قراءة في مستجدات المادة 4 من مدونة الحقوق العينية ومذكرة السيد المحافظ العام بشأنها.
المرابط عدنان ـ طالب باحث في القانون العقاري
صدر بالجردية الرسمية عدد 5998 بتاريخ 24 نوفمبر 2011 الظهير الشريف رقم 1.11.178 الصادر في 25 ذي الحجة 1432 (22 نوفمبر 2011) بتنفيذ القانون رقم 39.08 المتعلق بمدونة الحقوق العينية.
وقد اعتبر هذا القانون ثمرة مجهود تشريعي امتد عقودا من الزمن الى ان خرج للوجود سنة 2011 وفق التاريخ اعلاه.
وقد اشتمل هذا القانون على 334 مادة موزعة على كتابين وفصل تمهيدي؛ بحيث تناول المشرع في الكتاب الأول الحقوق العينية العقارية الأصلية والتبعية والحجوزات والبيوع الجبرية التي تقع عليها، في ما خصص الكتاب الثاني لبيان أسباب كسب الملكية العقارية وأحكام القسمة المنصبة على العقارات.
وقد حددت الفقرة الاولى من المادة الاولى من هذا القانون نطاق تطبيقه، بحيث نصت على ان مقتضيات هذا القانون تسري على الملكية العقارية والحقوق العينية ما لم تتعارض مع تشريعات خاصة بالعقار.
فيما خصص المشرع الفقرة الثانية من نفس المادة اعلاه لبيان المصادر التشريعية التي يمكن الرجوع اليها في كل ما لم يرد به نص في هذا القانون[1].
وبدخول هذا القانون حيز التطبيق يكون المشرع قد وحّد، نوعا ما، النص التشريعي المطبق على العقارات المحفظة وغير المحفظة ولو نسبيا، وبالتالي لم يعد هناك مجال لبقاء ظهير 2 يونيو 1915 الذي كان يطبق على العقارات المحفظة وهو الأمر الذي تبناه المشرع في المادة 333 من م ح ع[2].
وعلاقة بالعنوان أعلاه، فقد اعتبرت المادة 4 من المدونة، أحد أهم المستجدات التشريعية التي وردت بها. اذ نص المشرع على وجوب تحرير جميع التصرفات العقارية المتعلقة بنقل الملكية العقارية او بإنشاء حقوق عينية اخرى أو بنقلها أو بتعديلها أو إسقاطها ـ تحت طائلة البطلان ـ بموجب محرر رسمي يحرره العدول او الموثقون او بموجب محرر ثابت التاريخ يحرره محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض.
وهو تعديل تشريعي غاية في الأهمية نظرا للنزاعات الكثيرة التي كانت تَرُوج أمام المحاكم والتي كان أحد أهم أسبابها المحررات العرفية.
اذن بعد مرور 6 أشهر من تاريخ نشر هذا القانون بالجريدة الرسمية[3] يكون المشرع قد قطع مع “ظاهرة” المحررات العرفية المتعلقة بالتصرفات العقارية محددا على سبيل الحصر وتحت طائلة البطلان الجهات التي يجب ان يُلجأ إليها لتحرير المعاملات العقارية.
وقد اعتبر الكثير من الباحثين انذاك بأن هذا التعديل التشريع سيقطع مع ظاهرة السطو والاستيلاء على عقارات الغير، لكن بعد مرور أزيد من خمس سنوات على دخول هذا القانون حيز التطبيق ستتدخل المؤسسة الملكية للتنبيه إلى خطورة تنامي ظاهر الاستيلاء على عقارات الغير من طرف شبكات متخصص مستغلة اثار ومخلفات الوكالات العرفية التي كان يطالها فعل التزوير والمشاركة فيه. بل إننا نتساءل مع الكثير من المهتمين من تنصيص المشرع على رسمية التصرفات العقارية وتركه الوكالات المتعلقة بها عرفية؟! وهي التي بواستطها يمكن تنفيذ هذه التصرفات المنصبة على العقار!؟.
وفي هذا السياق جاءت الرسالة الملكية الموجهة الى السيد وزير العدل بتاريخ 30 دجنبر 2016، والتي تضمنت توجيهات سامية الى ضرورة التصدي الفوري والحازم لأفعال الإستيلاء على عقارات الغير.
وهو الأمر الذي جعل وزارة العدل تسارع الى تقديم مشروع قانون بتعديل المادة الرابعة من م ح ع يجعل الوكالات المتعلق بالتصرفات العقارية تحت حكم المادة الرابعة .
واذا كان هناك من اعتبر هذا التعديل ـ رغم تأخره ـ أمر محمود وسيساهم في تكريس الأمن العقاري من خلال القطع مع الوكالات العرفية التي كان غالبيتها ينتابها فعل التزوير وبالتالي ضياع حقوق وأملاك الناس، فإن نقاشا اّخر طفى على السطح انصب حول مدى “دستورية” مذكرة أصدرها السيد المحافظ العام في شأن المستجد التشريعي المتعلق بالمادة 4 من م ح ع .
في ضوء ذلك فإننا سنتناول بالتحليل والمناقشة مضمون المادة 4 من م ح ع وفق قانون 16.69 (أولا) على ان نخصص النقطة الثانية من النقاش لمذكرة السيد المحافظ العام (ثانيا).
أولا : في شأن تتميمم مقتضيات المادة 4 من م ح ع
تنص المادة 4 من مدونة الحقوق العينية المتممة بقانون 69.16 على التالي : ” يجب ان تحرر ـ تحت طائلة البطلان ـ جميع التصرفات المتعلقة بنقل الملكية أو بإنشاء الحقوق العينية الأخرى أو نقلها أو تعديلها أو إسقاطها وكذا الوكالات الخاصة بها بموجب محرر رسمي، أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محكمة النقض ما لن ينص قانون خاص على خلاف ذلك.
يجب أن يتم توقيع العقد المحرر من طرف المحامي والتاشير على جميع صفحاته من الاطراف ومن الجهة التي حررت.
تصحح إمضاءات من لدن السلطات المحلية المختصة ويتم التعريف بإمضاء المحامي المحرر للعقد من لدن رئيس كتابة الضبط بالمحكمة الابتدائية تالتي يمارس بدائرتها”.
اذن يلاحظ على ان المشرع اضاف الوكالات الخاصة بالتصرفات العقارية الى حكم المادة الرابعة، وبالتالي أصبح معه وجوب تحرير عقد الوكالة المتعلق بتصرف عقاري اما لدى الموثقين او العدول او لدى محامي مقبول للترافع امام محكمة النقض.
مثال :
زيد يريد ان يوكل عمرا من الناس ليقوم مقامه ببيع عقار في ملكه. سابقا كان يكفي للقيام بذلك تحرير وكالة عرفية والقيام بتصحيح الامضاء لدى اقرب مقاطعة؛ حاليا لكي يكون بيع عمرِ صحيح يجب ان يتم تحرير عقد الوكالة ، الذي بموجبه يوكل زيد عمرا بان يبيع نيابة عنه عقارا في ملكه ، يجب ان يتم تحرير عقد الوكالة اما لدى موثق او عدل او محامي مقبول للترافع أمام محكمة النقض.
مثال أخر:
زيد يريد ان يوكل عمرا ليقوم نيابة عنه باجراءات التحفيظ وفق الفصل 13 من ظ ت ع . ولكي يقبل السيد المحافظ وكالة عمر يجب ان تحرر لدى موثق او عدل او محامي مقبول للترافع امام محكمة النقض.
بعبارة اخرى فإن المادة الرابعة وفق التعديل الجديد تنص على ان جميع الوكالات الخاصة بالتصرفات العقارية والصادرة بعد تاريخ 14 سبتمير تعتبر باطلة ولا ينشأ عنها أي تصرف قانوني ما لم يتم تحريرها وفق الاحكام اعلاه.
لكن السؤال المطروح. ماذا لو كان عقد الوكالة انجز قبل تاريخ 14 سبتمبر والتصرف القانوني (لنفترض مثلا بيعا انصب على عقار محفظ) أنجز بتاريخ 25 سبتمبر. هل سيقبل السيد المحافظ على الاملاك العقارية تقيد هذا البيع أم أنه سيرفض ذلك؟ وما هو مبرره القانوني في حالة الرفض؟! هذا هو ما جاءت مذكرة السيد المحافظ العام لتوضيحه. وهو موضوع النقطة الموالية من التحليل.
ثانيا : مضمون مذكرة السيد المحافظ العام الموجهة للسادة المحافظين على الأملاك العقارية في شأن المادة 4 من م ح ع المتممة بقانون 16.69
بتاريخ 21 سبتمر 2017، وفي إطار اختصاصاته القانونية المنصوص عليها في الظهير الشريف الضادر في 22 ربيع الثاني 1373 (29 دجنبر 1953) بشأن تعيين مهمة واختصاصات المحافظ العام على الأملاك العقارية[4]، أصدر السيد المحافظ العام مذكرة تحت عدد 20 في شأن تتميم مقتضيات المادة 4 من م ح ع نبه فيها السادة المحافظين على الأملاك العقارية والذين يبلغ عددهم بتراب المملكة 75 محافظا، الى التعديل الجديد الذي طال المادة الرابعة أعلاه.
ملفتا انتباه السادة المحافظين على أنه ابتداء من تاريخ 14 سبتمبر 2017 فإن جميع الوكالات التي ترمي الى إبرام التصرفات العقارية المشار اليها في المادة 4 يجب ان تحرر بموجب محرر رسمي أو بمحرر ثابت التاريخ يتم تحريره من طرف محام مقبول للترافع أمام محمة النقض.
وأضافت مذكرة السيد المحافظ العام الى انه لا يمكن الاستناد الى الوكالات العرفية في ابرام التصرفات العقارية بعد هذا التاريخ، وذلك على اعتبار ان الوكالات العرفية المذكورة وان حررت قبل دخول القانون 69.16 حيز التنفيذ، فإن العبرة بتاريخ ابرام التصرف وليس بتاريخ تحرير الوكالة ـ تضيف مذكرة السيد المحافظ العام ـ معتبرة ان الوكالات العرفية لا يمكن ان تنتج اَثارها القانونية الا عند ابرام التصرف المعني بها.
ثالثا : مناقشة المادة الرابعة وفق التعديل الجديد ومذكرة السيد المحافظ العام
يرى الكثير من المهتمين والباحثين بأن مذكرة السيد المحافظ العام توسعت نوعا ما في تفسير المادة الرابعة اعلاه، معتبرين بان ايقاف العمل بالوكالات العرفية المنجزة قبل تاريخ 14 سبتمبر 2017 في انجاز تصرف قانوني لاحق لهذا التاريخ هو بمثابة خرق لمبدأ دستوري يتمثل في عدم رجعية القانون[5] بل أكثر من ذلك هناك من يرى بأن المذكرة خلقت حكما قانونيا جديدا.
لتوضيح هذا النقاش سننطلق من بعض الامثلة :
مثال :
وكالة عرفية انجزت بتاريخ 13 سبتمبر 2017 لكن التصرف القانوني تم ابرامه بتاريخ 27 سبتمبر 2017؛ حسب المادة الرابعة فان التصرف القانوني صحيح. لكن بوجود مذكرة السيد المحافظ العام فإن السيد المحافظ لن يقيد عقد البيع المنجز بواسطة الوكالة العرفية المحررة بتاريخ سابق ل14 سبتمبر 2017 لان العبرة بالتصرف القانوني وليس بتاريخ تحرير الوكالة.
مثال اخر :
وكالة عرفية محررة قبل تاريخ 14 سبتمبر2017 وكّل بموجبها الوكيل موكله بالقيام بإجراءت التحفيظ لصالحه.. وتم في هذا الاطار تقديم مطلب التحفيظ من طرف الموكل بتاريخ 10 اكتوبر 2017. هل سيقبل السيد المحافظ مطلب التحفيظ المقدم من طرف الوكيل بوكالة عرفية أم أنه سيرفض؟.
حقيقة ان النقاش الدائر حاليا حول مذكرة السيد المحافظ العام ينطلق من هكذا إشكال لأن هناك من اعتبر بأن وقف العمل بوكالة عرفية منجزة بتاريخ سابق هو بمثابة خلق لقاعدة قانونية جديدة وتوسع في تفسير المادة الرابعة لأن المشرع لم يتحدث عن وقف العمل بالوكالات السابقة…
فعلاقة بهذا المثال فإنه لو افترضنا بأن مذكرة السيد المحافظ العام لم تصدر بعد، فإن السيد المحافظ سيقبل مطلب التحفيظ المقدم من طرف الوكيل لأن المادة 4 لم تلغ الوكالات العرفية المنجزة قبل تاريخ 14 سبتمبر بل نصت على انه ابتداء من هذا التاريخ يجب ان تنجز هذه الوكالات وفق محرر رسمي او محرر ثابت التاريخ وفق المادة اعلاه.
لكن بوجود مذكرة السيد المحافظ العام فإنه يتحتم على السيد المحافظ على الاملاك العقارية ان يرفض مطلب التحفيظ المقدم بوكالة عرفية انجزت قبل 14 سبتمبر2017 وعليه ايضا ان يرفض تقييد أي عقد انجز بواسطة وكالة عرفية حررت قبل تاريخ دخول القانون 69.16 حيز التنفيذ.
بعبارة اخرى فانه استنادا الى مذكرة السيد المحافظ العام فإنه أصبح لزوما على اصحاب الوكالات العرفية المنجزة قبل تاريخ 14 سبتمبر 2017 والتي تتضمن انجاز تصرف قانوني منصب على عقار معين لفائدة الموكل ان يقدموا عقد الوكالة وفق ما نصت عليه المادة 4 اعلاه والا فان السادة المحافظين لن يقبلوا بتقييد أي تصرف قانوني مخالف لمذكرة السيد المحافظ العام.
والحقيقة أن هناك من انتقد كثيرا مضمون مذكرة السيد المحافظ العام مستندا الى مبادئ وقواعد قانونية معتبرا ان المذكرة خالفت مبدأ دستوري وأنها توسع في تفسير قاعدة قاعدة قانونية واضحة، إلا أننا نرى خلاف ذلك لعدة اعتبارات :
1 ـ يجب علينا اولا ان نستحضر التوجيهات السامية في هذا الاطار والتي تمثلت في الرسالة الملكية للسيد وزير العدل بتاريخ 30 دجنبر 2016 بخصوص التصدي الفوري والحازم لأفعال الاستيلاء على عقارات الغير. لذلك فإن الابقاء على الوكالات العرفية رغم أهمية التعديل الذي طال المادة الرابعة لن يوقف هذه الظاهرة والتي تُعتبر الوكالات العرفية احد اهم مَداخلها نظرا لكثرة فعل التزوير الذي يطالها وبالتالي فالقطع مع المحررات العرفية أمر في غاية الاهمية، خاصة وأن وقف العمل بالوكالات العرفية لن يشكل أي ضرر للاطراف على العكس من ذلك تمام…
2 ـ الأمر الثاني الذي يجب علينا ان نستحضره هو أن مذكرة السيد المحافظ العام لم تخرق أي قاعدة دستورية ولم تخلق حكما قانونيا جديدا، بل جاءت في إطار الصلاحية القانونية التي يمنحها القانون لمؤسسة المحافظ العام والتي نص عليها ظهير 29 دجنبر 1953 الذي ينص على انه من بين اختصاصات مؤسسة المحافظ العام القيام بتوحيد الراي الإداري في تطبيق النصوص القانونية المتعلقة بالنظام العقاري الخاص بالتحفيظ. وانه يعطي جميع التعليمات العامة أو الخاصة التي من شأنها ان تحافظ على وحدة الرأي الإداري للمحافظين…ويمكنه أيضا أن يثير جميع القضايا المتعلقة بالتحفيظ أو العمليات التابعة لها ….
وفي جميع الأحوال فإن مقررات السيد المحافظ العام يمكن أن تحال في جميع الأحوال على القضاء وذلك وفق ما نص عليه الفصل 96 من ظ ت ع[6].
ـجاء في الفقرة الثانية من المادة الاولى من م ح ع : ……تطبق مقتضيات الظهير الشريف الصادر في 9 رمضان 1331 (12 اغسطس 1913) بمثابة ق ل ع في ما لم يرد فيه نص في هذا القانون، فان لم يوجد نص يرجع الى الراجح والمشهور وما جرى به العمل في الفقه المالكي”.[1]
[2] ـ تنص المادة 333 من م ح ع على انه : “ينسخ هذا القانون الظهير الشريف الصادر في 19 رجب 1333 (2 يونيو 1915) الخاص بالتشريع المطبق على العقارات المحفظة.
[3] ـ المادة 334 والاخيرة من م ح ع : “يسري العمل بهذا القانون بعد ستة اشهر من تاريخ نشره بالجريدة الرسمية”. ويذكر انه صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 24 نونبر 2011.
ـ أنظر الجريدة الرسمية عدد 2155 بتاريخ 12/02/1954، ص 398.[4]
[5] ـ يدفع البعض بالقول بان المذكرة خرقت القاعدة الدستورية المنصوص عليها في الفصل السادس من الدستور المغربي والتي تنص على أنه : “…ليس للقانون أثر رجعي”.
[6] ـ الفصل الاول من الظهير الشريف المتعلق بتعيين مهمة واختصاصات المحافظ العام على الاملاك العقارية، المنشور بالجريدة الرسمية 2155 بترايخ 12/02/1954 ص 398.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً