الضبط القضائي في السعودية
بواسطة باحث قانوني
واجبات الضبط القضائي في حالة التلبس
متى توافرت حالة التلبس واستوفت شرائط صحتها فإن القانون يوجب على ضابط الشرطة القضائية القيام ببعض الإجراءات، ويخوله في سبيل إثبات الجريمة المساس بحريات الأشخاص وبحرمة مساكنهم. غير أن هذه الإجراءات قاصرة على حالة التلبس بجناية أو جنحة عقوبتها الحبس دون باقي الجرائم وذلك على النحو التالي:
1- وجوب الانتقال إلى مكان الجريمة فورا
أشرنا إلى أن ضابط الشرطة القضائية يستطيع في غير حالة التلبس أن ينتقل إلى مكان وقوع الجريمة لمعاينة والتحفظ على الآثار موجودة به، ويقوم بجمع التحريات اللازمة، كما أنه يقوم بضبط ما قد يوجد به من أشياء تفيد في إثبات الجريمة،
ولقد نصت على ذلك المادة 31 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي حيث قالت :-
يجب على رجل الضبط الجنائي – في حالة التلبس بالجريمة – أن ينتقل فوراً إلى مكان وقوعها ويعاين آثارها المادية ويحافظ عليها، ويثبت حالة الأماكن والأشخاص، وكل ما يفيد في كشف الحقيقة، وأن يسمع أقوال من كان حاضراً، أو من يمكن الحصول منه على معلومات في شأن الواقعة ومرتكبها• ويجب عليه أن يبلغ هيئة التحقيق والادعاء العام فوراً بانتقاله
اما المادة 42 من القانون الجزائري أوجبت على ضابط الشرطة القضائية المبادرة إلى الانتقال إلى مكان الجريمة فور إبلاغه بها متى كانت في حالة تلبس،واتخاذ الإجراءات إذ يتوقف على السرعة والعناية في اتخاذ نجاح التحقيق وبديهي أن التزام ضابط الشرطة القضائية بالانتقال إلى مكان الجريمة لا محل له إذا كان موجودا به من قبل وشاهد الجريمة في حالة تلبس. أما إذا أبلغ بها فأسرع إلى مكانها،فلا تقوم حالة التلبس إلا إذا شاهدها بنفسه . ولضابط الشرطة القضائية أن يستعين بالفنيين المؤهلين لإجراء المعاينات الآزمة للمحافظة على أثار الجريمة إذا كان لا يمكن تأخيرها خشية زوالها.
2ـ التفتيش والضبط:
إن تفتيش المساكن من إجراءات التحقيق، ولا يجوز الالتجاء إليه إلا بناءاً لاتهام موجه لمن يقيم في المسكن المراد تفتيشه بارتكاب جريمة أو اشتراكه فيها أو أنه حائزٌ ما يفيد في كشف حقيقتها.
ومتى جاز لرجل الضبط الجنائي القبض على المتهم حسب ما خوله النظام في أحوال التلبس فإنه يكون بذلك قد أهدر حريته وجاز له تفتيشه، ويشمل ذلك تفتيش جسده، وما يلبسه، وما يحمله، وما يركبه من سيارة أو دابة، ويقوم رجل الضبط الجنائي بالتفتيش بنفسه ولا يوكله لأحد مرؤسيه إلا في الحالة أن يكون المراد تفتيشه أنثى فيندب لتفتيشها أنثى مثلها
وتفتيش المساكن لا يشترط منه أخذ الأذن من هيئة التحقيق لإجرائه إلا إن كانت مسكونة وهي حالة انفرد بها نظام الإجراءات الجزائية السعودي، حيث أن قانون الإجراءات الجنائية المصري لم يخولها لمأمور الضبط القضائي، فيما يمنح القانون الفرنسي هذه السلطة لمأمور الضبط في أحوال التلبس في جناية، ويُلاحظ أن مثل هذه القوانين قد أعطت المساكن ضمانة إجرائية أكثر من أصحابها مع أن حرمة المساكن مستمدة من حرمة أصحابها، علماً أن هذه الإجراءات جوازية خاضعة للسلطة التقديرية لرجل الضبط الجنائي، فإن قدّر أن تفتيش شخص المتهم أو مسكنه بعد حالة التلبس مهمة في كشف الحقيقة فله أن يجري التفتيش وإن لم يظهر له ذلك فيمكنه ألا يجريه لذلك جاء نص المادتين (42) و(43) من نظام الإجراءات الجزائية بصيغة الجواز.
ولا يجوز تفتيش المساكن إلا للبحث عما يفيد في كشف الحقيقة في الجريمة التي يجري التفتيش لأجلها، ومع ذلك إذا ظهر عَرَضاً أثناء التفتيش ما يفيد في كشف الحقيقة عن جريمة أخرى، أو ما يُعد حيازته جريمة وجب على رجل الضبط الجنائي ضبطها، وإن كان ما تم ضبطه لا يمكن تحريزه فإن محله الموجود فيه هو حرزه، حيث يقوم رجل الضبط الجنائي بوضع الأختام على الأماكن التي بها آثار مادية تفيد في كشف الحقيقة، وتفتيش المساكن يشمل ما بها من غرف، وأثاث، والآت، وأدوات، ومعدات، وغيرها، ولا يمكن أن يستتبع تفتيش المنزل تفتيش أحد من ساكنيه من غير المتهمين إلا في حالة ما إذا ظهر أن أحدهم يخفي معه ما يفيد في كشف الحقيقة ، هذه القيود والضمانات يجب التقيد بها عند تفتيش المساكن حمايةً لحرمتها واحتراماً لخصوصية وسرية ساكنيها، وبالتالي فإن رضاهم بتفتيش مساكنهم يُخوِّل من له الصلاحية نظاماً بذلك أن يجريه، على أن تتوفر في الرضا كل شروطه بأن يكون صريحاً لا لبس فيه، ومعلوماً لدى صاحب المسكن أن مُجريه لم يكن ليتمكن من التفتيش نظاماً لولا رضاه بذلك، وأن يكون صادراً ممن يملكه، ويكون إثبات هذا الرضا مسألة تقديرية لمحكمة الموضوع ، وأي إخلال بهذه الضمانات يُعد مخالفة تُعيب الإجراء قد يترتب عليها البطلان.
3ـ جمع الإيضاحات:
كالشأن في غير حالة التلبس يستطيع ضابط الشرطة القضائية أن يسمع أقوال الحاضرين بمكان الواقعة وغيرهم كالمجني عليه أو الجيران والخدم أو الأقارب وكل من يمكن أن يكون لديه معلومات تتعلق بالوقائع موضوع الجريمة،كما يمكن أن يسمع أقوال المشتبه في مساهمتهم في الجريمة أيضا، وذلك دون حلف اليمين ويستطيع أعوان الضبط القضائي مباشرة هذا الإجراء أيضا.
كما له ان يمنع الحاضرين من الإقتراب من موقع الجريمة ولقد نصت على ذلك المادة 32 من نظام الإجراءات الجزائية السعودي حيث قالت
لرجل الضبط الجنائي عند انتقاله – في حالة التلبس بالجريمة – أن يمنع الحاضرين من مبارحة محل الواقعة أو الابتعاد عنه، حتى يتم تحرير المحضر اللازم بذلك• وله أن يستدعي في الحال من يمكن الحصول منه على معلومات في شأن الواقعة•وإذا خالف أحد الحاضرين الأمر الصادر إليه من رجل الضبط الجنائي أو امتنع أحد ممن دعاهم عن الحضور؛ يثبت ذلك في المحضر، ويحال المخالف إلى المحكمة المختصة لتقرير ما تراه بشأنه
وذلك نظراً لما تنطوي عليه الجرائم من إخلالٍ بالأمن والنظام العام، وما يتبعه من سرعة في الإجراءات لجمع الأدلة والمعلومات عنها وضبطها، وما في ذلك من مساس بحريات الناس وحقوقهم الأساسية التي ضمنتها الشريعة الإسلامية والدساتير والأنظمة المختلفة، لذا فمن الواجب أن تمر الدعوى بمرحلة أولية هي التحري وجمع الاستدلالات لجمع الأدلة المثبتة لوقوعها ونسبتها إلى فاعلها، ومن أهم ما يُميز هذه المرحلة إنها قد تكون سابقة على اكتشاف الجريمة حيث يكون غرضها الكشف عنها، أو لاحقة لها تستهدف الجاني والتعرف على شخصيته، وقد خول نظام الإجراءات الجزائية، هذه المهمة لرجال الضبط الجنائي بإشراف هيئة التحقيق والإدعاء العام كما جاء في الفصل الأول من الباب الثالث من النظام، كذلك نصت م(8) من مشروع اللائحة التنظيمية لهيئة التحقيق والإدعاء العام على مهام رجال الضبط الجنائي، والتي أهمها ما يهدف إلى جمع الأدلة وضبطها، وهي تلقي البلاغات والشكاوي، والتحريات، والحصول على جميع الإيضاحات المهمة، وإتخاذ الإجراءات التحفظية، مع تسجيل لكل ما قاموا به من أعمال لإثباتها، وهذه الأعمال هي:
1- تلقي البلاغات والشكاوي:
من المعلوم أن تقديم البلاغات ليس واجباً على الأفراد العاديين ولكن عندما يُبلّغ الفرد العادي عن جريمة ما فيجب أن تكون معلوماته التي يُدلي بها صحيحة وإلا اصبح عرضة للعقاب، وفي المقابل إن كان بلاغه صحيحا فانه يستحق مكافأة بناء للأمر السامي رقم 7/د/8776 في 9/4/1400هـ، وذلك على حسب الدور الذي يؤديه، وهذا عند من يعتبر البلاغ حقا للمواطن له فيه حرية التصرف، إلا أن فريقاً آخر يرى أن البلاغ واجب على كل من علم بأمر الجريمة أما الموظفون
العموميون المكلفون بخدمة عامه فإن هذا واجب عليهم وقد نصت المادة (27) من نظام الإجراءات الجزائية “على رجال الضبط الجنائي واجب قبول البلاغات والشكاوي في جميع الجرائم”.
2- التحريات:
من الأعمال المفروضة على رجال الضبط الجنائي والتي يما رسونها بأنفسهم، أو عن طريق مرؤوسيهم هي إجراء التحريات عن الوقائع التي تصل إلى علمهم وتُمثل إخلالاً بالأمن والنظام بأن تكون من قبيل الجرائم وذلك لغرض الكشف عن الحقيقة فيها
2- الحصول على جميع الإيضاحات المفيدة: يعني أن يُحاول رجل الضبط الجنائي جمْع كل ما يستطيعه من معلومات سواء من الشاكي أو المبُلِّغ، وعليه أن يسمع أقوال كل من لديه معلومات عن الواقعة الجنائية، وله الحق في سؤال المتهم لإستيضاح ما حدث بصفة عامة وليس له استجوابه، فالإستجواب من اختصاص المحقق الذي يمثله أعضاء هيئة التحقيق والإدعاء العام، لأن الاستجواب يعني مواجهته بالأدلة والقرائن القائمة قبله وأخذ أقواله عنها اعترافاً أو إنكاراً وتفنيدا، وهذا هو منطوق المادة(28) من نظام الإجراءات الجزائية التي تنص على أنه “لرجال الضبط الجنائي في أثناء جمع المعلومات أن يستمعوا إلى أقوال من لديهم معلومات عن الوقائع الجنائية ومرتكبها، وأن يسألوا من يُنسب إليه ارتكابها….}
4- اتخاذ الإجراءات التحفظية:- تهدف هذه الإجراءات إلى المحافظة على مكان الجريمة وما يحويه من أدله وقرائن حتى لا تصل إليها يد الطمس والتلفيق، ولرجل الضبط الجنائي أن يأمر الحاضرين بعدم مبارحة المكان وإن خالف أحد منهم أمره أو امتنع عن الحضور فيُثبت ذلك في محضر يُحال مع المخالف إلى المحكمة المختصة.
5- تسجيل المحاضر المُثبته لما قاموا به من أعمال:-ألزم نظام الإجراءات الجزائية السعودي رجال الضبط الجنائي بأن يجمعوا الإجراءات التي يقومون بها في محاضر تُثبتها، ويوقعون على هذه المحاضر، مع تسجيل ملخص لها في سجل مُعد لذلك، وإثبات ذلك في محاضر.
اترك تعليقاً