الموقف القانوني من المطالبة العشائرية في ضوء أحكام القرار رقم 24 لسنة 1997
بقلم القاضي ناصر عمران الموسوي
تنص المادة (45 /ثانيا ) من الدستور العراقي على ما يلي :
(تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية ، وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون ، وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة ، بما يساهم في تطوير المجتمع ، وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان) .
والنص الدستوري واضح في تبنيه الأعراف القبلية والعشائرية كقيمة إنسانية كلما كانت متفقة مع الدين والقانون وحقوق الإنسان .
وقد شكلت العشائر والقبائل العراقية رقما صعبا ًومعادلة مهمة في تاريخ العراق السياسي ، ويكفي أنها حملت ذات يوم حاسم من تاريخ العراق راية ثورة العشرين ضد الاحتلال البريطاني ، وتحت هذه الراية اصطف العراقيون جميعا نسيجا ً واحدا ً،ليعلنوا أن ارض العراق عصيه على الاحتلال الأجنبي ، ومن ثمرات ثورة العشرين تأسست الدولة العراقية .
ولم ينته ِ دور العشائر والقبائل العراقية عند هذا الحد بل سايرت مراحل صعبة من تاريخ العراق ، وكان دورها بعد سقوط النظام كبيرا ً ومهما ًفقد كان للأعراف العشائرية والقبلية دو ر كبير في المحافظة على السلم الأهلي إبان غياب القانون وانهيار الدولة وحلت محل القانون لفترة طويلة نسبيا ًحتى بدأت الدولة تتشكل ليأخذ القانون مداه ، وبالرغم من أن الاجتماعات العشائرية والقبلية ما تنفك تصرح دائما أنها مع سيادة القانون وأنها مع دولة القانون والمؤسسات .
إلا أن هناك أعراف لما تزل تظهر بفعل الترسبات التي خلفتها مرحلة الفوضى وسوء الفهم لدى بعض الأشخاص والعشائر والقبائل وغياب دور القانون ، ومن هذه الأعراف هي (المطالبة العشائرية ) والتي تعني بصورتها المختصرة : (( الاعتراض على السلوك والتصرف الذي قام به شخص أو أكثر من عشيرة وقبيلة معينة باتجاه شخص آخر أو أكثر من قبيلة أخرى أو من ذات القبيلة والعشيرة والدعوة إلى جلسة عشائرية شبيه بالمحاكمة ( كون التصرف أو السلوك يشكل اعتداء أو إهانة أو إساءة للفرد والعشيرة حسب مفهومهم) وقد تنتهي بأداء الدية )).
وهذه الدعوة أخذت تأخذ منحى خطير تحدثت عنه وسائل الإعلام حيث صارت هذه الدعوات التي يتعرض لها الموظفين والمكلفين بخدمة عامه نتيجة أدائهم لعملهم وتنفيذهم للقانون أو لأمر صادر إليهم من جهة أعلى تشكل عائقا ً أمام تنفيذ أعمالهم وبخاصة أفراد الشرطة والأطباء والموظفين والمكلفين بخدمة عامة.
وقد ظهرت المطالبات العشائرية في عهد النظام البائد عندما بدأت سلطة النظام تتهاوى وتضعف بفعل الحصار المفروض عليه والمشاكل الداخلية والمعارضة ضد نظامه ، مما حدا به لإصدار قراراً لمجلس قيادة الثورة المنحل بالرقم 24 لسنة 1997 والذي ينص :(يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات كل من أدعى بمطالبة عشائرية ضد من قام بفعل تنفيذا ًلقانون أو لأمر صادر إليه من جهة أعلى ) ونُشِر القرار واعتبر نافذا ً بجريدة الوقائع العراقية بالعدد 3664 في 7/4/1997 .
واليوم وبعد انهيار النظام السابق وعبور الدولة إلى مرحلة فرض وسيادة القانون تحت مظلة دستور عراقي يضمن للمواطن أيا ً كان ، كافة حقوقه وحرياته و تفرض عليه بالمقابل الالتزام بالقانون وتطبيقه واحترام الموظفين والمكلفين بخدمة عامة كونهم يقومون بأداء واجبهم الذي يفرضه القانون والأوامر والتعليمات ، وتنفيذهم للقانون والأوامر الصادر إليهم والتي تستند إلى التطبيق القانوني السليم و إلا عرض نفسه للمسائلة القانونية ،وفي الوقت الذي يلتزم فيه الموظف والمكلف بخدمة عامة بتنفيذ القانون فان من يتعرض لعملهم أثناء أدائهم لواجبهم وبعد تنفيذه الذي فرضه القانون يتعرض للمسائلة القانونية .
والحقيقة أن القرار24 لسنة 1997 جاء تشديدا ً للعقوبات الواردة في قانون العقوبات ومنح خصوصية لجريمة المطالبة العشائرية بالدية وهو ما يسمى عرفا ً (الكوامة العشائرية ) فالمواد (229/230) من قانون العقوبات تناولت الاعتداء والتهديد والإساءة للموظف أو المكلف بخدمة عند تنفيذهم لواجبهم وفرض عقوبة على ذلك والتي وصل الحد الأعلى للعقوبة في المادة (229) إلى الحبس مدة لا تزيد على السنتين وفي المادة (230) الحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات ، لكن القرار المذكور جاء تشديدا ً للعقوبة المفروضة في الفصل الثالث من قانون العقوبات العراقي وتحت عنوان (الاعتداء على الموظفين المكلفين بخدمة عامة ) وبتفاصيل ورؤى أخرى تختلف عن مساحة عمل المواد القانونية التي تم ذكرها.
أن جريمة المطالبة العشائرية لمن قام بتنفيذ القانون أو الأوامر الصادرة إليه من جهة أعلى ، هي جريمة لا تختلف عن غيرها من الجرائم في الأركان العامة للجريمة لكنها تتصف بأركان خاصة تمنحها خصوصية معينة ، كجريمة مشرعنه تم وضع العقوبة المناسبة لها والتي تهدف لتحقيق الردع العام وفرض هيبة الدولة وموظفيها
والأركان العامة لهذه الجريمة هي :
1_ الركن المادي للجريمة (السلوك المادي (sad) وهو الركن الذي عرفه قانون العقوبات في المادة (28) منه بأنه :(..سلوك إجرامي بارتكاب فعل جرمه القانون أو الامتناع عن فعل أمر به القانون ) وفي جريمة الادعاء بالمطالبة العشائرية يتمثل بأي سلوك يتخذه الجاني أو الجناة ضد المجنى عليه أو عليهم ،والجريمة كما أسلفنا هي نوع من أنواع التهديد
يكون الطريق فيها بإشراك المنظومة الاجتماعية التي ينتمي لها إطراف الدعوى الجاني والمجني عليه ،ومن هنا تتأتى أهمية تشديد العقوبة بجعل سقفها الأدنى للعقوبة هو ثلاث سنوات وترك تحديد سقفها الأعلى لتقدير المحكمة ،ووفق القانون باعتبار نوع الجريمة جنحه معاقب عليها بالحبس ، وفعل التهديد يتم بأي صورة كانت فقد تكون تحريرية (الادعاء بالمطالبة تحريرياً) كأن تكون برسالة مرسلة من المشكو منه إلى المشتكي ولا يهم الصورة التي عليها الدعوة بالمطالبة فكما تكون بخط اليد أو بالآلة الطابعة وسواء أكانت مختصرة أو كانت على شكل رسالة مطولة ،وغالبا ً وحسب العرف العشائري تذيل أو تحتوي الرسالة بعبارة (كوم ) أو أي عبارة أخرى ترتبط بطبيعة المجتمع وعباراته وفي الكثير منها تحمل عبارات الإنذار والتهديد والوعيد وبعضها بصورة العتب المبطن بالتهديد .
وفي حالة أي التباس بالعبارات التي ترد يمكن للمحكمة (الاستعانة بخبراء ) لمعرفة القصد المتعارف عليه وطبيعة العبارات المكتوبة ، وليس بالضرورة أن تكون الدعوة إلى المطالبة صادرة من المشكو منه شخصيا فقد تكون من أي شخص يمثله وفي الأغلب يكون شيخ عشيرته أو قبيلته أو من هو اكبر منه سنا ً،وليس بالضرورة أن تكون موجهة إلى المشتكي فتتحقق الدعوة للمطالبة العشائرية ولو كانت موجهة إلى شيخ عشيرة أو قبيلة المشتكي أو احد أقاربه ، والمهم إنها تتضمن الدعوة إلى المطالبة العشائرية .
ومثلما تكون مكتوبة وتحريرية كذلك يمكن أن تكون بشكل (شفوي ) عن طريق عبارة أو عبارات يطلقها المشكو منه إلى المشتكي وغالبا ما تكون في حالة غضب وانفعال ، وتسري على العبارات الشفوية في الدعوة إلى المطالبة العشائرية ما سبق أن ذكرناه في الدعوة للمطالبة العشائرية التحريرية ،ويشترط القانون وهي ملاحظة مهمة علم المشكو منه أو الجاني بصدور الدعوة إلى المطالبة العشائرية التحريرية والشفوية .
2_الركن المعنوي للجريمة (القصد ألجرمي ):والذي عرفته المادة (33/1) من قانون العقوبات بأنه القصد ألجرمي: هو توجيه الفاعل إرادته إلى ارتكاب الفعل المكون للجريمة هادفا ً إلى النتيجة الجريمة التي وقعت أو أي نتيجة جرميه أخرى) والقصد ألجرمي وحسب النص يتطلب لتحققه وجود إرادة مدركة عند ارتكاب الفعل فلا تتحقق الإرادة المدركة لدى ( المجنون والصغير ) وتتحقق إرادة المتهم بارتكابه الفعل بنفسه أو بواسطة غيره طالما تحقق عنصر العلم والإرادة .
وهناك أركان خاصة في الجريمة وهي :
1_ صفة الموظف والمكلف بخدمة عامة فلا تتحقق الجريمة إذا كانت الدعوة للمطالبة العشائرية ضد شخص غير موظف أو مكلف بخدمة عامة والموظف حسب المادة (الثانية) من قانون الخدمة المدنية رقم 24 لسنة 1960 المعدل هو : (كل شخص عهدت إليه وظيفة دائمة داخلة في الملاك الخاص بالموظفين )،كما لا تتحقق الجريمة ولو كانت
صفة الموظف والمكلف بخدمة عامة حاضرة إذا كانت الدعوة إلى المطالبة العشائرية كانت بسبب لا دخل للعمل وتنفيذه بهذه .
فعليه لتحقق الجريمة يجب أن يكون الموظف والمكلف بخدمة عامة قد تعرض إلى دعوة للمطالبة العشائرية عند قيامه بفعل تنفيذا ً لقانون أو لأمر صادر إليه من جهة أعلى .
ويثبت ذلك عن طريق كتاب رسمي من دائرته يؤكد قيامه بتنفيذ القانون أو الأمر الصادر إليه من جهة أعلى وان المطالبة العشائرية كانت بسبب تنفيذه للقانون أو لأمر صادر إليه من جهة أعلى ، وبعدها تظل الدعوى رهن الإثباتات الجنائية وصلاحيات المحكمة التقديرية .
إن جريمة ا لادعاء بالمطالبة العشائرية ضد من قام بعمل تنفيذا ً لقانون أو لأمر صادر من جهة أعلى ، واحدة من الجرائم التي تعتبر من جرائم (الحق العام ) كون المعتدى عليه فيها الموظف المكلف بخدمة عامة عند تنفيذه للقانون أو للأوامر الصادرة من جهات عليا .
وقد شهد العراق بعد التغيير وما يزال الكثير من حالات المطالبات العشائرية والكثير منهم دفع ما يسمى (بالفصول العشائرية ) تحت واقعة الضغط والظروف التي مر بها البلد .
وحين يُفعل هذا القرار فانه يعالج حالة جرميه استشرت نتيجة الفهم الخاطئ لدور العشيرة والدولة ، فالعشيرة أو القبيلة هي انتماء اجتماعي مهم لكنه لا يمكن أن يكون فوق القانون لن يكون بديلا ً عن الانتماء للوطن والدولة .
اترك تعليقاً