موقف السودان من الحصانة القضائية للدبلوماسيين
موقف السودان من الحصانة القضائية للدبلوماسيين
واتفاقية فينا لسنة 1961م
د./ عصام الدين حسن لقمان
القاضي بالسلطة القضائية
لقد انضم السودان إلى اتفاقية فيينا في عام 1981م بموجب قانون بالتصديق على اتفاقية فيينا لعام 1981م.
ولقد تحفظ السودان على المادتين 37(2) و 38 من الاتفاقية حيث تحفظ السودان على المادة 37(2) من الاتفاقية بالاتى:
إن الحصانات والامتيازات الواردة في الفقرة الثانية من المادة (37) لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لسنة 1961م والمعترف بها في القانون العرفي وفى ممارسات الدول لصالح رؤساء البعثات الدبلوماسية وأعضاء البعثة من الدبلوماسيين لا يمكن أن تمنحها جمهورية السودان إلا على أساس المعاملة بالمثل فقط . والمادة 37(2) تنص على أنه (يتمتع أعضاء البعثة الإدارية والفنية مع أفراد أسرهم الذين يشكلون جزءً من أهل بيتهم ما لم يكونوا من مواطني الدولة المضيفة أو من المقيمين فيها إقامة دائمة بالامتيازات والحصانات المحددة في المواد من (29) حتى (35) شرط أن لا تمتد الحصانة المنصوص عليها للفقرة 1 من المادة (31) فيما يتعلق بالقضاء المدني والإداري للدولة المعتمد لديها أي الأعمال التي يقومون بها خارج نطاق وظائفهم ويتمتعون كذلك بالامتيازات المنصوص عليها في الفقرة (1) من المادة (36) بالنسبة للمواد التي يستوردونها أثناء أول استقرار لهم.
كما تحفظ السودان أيضاً على المادة (38) من الاتفاقية بالاتى:
عدم منح الممثل الدبلوماسي إذا كان من مواطني الدولة المضيفة أو المقيمين فيها بصفة دائمة أي حصانة قضائية حتى لو كان الفعل المشتكي منه متعلق بالأعمال الرسمية التي يقوم بها عند تأديته لواجباته
ويتضح لنا ذلك إن السودان يرفض رفضاً باتاً منح أي حصانة قضائية لأي دبلوماسي فـي أي بعثة دبلوماسية في السودان إذا كان هذا الدبلوماسي يحمل الجنسية السودانيـة (جنسية الدولة المضيفة) حتى لـو كان ذلك أثناء تأديته الأعمال الرسمية.
ويلاحظ أنه و على الرغم من أن السودان قد انضم لهذه الاتفاقية منذ العاشر من يناير 1981م إلا أن تطبيق المحاكم السودانية بالنسبة للاستثناءات الواردة في المادة (31) من الاتفاقية قد كان ضعيفاً إذ كانت أغلب المحاكم تتطلب الحصول على إذن كشرط لتصريح الدعاوى المدنية في مواجهة عدد كبير من الدبلوماسيين الذين دخلوا في معاملات تجارية خارج نطاق أعمالهم ومهامهم الرسمية وارتكبوا العديد من المخالفات ومن أشهر تلك المخالفات عدم دفع أجرة المساكن التي كانوا يستأجرونها لأنفسهم ولغير أغراض البعثة حتى تكدست أدراج ترابيز وزارة الخارجية بعشرات الشكاوى ضد الدبلوماسيين لعدة دول . ولقد حاول السيد رئيس القضاء أن يلفت نظر المحاكم المدنية لضرورة استخدام تلك الإستثناءات الواردة في نص المادة (31) من اتفاقية فيينا لسنة 1961م وبالتالي تصريح الدعاوى المدنية إذا تحققت بشأنها تلك الإستثناءات فاصدر المنشور رقم 2/92 ناصاً على الإستثناءات الواردة في نص المادة (31) من الاتفاقية . وسرعان ما ازدحمت المحاكم المدنية بالعديد من العرائض والقضايا ضد مبعوثين دبلوماسيين من ذلك العريضة رقم 3333/2000م والقضية رقم 1339/98 و العريضة رقم 3813/2000م أمام محكمة الخرطوم الجزئية وكانت هذه الدعاوى ضد دبلوماسيين يستأجرون عقارات لسكناهم الشخصية ولا علاقة لها بأغراض البعثة وكذلك الدعوى رقم 1337/98 بين عبد الباسط سعيد ضد منظمة اليونيسيف بالخرطوم . والتي كانت أمامنا بمحكمة الخرطوم الجزئية والتي تمثلت وقائعها في قيام المدعى عليها بنشر كتاب المدعى (المسرح من اجل الحياة) باسم شخص آخر وهو يتحدث عن بعض عادات القبائل السودانية بمنطقة جبال النوبة وذلك رقم علمها بأن المدعى هو المؤلف حيث أنه ظل يعمل خبيراً معها و مع الأمم المتحدة لمدة فاقت الخمسة عشر عاما بل وقامت بترجمته للغة الإنجليزية ونشره باسم شخص آخر يعمل معها كموظف دون مراعاة لحق المؤلف (المدعى) وبعد تصريح الدعوى تم إعلان المدعى عليها بوساطة وزارة الخارجية حيث رفضت استلام إعلان بدعوى الحصانة وبناءً على طلب محامى الادعاء استمعت المحكمة لأقوال المدعى على اليمين استناداً لنص المادة (61) إجراءات مدنية لسنة 1983م والذي قدم سبعة مستندات تؤكد ادعائه من بينها إقرارا صادراً من المدعى عليها تعترف فيه بهذا الحق ، بعد ذلك أصدرت المحكمة حكما غيابيا في مواجهة المدعى عليها تحت المادة (61) إجراءات مدنية لسنة 1983م يقضى بالآتي:
إلزام المدعى عليها بوضع اسم المدعى كمؤلف في أي مطبوعات لاحقة للدراسة موضوع الدعوى وإيقاف توزيع ونشر الدراسة باسم مكي عبد النبي محمد كمؤلف.
إلزام المدعى عليها بالاعتذار للمدعى عبر الصحف ودفع تعويضاً له قدره مائتان خمسة وعشرين مليون جنيه ( 225.000.000 جنيه ) وتم إعلانها بصورة من منطوق القرار بوساطة وزارة الخارجية . وبعد انقضاء فترة الاستئناف تم الحجز على ستة من عربات المدعي عليها والتي كانت تقف في فناء مقرها بالقوة الجبرية حيث تم إحضارها لفناء المحكمة الجزئية تمهيداً لبيعها بالمزاد العلني فأقامت المدعى عليها الدنيا وأقعدتها واعتبرت ذلك تجني على حصانتها وانتهاكاً لسيادتها رغـم أن التنفيذ قد تم وفقاً للفقرة الثالثة من المادة (31) من اتفاقية فينا لسنة 1961م والتي تقتضي بأن يتـم التنفيذ دون المساس بحرمة الدبلوماسي أو مسكنه.
ولقد تلاحظ أن هذا السلوك من الدبلوماسيين والمتعلق بالدخول مع مواطني الدولة المضيفة في معاملات تجارية أو إيجار مساكن ثم رفض المثول أمام المحاكم رغم الإستثناءات الواضحة لاتفاقية فينا في هذه الحالة (المادة 31/1 ) يحدث اغلبها في دول العالم الثالث لان هؤلاء الدبلوماسيين لا يقومون بذلك في أوربا وبقية دول العالم المتقدمة لعدة أسباب منها أنهم يخافون على مراكزهم الوظيفية لقوة الحريات في تلك الدول وثانياً لأن الرأي العام في تلك الدول يشكل في حد ذاته سلطة قوية ورأياً مسموعاً.
اترك تعليقاً