موقف القانون العراقي من نظرية القدر المتيقن في الفقه الجنائي

موقف القانون العراقي من نظرية القدر المتيقن في الفقه الجنائي

يتم طرح نظرية القدر المتيقن من خلال البحث في جريمة القتل الآنية، التي يتعدد فيها المتهمون ، الذين يطلقون النار في اثناء ذلك النزاع الآني ، فيصاب المجنى عليه بطلق ناري واحد ، دون ان يعرف اطلاقة من أصابت المجنى عليه بمقتل ، حيث ينقلب وصف جريمة القتل التامة الى جريمة الشروع بالقتل ، (على وفق رأي القائلين بهذه النظرية) ، عندها يحكم على المساهمين في النزاع كافة بعقوبة جريمة الشروع بالقتل ، وهي عقوبة اخف من عقوبة جريمة القتل التامة الآنية .

وهذه النظرية أخذ بها القضاء المصري بشكل واسع . اما في العراق فإن القضاء العراقي لم تستقر احكامه على اتجاه واحد بصدد هذه النظرية ، فقد أخذ بها حينا ، ثم استبعدها حينا آخر.

والحقيقة ان من واجب القضاء اثبات من ارتكب الجريمة ، والا لو اتهم عدة اشخاص بارتكاب جريمة قتل شخص من الاشخاص ، ثم اتضح ان واحدا من اولئك المتهمين قد ارتكبها ، ولم يتوصل القضاء الى تعيين الفاعل من بين اولئك المتهمين ، وجب (نظريا) اخلاء سبيل الجميع ، لأن ذلك (كما يبدو لأول وهلة) أضمن لروح العدل واحقاق الحق (فتبرئة عشرة مجرمين اجدر من الحكم على بريء واحد) . والا كيف يتم الحكم على تلك المجموعة التي اشتركت بالمشاجرة التي نجم عنها قتل شخص واحد بعقوبة الشروع بالجريمة ؟ هل هذه هي العدالة المنشودة ؟ فاما ان تتجه المحكمة لمساءلة جميع المتهمين عن جريمة القتل العمد عرف الجاني ام لم يعرف . او تقوم المحكمة بالافراج عن الجميع . وفي الحالتين ربما لن تتحقق العدالة التي هي المقصد الاول للقضاء . وإن تحققت فهي عدالة نسبية .

ان تطبيق نظرية القدر المتيقن امر يجافي روح العدالة ، كما ان تطبيقها دون وجود نص قانوني يسمح بتطبيقها هو الآخر يخالف النص الدستوري الذي يقرر (بأن لاجريمة ولا عقوبة الا بناءا على القانون) والنص القانوني المتضمن ( ان لاعقاب على فعل او امتناع الا بناءا على قانون ينص على تجريمه) . ان ذلك يجعل الركون الى نظرية القدر المتيقن اجراء غير صحيح لانه لايستند الى نص قانوني صريح .

ويبدو لي من خلال الاطلاع على اتجاهات محكمة التمييز الاتحادية انها قد عزفت عن الاخذ بهذه النظرية ، في الوقت الحاضر ، وحسنا فعلت.

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *