يعلق القانون الضريبي على انحلال الشركة وتصفيتها أهمية من عدة جوانب ، حيث يتعلق الأمر هنا باعتبار الانحلال والتصفية استمراراً لنشاط الشركة ، ومن ثمّ بتأثير القانون الضريبي على نتاج هذه الفترة ، كما أن بيان دور هذا القانون يأتي من خلال تحديد المدى الذي تطبق به بعض المبادئ الضريبية المهمة كمبدأ السنوية وتحديد الشخص المسؤول عن التزامات الشركة وحقوقها خلالها ، وعليه فان هذا الموضوع سيتناول موضوع المعاملة الضريبية للشركة خلال فترة التصفية والانحلال من هذه الجوانب الثلاثة كالآتي:
أولاً. الأرباح التي تخضع للضريبة خلال مرحلة الانحلال والتصفية
ترتيباً على سكوت التشريعات الضريبية عن بيان الأحوال التي تنقضي بها الشركات لأغراضها ، فإن الحكم العام الذي يقضي باستمرار شخصية الشركة خلال فترة التصفية يسري في المجال الضريبي ايضاً، فمتى توافر من أسباب الانحلال ما يمكن أن يستتبع إجراء التصفية يؤخذ بعين الاعتبار فيه أن شخصية الشركة مستمرة في هذه الحالة، ذلك أن بعض أسباب الانحلال لا تفضي إلى تصفية الشركة ، بل إلى تعديل عقدها فقط. وإن ما يهم في هذا المجال هو تقرير استمرار نشاط الشركة خلال هذه الفترة ما دامت شخصيتها مستمرة ، ومن ثمّ تقرير استمرار خضوعها للضريبة ، كما أن الأمر لا يقتصر على هذه الحالة فقط ، بل يتعلق أيضاً بما يلحق انتهاء أعمال التصفية والقسمة من إجراءات كعمليات التوزيع الذي تجريه الشركة على مساهميها ، وإن هذين المصدرين يمثلان وعاء الضريبة خلال هذه المرحلة، ولكن ينبغي التمييز هنا بين أن المصدر الأول يمثل وعاءً لضريبة الشركات في الحالة الأولى ، أما في الحالة الثانية فهو يشكل وعاءً للضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين الذين هم المساهمون فيها(1). ومع هذا ليس هناك ما يمنع من دراسته على اعتبار أنه يمثل نتاجاً لعملية التصفية وأن المسؤول عن دفع الضريبة هنا هو الشركة وممثلها القانوني كما هو الحال بالنسبة إلى ضريبة الرواتب والأجور التي تلزم الشركة بدفعها نيابةً عن مستخدميها ، وعليه نتناولهما تباعاً كالآتي:
آ. حالة الارباح الناشئة عن نشاط الشركة خلال فترة التصفية
ترتبط هذه الحالة مع الإقرار بأن هذه الفترة هي من فترات النشاط وبالنسبة إلى الشركة لا يمكن فيها الجزم بعدم وجود أي عمل يدرّ ربحاً تمارسه الشركة ، وعلى فرض حصول هذا وعدم وجود هذه الاعمال فإن النشاط الذي يقوم به المصفي في حدود أعمال التصفية أو لبيع أصول الشركة يمكن أن يحقق مفهوم الربح الذي نقصده(2). ويدخل مفهوم الربح خلال فترة التصفية ضمن مفهوم الارباح الرأسمالية التي لا تخضع للضريبة أصلاً في بعض التشريعات كأصل عام غير أن خضوع هذه الارباح للضريبة خلال هذه المرحلة يعدّ مفروغاً منه لسببين :
أولهما: وجود المبدأ الذي يقضي بامتياز دين الضريبة عن باقي ديون الشركة ، فلما كانت أعمال التصفية يواكبها تحقيق هذه الارباح وجب استيفاؤه فوراً قبل غيره من الديون(3).
ثانيهما: إن الحد الأدنى من التشريعات الضريبية الذي لا يجيز إخضاع الارباح الرأسمالية للضريبة يسمح ببعض الاستثناءات ، كما هو الحال في القانونين الأردني والعراقي ، في حين إن الحد الأعلى منها يجعل خضوعها أمراً مطلقاً كما هو الحال في القانون المصري(4). مما يعني أن نتاج عملية التصفية الذي يأتي من بيع أصولها وإن كان ربحاً رأسمالياً يمكن أن يشكل ذلك الاستثناء شأنه شأن الاستثناءات التي ترد بهذا الخصوص. وعموماً لا تأتي بعض التشريعات بنصوص واضحة وصريحة تقرر أمر خضوع الشركة للضريبة عن أرباحها المتحققة خلال فترة التصفية من نشاطها أو تصفية أصولها ومنها تشريعنا العراقي الذي اقتصر في إشارته إلى عمليات التصفية والانحلال على الصورة الثانية المتعلقة بالأرباح الموزعة على المساهمين(5). ولكن هذا يقرّه الفقه وتوصي الاتجاهات العملية للسلطة المالية في العراق بالأخذ به ، حيث يذهب الفقه المالي إلى أن الشركة تحاسب ضريبياً عند انحلالها وتصفيتها على أساس نتائج حساباتها إلى غاية تاريخ الانحلال(6). كما أن ذلك يوحي به سماح الهيئة العامة للضرائب للشركة بخصم خسائرها من وعاء الضريبة خلال هذه الفترة ما دامت تعد مكملة لفترة ممارسة النشاط الاقتصادي للشركة(7). وهذا بذاته يقضي بخضوع أرباح هذه الفترة استناداً إلى مبدأ المعاملة بالمثل بالنسبة إلى الأرباح الرأسمالية، وأياً كانت المبررات التي ترد لتبرير خضوع أرباح هذه الفترة للضريبة فإن الأمر يجد سنده في نص (ف6/م2) من قانون ضريبة الدخل النافذ التي تجيز إخضاع أي ربح غير خاضع للضريبة في العراق وغير معفي بقانون ، الذي يمكن إعماله هنا . ولم يتضمن قانون ضريبة الدخل الأردني كذلك ما يشير إلى هذا الأمر لكنه كما في القانون العراقي يمكن أن يستشف من حكم البند 11 من الفقرة آ/م3 من هذا القانون المتعلق بالأرباح غير الخاضعة للضريبة وغير المعفاة منها ، كذلك ورود نص صريح يكلف المصفي بإخطار السلطة المالية ببدء التصفية لبيان وتثبيت المبالغ المستحقة للضريبة خلال هذه الفترة(8). مما يوحي بإخضاعه نتاج هذه الفترة للضريبة. أما عن القانون المصري فقد تضمن نصوصاً أشارت إلى نتاج عملية الانحلال والتصفية بصورة صريحة إذ تولى القضاء تفسير بعضها كالآتي:
– اعتباره داخلاً في وعاء الضريبة المبالغ الناتجة عن بيع الأصول الرأسمالية للشركة بما فيها التعويضات المترتبة على هلاكها والاستيلاء عليها في مرحلة انقضاء الشركة(9).
-أورد المشرع المصري حالة استنتج منها القضاء خضوع الشركة للضريبة خلال مرحلة التصفية وهي حالة التوقف الكلي أو الجزئي عن العمل(10). حيث خرج القضاء منها بذات النتيجة التي قررتها السلطة المالية في العراق ومفادها عدم اعتبار فترة التصفية داخلة في حكم التوقف ، بل تمثل امتداداً لفترة نشاط الشركة ، وعليه تحاسب الشركة خلالها ضريبياً عما تحققه من أرباح ، وجاء في هذا القرار أنّه “1. وان كان عقد الشركة الموضوعة تحت التصفية ينقضي بمجرد حلها وتنتهي بذلك سلطة المديرين لها إلا أن شخصية الشركة المعنوية تظل قائمة حتى تمام التصفية في حدود وأغراض التصفية ، فإذا حققت الشركة اثناء ذلك أرباحاً نتجت عن بيع بعض أملاكها أو عن أعمال أخرى مارسها المصفون لمصلحة الشركة فإن هذه الأرباح تخضع للضريبة المفروضة على الارباح التجارية والصناعية سواء التزم المصفون أغراض التصفية أو مارسوا نشاطاً استغلالياً حقق للشركة ربحاً…”(11). وفي حكم آخر جاء فيه “المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه في أحوال التصفية لا يبدأ توقف المنشأة من تاريخ بدء التصفية ، ولكن من تاريخ انتهاءها ، ولهذا فان فترة التصفية تكون فترة عمل يباشر فيها الممول نشاطه الخاضع للضريبة ، وتعد عمليات التصفية استمراراً لهذا النشاط ومن عمليات المزاولة العادية(12).
ب.الأرباح التي توزعها الشركة على مساهميها بعد انتهاء عمليات التصفية وقسمة صافي أموال الشركة على الشركاء
تتمثل هذه الارباح بما يتبقى من أموال بعد انتهاء القسمة على الشركاء وينبغي توزيعها على المساهمين كل بحسب نصيبه في رأس المال أو نسبة أسهمه التي يمتلكها(13). وإن هذه الأرباح تدخل في ذمة المساهمين التي تكون مستقلة عن ذمة الشركة، وقد علمنا أن بعض التشريعات أعفتها صراحة من الخضوع للضريبة خلال فترة حياة الشركة، كما هو الحال في القانونين العراقي والمصري أما خلال فترة الانقضاء ، فهي تأتي بنصوص صريحة تقرر إخضاعها للضريبة، فيما يمكن أن يستفاد ذلك من القياس على النصوص العامة التي تقرر خضوع هذه الارباح عموماً للضريبة كما هو الحال في القانون الأردني(14). وإن السمة التي يمكن إضفاؤها عن الضريبة التي تفرض على هذه الارباح أنها ضريبة على التوزيعات تفرض استثناءً بعد توزيع دخل الشركة على المساهمين لان الأصل العام في ضريبة الشركات أنها تفرض قبل توزيع الأرباح ، وقد تضمن القانون العراقي الحكم الذي أشار فيه صراحة إلى ذلك في م(16) منه استثناءً من الأصل العام في عدم خضوع الارباح الرأسمالية للضريبة إذ جاء فيها “يعتبر حل الشركة(15). وتصفيتها نهائياً بحكم توزيع الارباح ، فكل مبلغ يصيب المساهم زيادة عن قيمة أسهمه الأصلية المدفوعة يخضع للضريبة عدا الاحتياطيات التي سبق ودفعت عنها الضريبة..”
وأن المتأمل في هذا النص يلاحظ ما يأتي :
1- الحكم الاستثنائي الذي جاء به المشرع العراقي باعتباره هذه الضريبة ضريبة توزيعات ، في حين إن المشرع العراقي لا يعتد بهذه الضريبة ولا يفرضها أصلاً في نطاق الشركات لانه يعفي الارباح الموزعة من الخضوع للضريبة ، ويبدو هذا الحكم استثنائياً في التشريع العراقي فقط لان التشريعات الأخرى تقر عادة بضريبة التوزيعات فضلاً عن الضريبة التي تفرض على دخل الشركة وان كان البعض منها يأتي ببعض الاستثناءات(17).
2- اعتبر المشرع العراقي الربح متحققاً متى كان المساهم قد حصل على الزيادة منظوراً إليها من ناحية القيمة الفعلية للأسهم التي أطلق عليها المشرع العراقي عبارة القيمة الأصلية المدفوعة للأسهم ، وهي القيمة التي يدفعها المساهم فعلاً عند شرائه أسهمه بصرف النظر عما إذا كانت مساوية لقيمته الاسمية(18). التي تحددها الشركة أم لا ، فمتى تحقق للمساهم زيادة في قيمة أسهمه عن هذه القيمة اعتبرت محلاً لفرض الضريبة عليها(19). وقد أُنتُقد موقف المشرع العراقي هذا لأنه يبدو متفرداً إزاء مواقف التشريعات الأخرى ، فضلاً عن أن معرفة قيمة شراء الأسهم تكون صعبة جداً إذا كان عدد المساهمين كبيراً خاصةً أن كلاً من هؤلاء يمكن أن يكون قد اشترى أسهمه بقيمة معينة أو سعر مختلف عن الآخرين ، ومن ثمّ فإن الربح قد يكون متحققاً للبعض منهم دون البعض الآخر ، لذا يرى هذا الاتجاه أنه كان الأجدر بالمشرع العراقي أن يلتزم موقف التشريعات الأخرى التي اعتمدت القيمة الاسمية للسهم(20). وإن كان الرأي الذي نؤيده يرى أنه من حيث الواقع يبدو استخدام المشرع العراقي لهذه القيمة كمعيار أساسي لخضوع أرباح الأسهم هذه للضريبة يعد أمراً جيداً لأنه يعبّر عن مقدار الربح الحقيقي الذي يصيب المساهم وإن كان الأمر يحقق بعض الصعوبات في النواحي التطبيقية إلاّ إنّه في كل الأحوال لا يخلو تطبيق أي نص قانوني من صعوبات ما في مختلف المجالات(21). ولهذا نرى أن موقف المشرع العراقي هذا لا يخلو من الصحة والانسجام مع واقع ما يصيب المساهم من أرباح.
3- ادخل هذا النص في مفهوم الارباح الموزعة الاحتياطات التي تكونها الشركة في وقت سابق والتي لم تدفع عنها الضريبة ، فإذا تضمنت الارباح الموزعة مبالغاً مصدرها تلك الاحتياطات تعتبر أرباحاً تخضع للضريبة ، ولكن لما كان المشرع العراقي يعتبر جميع الاحتياطات التي تعود إلى الشركات المشمولة بقانون الاستثمار الصناعي والتي تتعلق بتطوير وتوسيع المشروع معفاة من الضريبة(22). فهذا يعني أن هذا النص جاء ليقرر فرض الضريبة على هذه الاحتياطيات بذاتها لأنها الوحيدة ضمن أحكام القانون العراقي التي لا تخضع للضريبة ، ومن هنا فانه إذا حصل ما يستوجب حل الشركة المشمولة بأحكام هذا القانون وتصفيتها فان جميع احتياطاتها التي سبق إعفاؤها تكون خاضعة للضريبة عند توزيعها على المساهمين ، وكذلك يكون الخضوع للضريبة هنا مقيداً بالزيادة عن القيمة الفعلية للسهم (القيمة الأصلية المدفوعة)(23).
4- اعتبر المشرع العراقي الشركة ممثلة بالمصفي أو الأعضاء المؤسسين مسؤولين بذاتهم عن اقتطاع هذه الارباح وتوريدها ، وهذا الحكم لم يخرج فيه المشرع العراقي عن الأصل العام لمثل هذه الاقتطاعات ، كما إنه اتفق فيه مع بقية التشريعات التي تجعل هذا الاقتطاع أيضاً مسؤولية الشركة ، أما في القانون الأردني فيمكن أن يقاس خضوع هذه الارباح فيه للضريبة من إيراده نصاً صريحاً يقر فيه بالأخذ بضريبة التوزيعات بصورة عامة والذي اعتبر محل الضريبة فيه أرباح الأسهم وأرباح الحصص الموزعة باستثناء تلك التي تتعلق بزيادة رأس مال الشركة ، حيث إن عمومية هذا النص توحي بإمكانية أن تكون هذه الارباح ناتجة عن تصفية الشركة ، التي تكون هي المسؤولة عن اقتطاعها(24). ومما يتميز به المشرع الأردني هنا عن المشرع العراقي انه لم يعتبر ضريبة التوزيعات الاستثناء على الأصل العام لأنه أورد نصاً صريحاً يأخذ بها لكن الأمر يمكن أن يعد استثناءً بالنسبة إلى عملية التصفية لان أرباحها رأسمالية والقانون الأردني لا يجيز إخضاعها للضريبة إلا استثناءً. وقد اتفق المشرع المصري مع المشرع العراقي عندما أورد نصاً صريحاً عدّ فيه الأرباح التي تصيب المساهمين من جراء تصفية الشركة وانحلالها خاضعة للضريبة ضمن أحكام الكتاب الأول المتعلق بالضريبة على إيرادات القيم المنقولة ، مما يعني انه حقق عنصر التمايز بين خضوع الشركة ذاتها للضريبة فجاء بما يشير اليه ضمن الكتاب الثاني المنظم لأحكام الشركات وبين خضوع المساهمين فجاء فيه ضمن الكتاب الأول المتعلق بالأشخاص الطبيعيين(25). وقد تميز هذا القانون في أنه اختلف في تقرير الأساس الذي يخضع بموجبه الأفراد لهذه الضريبة عن القانون العراقي لأنه استخدم هنا القيمة الاسمية للأسهم بدلاً من قيمتها الفعلية ، فإذا تحصل المساهم نتيجة التصفية على مبالغ تفوق قيمة أسهمه الأصلية عدت هذه المبالغ خاضعة للضريبة وتسمى هذه الزيادة بفوائد التصفية أو فائض التصفية(26). أما عن الاحتياطات فلم يأتِ المشرع المصري ذكرها مع العلم انه يعتبرها من النفقات جائزة الخصم ، التي لا يخضعها للضريبة خلال فترة حياة الشركة فيفترض هنا أن تخضع للضريبة، ويذهب جانب من الفقه إلى ضرورة مراعاة التسديدات والاستهلاكات التي تمنحها الشركة للمساهمين خلال حياتها التي لم تخضع للضريبة مسبقاً عند تقرير فوائد التصفية(27).
ثانياً. تطبيق مبدأ سنوية الضريبة على الشركة في مرحلة انحلالها وتصفيتها
يقضي فرض ضريبة الدخل على الشركة أن تكون هذه الضريبة مفروضة على أعمال الشركة خلال مدة الاثني عشر شهراً (السنة المالية) للشركة سواء أكانت سنة ميلادية أو السنة التي تختارها الشركة لتسوية حساباتها(28). وبالنسبة إلى مرحلة الانحلال والتصفية تبرز أيضاً تطبيقات مبدأ السنوية ، حيث يكون لهذا المبدأ أهمية من ناحيتين:
الأولى: إن انحلال الشركة وتصفيتها بذاته من شأنه أن يقطع السنة المالية للشركة فيجعلها اقل من 12 شهراً ، وذلك بحسب التاريخ الذي تبدأ فيه عمليات التصفية النهائية وهذا ما يجعل هذا السبب من اسباب الانقضاء يمثل استثناءً واضحاً على مبدأ السنوية ، وهذا الاستثناء يقر الفقه المالي في العراق الأخذ به(29). على الرغم من أنه يتعارض تعارضاً واضحاً مع اعتبار بدء التصفية والانحلال تغييراً لمصدر الدخل الذي كانت الشركة تستمد منه أرباحاً وخاصةً بالنسبة إلى عمليات بيع أصول الشركة ، ولم يرد في القانون الأردني ما يشير إلى هذا الاستثناء ، في حين يبدو أن الفقه المالي في مصر تنبه إلى اعتبار القضاء فترة التصفية فترة نشاط للشركة فلم يقر باعتبار فترة التصفية من حالات التوقف التي تشكل استثناءً على مبدأ السنوية ، فالسنة المالية للشركة لا تنقطع بل تبقى مستمرة(30).
الثانية: إن الشركة خلال فترة التصفية ذاتها يسري عليها مبدأ سنوية الضريبة في إطاره العام، وهذا يحصل إذا تجاوزت هذه الفترة السنة والاثني عشر شهراً المحددة لعملية التصفية لأن الأصل العام في مدة التصفية أن لا تجاوز السنة(31). ويرجع ذلك إلى انه إذا كان من المقرر أن هذه الفترة تشهد نشاطاً سنوياً ، وهذا ما جرى العمل عليه في العراق ويقره الفقه المالي، حيث تنظم ميزانية مستقلة عن أعمال الشركة خلال فترة التصفية لكل سنة مرفقة بتقرير أعمال التصفية وعلى أساس هذه الميزانية يتم التحاسب مع الشركة عن الارباح والخسائر التي حققتها خلال هذه السنة(32) ، فيما يتسم الوضع بالغموض في القانون الأردني إذ لم تشر تطبيقات السلطة المالية أو اجتهادات القضاء أو حتى نصوص القانون إلى هذا الموضوع. أما القانون المصري ، فان هذا الأمر يستفاد من بعض أحكام القضاء التي تقرر ذلك ، حيث أثيرت الخلافات حول إمكانية محاسبة الشركة عن نشاطها خلال فترة التصفية بصورة نهائية عند إتمام أعمالها وان استمرت هذه الاعمال مدةً تجاوز السنة إلا أن محكمة النقض المصرية رفضت ذلك وقررت “2. لما كانت م(30) من القانون المرقم 14 لسنة 1939 تنص على أن الضريبة تفرض سنوياً على أرباح المهن والمنشآت التجارية، وكانت م(38) منه تنص على أن الضريبة تحدد سنوياً على أساس اعتبار الارباح الصافية في بحر السنة السابقة أو في فترة الاثني عشر شهراً التي اعتبرت نتيجتها أساساً لوضع آخر ميزانية فان مؤدى ذلك أن الارباح التي تحققها الشركة ، وهي في دور التصفية تكون خاضعة لمبدأ سنوية الضريبة التي فرضها القانون ولا يسّوغ إرجاء تحصيل هذه الضريبة حتى تمام تصفية الشركة(33).
ثالثاً. مسؤولية المصفي والأعضاء المؤسسين عن التزامات الشركة الضريبية خلال مرحلة التصفية
يسري الحكم العام الذي تقرره القواعد العامة بخصوص تحمل المصفي ادارة أمور الشركة في القانون الضريبي أيضاً ، حيث يعتبر هذا الأخير مسؤولاً عن جميع الاعمال والأمور التي يتطلبها القانون الضريبي لأغراضه بخصوص الشركة كما كان المدير مسؤولاً خلال فترة حياتها ، فهو يمثلها في أداء التزاماتها الضريبية والحفاظ على حقوقها في هذا المجال أولاً من ناحية مسؤوليته قبل كل شيء بالإخطار عن بدء هذه الفترة حتى يتحقق علم السلطة المالية بذلك ثم تقديم جمع البيانات والمعلومات التي يتطلبها القانون من الشركة بوصفها مكلفة بذاتها أو نائبة عن الغير ، فإذا تقرر أن الشركة تخضع للضريبة عما حققته من ربح خلال هذه الفترة وجب عليه(34):
1-أن يقدم للسلطة المالية الحسابات أو الميزانية العمومية التي أعدها مجلس ادارة الشركة للفترة من تاريخ غلق حساباتها وميزانيتها الأخيرة إلى حين بدء عمليات التصفية.
2-ترتيباً على سريان مبدأ السنوية إذا تعددت سنوات التصفية يكون ملزماً بإعداد الحسابات السنوية لكل سنة من هذه السنوات المالية برفقة تقرير أعمال التصفية إلى حين انحلال الشركة.
وقياساً على الالتزام العام الذي يرتبه القانون على مدير الشركة فانه يعد مسؤولاً عن قطع الضريبة ودفعها إلى السلطة المالية باسم الشركة ، أما فيما يتعلق بالضريبة على الارباح الموزعة فإنه يعدّ مسؤولاً مسؤولية مباشرة عن قطعها وتوريدها إلى السلطة المالية ، وبصورة عامة لا تأتي التشريعات الضريبية على تقرير هذه الالتزامات صراحة إلا في بعض الأحوال أو للبعض منها لأن الأصل فيها أنها مستمدة من صميم الالتزامات العامة التي ترتبها القواعد العامة على المصفي وقد أورد قانون ضريبة الدخل العراقي أحد هذه الالتزامات المتعلق بضريبة الارباح الموزعة المذكور آنفاً ، ورتب عدم إمكانية إنهاء عمليات التصفية إلا إذا تمت موافقة السلطة المالية بهذا الشأن استثناءً من القواعد العامة التي يقررها قانون الشركات(35). ويبّرر البعض ذلك برغبة المشرع العراقي بالحفاظ على حقوق الخزانة(36). وهذا يعدّ أمراً طبيعياً ما دام أن القانون الضريبي يغلب مصلحة هذه الأخيرة ويحابيها على حساب الغير من المكلفين. ويستفاد هذا في القانون الأردني أيضاً من خلال إيراده التزاماً أورده في نص وحيد يشير فيه إلى عمليات التصفية هو نص الفقرة (ب) من م (36) وجاء فيها “على كل مصفٍ لأي شركة أو …. أن يبلغ المدير خطياً ببدء إجراءات التصفية ببيان وتثبيت المبالغ المستحقة للضريبة …”، وفي رأينا يعد هذا الأمر نتيجة منطقية في قانون ضريبة الدخل الأردني ما دام أنه لم يحدد أصلاً الجهة الأصلية التي تقع عليها التزامات الشركة في المجال الضريبي فيبدو جيداً أن يأتي إلى ذكر المصفي بخصوص عملية أو مرحلة التصفية، أما عن الارباح الموزعة فان صريح النص العام الذي جاء به ليقرر الضريبة على هذه الارباح يجعل الشركة مسؤولة عن قطعها(37). مما يوحي بمسؤولية هذا الأخير بوصفه ممثلاً عنها بالنسبة إلى هذه الضريبة. اما عن القانون المصري فلم يتضمن أي نص صريح أو ضمني يشير إلى ذلك وإن كان الفقه المصري يقر بذلك(38). وقد زاد القانون العراقي على المصفي أشخاصاً يحملون صفة أخرى حملهم ذات الالتزام وهم الأعضاء المؤسسون في الشركة ، ولم يتضمن قانون الشركات العراقي النافذ تعريفاً للمؤسسين ، إلا أنه يمكن تعريف العضو المؤسس بأنه : كل من يساهم في وضع الشركة في حالة حركة وتشغيل(39). وهذا يدل على مرونة في التعامل وفرها المشرع في قانون ضريبة الدخل بهذا الخصوص. ومن خلال ما تقدم يتبين أن مواقف التشريعات تتسم بالغموض فيما يتعلق بهذا الموضوع أو حتى المواضيع المتعلقة بهذه الفترة من حياة الشركة التي تحتاج بلا شك إلى نصوص تنظمها ، وإن كانت بعض التشريعات تضمنت النصوص إلا أنها في رأينا لا تعد كافية لتغطية هذا الموضوع من جميع جوانبه.
_______________________
[1]- تقي الوسواسي ، شرح قانون ضريبة الدخل ، جـ2 ، مصدر سابق ، ص 356 .
2- د. السيد علي عبدالرحيم ، مصدر سابق، ص252.
3- انظر ما سبق (90).
4- انظر ما سبق ، ص ص (169-170).
5- م(16) من هذا القانون.
6- د. مدحت عباس أمين ، مصدر سابق ، ص179.
7- حيدر نجيب احمد فائق سعيد المفتي، مصدر سابق ، ص99.
8- م (36/ب) من قانون ضريبة الدخل الأردني النافذ والتي سيعرض لها البحث لاحقاً .
9- م (117) من قانون ضريبة الدخل المصري النافذ.
0[1]- م (116) من المصدر السابق .
1[1]- حكم محكمة النقض المصرية الصادر في 4/2/1954 في الطعن المرقم 366/لسنة 21 قضائية بخصوص شركة البناء المصرية ، المحامي محمد بدران ، مجموعة قوانين الضرائب في مصر ، مصدر سابق ، ص1075.
2[1]- الطعن المرقم 479 لسنة 29 ق-جلسة ، 30/2/1979، حسن الفكهاني ، الموسوعة الذهبية للقواعد القانونية التي قررتها محكمة النقض المصرية ، ملحق رقم 2، الإصدار المدني ، الدار العربية للموسوعات ، القاهرة ، بلا تاريخ ، ص152
3[1]- انظر ما سبق ، ص (199).
4[1]- انظر ما سبق ، ص (73).
15- على الرغم من هذه الإشارة الصريحة لدى المشرع العراقي بخضوع هذه الارباح إلا أن التكييف الذي اضفاه عليها في رأينا فيه تناقض ذلك لأنه يغفل حقيقة ثابتة مفادها أن الشركة إذا انتهت تصفيتها وكانت أعمالها رابحة فإن ما يتبقى من نتاج القسمة يوزع فعلاً على المساهمين فهي أرباح موزعة فعلاً ، أنظر: آ. كامل عبدالحسين ، مصدر سابق ، ص255.
6[1]- يتحقق هذا في القانون المصري الذي يقرر إعفاء الأرباح الموزعة للشركات المساهمة العاملة في مجال الأوراق المالية فقط ، انظر ما سبق ، ص (185).
17- القيمة الاسمية للسهم : هي القيمة التي يصدر بها السهم ويبينها صك إصداره ، انظر د. سميحة القليوبي، الشركات التجارية ، مصدر سابق ، ص ص228-229 ، ولا يؤخذ بعين الاعتبار المصدر الذي تحصل منه المساهم على أسهمه ، حيث يستوي أن يكون قد اشتراها مباشرة من الشركة عند تأسيسها أو من داخل السوق المالية بعد فترة من قيامها أو من مساهمين آخرين ، محمد علوم ، مصدر سابق ، ص85 .
8[1]- د. خالد الصواف ، د. مدحت عباس أمين ، مصدر سابق ، ص156.
9[1]- د. صالح يوسف عجينة ، مصدر سابق ، ص ص196 ، 501.
20- المصدر السابق ، ص193.
[1]2- انظر ما سبق ، ص (188) .
22- محمد علوم ، مصدر سابق ، ص88.
23- م(17) مكرر ف آ/بند1 من قانون ضريبة الدخل الأردني النافذ.
24- انظر المواد (117) ، (6/ف3) من قانون ضريبة الدخل المصري النافذ.
25- انظر: د. السيد عبدالمولى ، الضرائب على الدخل ، مصدر سابق ، ص41 .
* د. السيد عطية عبدالواحد ، مصدر سابق ، ص72.
26- انظر د. السيد عبدالمولى ، الضرائب على الدخل ، مصدر سابق ، ص41.
27- انظر ما سبق ، ص (143-146) .
28- ريا زكي عبدالله الدوري ، مصدر سابق ، ص63.
29- د. السيد عبدالمولى ، الضرائب على الدخل ، مصدر سابق ، ص151.
30- انظر ما سبق ، ص (199).
[1]3- انظر : تقي الوسواسي ، ج 2 ، مصدر سابق ، ص263.
* د. مدحت عباس أمين ، مصدر سابق ، ص180.
ويستمد هذا الحكم في الأصل من القاعدة العامة التي أوردها قانون الشركات العراقي النافذ من م(173) منه إذ جاء فيها “على المصفي دعوة الهيئة العامة للشركة للاجتماع خلال الشهرين الأولين من كل سنة مالية ومناقشة وتصديق ميزانية السنة المنتهية وحساباتها وتقرير مراقب الحسابات والتقرير السنوي عن سير أعمال التصفية وتعيين مراقب حسابات للسنة الجديدة وله دعوتها أيضاً في أي وقت إذا اقتضت ذلك ضرورات التصفية” .
32- الفقرة (2) من قرار محكمة النقض المصرية المرقم 366/لسنة 21 قضائية المشار إلى ف (1) منه مسبقاً ، انظر فيما سبق ، ص (203) ، مع ملاحظة أن نصوص المادتين (30،38) المذكورة تقابلها المواد (111،113) من القانون الحالي لضريبة الدخل المصري.
33- تقي الوسواسي ، جـ2 ، مصدر سابق ، ص362 .
34- جاء بهذا الاستثناء الشق الأخير من م(16) من قانون ضريبة الدخل العراقي النافذ، حيث قررت أن “لا تتم التصفية إلا بموافقة السلطة المالية”.
36- تقي الوسواسي ، جـ2، مصدر سابق ، ص362.
37- (م17) مكرر البند 3 من الفقرة آ منها (قانون ضريبة الدخل الأردني النافذ).
38- د. السيد علي عبدالرحيم ، مصدر سابق ، ص252.
39- من قرار محكمة النقض الفرنسية نقلاً عن : د. سميحة القليوبي ، مصدر سابق ، ص264، وقد عرفت (ف1/م7) من قانون الشركات المصري المرقم 159 لسنة 1981 المعدل النافذ بأنه “كل من يشترك اشتراكاً فعلياً في تأسيس الشركة بنية تحمل المسؤولية الناشئة عن ذلك”.
المؤلف : زينب منذر جاسم الوائلي
الكتاب أو المصدر : ضريبة الدخل على الاشخاص المعنوية
الجزء والصفحة : ص200-208
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً