بحث ودراسة موجزة لقانون الجمعيات الجديد
اعداد
شادي عبد الكريم
المحامي بالمنظمة المصرية لحقوق الانسان
مقدمـه
منذ بداية الخليقة و قد أيقن الإنسان أن الله سبحانه و تعالى قد انعم عليه بنعمه العقل و ميزه بذلك عن سائر المخلوقات.
وقد تمكن الإنسان من بناء حضاراته عن طريق خبراته المتراكمة من عصر لأخر و كذلك الاستفادة من أخطاء الماضي.
و نستطيع أن نقول و بحق إن تقدم دول و تخلف أخرى يرجع إلى مدى استفادة تلك الدول _ المتقدمة_ من أخطاء الماضي و خبراته.
إلا إن المشرع المصري قد ضرب بكل ما ذكرناه عرض الحائط ، و أكد في إصرارٍ _ يحسد عليه _ على رغبته في تكرار أخطاءه و كأنه يستمتع بذلك.!!!
فما كدنا ننتهي من قانون الجمعيات رقم 153لــ1999 م و الذي قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته و أشارت في حكمها إلى العوار الدستوري الذي اعترى القانون .
إلا إن المشرع المصري كعادته تجاهل أحكام المحاكم المصرية و أعاد إلينا القانون رقم 153 لكن تحت مسمى جديد آلا وهو القانون رقم 84 لـ 2002 م .
و تعمد المشرع تجاهل المبادئ التي أوردتها المحكمة الدستورية في حكمها بعدم دستوريه القانون رقم 153 لسنه 1999 م . و تمسك بما قالته المحكمة بعدم دستوريه القانون سالف الذكر لعدم عرضه على مجلس الشورى قبل أن يقرة مجلس الشعب و تناسى ما ذكرته المحكمة من أن القانون ملئ بالعوار الدستوري إلا أن عدم عرض القانون على مجلس الشورى يقضي بعدم دستوريه القانون برمته .
و من خلال دراستنا المتواضعة هذه سنحاول أن نتعرض لمثالب القانون رقم 84 لـ2002 م و إلى أي حدٍ يتعارض مع ما قررته المحكمة الدستورية من مبادئ و كذلك مبادئ الدستور المصري و المواثيق و الاتفاقيات و المعاهدات الدولية المصدقة عليها مصر.
و سيتم تقسيم دراستنا هذه كالتالي
أولا :- المبادئ الدستورية التي أقرتها المحكمة الدستورية
ثانيا :- مثالب القانون رقم 84 لــ2002 م
===========================
أولا :- المبادئ الدستورية التي أقرتها المحكمة الدستورية
المبدأ الاول
حق الفرد في تكوين الجمعيات هو حق اصيل لا يجوز ان يوضع من القيود علي ممارسة هذا الحق و حيث ان المواثيق الدولية قد اهتمت بالنص علي هذا الحق من خلال م ( 20 ) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان و م ( 22/2 ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية و التي حظرت من ان يوضع من القيود علي ممارسة هذا الحق . و جرت كذلك الدساتير المصرية المتعاقبة _ ابتداء من دستور سنة 1923 و انتهاء بالدستور الحالي _ علي كفالة الحق في تأليف الجمعيات و هو ما نصت علية المادة 55 من دستور سنة 1971 بقولها ” للمواطنين حق تكوين الجمعيات علي الوجة المبين في القانون ……”
المبدأ الثاني
اكدت المحكمة علي ان الدستور قد حرص علي ان يفرض علي السلطة التشريعية و التنفيذية من القيود ما ارتأه كفيلاً بصون الحقوق و الحريات العامة – و في الصدارة منها حرية الاجتماع – كي لا تقتحم احداهما المنطقة التي يحميها الحق او الحرية او تتدخل معها بما يحول دون ممارستها بطريقة فعالة ، و كان تطوير هذة الحقوق و الحريات و إنماؤها لإرساء مفاهيمها الدولية بين الأمم المتحضرة مطلباً أساسيا توكيداً لقيمتها الاجتماعية . و تقديراً لدورها في مجال إشباع المصالح الحيوية و قد واكب هذا السعي و عززة بروز دور المجتمع المدني و منظماته من أحزاب و جمعيات أهلية و نقابات مهنية و عمالية – في مجال العمل الجماعي .
المبدأ الثالث
و أكدت المحكمة ايضاً ان منظمات المجتمع المدني هي واسطة العقد بين الفرد و الدولة إذ هي الكفيلة بالارتقاء بشخصية الفرد عن طريق بث الوعي و نشر المعرفه و من ثم تربية المواطنين علي ثقافة الديمقراطية و التوافق في اطار من حوار حر بناء و تعبئة الجهود الفردية و الجماعية لاحداث مزيد من التنمية الاجتماعية و الاقتصادية و التأثير في السياسات العامة و تعميق مفهوم التضامن الاجتماعي و مساعده الحكومة عن طريق الخبرات المبذولة .
المبدأ الرابع
قررت المحكمة ان حق المواطنين في تكوين الجمعيات الأهلية هو فرع من حرية الاجتماع ، و ان هذا الحق بتعين ان يتمحض تصرفاً ارادياً حراً لا تتداخل فية الجهة الادارية بل يستقل عنها ، و من ثم تنحل هذه الحرية الي قاعده اولية تمنحها بعض الدول – و من بينها جمهورية مصر العربية – قيم دستورية في ذاتها لتكفل لكل ذي شأن حق الانضمام الي الجمعية التي يري انها اقدر علي التعبير عن مصالحة و أهدافة ، ليكون عضواً فيها و ما هذا الحق الا جرء لا يتجزأ عن حريتة الشخصية ، التي أعلي الدستور قدرها فاعتبرها – بنص م 41 – من الحقوق الطبيعية و كفل صونها و عدم المساس بها و لم يجز الاخلال بها من خلال تنظيمها .
المبدأ الخامس
ان ضمان الدستور – بنص م 47 – لحرية التعبير عن الاراء و التمكين من عرضها و نشرها بكاقة طرق التعبير قد تقرر بوصفها الحرية الاصل التي لا يتم الحوار المفتوح الا في نطاقها و بدونها تفقد حرية الاجتماع مغزاها و لا تكون لها من فائدة . و بها يكون الافراد احراراً لايتهبيون موقفاًً و لا يترددون وجلاً و لا ينصفون لغير الحق طريقاً و ذلك ان ما توخاه الدستور من خلال ضمان حرية التعبير هو التماس الاراء و الافكار و تلقيها من الغير و نقلها اليهم غير مقيد بالحدود الاقليمية علي اختلافها بل ان حرية التعبير ابلغ ما نكون اثرا في مجال اتصالها بالشئون العامة و عرض اوضاعها تبيانا لنواحي التقصير فيها ، فقد أراد الدستور بضمانها أن يضمن مفاهيمها علي مظاهر الحياة بما يحول السلطة العامة و فرض حمايتها مع العقل العام ، و من المقرر كذلك ان حرية التعبير و تفاعل الاراء التي تتولد عنها ، لا يجوز تقيدها بأغلال تعوق ممارستها . و حيث ان حق الاجتماع – سواء كان حقاً اصيلاً بإفتراض من ان حرية التعبير تشتمل علية باعتبارة لاهم قنواتها محققاً من خلالة اهدافها – اكثر ما يكون اتصالاً بحرية عرض الاراء و تداولها كلما كون اشخاص يؤيدون موقفاً أو اتجاها معيناً جمعية تحتويهم يوظفون من خلالها خبراتهم و يطرحون امالهم و يعرضون فيها كذلك مصاعبهم ليكون هذا التجمع المنظم صورة حية لشكل من اشكال التفكير الجماعي و كان الحق في انشاء الجمعيات – سواء كان الغرض منها اقتصادياً او ثقافياً او اجتماعياً او غير ذلك – لا يعدو ان يكون عملاً اختيارياً يرمي بالوسائل السلمية الي تكوين اطار يعبرون فية عن مواقفهم و توجهاتهم .
و من ثم فان حق الاجتماع يتداخل مع حرية التعبير مكون لاحد عناصر الحرية الشخصية التي لا يجوز تقيدها بغير اتباع الوسائل الموضوعية و الاجراءية التي يتطلبها الدستور او يكفلها القانون لازما اقتضاء حتي و لم يرد بشأنة نص في الدستور
و علي ضوء ما سلف بيانه يعد حق المواطنين في تأليف الجمعيات الاهلية و ما يستصحبة – لزوماً – بما سلف بيانة من حقوقهم و حرياتهم العامة الاخري ، هي اصول دستورية ثابتة ، و قد قررت المحكمة ان القضاء بعدم دستورية القانون برمتة يكون متعيناً و ذلك دون الحاجة الي الخوض فيما اتصل ببعض نصوصة من عوار دستوري موضوعي باستلابه ألا نزعة الإدارية الناشئة عنه من مجلس الدولة الذي اختصة الدستور بولاية الفصل فيها باعتباره قاضيها الطبيعي .
تلك هي المبادئ التي أرستها المحكمة الدستورية حينما أجهزت على القانون رقم 153 لـ1999 م . و كانت المحكمة تأمل آن ذاك ان يستنير بها المشرع أثناء إعداده للقانون الجمعيات الجديد .
الا ان المشرع لم يكتفي بأهمال تلك المبادئ و حسب بل انه قد اتى بذات القيود و اذاد عليها و كأنه أراد ان يعاقب المجتمع المدني في مصر لجرائته على الزج بالقانون 153 لـ 1999 م لساحات المحاكم .
مثالب القانون رقم 84 لسنة 2002 م
احتفظ القانون رقم 84 لسنة 2002 م بذات البنود الواردة# بالقانون رقم 153 لسنة 1999 م فيما يتعلق بتسجيل الجمعيات و تمويلها و تدخل الجهات الادارية و الاذن الانضمام الي جمعيات و منظمات اجنبية ووصولاً الي العقوبات السالبة للحرية ، و التي تتنافي مع مفهوم العمل الاهلي التطوعي .
و من خلال متابعتنا للقانون رقم 84 لسنة 2002 م سنجد انه قد خالف المبادئ التي اقررتها المحكمة الدستورية العليا و كذلك نصوص الدستور المصري ، فنجد انه .
1 – انتقص من حق التنظيم الذي تكفلة المادة ( 55 ) من الدستور المصري و التي حصرت و بشكل محدد علي سبيل الحصر انشاء جمعيات يكون نشاطها معادياً لنظام المجتمع أو سرياً او ذا طابع عسكري و نجد أن م ( 11 ) من قانون الجمعيات امتد الي حظر ممارسة أي انشطة سياسية ارتقابية و استخدام عبارات الوحدة الوطنية و الاداب العامة و النظام العام .
2 – تعارض القانون مع ما هو معلوم عن الادارة المنفردة و تلاقي الارادات . فقد جاء في المادة السادسة من القانون انة لا بد من تقديم طلب للقيد مصحوباً بالمستندات و تقدم الجهة الادارية يفيد الجمعية خلال ستين يوماً فاذا مضت الستون يوماً دون اتمامة اعتبر القيد واقعاً و تثبت الشخصية الاعتبارية للجمعية باجراء القيد أو بمعني الستين يوماً من تاريخ تقديم الطلب و هذا بخالف المستقرعليه فقهاء من اثبات الشخصية الاعتبارية فور تلافي الارادات و اخطار الجهة الادارية .
3 – خالف القانون ما اقرة الدستور من حق اللجوء الى القضاء فقرر في الماده السابعه منه انشاء لجنه في نطاق كل محافظه تختص بفحص المنازعات التي تنشاء بين الجمعيه و الجهه الاداريه. و قيد القانون حق الالتجاء الى القضاء لما بعد إنقضاء ستين يوم من عرض الامر على اللجنه المختصه ا بعد صدور قرار منها.
4 – قيد القانون حق الجمعيات الاهليه في تلقي أي دعم خارجي أي كان نوعه الا بعد الحصول على اذن من الجهه الاداريه . و لا يخفى على احد ان المادة ( 17 ) أختصت بها منظمات و مراكز حقوق الانسان وذلك بغرض الحد من أنشطتها .
و قرر القانون في المادة ( 18 ) حق الجمعيات في أقامه المشروعات الخيريه و الحفلات و الاسواق الخيريه و هذا بدون الحصول على اذن مسبق من الجهه الاداريه . و كان يهدف المشرع من هذا خداع الرأي العام بمقوله ان القانون وفر سبل لدعم للجمعيات بدون اذن مسبق و و كأنه تناسى قرار الحاكم العسكري رقم 4 لسنه 1992 و الذي جاء فيه نفس صياغه المادة (18 ) الا انها بصيغه النفي و التحريم الا بعد صدور اذن مسبق.
5- في المادة ( 23 ) اغتصب المشرع سلطات الجمعيه العموميه و اكد على انه في حاله اصدار الجمعيه قرلر ترى الجهه الاداريه مخالفته للقانون او لنظامها الاساسي ترض الحهه الاداريه الامر على اللجنه المختصه المنصوص عليها بالمادة ( 7 ) ثم الى القضاء طبقا لما قررته المادة ( 7 ) و الجدير بالذكر هنا ان الاعتراض على قرارات الجمعيه و معرفه مخالفته للنظام الاساسي للجمعيه ن عدمه و محاسبه مجلس ادارة الجمعيه هو من صميم عمل الجمعيه العموميه و التي يكون المشرع سلبها اهم اختصاصاتهاو كلك امعاناً في التدخل في شؤن الجمعيات اباحت المادة ( 25 ) للجهه الاداريه دعوه الجمعيه العموميه للانعقاد متى ارتآت ذلك.
6- في تعدي سافر على سيادة الجمعيات و استقلالها قرر القانون في المادة ( 43 ) ضرورة عرض اسماء المرشحين لعضويه مجلس الادارة على الجهه الاداريه قبل ستين يوماُ من اجراء الانتخابات و للجهة الاداريه استبعاد ما تراهم و ان لم يتم استبعادة يعرض الامر على اللجنه المعنيه المنصوص عليه بالماده السابعه ثم الي القضاء.
7-امعاناُ في انتهاك استقلاليه الجمعيات الاهليه و فرض الوصايا عليها اباحت المادة ( 40 ) لوزير الشؤن الاجتماعيه ان يعين مفوضاٌ تكون له اختصاصات مجلس الاداره
8-اتاح القانون الجديد لوزير الشئون الاجتماعيه سلطه حل الجمعيات بقرار مسبب وذلك طبقا لما قررته الماده ( 42 ) و التي قررت انه بعد اخذ رأي الاتحاد العام _ وهذا الراي استشاري غير ملزم أي انه و العدم سواء _ وبعد دعوه الجمعيه لسماع اقوالها يجوز حل الجمعيه وذلك اذ ما تصرفت في اموالها في غير اغراضها او الحصول على اموال من الخارج بالمخالفه لنص المادة او( 17 ) أو ارتكاب مخالفة جسيمه للقانون او النظام العام و الاداب و هذه الفقرة تفتقر للحد الادني من الدقة و التحديد طبقاً لما هو مقرر للقواعد القانونية فما معني مخالفة جسيمة أو النظام العام أو الاداب فتقدير جسامة منما يختلف من شخص لاخر و مخالفة الاداب يختلف تقديرها من شخص لاخر .
بل و ذهب المشرع الي جواز عزل مجلس ادارة الجمعية أو وقف نشاطها ( بما يعد سلب لاختصاصات الجمعية العمومية ) اذا ما لم تنعقد الجمعية العمومية لمدة عامين متتالين او عدم تعديل الجمعية لنظامها و توفيق اوضاعها وفقاً لاحكام القانون .
9 – لم يلتزم المشرع بالمبادئ الدستورية المستقرة في مجال التجريم و العقاب و هو ما يتعدي في الافراط في التجريم و العقاب دونما ضرورة اجتماعية و اتباع منهج العقاب الجماعي لاعضاء الجمعية المستفدين من وجودها عبر حل الجمعية ادارياً علي مخالفات يفترض ان مرتكبيها اشخاص بعينهم الامر الذي يتعارض مع مبدء شخصية العقوبة و التناسب من نوعية العفوية و الجرم المرتكب هذا بخلاف العقوبات السالبة للحرية التي تختلف مع نكره العمل التطوعي الاصلي .
اترك تعليقاً