثر رجعى . ويكون تنفيذ العقوبة السالبة للحرية بما يتفق واحترام كرامة الإنسان ، وان كان ذلك لا يخل بإمكانية أن تفرض تدابير خاصة على المحكوم عليهم بارتكاب جرائم إرهابية ، مراعاة لخطورتهم الجنائية ، مثل وضع ضوابط لمراقبة الرسائل التى تصل إليهم وأماكن الاحتجاز التى يودعون فيها بحيث تراعى درجة خطورتهم .
و في مجال “تسليم المجرمين”، من المقرر في الدول التي ألغت عقوبة الإعدام أن طلب التسيلم يكون مرفوضاً متى كان تشريع الدولة الطالبة يجيز عقوبة الإعدام للأفعال مبنى طلب التسليم ورفضت الدولة الطالبة تقديم ضمانات بعدم توقيع هذه العقوبة على الشخص الذى يتم تسليمه ، أو أن الشخص سوف يتعرض للتعذيب أو لعقوبات غير إنسانية و مهينة ، و من قبيل ذلك عقوبة السجن مدى الحياة و غير القابلة للإفراج الشرطى .
ووفقاً للقرار الصادر من لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة فى 24/ 5/ 2005 يتعين أن تخضع قرارات الترحيل أو الإبعاد التى تتخذ لإمكانية الطعن فيها أمام جهة طعن محايدة و ومستقلة و فعالة لمراقبة مدى مراعاة هذه القرارات للالتزامات الدولية المتعلقة بحماية حقوق الإنسان و حرياته الأساسية .
ضوابط عدم الانحراف فى استخدام كاميرات الرقابة المرئية .
يلاحظ ان التشريعات الحديثة لمكافحة الإرهاب تنهج نهجاً وقائياً للحيلولة دون وقوع أفعال إرهابية . ومن الوسائل المستخدمة فى هذا الخصوص التوسع فى تركيب كاميرات الرقابة المرئية فى الأماكن العامة والمنشآت التى يتردد عليها الجمهور ، وبوجه عام فى الأماكن المحتمل ان ترتكب فيها أفعال إرهابية ، ودرءاً لإحتمالات اساءة استخدام هذه الرخصة المصرح بها تشريعيـا ( مثال ذلك المادة 10 من القانون 95-73 لسنة 1995 بشأن التوجيه والبرمجة فى مجال الأمن فى فرنسا ) يتضمن التشريع قيودا على تركيب هذه الكاميرات من ذلك تحديد المسوغات القانونية التى يرخص فيها بذلك ، ووضع ضوابط للأماكن الجائز تصويرها والالتزام بتنبيه المارة إلى وجود الكاميرات وتحديد حد زمنى أقصى للإحتفاظ بالصور الملتقطة ، وحق كل شخص فى الإطلاع عليها وتقرير جزاءات على عدم احترام هذه الضوابط …
ويشار مثلاً الى أن المملكة المتحدة تستخدم حاليا نحو اربعة ملايين كاميرا تخطط لزيادة العدد الى 25 مليون كاميرا فى 2007 .
تنظيم ممارسة الحقوق و الحريات فى ظروف مكافحة الإرهاب:
تسنى للمجلس الدستورى الفرنسى أن يعرض لطبيعة الخطر الذى تمثله الأنشطة الإرهابية و مدى صحة اعتباره ظرفاً استثنائيا يندرج فى نطاق الظروف الاستثنائية التى يتم التصدى لها بتشريعات خاصة مثل قانون الطوارئ . و قد استقر الرأى على ان نظام مكافحة الإرهاب هو نظام “خاص” يراعى خصائص النشاط الإرهابى ، لكنه لا يندرج ضمن إطار قانون الطوارئ ، ومن ثم فإن القواعد المنظمة لتدخل السلطات فى مكافحة الأنشطة الإرهابية تندرج فى المنظومة العامة للنظام الجنائى العادى و إن انطوت على بعض القواعد الخاصة غير المألوفة فى التنظيم العام .
و أصدر المجلس الدستورى الفرنسى قراراً بتاريخ 3 سبتمبر 1986 يقضى بأن “إنشاء محكمة جنايات خاصة دون مشاركة من محلفين شعبيين للفصل الجرائم الإرهابية لا ينطوى على إخلال بمبدأ المساواة أمام القانون طالما كان المشرع مخولاً دستورياً فى أن يرسم قواعد للإجراءات الجنائية متمايزة تبعاً للأحداث و المراكز و الأشخاص الذين تسرى عليهم و طالما كانت هذه الفروق لا تنبع من اعتبارات تمييزية غير مبررة ، و كانت الضمانات المتساوية مكفولة للمتقاضين بالأخص ما تعلق منها باحترام مبدأ حقوق الدفاع” و قاعدة ” شرعية الجرائم و العقوبات” و “عدم رجعية نص التأثيم الجنائى” .
و بالمثل صوت البرلمان البريطانى فى يوليو 1973 على قانون للطوارئ يسرى فقط فى أيرلندا الشمالية و يتيح تشكيل محاكم جنايات بدون محلفين شعبيين باعتبار أن الجيش الجمهورى الايرلندى يبث الخوف لدى المحلفين ، ثم امتد سريان هذا القانون إلى باقى المملكة المتحدة بعد أن تعددت الإعتداءات التى ارتكبها أعضاء الجيش الجمهورى الإيرلندى و استفحل الخطر الارهابى.
و على ذلك ، فلئن انطوت المنظومة التشريعية لمكافحة الإرهاب على بعض الاستثناءات من الشريعة العامة ، إلا أن هذا الاستثناء يجد تبريره ، حسبما ذهب المجلس الدستورى الفرنسى ، ” فى الطابع الخاص للإرهاب ” .
فى ضوء ما تقدم ، فإنه من المقرر فى فرنسا مثلاً ، أن سن تشريع ينطوى على بعض الخروج على المنظومة التشريعية العادية دون الإخلال بمبادئ دولة القانون يسمح للدولة أن تتجنب اتخاذ تدابير استثنائية لمواجهة تهديد طارئ.
و فى المعنى ذاته ، ذكرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن مكافحة الإرهاب بفاعلية تتطلب قدراً من المرونة فى التعامل مع ضمانات عدالة المحاكمة . من ذلك التسليم بالحفاظ على سرية شخصية الشهود حرصاً على حياتهم أو أمنهم أو حرياتهم ، و رقابة المراسلات بين المتهم المحبوس و محاميه فى بعض الظروف بالرغم من أن سرية المراسلة بين السجين و محاميه تعد حقاً أساسياً للفرد و تمس حقوق الدفاع مباشرة . ومن ثم ، يكون الخروج على هذا المبدأ مصرحاً به فى أحوال استثنائية و محاطاً بالضمانات المناسبة ضد التجاوزات.
(حكم إردم ضد المانيا ، جلسة 5/ 7/ 2001 ) .
وفى السياق ذاته يستفاد من تقرير اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان فى 16/12/1982 فى قضيـة ” كروشيير ومولر ” ضد سويسرا ان اللجنة الأوروبية قد وازنت بين متطلبات مكافحة الإرهاب ، وصور المعاملة القاسية وغير الإنسانية المحظورة بموجب المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان لعام 1950 .
وكان قد تم القبض على هذين الشخصين المتهمين بالانتساب لمنظمة ” الشعبة المسلحة الحمراء ” بالقرب من الحدود الفرنسية السويسرية بتاريخ 20/12/1977 بعد تبادل إطلاق النار بينهما وبين حرس الجمارك . وكانت المدعوة ” جبرائيل كروشير ” متهمة بصفة خاصة بالاشتراك فى الأعمال الإرهابية التى وقعت فى فيينا فى عام 1976 اثناء انعقاد مؤتمر الدول المصدرة للنفط .
وقد فحصت اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان أوضاع احتجاز المتهمين فى السجن السويسرى الكائن على مقربة من العاصمة ” برن ” ومدى احتجازهما بشكل انفرادى لا تبرره اعتبارات الامن . ورأت اللجنة أن هناك اعتبارين يجب مراعاتهما بالنسبة لظروف الاحتجاز ، يتصل الاول بالظروف الخاصة بقضية هذين الشخصين وهى تتعلق بخطر الارهاب الآخذ فى التنامى فى خريف عام 1977 ، ويتصل الثانى بالهدف من الاحتجاز الانفرادى وهو امر يتعلق بالامن ويبرره ” الطابع الخطير ” للسجينين والذى أكده انتماؤهما الى جماعات ارهابية ومقاومتهما المسلحة لرجال الجمارك فضلاً عن اشتراكهما فى الماضى فى أنشطة ارهابية .
وخلص الباحثون الى القول بأن اعتبار ” الخطر الارهابى” قد سيطر على فحص لجنة حقوق الإنسان للطعن المقدم والمتعلق بانتهاك احكام المادة الثالثة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ، وانتهت اللجنة إلى أن الالآم المادية والمعنوية المفروضة على الطاعنين لم تكن ” تستهدف معاقبتهما أو تقويض شخصيتهما أو تحطيم مقاومتهما ” ومن ثم ينتفى عنصر النية المبيتة لإحداث الآلام بالطاعنين
وتوافق الفكر السياسى والفكر القانونى مدعماً بأحكام القضاء ،فى مجال التوفيق بين مقتضيات صيانة أمن الدولة العليا وحماية حريات الأفراد على بلورة ” قيدين ضابطين متلازمين ” ، وهما ضرورة عدم تعطيل ممارسة الحرية إلا بالقدر الضرورى الذى يسمح للحاكمين بمواجهة الأخطار المحدقة بسلامة الدولة ، والثانى هو ضرورة خضوع ممارسة السلطات الاستثنائية المخولة بموجب تشريعات خاصة إلى سلطة الإدارة لرقابة السلطتين التشريعية والقضائية على أن تكفل لهذه الرقابة فعاليتها وإستمراريتها حتى لا تظل ممارسة الحريات مقيدة دون وجه حق .
حقوق ضحايا الإرهاب :
فى الختام يتعين التنبيه إلى أن الحديث عن حماية حقوق الإنسان فى إطار مكافحة الإرهاب ، يجب ألا ينصرف إلى حقوق الملاحقين جنائياً عن ارتكاب أفعال إرهابية وحدها ، وإنما ينصرف كذلك إلى حقوق ضحايا الإرهاب ، وقد سنـّت دول عديدة تشريعات لتعويض ضحايا الإرهاب وذويهم . وتنص الصكوك الدولية على وجوب كفالة هذه الحقوق ، وأن هناك التزاماً يقع على الدول بتوفير هذه التعويضات .
من ذلك ما تنص عليه المادة الثانية من الإتفاقية الأوروبية بشأن تعويض ضحايا الجرائم العنيفة الموقعة فى ستراسبورج فى 24 نوفمبر 1983 وتقضى بأنه
” 1- حين يتعذر صرف التعويض بالكامل من موارد أخرى ، تكون الدولة ملزمة بتعويض :
أ- من لحقت بهم أضرار جسيمة فى أجسادهم أو صحتهم ناشئة مباشرة من جريمة عمدية عنيفة .
ب – من كان يعولهم الشخص المتوفى من جراء هذه الجريمة .
2- يصرف التعويض المشار إليه فى الفقرة السابقة حتى ولو تعذرت ملاحقة أو معاقبة مرتكب الفعل . ”
من جانب آخر ، تنص المادة الثامنة فقرة رابعة من إتفاقية الأمم المتحدة بشأن قمع تمويل الإرهاب الموقعة فى نيويورك فى 8 ديسمبر 1999 على أن ” كل دولة طرف تعمل على إنشاء آليات تهدف إلى تخصيص مبالغ نابعة من المصادر المبينة فى هذه المادة لتعويض ضحايا الجرائم المشار إليها فقرة أولى ، البند ( أ ) أو (ب) أو ذويهم ” .
تناولت خطة العمل المرفقة بالاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب التى إعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 6 ديسمبر 2006 فى المحور الأول المتعلق بـ “التدابير الرامية الى معالجة الظروف المؤدية الى إنتشار الإرهاب” النص على ” وضع أنظمة وطنية لتقديم مساعدة تلبى إحتياجات ضحايا الإرهاب وأسرهم ، وتيسر إعادة حياتهم الى مجراها الطبيعى . وفى هذا الصدد نشجع الدول على أن تطلب من الأجهزة المختصة التابعة للأمم المتحدة مساعدتها فى إقامة أنظمة وطنية من هذا القبيل ” . (وثيقة A/60/L.62)
اترك تعليقاً