إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يثير قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في الإمارات قلق وانتقادات المعنيين بالدفاع عن حرية التعبير وحقوق الإنسان، خاصة أنه يجرّم ما يعتبره كثيرون مجرد تعليقات ساخرة أو تبادل للمعلومات أو نكت بريئة.
وقالت المحامية البريطانية الدولية المتخصصة في قضايا الإنترنت إميلي تيلور لموقع “الحرة” إن أكثر ما يثير القلق في القانون يتمثل في تجريم “السخرية والرسوم الكاريكاتورية وانتقاد المسؤولين”.
وبحسب مركز الإمارات لحقوق الإنسان، وهو مؤسسة غير حكومية مقرها لندن تسعى لنشر مبادئ حقوق الإنسان فيما تتهم بالارتباط بجماعة الإخوان المسلمين وحماس، فإن القانون الذي تم إقراره في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، استخدم لحد الآن من أجل تضييق الخناق على الإماراتيين الذين يتحدون طريقة معاملة النشطاء السياسيين في البلاد.
“لا استثناء للأجانب”
ولا يتابع بمقتضى القانون النشطاء الإماراتيون فقط، فقد قضت محكمة إماراتية في الآونة الأخيرة بسجن الأميركي شيزان قاسم بالسجن سنة وغرامة 2700 دولار أميركي والترحيل من البلاد بتهمة نشر فيديو “مدرسة السطوة للفنون القتالية” الساخر على موقع يوتيوب.
لكنها أعلنت في التاسع من كانون الثاني/يناير الإفراج عن قاسم الذي وجهت إليه تهمة انتهاك قانون الانترنت وتهديد الأمن القومي الإماراتي.
أما الفيديو فهو عبارة عن وثائقي ساخر يدور حول مدرسة يتعلم فيها الطلاب “مهارات قتالية” سخيفة تشمل رمي الأحذية والاعتماد على مواقع التواصل الاجتماعي لتلقي الدعم في حال تعرضوا لهجوم.
وعلى الرغم من أن صاحب الفيديو أورد في بدايته تنبيه يؤكد أن الشريط لا يسعى إلى الإساءة إلى دولة الإمارات العربية، إلا أن ذلك لم يحُل دون دفعه وأربعة من أصدقائه الثمن.
وقالت المحامية تيلور إن سجن الشاب الأميركي يكشف أن القانون يتدخل في حياة الزوار الأجانب، وأضافت أن اعتقال قاسم يشير كذلك إلى مدى إمكانية القانون على الحد من قدرة الأفراد على اللجوء إلى السخرية من قادتهم أو انتقاد طريقة تسيير شؤون البلاد.
ونشر الشاب الأميركي، وهو من ولاية مينيسوتا ومن أصول سريلانكية، الفيديو وطوله 19 دقيقة على موقع يوتيوب في 10 تشرين الأول/أكتوبر 2012، أي قبل شهر من إقرار القانون الذي اعتقل بموجبه إلى جانب أربعة من أصدقائه في أبريل/نيسان الماضي.
ما هو القانون؟
يتضمن قانون مكافحة جرائم الانترنت مواد توفر الحماية القانونية لما ينشر من معلومات وبيانات شخصية وغيرها. لكنه يجرم من جهة أخرى نشاطات قد لا يدركها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي وغرف الدردشة التي يعبر فيها روادها عن آرائهم بكل حرية.
تلك الآراء قد تدخل في ما هو ممنوع، ما يعرض صاحبها لعقوبات مالية وأحيانا السجن.
ومن بين ممنوعات الانترنت في الإمارات: “سب الغير أو إسناد واقعة إليه من شأنها أن تجعله معرضا للعقاب، أو الازدراء من قبل الآخرين باستخدام شبكة معلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات.”
وكان شريط فيديو قد ظهر فيه مسؤول إماراتي وهو يعتدي بالضرب على سائق آسيوي في الشارع العام، قد تسبب في اعتقال الشخص الذي صوره ونشره على يوتيوب دون إذن أصحابه، وفق القانون.
وقد يدخل السجن كل من قدم إلى أي منظمات أو مؤسسات أو هيئات أو أي كيانات أخرى معلومات تعتبرها السلطة غير صحيحة أو غير دقيقة أو مضللة وكان من شأنها الإضرار بمصالح الدولة أو الإساءة إلى سمعتها أو هيبتها أو مكانتها، باستخدام الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات.
وقالت المحامية تيلور إن الإمارات تجرم تبادل المعلومات عبر الانترنت حول استغلال الأطفال أو ما يتعلق بالإرهاب وهو توجه معتمد في مختلف أنحاء العالم بحسبها، لكنها أردفت قائلة “إذا كان اعتماد مسألة الأمن من منظور أمن النظام بدل أمن الأفراد فإن القوانين قد تستخدم من قبل الدولة ضد معارضة سلمية وشرعية”.
وحكم بالسجن سنتين ودفع غرامة مالية وصلت إلى 136 ألف دولار على الناشط وليد الشحي لأنه شكك في حسابه على موقع تويتر في محاكمة 94 شخصا بتهمة التآمر لقلب نظام الحكم، الذين يعتقد أن دعوتهم للإصلاح الديموقراطي كانت سبب اعتقالهم.
وقد سبق للاتحاد الأوروبي أن انتقد ما وصفه بـ”التحرش” و”تقييد حرية التعبير” فضلا عن “الحبس غير الشرعي” لنشطاء إماراتيين يطالبون بالديموقراطية.
وقد يواجه السجن كل من استعمل الانترنت أو إحدى وسائل تقنية المعلومات في التخطيط أو التنظيم أو الترويج أو الدعوة لمظاهرات أو مسيرات دون ترخيص من السلطة المختصة.
وأفاد موقع الإمارات اليوم نقلا عن دائرة القضاء في أبوظبي، بأن النيابة استقبلت 140 قضية تتعلق بجرائم إلكترونية متنوعة ما بين احتيال ونصب وسب وقذف خلال العام الماضي.
ويعاقب أيضا كل من أساء إلى أحد المقدسات أو الشعائر الإسلامية أو الذات الإلهية أو الرسل والأنبياء، ويعاقب أيضا على الإساءة إلى أحد المقدسات أو الشعائر المقررة في الأديان الأخرى، أو سب أحد الأديان السماوية المعترف بها أو الحض على المعاصي أو الترويج لها.
ماذا يعني القانون؟
قال المحامي الدولي المتخصص في الدفاع عن حرية التعبير والشفافية مايكل كارانيكولاس إن أكثر ما يثير القلق في القانون الإماراتي هو أنه يسمح بسجن أي شخص يدعو إلى تغيير طريقة تسيير البلاد، مشيرا إلى أن هذا البند لا يجرم المعارضة الشرعية فحسب بل يجرمها بطريقة قاسية، على حد تعبيره.
وأضاف كارانيكولاس، الذي يشغل أيضا منصب المسؤول القانوني في مركز القانون والديموقراطية، ومقره في كندا، أن القانون مليء بعدة مشاكل تشمل منع كل ما قد يعتبر مهينا للدولة أو مسؤوليها، ومنع الكشف عن مواد دون تصريح، أو نشر أي مواد تعتبرها السلطة غير أخلاقية.
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد قالت إن قانون جرائم الإنترنت في الإمارات يؤدي إلى إغلاق المنفذ الوحيد الباقي في الإمارات للتعبير عن الرأي “بحرية”، مضيفة أن القرار يهدد حرية النشطاء السلميين والمواطنين الإماراتيين على حد سواء.
وأوضحت المنظمة على موقعها الإلكتروني أن الأثر الأساسي للقانون هو التقييد الشديد لحقوق حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات وحرية التجمع.
وانتقد تقرير وزارة الخارجية الأميركية لحقوق الإنسان لعام 2012 وضع حرية الانترنت في الإمارات وتحدث عن ممارسات تعتمدها السلطات مثل مراقبة مواقع التواصل والدردشة وتجريم اعتماد الانترنت لـ”انتهاك المعايير السياسية والاجتماعية والدينية المتعارف عليها في المجتمع”.
وقالت المحامية تيلور إن حق التعبير عن الرأي سواء كان معارضا أو منتقدا لطريقة تسيير الأمور في الدول الديموقراطية يعتبر واحدا من الوسائل المتبعة لمراقبة سوء استخدام السلطة.
أما المحامي كارانيكولاس فقال إن أغلبية بنود القانون الإماراتي تنتهك المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
تنويه: لم نتمكن من الحصول على رد إماراتي رسمي على الانتقادات الموجهة لقانون مكافحة جرائم الانترنت خصوصا ما يتعلق بحرية التعبير.
اترك تعليقاً