موقع القانون الدوليّ من النظام القانوني في الإسلام
يقول هيجو كراب في كتابه: “النظريّة الحديثة حول الحكومة”: إنّ الفرق بين القانون الدوليّ الجديد والقانون الداخلي (المحليّ) هو أنّ الأوّل تفصيل للثاني. وعندما يخرج القانون الداخلي من إطار شعب ونطاق خاص، فإنّه سوف يُدعى: قانون الأمم.
ويقول اندرس وديرك في كتابه: “النظريّة العامّة للقانون والحكومة”: إنّ نماذج القانون المحلّي والقانون الدولي واحدة. إلاّ أنّ نماذج القانون المحلّي بدائيّة وناقصة.
أُكملت هذه النظريّة فيما بعد، فأسفرت عن طرح نظريّة الوحدة القانونيّة. وبناءً على رأي الأنصار الجدد لهذه النظريّة، مثل: جرجل، ولوفورا، وكلسن فإنّ نظام القانون الداخلي والقانون الدوليّ مظهر لمبادىء محدّدة تحكم النشاطات الاجتماعية للإنسان، وهناك علاقة منطقيّة بين الاثنين دائماً.
وهكذا يتّضح أنّ وحدة النظام القانوني في الإسلام لا تعني إلغاء القانون الدوليّ، بل تعني أنّ مفهومه القانوني هو العلاقة المنطقيّة بين الأقسام المختلفة للنظام القانوني. ويمكن دراسة وحدة النظام هذه بالعلاقة المنطقيّة من نواح مختلفة:
1_ إنّ مصادر القانون في الإسلام بقسميه الخاصّ، والعامّ الداخلي والعامّ الخارجي هي مصادر واحدة تماماً. ومرجعه الأصلي في الأحكام التأسيسيّة: هو الوحي، وفي الأحكام الممضاة: العرف، والأدلّة الكاشفة عن الوحي هي الكتاب، والسنّة، والإجماع، والعقل.
2_ إنّ أُسس جميع الفروع القانونيّة في الإسلام واحدة أيضاً. والفطرة الإنسانيّة هي الأساس الجوهري للقواعد القانونيّة في الإسلام. وأمّا الضرورات والحاجات المتغيّرة فقد أقرّت بوصفها أساساً ثانويّاً في القانون الإسلامي.
3_ من الناحية الموضوعيّة: فإنّ العلاقات الإنسانية في الحياة الاجتماعيّة هي موضوع النظام القانوني الواحد في الإسلام، وفي هذا المجال، ليس هناك اختلاف جوهري في العلاقات التي تربط الأفراد فيما بينهم أو في علاقات الفرد بالحكومة، أو علاقات الحكومة بحكومة أخرى.
4_ إنّ أنصار النظريّة المزدوجة لنُظم القانون الداخلي والقانون الدوليّ يقولون بأنّ نظام القانون الداخلي قد ظهر بالتدريج وهو متكامل، في حين أنّ نظام القانون الدوليّ نظام بدائي، وليس له سلطة تشريعيّة.
إنّ هذا اللون من الازدواجيّة ليس له وجود في النظام القانوني في الإسلام أيضاً، حيث انبثقت أقسامه المختلفة من نظام واحد وجهاز تشريعي واحد (الوحي).
5_ لا وجود لأيّ تعارض بين قواعد القانون الداخلي ومقرّرات القانون الدوليّ في النظام الإسلامي إذ يسود بينهما الانسجام والوحدة والسمة القانونيّة الواحدة.
6_ من ناحية الإقرار، فقد أقرّت أيضاً القواعد القانونيّة الخاصّة بالشؤون الدوليّة في القانون الداخلي، وروعيت أيضاً مبادىء القانون الداخلي وقواعده في المقرّرات الدوليّة في الإسلام. إنّ هذا اللون من الإٌقرار هو غير مبدأ تعارض القواعد القانونيّة في البعدين الداخلي والخارجي، المذكور في الفقرة المتقدّمة فمفهومه هنا يماثل ما يلاحظ اليوم في دساتير بعض البلدان نحو: أميركا، وفرنسا، حيث أقرّت بالقوانين الدوليّة، وأيّدت تقدّمها على القوانين الداخليّة.
من الضروري هنا التذكير بأنّ هناك اختلافاً بين أنصار نظريّة وحدة النظام القانوني حول تقدّم القانون الداخلي على القانون الدوليّ أو تقدّم الأخير عليه، بيد أنّ هذا الموضوع لا وجود له في القانون الإسلامي، لأنّ عدم تعارض الأقسام المختلفة للقانون الإسلامي يحول دون ظهور أوضاع تحتاج إلى تقديم قسم على قسم آخر.
أمّا في مواضع التعارض والاختلاف في الاستنباط والتنازع، فإنّ مبدأ التحكيم وتشكيل المحكمة الدوليّة يمكن أن يعالج المشاكل القائمة.
نعتقد أن مؤلّف كتاب “السلم والحرب في الإسلام” قد أحرز قصب السبق في تبيان بعض قواعد القانون الدوليّ في الإسلام، بالرغم من الأخطاء التي وقع فيها بشأن تقويم قانون الشعوب في الإسلام (وقد وضّحنا بعض تلك الأخطاء)، لكنّه يستحق الثناء لما ذكره في هذا المجال، حيث قال:
إنّ قانون الشعوب في الإسلام ليس مجموعة منفصلة عن القوانين الإسلامية الأُخرى، بل هو تفصيل وتوسيع لقوانين ينبغي أن تسود علاقات المسلمين مع غيرهم، سواء في داخل دار الإسلام أو خارجها(1).
فالمفهوم الدقيق لهذه النظريّة هو الوحدة القانونيّة ووجهات النظر المشتركة في نظام القانون الإسلامي التي تمّ توضيحها في عدد من الفقرات.
ومن أجل تحديد القانون الدوليّ في النظام الإسلامي لا يمكن اختيار نظريّة أرجحية القانون الدوليّ، أو أرجحية القانون الداخلي، بيد أنّا إذا أخذنا في هذه الدراسة أهداف التشريع والآراء المثاليّة في الإسلام بعين الاعتبار، فإن الهرم المرسوم عن هذه القواعد القانونيّة لنيل تلك الأهداف بعكس أهميّة القانون الدوليّ في الإسلام وموقعه في حقل الاهمّ حسب قاعدة تقدّم الاهمّ على المهمّ.
وينبغي الالتفات هنا أيضاً إلى أنّ رعاية المبادىء الفطريّة في المقرّرات القانونيّة الأساسية للإسلام في القانون الدوليّ لا تعني تقدّم القانون الداخلي على القانون الدوليّ، لأنّ هذه المبادىء الفطريّة قد روعيت بصورة متساوية في جميع الأقسام المتنوّعة للقانون الإسلامي، ومن هذا المنطلق لم يؤخذ بعين الاعتبار أيّ تقدّم أو تأخّر.
إنّ الذين فسّروا النظرية التوحيدية بتفوّق القانون الداخلي على القانون تصوّروا _من حيث لا يشعرون _ أنّ النظام القانوني في الإسلام يعتبر قانوناً داخليّاً، وقدّموه على القانون الدوليّ بسبب أحقيّته.
_______________
1_ يرى بعض الكتّاب أن القانون الدوليّ الإسلامي _ بما يحمله من معنى، وهو دراسة القواعد والقوانين التي تحكم علاقات الأقطار الإسلامية _لا يستحق اسم: القانون الدوليّ العامّ، بل يليق به اسم القانون الدوليّ الخاص. ولهذا السبب فإنّهم اعتبروا القانون الدوليّ الإسلامي مقبولاً _فحسب _ على صعيد اختيار القضايا المتداولة في القانون الدوليّ المعاصر، وشرح الآراء الإسلاميّة بشأن تلك القضايا [يرجع الى كتاب “الإسلام والقانون الدوليّ” للدكتور ضيائي بيگدلي، ص 20 و 21 (فارسي)]. وهذا كلام، مضافاً إلى أنّه لم يستعمل اصطلاح القانون الدوليّ الخاصّ بمعناه المتداول هذا اليوم، فإنّ أصحابه تجاهلوا الاسلام بوصفه مدرسة تخاطب جميع الشعوب، وله قواعده الخاصة لتنظيم علاقاتها.
“”بقلم الكاتب : د.عباس علي العميد الزنجاني “”
تمت إعادة النشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً