مقال قانوني هام عن الحبس الإحتياطي
أ* شريف النجار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
لا يمكن الالتفات أو غض الطرف عن كون الحبس الاحتياطى كأحدى الاجراءات التى تتخذ عادة من قبل سلطة التحقيق فى الدعوى الجنائيه ، أحد أخطر الاجراءات نظرا لنواح عده أهمها المساس بالقواعد العامه الثابته فى الدساتير وأعلان حقوق الانسان وحرياته فى المجتمع ، ولا شك أن حالة الحراك التى تشهدها البلاد فى النواحى السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه تستلزم وجود ضمانات كافيه لتحقيق أقصى حدود حرية الفرد داخل المجتمع وعلاقته بالسلطه فى الدوله ، ولا يمكن طرح الأراء التى لطالما نادت بوجوب تعامل سلطات التحقيق بحذر مع اجراء الحبس الاحتياطى دونما اطلاق أو غل يد تلك الجهه لدى تعاملها مع هذا الأجراء الذى يضعها فى أحيان عده بين خيارين ( أحلاهم مر ) – اما قيد حرية الشخص محل الاتهام دونما حكم قاطع بالتهمه ضده ، أو اخلاء سبيله وهو من وجهة نظرها قد يكون آثما الا أن الدلائل غير كافيه على ذلك ، وان كانت عمليا فى أغلب الأحيان تختار أول الحلول .
ولا شك أن تبعات الحبس الاحتياطى على المتهم اذا ما تمت تبرئته – ذات آثار – من الصعب محوها من نفس الشخص أو أذهان المجتمع والمحيطين به .
وفى هذه المقالات التى ليست بالتأكيد نتاج خالص من فكرى ، ولكنها ثمرة لتجميع قراءات وأبحاث وأفكار أساتذتنا وفقهائنا الأجلاء عن هذا الموضوع تحديدا ، ويشرفنى أن أشير لمصادر تلك النقاط حول هذه الاشكاليه ، وهى على النحو التالى :
* الشرعيه والاجراءات الجنائيه – للدكتور / أحمد فتحى سرور .
* الأحكام العامه فى قانون العقوبات – للدكتور / السعيد مصطفى السعيد .
* الاجراءات الجنائيه – للدكتور / محمد زكى أبو عامر .
* الحبس الاحتياطى علما وعملا – للمستشار الدكتور / معوض عبد التواب .
* شرح الاجراءات الجنائيه – للدكتوره / فوزيه عبد الستار .
* الحبس الاحتياطى فى ضوء التعديلات الوارده بالقانون 145/ 2006 –
للمستشار / محمد على سكيكر .
الحبس الاحتياطى ( 1 – 4 )
ماهيتــه – ” سلب لحرية المتهم مده من الزمن تقدرها سلطات التحقيق وفق الضوابط التى يقررها القانون وتقتضيها مصلحة التحقيق “
ومن هنا تتضح خطورة هذا الاجراء نظرا لأنه يؤدى الى سلب حرية المتهم ، بينما الأصل فى سلب الحريه أنه جزاء جنائى لا يوقع الا بمقتضى حكم قضائى بالادانه ، ومع ذلك رأى المشرع فيه اجراء قد تقتضيه مصلحة التحقيق ، فقرره بقيود تحد من نطاقه الى الدرجه التى لايتجاوز بها تحقيق المصلحه العامه .
ولكننا نرى فى واقع الحال أن تلك القيود فى مجملها تسبغ قواعد الحبس الاحتياطى بالمرونه ولا تأتى بتحديد للقيود المفروض وجودها لدى استعمال جهات التحقيق لسلطتها فى اتخاذ هذا الاجراء .
والحبس الاحتياطى من هذا المنطلق ليس اجراء من اجراءات التحقيق لأنه لا يستهدف البحث عن أدله ، وانما هو ان صح التعبير من أوامر التحقيق التى تستهدف ( تأمين الأدله ) سواء من العبث بها أو طمسها اذا ما بقى المتهم حرا . ام سواء تجنبا لتأثيره على شهود الواقعه وعدا أو وعيدا أو ضمانا لعدم هربه من تنفيذ الحكم الذى سيصدر عليه نظرا لكفاية الأدله ضده .
ويرى بعض الشراح أنه أحد الاجراءات الهامه التى يبرز فيها بوضوح التناقض بين مقتضيات احترام حرية الفرد وسلطة الدوله فى العقاب . فالمتهم برئ حتى تثبت ادانته بحكم بات ، ومن حقه أن ينعم بحريته حتى يصدر هذا الحكم ، ولكن المصلحه العامه فى الدعوى الجنائيه قد تتطلب المساس بهذه الحريه .
والمشرع المصرى لم يضع تعريف محدد لماهية الحبس الاحتياطى سواء قبل تعديل الماده 134 أ.ج أو بعد تعديلها بمقتضى القانون 145 لسنة 2006 ، وقد سار بذلك مسار العديد من التشريعات الأجنبيه كالتشريع الفرنسى والسويسرى والألمانى .
بيد أنه هناك اتجاه فى الفقه نحو تعريف الحبس الاحتياطى بأنه ” اجراء تحفظى حيال المتهم يدخل ضمن نطاق سلطات التحقيق الجنائى ، أى أنه من اجراءات التحقيق لا المحاكمه حتى ولو تم أثناء محاكمة المتهم ” .
التمييز بين الحبس الاحتياطى
وغيره من الاجـراءات المشـابهه
1 – الأمر بالحضور ( طلب الحضور )
” هو اجراء من اجراءات التحقيق بمقتضاه يأمر المحقق ـ المتهم ـ بالحضور فى الزمان والمكان المحددين منه ” .
وهو لا ينطوى على اجبار أو قهر للمتهم للحضور ، فقد يحضر المتهم بناء عليه أو لا يحضر فاذا كان هناك مقتضى لحضوره جاز للمحقق أن يصدر أمرا بالقبض عليه واحضاره .
نطاق الأمر
” يكون فى جميع الجرائم جنايات كانت أو جنح أو مخالفات ” .
التفرقه :
أ – مـن ناحيــة الجرائـــم ـ فان الأمر بالحضور يصدر فى شأن كل الجرائم بينما الحبس الاحتياطى يصدر فى شأن الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس مده لا تقل عن سنه فقط .
ب – من حيث طبيعة الأمر الصادر ـ فالأمر بالحضور تنفيذه طوعا وأختيارا ، أما الحبس الاحتياطى فينفذ قهرا .
2 – الأمر بالقبض والاحضار
” وهو تكليف يصدر من المحقق لرجال السلطه العامه بمثول المتهم أمامه عن طريق القهر والاجبار “
حالات صدور الأمر بالقبض والاحضار وفق نص المادتين 126 ، 130 أ.ج :
أ – اذا لم يحضر المتهم بعد تكليفه بالحضور دون عذر مقبول .
ب – الخوف من هرب المتهم .
ج – عدم وجود محل اقامه معروف للمتهم .
د – حالات التلبس .
ه – الحالات التى يجوز فيها الحبس الاحتياطى .
ويجب أن يشتمل أمر القبض والحضار وفق أحكام الماده 127 أ.ج على أسم المتهم ولقبه وصناعته ومحل اقامته ، والتهمه المنسوبه اليه وتاريخ الأمر وتوقيع القاضى والختم الرسمى . مع تكليف رجال السلطه بالقبض على المتهم واحضاره أمام القاضى اذا رفض الحضور طوعا فى الحال .
” وقد قضت محكمة النقض بعدم لزوم أن يكون التكليف بالحضور مكتوبا “
( نقض 20 ديسمبر 1950 مجموعة القواعد القانونيه ج 2 ، 7 ، 9 رقم 2 )
مـدة القبض :
يجب ألا تزيد مدة ايداع المتهم المقبوض عليه السجن تنفيذا لأمر الضبط والاحضار ع أربع وعشرين ساعه ، وعلى القاضى أن يستجوبه فى خلالها والا أمرت النيابه باخلاء سبيله عملا بأحكام الماده 131 أ.ج .
سقوط الأمر بالقبض والاحضار :
يسقط الأمر بالقبض والاحضار اذا لم ينفذ خلال ستة أشهر مالم يعتمده قاضى التحقيق أو النيابه العامه حسب الأحوال لمدة أخرى اعمالا لأحكام المادتين 139 ، 201 من قانون الاجراءات الجنائيه .
بطلان الأمر بالقبض والاحضار :
يبطل أمر القبض والاحضار فى الحالتين الآتيتين :
1 – اذا احتجز المتهم المقبوض عليه بناء على أمر من سلطة التحقيق لمده تتجاوز أربعا وعشرين ساعه .
2 – اذا وقع القبض بعد مضى ستة أشهر من تاريخ صدور الأمر بالقبض والاحضار مالم يعتمد من سلطة التحقيق التى أصدرته .
3 – الحبس الاحتياطى والحجز ( الاجراءات التحفظيه )
أعطى المشرع لمأمور الضبط القضائى الحق فى اتخاذ الاجراءات التحفظيه المناسبه حيال شخص المتهم ـ فى غير أحوال التلبس ـ وأن يطلب فورا من النيابه العامه اصدار أمرا بالقبض عليه اذا ما وجدت دلائل كافيه على اتهامه بارتكاب ـ جنايه أو جنحة سرقه أو نصب أو تعد شديد أو مقاومه لرجال السلطه العامه بالقوه والعنف ـ بموجب نص الماده 35 / 2 من قانون الاجراءات الجنائيه .
ويتضح من هذا النص أن مأمور الضبط القضائى لا يجوز له القبض على المتهم فى هذه الجرائم وانما يستطيع أن يستصدر فورا من النيابه العامه أمر بالقبض ، كما يملك أن يتخذ الاجراءات التحفظيه قبل صدور أمر القبض .
وتعتبر هذه الاجراءات أقرب الى الاستدلال منها الى التحقيق ، فهى وان كانت تمس حرية الأفراد الا أنها لا تصل لمرتبة القبض عليهم ، ويقصد بها الوسائل التى تتخذ لمنع المشتبه فيه من الهرب والتحفظ على أدلة الجريمه ، ومن أهم هذه الاجراءات الاستيقاف .
ويقصد بالدلائل الكافيه ـ المذكوره فى متن الماده 35 / 2 ـ قيام شبهات مستنده الى ظروف الواقعه تثير الاعتقاد بارتكاب الجريمه ، وقد تتخذ صورة قول أو فعل أو مجرد تعبير على وجه المشتبه فيه ، ولا يشترط فيها أن ترقى الى مرتبة الأدله ، ويخضع تقدير مدى كفاية الدلائل على الاتهام لمأمور الضبط القضائى تحت اشراف سلطة التحقيق وقاضى الموضوع .
ومما سبق يتضح أن الاجراء التحفظى قد يسبق الحبس الاحتياطى اذا ما كان له بد فى التحقيق ، وتتحقق شروطه أثناء التحقيق وفق ما يراه قاضى التحقيق ، وهذا ما يتضح وفق نص الماده 36 أ.ج ، فأوجب على مأمور الضبط القضائى أن يسمع فورا أقوال المتهم المضبوط واذا لم يأت بما يبرئه ـ يرسله فى مدى أربعه وعشرين ساعه الى النيابه العامه ، وعلى الأخيره أن تستجوبه فى ظرف 24 ساعه ثم تأمر اما القبض عليه أو اطلاق سراحه .
4 – الحبس الاحتياطى والحبس المطلق
الحبس المطلق هو حبس غير محدد المده ، كان المشرع قد أجازه بموجب بموجب القانون رقم 119 لسنة 1964 بشأن بعض التدابير الخاصه بأمن الدوله .
وبصدور القانون رقم 137 لسنة 1972 بتعديل بعض النصوص المتعلقه بضمان حرية المواطن ألغى الحبس المطلق ـ بالغاء القانون رقم 119 لسنة 1964 ـ ورغم ذلك فان النيابه العامه وفقا لقانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1958 والمعدل بالقانون رقم 50 لسنة 1982 ـ تقوم باتخاذ اجراءات الحبس المطلق غير محدد المده وتعمل ولايتها فى شأنه تنفيذا للماده 6 من ذات القانون ، والتى تنص على أنه :
” يجوز القبض فى الحال على المخالفين للأوامر التى تصدر طبقا لأحكام هذا القانون والجرائم المحدده فى هذا الأمر ” .
وسلطة النيابه العامه فى ذلك سلطه استثنائيه تجيز للمتهم بموجبها التظلم من أمر الحبس أمام المحاكم العاديه بعد الغاء القانون رقم 105 لسنة 1980 بانشاء محاكم أمن الدوله ـ بموجب القانون رقم 95 لسنة 2003 وعلى أن تئول الاختصاصات الى المحاكم العاديه المنصوص عليها فى قانون الاجراءت الجنائيه .
وعليه يظهر جليا الفرق بين الحبس المطلق والحبس الاحتياطى فى وجوه ثلاثه :
أولا : من حيث سلطة اصدار الأمر : فالحبس المطلق من سلطة النيابه العامه ، أما الحبس الاحتياطى ـ فيصدر الأمر به من النيابه العامه أو
القاضى أو المحكمه حسب الأحوال .
ثانيا : من حيث المده : فالحبس المطلق كما ذكرنا غير محدد المده ، أما الحبس الاحتياطى فسلطة النيابه العامه فيه أربعة أشهر وسلطة القاضى
مده أو مددا لا تتجاوز كل منها خمسة عشر يوما على ألا تزيد عن خمسه وأربعين يوما ـ
ـ واعمالا لنص الفقره الأخيره من م 143 من ق . أ . ج والمعدله بالقانون 145 لسنة 2006 فأن مدة الحبس الاحتياطى لا يجوز أن
تزيد على ثلاثة أشهر ، فاذا كانت التهمه جنايه فلا تزيد المده عن خمسة أشهر ـ
ـ مع عدم جواز مدتها فى مراحل التحقيق وسائر مراحل الدعوى الجنائيه عن ثلث الحد الأقصى للعقوبه السالبه للحريه على ألا تتجاوز
ستة أشهر فى الجنح وثمانية عشر شهرا فى الجنايات ، وسنتين اذا كانت العقوبه المقرره السجن المؤبد أو الاعدام .
ثالثا : من حيث مدة التظلم من قرار الحبس :
* التظلم من أمر الحبس الاحتياطى ينظر فى خلال ثمان وأربعين ساعه من تاريخ تقديمه والا وجب الافراج عن المتهم .
* أما فى الحبس المطلق فان التظلم يبحث خلال ثلاثين يوما من تاريخ التظلم والا تعين الافراج .
على اجبار أو قهر للمتهم للحضور ، فقد يحضر المتهم بناء عليه أو لا يحضر فاذا كان هناك مقتضى لحضوره جاز للمحقق أن يصدر أمرا بالقبض عليه واحضاره .
اترك تعليقاً