مقالة متميزة حول تقييم عمل الخبير
إذا كانت شهادة الخبير قد أدلى بها شفاهة أمام المحكمة فإن مسألة التقييم لهذه الشهادة تكون أمام المحكمة مباشرة وقت الإدلاء بالشهادة فالخبير يخضع لجميع الوسائل التي تجريها المحكمة والأطراف للتأكد من سلامة الشهادة التي يدلي بها الشاهد، وأبرز تلك الوسائل هي الاستجواب
يخضع الخبير بعد الإدلاء بشهادته، للاستجواب من قبل الأطراف والمحكمة والغرض من الاستجواب في هذه الحالة ليس هو التأكد من الحقائق العلمية البحتة التي تدخل في نطاق الخبرة والمعرفة التي ينفرد بها الخبير، إنما يكون الغرض من الاستجواب هو التحقق من كفاءة الخبير وممارسته الطويلة وسلامة الفهم للوقائع التي انبنى عليها التقرير دون الدخول كما ذكرنا في الطريقة العلمية أو الفنية التي تم بها تقييم الوضع، لأن هذا يدخل في نطاق عمل الخبير وحده وهو السبب الذي من أجله تم انتداب الخبير للشهادة أمام المحكمة فلا يجوز لجهة أخرى أن تتولى هذا الأمر في وجود الخبير، على أنه في حالة وجود أي تقصير واضح أو في حالة عدم اكتفاء المحكمة بشهادة الخبير لأي سبب فإنها تستدعي خبيراً آخر في نفس المجال أو توجه الخبير الأول بإكمال ما اعترى شهادته أو تقريره من نقص
يجوز للمحكمة الأخذ بالرأي الوارد في التقرير دون مناقشة الخبير الذي قام بإعداده، وذلك إذا كان التقرير واضحا لا لبس فيه ولا غموض ولكن في بعض الأحيان قد ترى المحكمة أو يرى أحد الخصوم دعوة الخبير الذي أعد التقرير لمناقشته في تقريره إذا كان التقرير في نظر المحكمة أو الخصم غير مكتمل أو يشوبه نوع من الغموض الذي يحتاج إلى توضيح لازم للفصل السليم في الدعوى. وفي هذه الحالة يمثل الخبير الذي أعد التقرير أمام المحكمة التي تصدر قرارها حول التقرير على ضوء ما تم من مناقشة للخبير ويكون لها أن ترى في هذه الحالة عدم كفاية الإيضاحات التي قدمها الخبير وفي هذه الحالة تكلفه بإكمال التقرير، أو توضيح بعض النقاط الغامضة فيه وهذا قد يستدعي إدخال بعض التعديلات على التقرير ويكون للمحكمة أيضا الحق في الاستغناء عن التقرير كليا وأن تعهد بالمهمة إلى خبير غيره
رغم أن الخبير هو الجهة الفنية المسئولة التي تستعين بها المحكمة لاستجلاء بعض الأمور الفنية التي لا تدخل في نطاق علم المحكمة أو الشخص العادي، بل وللإدلاء بالرأي والاستنتاج القاطع حول تلك الأمور، إلا أن البينة التي يدلي بها الخبير سواء أكانت في شكل شهادة أمام المحكمة أم في شكل تقرير مكتوب، هذه البينة تخضع بالكامل لسلطة المحكمة من ناحية التقييم والوزن الذي يجب أن يعطى لها حيث أن رأي الخبير لا يقيد المحكمة وإذا حكمت المحكمة خلافا لرأي الخبير بينت في حكمها الأسباب التي أدت إلى عدم الأخذ بهذا الرأي كله أو بعضه
وللمحكمة أن تأخذ بتقرير الخبير كله أو بعضه تبعا لما تقتنع به من صحة أسبابه وهي في ذلك لا تكون ملزمة بإبداء أسباب أخرى تبرر هذا الاقتناع والرد على المطاعن التي وجهها الخصوم إلى ذلك التقرير لأنها فيما أخذت به منه محمولا على أسبابه ما فيد أنها لم تجد في تلك المطاعن ما يستحق الرد عليه بأكثر مما تضمنه التقرير، كما لها ألا تأخذ به على الإطلاق على أن تورد أسبابها في ذلك
كما ان محكمة الموضوع لها أن تستقل بتقدير تقرير الخبير لأنه لا يخرج عن كونه عنصرا من عناصر الإثبات في الدعوى ولها أن تأخذ به كله أو بعضه أو تطرحه ولا تأخذ منه إلا بما تطمئن إليه لما لها من سلطة في تقدير الأدلة. إلا أن سلطة المحكمة في طرح ما لا تطمئن إليه من تقرير الخبير فيجب أن يقترن بها تسبيب عدم الأخذ بذلك التقرير كله أو بعضه
وتعتبر البينة المقدمة بواسطة الخبير أمام المحكمة للفصل في أي نوع من أنواع النزاعات ذات درجة عالية من الأهمية، لأن الخبير هو الشخص الوحيد الذي بمقدور المحكمة الاعتماد عليه كليا في بعض الحالات، وتستطيع أن تبني قرارها على ما يقدمه أمامها من إفادات أو تقارير مكتوبة. وما يجب ملاحظته هو، أنه ليس كل شخص بحكم درجته العلمية والمهنية وسنوات خبرته في المجال الفني المعين يكون مؤهلا للقيام بدور الخبير المساعد للمحكمة على الوجه الأكمل. إذ أنه في كثير من الأحيان ترتبط الخبرة أمام المحاكم بنوع معين من التدريب والممارسة. ففي مجال الطب مثلا، يكون الطبيب الشرعي هو الأكثر استعدادا وتدريبا في معاونة المحكمة مقارنة بالطبيب العادي الذي لا يعمل في مجال الطب الشرعي.
كذلك هناك العديد من الأقسام التي تعني بتقديم الخبرة في مختلف المسائل الجنائية وتتبع للشرطة، أي أنها تمثل تخصصات في مختلف المجالات العلمية التي يجب تطويعها بصورة معينة لتلعب دورها في معاونة القضاء في الكشف عن الجرائم وإجراء المحاكمات العادلة.
بالنسبة للقضايا المدنية لا نجد مثل هذا التحديد والتخصص الدقيق كما نجده في المسائل الجنائية، نظرا لأن طبيعة المسائل المدنية تختلف عن المسائل الجنائية في أنها تنشأ عن تعامل مباشر قائم على التراضي بين الطرفين لذا تكون جميع الوقائع المتعلقة بها على درجة من الوضوح ولهذا فإنه لا تثور مشكلة كشف الغموض المحيط بالوقائع إنما يكون دور الخبير فقط تحديد المسئولية بناء على الوقائع الظاهرة. وعلى العكس نجد القضايا الجنائية التي يختلجها الكثير من الغموض وتحتاج لطرق معينة لكشف غموض الجريمة والظروف المحيطة بها وشخصية الجاني أو الجناة وهذه أمور لا تجدي معها الخبرة أو الممارسة العادية في التخصص الفني إنما يجب أن تكون تلك الخبرة موجهة على نحو معين لتؤدي دورها على الوجه السليم، لذا نجد الخبراء في هذه المجالات يمارسون تخصصاتهم من داخل المؤسسات العدلية والشرطية مما يتيح لهم فرصة أكبر لأداء تلك الأدوار ومن ثم تنشأ الحاجة لتقوية ودعم الأقسام التي ترعى هذه التخصصات داخل الأجهزة المختلفة وذلك تبعا لتطور الجريمة وتعقد وسائلها.
اترك تعليقاً