موجز قانوني عن التنظيم القضائي في الولايات المتحدة الأمريكية
يتميز التنظيم القضائي في الولايات المتحدة الأمريكية بوجود مجموعتين متوازيتين من المحاكم هما :
محاكم الولايات ، والمحاكم الاتحادية . فما هي بنية كل منهما، وما هي اختصاصاتها ؟
محاكم الولايات
هناك أساسا مصدران للحقوق في الولايات المتحدة :
الاجتهاد والتشريع , وقديمكن القول بوجود مصدر ثالث هو العرف , إلا أنه يلعب دورا ثانويا نسبيا. ذلك أنه إذا كان مفيدا في تفسير عقد من العقود مثلا , أو تقرير مطابقة تصرف ما للعادات الجاري بها العمل , فمن
النادر أن يؤدي العرف إلى خلق قواعد حقوقية جديدة.
إن أفضل منهجية لدراسة مصادر الحقوق تقضي بالانطلاق من التنظيم القضائي .
يشكل الاجتهاد في الولايات المتحدة ( وكذلك بقية البلدان التي تستند الى القانون القضائي العام Common Law المصدر الرئيسي للحقوق وذلك بالرغم من أن قوته أدنى من قوة القوانين , وبالرغم من إمكانية تغببره بواسطة التشريع .
وعلى إثر إرساء أسس إتحاد أمريكي من نوع خاص (Sui generis ) نشأ تنظيم قضائي قائم على تعايش بين نظام للمحاكم الإتحادية على المستوى الوطني , وخمسين محكمة من محاكم الولايات .
لمحاكم الولايات النصيب الأكبرمن المنازعات. ولكل ولاية, بمقتضى نصوص دستورية أو تشريعية ,بنيتها القضائية الخاصة بها, فمن غير الممكن , نظرا لهذا التنوع , تقديم تحليل معمق للوضع في حميع الولايات . وفي الأعم الأغلب 0 تحتفظ محاكم الولايات ببصمات الحقبة الزمنية التي نشأت فيها, بينما تكون الظروف والأفكار قد تبدلت أولم تعد تلائم العصر.
يعود تأسيس أولى المحاكم إلى نهاية القرن الثامن عشر , وهي فترة كان فيها التنقل عسيرا والاتصالات بطيئة . لذا تم تأسيس عدد معين من المحاكم ذات الاختصاص العام , من أجل إتاحة مجالات العدالة للمتقاضين , الذين سرعان ما اعتبروا محكمة ا الولاية الموجودة في مقاطعتهم وكأتها ملكية شخصية لهم ، وقد استمر التمسك بالسياسة الرامية إلى الإكثار من المحاكم ولا مركزية العدالة إلى الوقت الحاضر. ومع ذلك، فإن جهودا هامة قد بذلت في السنوات الأخيرة من أجل تبسيط النظام القضائي للولايات ، وتحسين ممارسة العدالة ، وذلك بفضل نشاط الجمعية الأمريكية لتحسين العدالة ، وهيئات المستشارين القانونيين التي أنثسئت في العديد من الولايات ،بغرض دراسة وتحديث النظام القضائي المحلي .
توجد في كل ولاية محاكم ابتدائية ذات اختصاص عام ، هي : محاكم المقاطعة ذات الاختصاص المكاني District، والمحاكم الوسطىCourts ٍSuperiors والمحاكم الدورية للمناطق Circuit Courts أو المحاكم الابتدائية العامة (Courts of common pleas ) ، ويترأس الجلسات في هذه المحاكم قاض منفرد تساعده أحيانا هيئة محلفين ، ينظر عموما في القضايا المدنية والجنائية ، ماعدا تلك التي يعود إختصاص النظر فيها الى محاكم أو غرف ذات اختصاص محدد ، كمحاكم الجنايات ومحاكم الشؤون العائلية ومحاكم الأحداث ومحاكم المواريث ، التي تختص بالنظر في نفاذ وصايا المورثين(de cujus ) وتعين مديرين لأموالهم … الخ .
بالإضافة إلى ذلك تتولى النظر في القضايا الثانوية البسيطة ، محاكم أدنى من التي مر ذكرها (محاكم الأقاليم ، المحاكم البلدية ، المحاكم الابتدائية الصغرى، محاكم الشرطة البسيطة ومحاكم المرور) التي حلت محل قضاة الصلح
(Justices of peace) ،( وهم موظفون قضائيون ذوو اختصاص مدني وجزائي محدود) المولج إليهم تقليديا الاختصاص في الميادين المذكورة .
وخلافا لبعض البلدان الأخرى ، ليست هناك محاكم إدارية ولا محاكم تجارية في الولايات المتحدة ، سواء على مستوى الولايات ،أو على المستوى الإتحادي.
على مستوى الولايات تحتل قمة النظام القضائي ، محكمة الإسشئناف العليا (Court of appeals) وتتشكل فى أغلب الأحيان من سبعة قضاة ( يتراوح عددهم بين ثلاثة وتسعة ) يرأسهم رئيس مستشارين ( Chief justice ) وقضاة معاونون (Associate justices)
وأمام ارتفاع عدد الدعاوى الإستئنافية تم اللجوء إلى طريقين ، بهدف تسهيل مهمة محاكم الاستئناف . ففي بعض الولايات ، قسمت المحكمة العليا إلى غرف أو أقسام لكل منها اختصاص عام ؛ كما اتخذت تدابير للحيلولة دون وقوع اختلاف في الاجتهاد بين هذه الغرف . وفي ولايات أخرى أنشئت محاكم استئناف و وسيطة تدعى (Courts of appeals أو Appellate courts) ، تحتل درجة تقع بين المحاكم ذات الاختصاص العام والمحكمة العليا . ولا بد من القول أنه لا توجد في أغلب الولايات محكمة استئناف وسيطة ولا غرف للمحكمة العليا .
المحاكم الاتحادية :
ان دساتير الولايات المتحدة الأمريكية ، بإعطائها للكونغرس سلطة خلق محاكم اتحادية دنيا إذا رأى ذلك ضروريا ، تكون قد ضمنت.مرونة النظام القضائي الإتحادي ، وفتحت الطريق أمام حلول عملية . ويضمن هذا النظام ثلاثة مستويات رئيسية هي : محاكم المقاطعات ذات الاختصاص المكاني (District Courts) ومحاكم الاستئناف (Courts of appeals) والمحكمة العليا (Supreme Court) ، وهناك بالإضافة إلى ذلك محاكم خاصة ذات إختصاص محدود هي :
محكمة المطالبات (Court of Claims) ومحكمة استئناف المواد الجمركية والبراءات (Court of Customs and Paten Appeals) ومحكمة الاستئناف العسكرية (Court of Military) . وبالرغم من عدم وجود قضاء إداري بمعنى الكلمة ، فإن هناك العديد من المحاكم الإدارية ذات المهام القضائية ، إلا أنها لاتتوافر على الولاية القضائية التي للمحاكم .
تفصل محاكم المقاطعات ذات الاختصاص المكاني (District Courts) ابتدائيا في القضابا ، ونظرا لتوافرها على اختصاص عام في الحقلين المدني والجزائي ، يمكنها الفصل في دعوى الإفلاس والقضايا المتعلقة بالقانون البحري . ولها بالإضافة إلى ما ذكر سلطة الرقابة على قرارات بعض الأجهزة الإدارية الاتحادية , ويوجد 86 محكمة من هذا النوع في الولايات الخمسين المتحدة ، ويتحدد اختصاصها المكاني بالولاية التي يوجد بها مقرها ، عدا بعض الحالات . ويتفاوت عدد القضاة تبعا لحجم القضايا ، ويترأس الجلسات عادة قاض منفرد حتى عندما لا تكون هناك هيئة محلفين . وفي القضايا ذات الأهمية الخاصة يشترط وجود ثلاثة قضاة ، ضمنهم قاض من محكمة اتحادية أعلى .
تستأنف الأحكام الصادرة عادة أمام محكمة استئناف المنطقة القضائية (Court of appeals) التي تكون المقاطعة ضمن إطارها ، كما أن المحكمة العليا يمكنها النظر في طلبات الاستئناف المرفوعة ضد أحكام محاكم المقاطعات في بعض الحالات . ويوجد أحد عشر منطقة قضائية (Circuits) تشمل كل منها عدة ولايات ومقاطعات (Districts)عدا واحدة منها تقتصر على ولاية كولومبيا . ولما كانت محاكم استئناف المنطقة هي محاكم استئناف وسيطة في النظام القضائي الاتحادي ، فإنها تفصل في المرحلة الأخيرة من الدعوى في أغلب القضايا الاتحادية ، بسبب الحدود المفروضة على عمل المحكمة الاتحادية العليا . وبما أنها تنظر في الطعون الإستئنافية المثارة ضد أحكام مجاكم المقاطعات ، فبإمكانها كذلك النظر في قرارات بعض الأجهزة الإدارية الاتحادية ، وقرارات المكتب الوطني للعلاقات بين الأجراء وأرباب العمل مثلا . وتنعقد الجلسات في هذه الحاكم عموما بحضور ثلاثة قضاة ، علما بأن عدد القضاة فيها قابل للتغيير .
يعود النظر في قرارات محاكم الاستئناف للمحكمة العليا . ويبلغ عدد قضاتها منذ عام 1869تسعة قضاة (رئيس مستشارين (Chief justices)وثمانية مستشارين مساعدين (Associate justices) يعقدون جلسات جماعية ، وهذا العدد محدد من قبل الكونغرس.
والمحكمة العليا هي الجهاز القضائي الوحيد الذي خلقه الدستور :
فجميع المحاكم الأخرى أقامها الكونغرس بمقتضى التفويض الذي منحه إياه الدستور . وسنلاحظ أن المحكمة العليا ليست الجهاز القضائي الاستئنافي الأعلى على مستوى الاتحاد فحسب ، وإنما لها كذلك صلاحية معينة في الرقابة على أحكام وقرارات محاكم الولايات ، ومع ذلك فإن اختصاصها في هذين الميدانين لا يمتد إلا إلى عدد قليل من القضايا .
اختصاص المحاكم الاتحادية :
إن مشكلة توزيع الاختصاصات بين محاكم الولايات الاتحادية تدخل في الإطار العام لتوزيع السلطات بين الولايات والأجهزة الاتحادية . فللولايات أو للمواطنين ، بمقتضى الدستور ، جميع السلطات ما عدا تلك التي تعود بصراحة النص للحكومة الاتحادية . ولما كان كل ما لم يمنح حصراً للمحاكم الاتحادية يدخل في مجال اختصاص محاكم الولايات ، فمن المعتاد أن يدرس اختصاص المحاكم الأولى من أجل معرفة توزيع السلطات بين صنفي المحاكم هذين .
ولما كانت محاكم المقاطعات الاتحادية ذات الاختصاص المكاني (District Courts ) قد أنشأت من قبل الكونغرس ، فإن اختصاصها معين ليس فقط بالمقتضيات الدستورية المتعلقة بالسلطة القضائية الاتحادية ، وإنما أيضاً بالتشريع الاتحادي الذي وقع تبنيه اعتباراً من القانون الأول بشأن التنظيم القضائي ، المصوت عليه عام 1789 . ولم تكن للكونغرس حاجة لأن يستخدم السلطات التي منحها إياه الدستور استخداماً كاملاً من أجل تحديد سلطة محاكم المقاطعات الاتحادية . إن هذه المحاكم تنظر في المجال الجنائي حيث يكون عدد القضايا مهماً ، في جميع الخروق الموجهة ضد القانون الاتحادي .
أما في المجال المدني فإنها تفصل أساساً في ثلاثة أنواع من القضايا :
1 – القضايا التي تكون الولايات طرف فيها .
2 – القضايا التي تهم الخواص والتي تحكمها قوانين اتحادية وذلك بمقتضى اختصاصها في ( المسائل الاتحادية )
3 – القضايا التي تتعلق بمواطني الولايات المختلفة ( تباين الولاية القضائية ) .
الطائفة الأولى : من هذه القضايا تتضمن الدعاوى الموجهة من طرف دولة الولايات المتحدة الأمريكية ، ومن طرف أي منظمة أو أي موظف في هذا البلد يكون الكونغرس قد منحه صراحة سلطة ممارسة المتابعة القضائية ، وكذلك دعاوى معينة مرفوعة ضد دولة الولايات المتحدة الأمريكية يكون الكونغرس قد منح اختصاص النظر فيها إلى محاكم المقاطعات الاتحادية .
وتدخل في إطار الطائفة الثانية ، المنازعات المتعلقة بتطبيق الدستور ، و القوانين والاتفاقيات التي شرعتها وأبرمتها دولة الولايات المتحدة الأمريكية ، والتي تقوم على مبالغ تتجاوز عشرة آلاف دولار . وهكذا ، فإن المحاكم الاتحادية تتمتع بالاختصاص في تأكيد الحقوق ذات الأصل الاتحادي .
أما الطائفة الثالثة ، فتشمل المنازعات التي يكون أطرافها مواطنوا ولايات الاتحاد المختلفة أو مواطنوا الدول الأجنبية التي تتجاوز مبالغها عشرة آلاف دولار.
إن وجود هذه الطائفة في القضايا ، يحتاج إلى تبرير أكثر، ويحتج عموماً في هذا المجال ، أن المؤسسين أرادوا استبعاد مخاطر التحيز الذي يمكن أن يقع ضحيته مثلاً ، دائن من ولاية نيويورك ، ملزم بالمطالبة بحقوقه تجاه مدينة من ولاية ماساتشوستس ، أمام محكمة محلية في هذه الولاية ، إلا أن التفضيل الذي يعبر عنه أصحاب الدعاوى اليوم نحو المحاكم الاتحادية ، يعود إلى الاعتقاد بأن هذه المحاكم تقدم ضمانات أكبر فيما يتعلق بالاختصاص و بالإجراءات وبالسرعة ، أكثر من عودته إلى الخشية من تعسف محاكم الولايات .
وقد كان تدخل المحاكم الاتحادية في المنازعات التي يكون أطرافها مواطنوا ولايات مختلفة وما يزال ، موضع انتقاد مستمر ، ويمثلمجال الاختصاص الأكثر إثارة للنقاش بالنسبة للسلطة القضائية الاتحادية .
منح الكونغرس للمحاكم الاتحادية اختصاصاً حصرياً للنظر في قضايا معينة ، وهكذا ، فالقضايا التي يدخل فيها القانون الجنائي الاتحادي ، وبعض نقاط القانون البحري ، وإجراءات الإفلاس ، ومسائل براءات الاختراع وحقوق تسجيل العلامات التجارية ، لا يمكن أن ترفع فيها أمام محكمة الولاية .
ومع ذلك ، فإن كل من المحاكم الاتحادية ومحاكم الولايات تتوفران ، في أغلب الحالات على نفس الدرجة والنوعية من الاختصاص ، بحيث يمكن للمتقاضي أن يرفع دعواه إلى أي منهما وهذه هي الحالة مثلاً بالنسبة للقضايا التي تخص مواطني الولايات المختلفة ، والعديد من القضايا التي تدخل في نطاق القانون الاتحادي . وتقوم المحاكم
الاتحادية في بعض الأحيان ، بفرض احترام الحقوق التي تكون مصادرها قوانين الولايات ، في حين تحرص محاكم الولايات على ممارسة الحقوق ذات الأصل الاتحادي ، أما إذا كان كل من نوعي المحاكم يتمتع بنفس الاختصاص ، وكانت الدعوى قد رفعت أمام محكمة من محاكم الولايات ، فللمدعى عليه الحق في نقل ملف الدعوى إلى محكمة المقاطعة . وعليه ، ففي القضايا التي يملك فيها كل من القضائين نفس الاختصاص ، يستطيع طرفا الدعوى الالتجاء إلى المحكمة الاتحادية ، حيث يستطيع المدعي ذلك ابتداء ، والمدعى عليه ، عن طريق نقل ملف الدعوى إلى تلك المحكمة.
وتفصل المحكمة العليا ابتدائياً ، بمقتضى الدستور في بعض أنواع القضايا على الأخص في المنازعات بين ولايات الاتحاد . ويتولى التحقيق في هذه القضايا موظف في المحكمة العليا معين خصيصاً للقضية المطروحة يدعى المشرف القضائي (Special master ) يقوم بتقديم تقرير في الموضوع إلى المحكمة العليا . غير أن هذه الحالات نادرة الوقوع ، ففي أغلب الأحيان تتدخل المحكمة العليا كمحكمة استئناف محدد اختصاصها من قبل الكونغرس في الإطار الذي يرسمه الدستور، ولا يبت بالنزاع في الموضوع بموجب هذا الإجراء الاستئنافي إلا في عدد قليل نسبياً من القضايا ، وهي تلك التي تهم عادة الرأي العام إضافة إلى أطرافها . وهكذا فمن بين القرارات الصادرة عن المحكمة العليا سنوياً ( وهي تفوق ألفي قرار ) نجد أقل من 15 % منها تبت في الموضوع وحوالي 7 % صدر بشأنها قرار مفصل .
إن إحدى العقبات الأساسية أمام عمل المحكمة العليا وكذلك أمام عمل المحاكم الاتحادية الأخرى ، تتأتى من كونها لا تتوفر على الاختصاص إلا في الدعاوي والنزاعات فهي تفصل بين الأطراف المتنازعة التي تكون مصالحها الفعلية موضع تصادم ، والتي ترغب في حسم الأمر، فهي لن تعطي رأياً حتى لو طلب منها رئيس الجمهورية ذلك ،وحتى لو تعلق الأمر بالمجال الدستوري. بالإضافة إلى ذلك ، ولكي يمكن للمحكمة العليا أن تتدخل في المسائل الاتحادية ، ينبغي أن تكون تلك المسائل هامة . وأخيراً فإنها غير ذات اختصاص كلياً من الناحية الاستئنافية ، فيما يتعلق بقرارات محاكم الولايات ، حينما تخص تلك القرارات المشاكل المتعلقة بقوانين الولايات ، ففي هذا المجال تكون محاكم الولايات مطلقة الصلاحية وقراراتها قطعية .
لقد قرر الكونغرس أن رقابة المحكمة العليا تمارس بموجب أسلوبين رئيسيين :” الاستئناف “، “وأمر تحويل الدعوى للمراجعة ” (Writ of certiorari ) . ولكي تمارس رقابة الاستئناف ، يجب أن يكون لها الحق في ذلك ،حيث يمكن رفع طلب استئناف ضد حكم نهائي لمحكمة ولاية قضى بنفاذ قانون محلي يدّعى بمخالفته للدستور أو للقوانين الاتحادية ، أو ضد قرار قضى بعدم نفاذ قانون اتحادي أو معاهدة ، وهو أمر نادر الوقوع ، كما يمكن في حالات استثنائية ،استئناف قرار لمحكمة اتحادية ، ومع ذلك لا يمكن في أغلب الحالات أن تقع مراجعة قرار ما بدون وجود أمر تحويل دعوى بغرض المراجعة ، أي بدون أمر من المحكمة العليا ، يلزم محكمة اتحادية دنيا أو محكمة ولاية قادرة على الفصل بأحكام نهائية بتأييد ملف الدعوى وإحالته إليها ، ويعود للمحكمة العليا أن تقرر إصدار أو عدم إصدار أمر التحويل هذا حتى لو كانت القضية تدخل في مجال اختصاصها ، وهي تصدر هذا الأمر بناء على التماس من أحد الأطراف ، في حالة وجود دعوى أمام محكمة استئناف اتحادية ،أو من أجل تدقيق حكم صادر عن محكمة ولاية من أعلى درجة ، حينما يتم اعتبار قانون محلي ما مخالفاً للدستور أو للتشريع الاتحادي مثلاً ، أو حينما تتم المطالبة بحق من الحقوق بمقتضى الدستور أو أحد القوانين الاتحادية .
بيد أن المحكمة العليا لا تصدر أمر تحويل للمراجعة إلا لأسباب خاصة ومهمة ، وكون قرار المحكمة الدنيا خاطئاً لا يشكل سبباً كافياً لإصدار هذا الأمر، إذ ينبغي لإصداره أن يكون هناك تناقض بين القرارات الصادرة عن محاكم الاستئناف الاتحادية لمناطق قضائية اتحادية وبين قرار المحكمة العليا نفسها ، ويرفع سنوياً ما يزيد على 1500
التماس إلى المحكمة العليا بهدف استصدار أمر بالتحويل للمراجعة ولا تلبي المحكمة العليا إلا حوالي 150 التماساً وترفض الالتماسات الأخرى معتبرة إياها لا تستوجب القبول .
القانون النافذ في المحاكم الاتحادية :
بما أن الحكومة الاتحادية لا تتمتع بسلطات غير ما يخوله إياها الدستور، فإن سمو القانون الاتحادي لا يمارس إلا في مجالات محددة ، وبما أن عملها قطاعي عموماً ، فمن النادر أن تقوم بإدارة ميدان محدد إدارة كاملة الشيء الذي يؤدي إلى أن النزاعات المرفوعة أمام المحاكم الأمريكية تطرح غالباً مشاكل معقدة في مجال التنسيق بين التشريع الاتحادي وتشريعات الولايات . فأمام محكمة ولاية أو محكمة اتحادية من الممكن أن يواجه إدعاء مقام على أساس حقوقي يخص الولاية بدفاع مستند إلى القانون الاتحادي ، وبالعكس يمكن لادعاء مقام على أساس القانون الاتحادي أن يواجه بدفاع يستند إلى قانون من قوانين الولايات . لذا فمن الشائع أن تجد المحاكم الاتحادية نفسها ملزمة بتطبيق تشريع الولايات .
صحيح أن تطبيق قضاء ما لقواعد قانونية تعود لقضاء مختلف ، هو أمر لا يقتصر على النظام الاتحادي الأمريكي، غير أن الدور الذي تلعبه قوانين الولايات في المحاكم الاتحادية لا مثيل له .
في عام 1842 في قضية (Swift ) ضد ( Tyson) ، أفتت المحكمة العليا ، بأن على المحاكم الاتحادية أن تطبق بالنسبة للمسائل التي تدخل في الاختصاص التشريعي للولاية ، قانون الولاية ، إذا ما كانت المسألة تكتسي طابعاً محلياً . بيناً مثل : تشريع الولايات القرارات المفسرة لتشريعات الولايات القرارات المتعلقة بالملكية العقارية أو التي تقر أعرافا محلية الخ.. إلا أنه حينما تعتبر قوانين الولايات قوانين عامة ، أي- حسب تعبير المحكمة العليا – حينما يتعلق الأمر بمقتضيات تخص القانون القضائي العام (Common law ) ، فعلى المحاكم الاتحادية أن تبحث بنفسها عن المبادئ القانونية المناسبة ، وذلك باستنادها إلى المنطق والى السوابق القضائية ، وتقوم بتطبيقها حتى إذا كان مفهومها للقانون العام يختلف عن المفهوم الذي اعتمدته محاكم الولاية ذات العلاقة . وقد كان قرار المحكمة العليا هذا أساساً لقانون قضائي عام ، اتحادي حقيقي ، ملزم للمحاكم الاتحادية لكنه غير ملزم لمحاكم الولايات ، بحيث أن الآثار المترتبة على قضية من القضايا ، قد تختلف حسبما تكون المحكمة التي نظرتها ،اتحادية أو محكمة ولاية . وقد أدى هذا القرار في رأي معارضيه إلى إرباك كبير، ومنع عدداً من الولايات من السير في سياستها بصورة سليمة ، على إثر قضايا لا تدخل فيها أية مصلحة اتحادية ، وإنما تتعلق بمجرد نزاعات بين مواطني ولايات مختلفة . أما أنصار هذا القرار، فقد أكدوا من جهتهم ، بأنه قد أدى إلى التوحيد الذي لا غنى عنه للقانون .
اتبعت المحكمة العليا المبادئ التي أدت إلى إرسائها قضية (Swift ) ضد (Tyson ) لما يقرب من قرن من الزمان ، حتى تخلت عنها عام 1938 في قضية ( Erie RailroadCo) ضد (Tompkins ) . في هذه القضية ذات الأهمية التاريخية ، قدرت المحكمة العليا من خلال الرأي الذي قدمه القاضي ( Brandies) ، بأن القواعد الدستورية تلزم المحاكم الاتحادية بتطبيق كل من القانون القضائي و القانون التشريعي للولايات ، وذلك في المجالات التي يحصرها الدستور بالولايات . وقد أثار هذا القرار بدوره عدة مشاكل جديدة . واستناداً إلى التفسير الذي أعطته المحكمة العليا ، فإن المبدأ الذي جاء به هذا القرار، يعني أن على المحاكم الاتحادية حينما تفصل في القضايا التي يكون أطرافها مواطنين لولايات مختلفة ، داخلين في خصومات تتعلق بقوانين ولايات ، أن تصل عملياً إلى نفس القرار الذي تصل إليه محاكم الولايات التي توجد فيها مقارها . وقد نتج عن ذلك أفكار جديدة في مجال الاختيار بين القوانين ،فبعد أن كانت المحكمة تتبع عادة قواعدها الخاصة لتحديد أي القوانين ستقوم بتطبيقها عند الحاجة ، أصبح على المحكمة الاتحادية التي تطبق قانوناً من قوانين الولايات ، أن تتبع في مجال اختيار القانون ، قوانين الولاية التي يوجد فيها مقرها . بالإضافة إلى ذلك بالرغم من تطبيق المحكمة الاتحادية للقانون الاتحادي أكثر من تطبيقها لقوانين الولايات ، في مجال الإجراءات ، فإن القواعد التي من شأنها أن يكون لها تأثير حاسم على نتيجة المحاكمة ، تعتبر عموماً قواعد موضوعية أكثر منها إجرائية. إن الإلزام الكبير المفروض على المحاكم الاتحادية لاحترام قرارات المحاكم الدنيا للولايات ، وحتى حيثيات المحاكم العليا للولايات ، يشكل مشكلة معيقة ، إن لم نقل مشكلة لا مثيل لها ،تمثل بالنسبة للبعض مسا بهيبة السلطة القضائية الاتحادية . إن قوانين الولايات تثير داخل المحاكم الاتحادية مشاكل معقدة في مجملها لم تحسم بعد .
اترك تعليقاً