مقال قانوني هام عن بيع الوارث الظاهر
المقصود ببيع الوارث الظاهر، هو أن شخصا يظهر بمظهر المالك يبيع ش يئا معين ا بالذات لشخص آخر حسن النية. فيظهر فيما بعد أن هذا الشخص ليس بالمالك، وهذا هو بيع ملك الغير.
وذهب الفقه إلى القول بصحة بيع الوارث الظاهر، أي نفاذ البيع في حق المالك الحقيقي حماية للمشتري حسن النية الذي يجهل عدم ملكية البائع للمبيع، واستقرارا للمعاملات بين الناس.
والملاحظ أنه لا يوجد نص في القانون الوضعي يعالج مسألة بيع الوارث الظاهر، وإنما الفقه والقضاء الفرنسي عالج هذه المسألة وعمد إلى تأصيل حماية المشتري من الوارث الظاهر بتطبيق قاعدة عرفية استقرت في فقه القانون المدني منذ أمد بعيد فأصبحت من أصوله العامة وهي أن الغلط الشائع يولد الحق.
أما القضاء المصري فقد حسم الموضوع في بادىء الأمر لصالح بيع ملك الغير، فاعتبرت محكمة النقض المصرية بيع الوارث الظاهر بيعا لملك الغير استنادا إلى النص القانوني الذي يعالج بيع ملك الغير المادة ( 466 ) من القانون المدني المصري، وقررت بأنه لا يجوز مخالفة القانون بدعوى استقرار المعاملات، إذ أن القانون عندما يريد حماية الأوضاع الظاهرة يقرر لها نصوصا استثنائية تعالجها من ذلك المادة ( 244 ) من القانون المدني المصري التي تعالج من يتعاقد بعقد صوري حيث تنص على أنه” 1- إذا أبرم عقد صوري فلدائني المتعاقدين وللخلف الخاص، متى كانوا حسني النية أن يتمسكوا بالعقد الصوري كما أن لهم أن يتمسكوا بالعقد المستتر ويثبتوا بجميع الوسائل صورية العقد الذي أضر بهم. 2- وإذا تعارضت مصالح ذوي الشأن فتمسك بعضهم بالعقد الظاهر وتمسك آخرون بالعقد المستتر كانت الأفضلية للأولين” والمادة( 333 ) التي تعالج مسألة الوفاء لغير الدائن من شخص حسن النية فنصت على أنه”إذا كان الوفاء لشخص غير الدائن أو نائبه، فلا تبرأ ذمة المدين إلا إذا أقر الدائن هذا الوفاء أو عادت عليه منفعة منه، وبقدر هذه المنفعة أو تم الوفاء بحسن نية لشخص كان الدين في حيازته” والمادة ( 1034 ) والتي عالجت مسألة الدائن المرتهن حسن النية، فنصت على أنه”يبقى قائما لمصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو إلغائه أو زواله لأي سبب آخر إذا كان هذا الدائن حسن النية في الوقت الذي أبرم فيه العقد ” وانتهت المحكمة من حكمها بقولها “وكان بيع الوارث الظاهر هو بيع لملك الغير وكانت عبارة النص واضحة في عدم سريان بيع ملك الغير في حق المالك، فإنه لا يجوز الخروج عن صريح النص بدعوى استقرار المعاملات”.
ولكن عاد قضاء النقض المصري من جديد ليقرر في حكم آخر قاعدة عامة مقتضاها حماية الأوضاع الظاهرة والمتعاملين معها بحسن نية، حيث جاء في الحكم الصادر بتاريخ 1986 ما يلي “وحيث أنه وان كان الأصل أن العقود لا تنفذ إلا في حق عاقديها، وإن – 2- 16 صاحب الحق لا يلتزم بما يصدر عن غيره من تصرفات بشأنها، إلا أنه وباستقراء نصوص القانون المدني يتبين أن المشرع قد اعتد في عدة تطبيقات هامة بالوضع الظاهر لاعتبارات توجبها العدالة وحماية حركة التعامل في المجتمع وتنضبط جميعها مع وحدة علتها واتساق الحكم المشترك فيها بما يحول دون وصفها بالاستثناء وتصبح قاعدة واجبة الإعمال متى توافرت موجبات إعمالها واستوفت شرائط تطبيقها مؤداها أنه إذا كان صاحب الحق قد أسهم بخطئه – سلبا أو إيجابا – في ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه، مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه للشواهد المحيطة بهذا المركز والتي من شأنها أن تولد الاعتقاد الشائع بمطابقة هذا المظهر للحقيقة، مقتضاها نفاذ التصرف المبرم بعوض بين صاحب الوضع الظاهر والغير حسن النية في مواجهة صاحب الخطأ.
بموجب الحكم الأول لمحكمة النقض اعتبرنا بيع الوارث الظاهر بيعا لملك الغير، ولكن ما هو القول بالنسبة للحكم الأخير، هل يعتبر بيع الوارث الظاهر بيعا لملك الغير في ظله؟ في الحقيقة إن الإجابة على هذا السؤال تقتضي منا القول بأنه إذا كان البائع يعتقد بأنه فعلا هو المالك والناس هم من حملوه على هذا الاعتقاد وكان المالك الحقيقي قد أسهم خطأه سلبا أو إيجابا في ظهور ذلك البائع بمظهر المالك الحقيقي وكان المشتري يجهل مخالفة هذا المظهر للمالك الحقيقي ولم يكن يستطيع أن يتبين هذا الواقع ببذل جهد معقول( 2) وكان البيع الصادر من الوارث الظاهر إلي المشتري حسن النية بعوض حقيقي. نخضع حينها لقاعدة حماية الأوضاع الظاهرة والمتعاملين معها بحسن نية ” المشتري” ولا يأخذ هذا البيع حكم بيع ملك الغير وإنما يأخذ حكم البيع الصحيح النافذ في حق المالك الحقيقي نزولا لمقتضيات حسن النية واستقرار المعاملات.
أما لو تبين أن البائع يتصرف في حكم المالك وهو يعلم أنه غير مالك، فهذا يعد بيع لملك الغير ولو تبين أن المالك الحقيقي يتصرف على أنه مالك – حتى لو لم يصرح بأنه مالك – وقام آخر اعتقادا منه أنه مالك بالبيع، لكنا أمام بيع لملك الغير. ولو تبين أن المشتري بإمكانه لو بذل بعض الجهد أن يعلم بأنه يتعامل مع غير المالك ولم يقم بذلك فإننا نكون أمام بيع لملك الغير.
ولو تبين أن البيع الصادر من الوارث الظاهر إلى المشتري حسن النية بغير عوض لكان هذا بيعا لملك الغير.
وأخيرا نقول أن بيع الوارث الظاهر هو من حيث المبدأ بيع لملك الغير ما لم يتبين أن هذا البيع قد صدر من بائع يعتقد أنه مالك لصالح مشتري يعتقد هو الآخر أنه يتعامل مع مالك الشيء المبيع لان الوضع الظاهري يؤيد اعتقاده، حينها فقط يصح البيع وينفذ في حق المالك الحقيقي، حماية للأوضاع الظاهرة والمتعاملين معها بحسن نية.
اترك تعليقاً