موضوع قانوني متميز عن الأثر الفوري لتطبيق القوانين
تشريعات القضاء المدني من حيث الزمان :
تخضع تشريعات القضاء المدني لما تخضع له سائر التشريعات من حيث سريانها . فهي كغيرها ذات الأثر فوري ruubier (Paul) :le droit transitoire . Paris I 960,no.IOI)
أي أنها تنطبق مباشرة على الأعمال والوقائع التي تحدث بعد نفاذ التشريع . وهي من ناحية أخري ليس لها أثر رجعي , أي أنها تحترم الأعمال والوقائع التي تمت في ظل القانون السابق , مما يعني أن الأعمال التي تمت وفقا للقانون السابق تبقي أثارها خاضعة لهذا القانون .
على أن ما تقدم لا ينفي أن هناك صعوبة خاصة بتشريعات القضاء مردها أن الخصومة بطبيعتها مكونة من أعمال متتابعة زمنيا تمتد عادة لبعض الوقت , مما يجعل احتمال صدور تشريع جديد قبل انتهائها أمر كثير الوقوع .ويمكن القول بأنه عند صدر تشريع جديد فان هذا التشريع يجد نفسه أمام ثلاثة أنواع من الخصومات :
أولا : خصومات سابقة :
ليس للتشريع الجديد أي سريان عليها . فجميع الأعمال التي تمت فيها أثار هذه الأعمال ، تبقي خاضعة للتشريع القديم . فإذا صدر تشريع يغير من طريقة رفع الدعوى ، أو يمنع من قبول أدلة معينة أو يحرم حكما معينا من حجيته أو يلغي طريق تنفيذ , فإن هذا التشريع لا يسري علي الخصومة التي انقضت , ولا يبطل طريق التنفيذ الذي تم.
ثانيا : خصومات مستقبلية:
أي الخصومات لم تكن قد بدأت بعد صدور التشريع الجديد وهذه تخضع له علي الاتي :
أ – الحق في طريق معين للحماية القضائية : يخضع للقانون الساري وقت ممارسته , بمعني أنه لا يمكن استعماله إلا إذا كان القانون الساري وقت بدء الخصومة يعترف به . فإذا ألغي تشريع جديد طريق حماية قضائية بواسطة خصومة معينة أو بواسطة طريق تنفيذ معين , زال تبعا لذلك الحق الحصول علي الحماية القضائية بواسطة هذا الطريق ولو كان هذا الحق قد نشأ قبل التشريع الجديد.
ب – إجراءات الخصومة : تخضع إجراءات الخصومة للتشريع الجديد السابق علي بدئها.
ج – أدلة الإثبات : يثير سريان القانون من حيث الزمان مشكلة خاصة بالنسبة للإثبات ، إذا صدر القانون في الفترة بين الواقعة محل الإثبات وبدء الخصومة . ومن المتفق أنه بالنسبة للقواعد الإجرائية ، أي القواعد التي تنظم كيفية تقديم أدلة الإثبات أمام القضاء , يسرى القانون الجديد النافذ قبل اتخاذ هذه الإجراءات ولو كانت الواقعة القانونية محل الإثبات قد تمت في ظل قانون سابق.
ثالثا : خصومات قائمة : الاتجاه السائد في الفقه هو تطبيق التشريع الجديد فورا.فتخضع الإجراءات التي تمت قبل صدوره للتشريع الذي تمت في ظله,أما الإجراءات اللاحقة فتخضع للتشريع الجديد.ويستند هذا الاتجاه نظريا إلى ان كل إجراء يعتبر ـ وان شارك في الخصومة ــ عملا قانونيا مستقلا ، ويحتم مبدأ الأثر الفوري للتشريع وعدم رجعيته إخضاع كل إجراء للتشريع الذي تم في ظله. وهذا الاتجاه هو الذي قننته مجموعة المرافعات المصرية بنصها في المادة الأولي منها علي أن تسري (( تسري قوانين المرافعات علي ما لم يكن قد فصل فيه من الدعاوى أو تم من الإجراءات قبل تاريخ العمل به)) ، وبنصها من ناحية أخري في المادة الثانية فقرة 1 منها علي أن (( كل إجراء من إجراءات المرافعات تم صحيحا في ظل قانون معمول به يبقي صحيحا ما لم ينص علي غير ذلك ))
ونتيجة لهذا ، فإن المطالبة القضائية التي تمت صحيحة في ظل قانون معين تبقي كذلك ولو صدر قانون جديد يرتب شكلا أخر لها ، ومن ناحية أخري فإن المطالبة القضائية التي تمت معيبة وفقا لأحكام قانون معين لا يصححها صدور قانون جديد لا يوجب الشكل أو البيان الذي نقص في الصحيفة التي تمت قبل نفاذه وما يصدق علي المطالبة القضائية يصدق علي الطعون والأحكام وغيرها من الأعمال الإجرائية التي تتم أثناء الخصومة . علي أنه يلاحظ ان تطبيقا لقاعدة عدم رجعية القوانين فإن آثار العمل تترتب وفقا للقانون الساري عند القيام بهذا العمل. ولهذا فإن الآثار التي ترتبها المطالبة القضائية ، مثلا قطع تقادم الدعوى ، أو يرتبها رفع الطعن أو صدور الحكم أو أي إجراء آخر , تبقي خاضعة للقانون الذي يحكم الإجراء.
علي أن القول بالأثر الفوري للتشريع بالنسبة للخصومة يثير بعض المشاكل بالنسبة للمسائل التالية :
( أ ) اختصاص المحكمة : مادام الإجراء – وآثاره – يخضع للقانون الذي تم في ظله ، فإن مفاد هذا أنه إذا رفعت الدعوى ، فإن المحكمة المختصة بها يجب ألا تتغير بصدور تشريع يجعل مثل هذه الدعوى من اختصاص محكمة أخري . ذلك أن اختصاص محكمة معينة إنما يتحدد بوقت رفع الدعوى ويعتبر اثر له. علي أن هذا الرأي الذي يتفق مع المبادئ القانونية الصحيحة لقي معارضة من الفقه والقضاء الفرنسي. واستقرت محكمة النقض الفرنسية علي أن التشريع الجديد الذي يعدل قواعد الاختصاص يسري فورا علي الدعاوى القائمة تحقيقا لهدف المشرع من هذا التعديل . وقد سار المشرع المصري في هذا الاتجاه إلي مدي أبعد ، فاستثني الدعاوى التي يكون قد قفل باب المرافعة فيها( مادة 1/1) . فبمجرد قفل باب المرافعة في موضوع الدعوى لا يسري التشريع الجديد وتبقي الدعوى من اختصاص المحكمة التي رفعت إليها وفقا للتشريع السابق. وعادة يتضمن التشريع الجديد نصوصا تنظم إحالة الدعاوى القائمة إلي المحكمة التي أصبحت مختصة بها.
( ب) – مواعيد المرافعات : إذا كان هناك ميعاد معين في الخصومة محددا وفقا لتشريع قائم ، مثلا ميعاد لسقوط الخصومة أو للطعن في الحكم ، ثم صدر تشريع جديد ينقص هذا الميعاد أو يعدله ، فهل يحسب الميعاد وفقا للقانون السابق أو وفقا للتشريع الجديد؟ تطبيقا لمبدأ عدم رجعية التشريع ، فإن الميعاد يخضع للتشريع القديم سواء صدر القانون الجديد قبل انقضاء الميعاد القديم أو بعد انقضائه .
( ج ) – طرق الطعن في الأحكام : تقتضي القاعدة القانونية الصحيحة كما قدمنا أن تخضع آثار العمل القانوني للتشريع الساري وقت تكوينه ، وبما أن قابليه الحكم للطعن فيه أو عدم قابليته للطعن وبالتالي حيازته قوة الأمر المقضي يعتبر من آثار الحكم ، فإنه إذا صدر تشريع يلغي طريق طعن قائم ، أو ينشىء طريق طعن جديد فيجب تطبيق القانون الساري عند صدور الحكم . وهذا الحل قننه أيضا قانون المرافعات المصري ( مادة 3/1)
و حيث تنص المادة 109 من قانون المرافعات : الدفع بعدم اختصاص المحكمة لانتفاء ولايتها أو لسبب نوع الدعوى أو قيمتها تحكم به المحكمة من تلقاء نفسها ويجوز الدفع به في أية حالة كانت عليها الدعوى ….))
ومؤدي ذلك إن مسألة الاختصاص الولائي قائمة في الخصومة و مطروحة دائما علي محكمة الموضوع وعليها أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم اختصاصها ولائيا .
وحيث أن الأصل في القاعدة القانونية تسري القوانين بأثر فوري ومباشر علي الوقائع التي تقع في ظلها ولا تسري بأثر رجعي علي ما وقع منها قبل صدورها ما لم تنص تلك القوانين علي غير ذلك.
والله ولي التوفيق
اترك تعليقاً