رداً على ما نشر بباب مع القانون بأهرام 3/10/2014 تحت عنوان ” محامو الهيئات العامة متساوون مع زملائهم بقضايا الدولة فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ” هل محامو الإدارات القانونية زملاء لمستشاري هيئة قضايا الدولة ؟! ” يجيب على ذلك المستشار د. عبد الله خلف نائب رئيس هيئة قضايا الدولة فرع السويس في السطور التالية …
المحاماة مهنة حرة ، وكل إنسان يتشرف ان ينتمي إليها ، ليفخر بعلم المحامي ، وابتكاراته وإبداعاته القانونية ويتعلم منه كل من يعمل في حقل التقاضي ، وكثيرا ما نسمع من أعضاء النيابة العامة قولهم أنهم “محامو الشعب ” .
فالمحاماة التى تتمسك بها النيابة العامة هي بمعنى سلطة حماية حمي الدولة في الدعوي الجنائية ، هي سلطة مستمدة من الدستور والقانون مباشرة ، وهي تختلف عن المحاماة التى عمادها توكيل يصدر من أصيل لمحام مقيد بنقابة المحامين ، فتنحصر كل صلاحياته في نطاق التوكيل ، ومع ان محامي نقابة المحامين يقوم تقريبا بذات دور النيابة العامة أمام المحاكم من مرافعة ، ومذكرات ، وطعن علي الاحكام ، إلا ان ذلك التشابه لا يسوّغ الخلط بين دور محامي النقابة ، وبين دور النيابة كسلطة قضائية فلا زمالة ولا مساواة بوكلاء النيابة ؛ وإلا كان من حق السادة الذين يطلقون علي انفسهم “مستشاري التحكيم الدولي ” أن يخلطوا بين وظيفتهم وبين وظيفة القضاء ويطالبون بالزمالة للقاضي والمساواة في الحقوق والواجبات مع القاضي ، هكذا – ومن باب أولي – هيئة قضايا الدولة ، هي هيئة قضائية منذ يوم إنشائها ، وهي أُنشئت كهيئة قضائية قبل أن تنشأ المحاكم المختلطة ، ويقول الدكتور عبد الحميد بدوي باشا ( أول قاض مصري بمحكمة العدل الدولية ) أن هذه الهيئة تم إنشاؤها لتكون من جنس ونوع المحاكم ، يعنى لتكون سلطة قضائية مثلها مثل المحاكم ، فأعضاؤها يعينون الآن بقرار جمهوري ، ولهم ذات حقوق وضمانات أعضاء السلطة القضائية ، وهم مستشارون يتولون مباشرة سلطة الدولة في التقاضي ، فإن كانت الزمالة التى ذكرها الصحفي في عنوان منشوره يقصد بها زمالة في العلم والثقافة والابتكار القانوني فأهلا بها ، ولكن لو كانت الزمالة بقصد الخلط بين الوكالة ، وبين السلطة قضائية الدستورية ، فهذا خلط مرفوض ، ولما كان الاستاذ الصحفي يقصد من الزمالة الواردة في عنوان منشوره الخلط بين الوكالة والسلطة القضائية ، فإن هذه الزمالة وبهذا الخلط المرفوض ، هي زمالة مفتراة ؛ لأنه إذا كان وكيل النيابة العامة هو صاحب دعوى واحدة من دعاوى المجتمع ، وهي دعوى الردع على الاعتداء على الحقوق ، ولا شأن لدعواه بالحقوق أو الأموال ذاتها .. فإن هيئة قضايا الدولة هي صاحبة جميع انواع دعاوى حماية الحقوق والأموال العامة ذاتها ، لا تشاركها أية هيئة قضائية أخري ، حتى النيابة العامة …
والأستاذ الصحفي لم ينشر من مقالي السابق السبب الذي يفقد الادارات القانونية الصلاحية للدفاع عن الدولة ؛ وهو ما قلته في المقال السابق من أن الدفاع القضائي عن الدولة لا يكون بالعلم مهما غزر ، وإلا كانت كليات الحقوق أولي الجهات بهذا الدفاع ..وإنما يكون بالسلطة القضائية العليا ، كل ما هنالك انه يشترط ان تتحلي هذه السلطة بالعلم حتى لا تخطئ الهدف .. فإن لم يكن المدافع عن الدولة صاحب سلطة قضائية ، فلا يجوز القول بأنه يصلح للدفاع عن الدولة .. فلا حماية للدولة إلا من سلطة قضائية عليا فلا تحدثنى عن تشريعات ما قبل الثورة فهي التى قننت الفساد ، لذلك حرص الدستور الحالي أن ينص صراحة علي ضمان أن يكون لأعضاء هيئة قضايا الدولة كافة الضمانات وكافة حقوق أعضاء السلطة لقضائية ، وذلك حتى تتمكن من حماية حمى حقوق المجتمع ، التى لا يتصور حمايتها إلا عن طريق الحماية والدفاع بمفهوم “النصرة الذاتية للمشروعية ” ، بمعنى ان يكون المدافع عن الدولة سلطة قضائية أقوى من كل السلطات ، حتى يتمكن المدافع عن الدولة من أن يرد السلطة الأخرى المخالفة للمشروعية إلي حظيرة المشروعية ، فلا يفل الحديد إلا الحديد ، ولا يرد السلطة عن ظلمها إلا سلطة أقوى منها ..
هذا هو الدفاع القضائي عن الدولة في مفهومه الطبيعي ، الذي تأخذ به فرنسا ، ومعظم الدول المتحضرة .. فالدفاع عن الدولة بمفهومه الثوري ، ومفهومه الحضاري هو ان يتحرك المدافع عن الدولة تلقائيا ليستكشف التجاوزات ضد المشروعية ، ويدافع ضد هذه المخالفة دفاعا وقائيا (استباقيا ) ليرد السلطة المخالفة ، أو الفرد المخالف ، حسب الأحوال لحظيرة المشروعية بدون عرض على القضاء . إن كان اعضاء الإدارات القانونية أصحاب سلطة قضائية دستورية مستقلة عن مجلس الإدارة ، بحيث يمكنهم إزالة اسباب مخالفة المشروعية حتى ولو كان المخالف هو عضو أو رئيس مجلس الإدارة .. إن كانوا كذلك ، فهم زملاء لمستشاري هيئة قضايا الدولة ، أما وهم ليسوا سلطة قضائية ولكنهم يدافعون عن وجهة نظر رئيس مجلس الإدارة في حدود ونطاق التوكيل ، فهم لا يصلحون إلا للدفاع عن أعمال الإدارة في الشركة في حدود وجهة نظر رئيس مجلس الإدارة ، فلهم وجهتهم ، ولمستشاري السلطة القضائية وجهة أخري دونما زمالة بينهم ؛ فلا زمالة ولا خلط بين عمل مصدره وكالة ، وبين عمل مصدره سلطة قضائية دستورية .
بقلم المستشار د. عبد الله خلف
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً