هناك العديد من الدفوع التي يمكن دفع الاتهام بها في جريمة متعلقة بالشيك، مثل الدفع بانتفاء وصف الشيك، والدفع بتحرير شيك تحت تأثير الإكراه. ولكن من أهم وأكثر الدفوع شيوعاً من الناحية العملية الدفع بتزوير شيك.
الحكمة من التجريم :
تتمثل هذه الحكمة في الضرب على يد ساحب الشيك أو مظهرية الذين كثيراً ما التجئوا إلى الطعن في الشيكات بالتزوير سعياً منهم للتسويف والمماطلة من أجل وضع العراقيل أمام القضاء قبل أن يقضي بصحة الشيك وقيام جريمة إصدار شيك بدون رصيد، وإطالة الإجراءات، لأن الادعاء بالتزوير يؤدي إلى إحالة الشيك إلى خبير للتحقق من صحة الشيك، وبالتالي يفقد الشيك وظيفته كأداة وفاء لدى الاطلاع عليه، مما يضر بالمستفيد، مع علم مدعي التزوير بصحة الشيك صلباً وتوقيعاً، ولأنه متأكد من أنه في منجى من كل عقوبة جنائية عند صدور حكم أو إقرار بعدم وجود تزوير، وكانت لا توقع عليه سوى غرامة ذات طبيعة مدنية أو إدارية مقدارها خمسة وعشرين جنيهاً طبقاً للمادة ٢٩٨ من قانون الإجراءات الجنائية أو تتراوح بين خمسة وعشرين جنيهاً ومائة جنيهاً طبقاً للمادة ٥٦ من قانون الإثبات رقم ٢٥ لسنة ١٩٩٨ م. ولا شك في أن هذا الجزاء كان غير رادعاً ولا يتناسب البتة مع ما حققه ساحب الشيك من تعطيل دور الشيك كأداة وفاء فعالة، فضلاً عن الإضرار بالمستفيد لذلك قد أحسن المشرع صنعاً عندما قام بتجريم هذا الفعل، حيث قرر قانون التجارة الجديد اعتبار الادعاء بسوء نية بتزوير شيك ثم يتضح عدم صحة هذا الادعاء بحكم نهائي، فعلاً مؤثماً معاقباً عليه بالحبس والغرامة التي لا تجاوز نصف قيمة الشيك أو بإحدى هاتين العقوبتين. وتنص على ذلك المادة ٥٣٦ تجاري بقولها ” يعاقب بالحبس وبغرامة لا تجاوز نصف قيمة الشيك أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ادعى بسوء نية تزوير شيك وحكم نهائياً بعدم صحة هذا الادعاء”.
الشرط المفترض لقيام الجريمة :
يقصد بالشرط المفترض تلك العناصر أو المراكز أو الصفات أو الوقائع لقانونية أو المادية التي تكون سابقة على ارتكاب الفعل المكون للجريمة ويترتب على تخلفها عدم وجود الجريمة(1) الشرط المفترض لجريمة الادعاء بتزوير شيك هو وجود شيك صحيح، فبذلك يتوافر النموذج القانوني لهذه الجريمة عند توافر الشروط الأخرى، حيث لا تقع الجريمة إلا بالادعاء بتزوير شيك صحيح، فإذا ثبت أن الورقة ليست شيك فلا مجال لقيام هذه الجريمة كما لو كانت كمبيالة أو سند إذني أو غير ذلك من أوراق المديونية الأخرى.
الركن المادي :
الركن المادي لهذه الجريمة هو الادعاء بتزوير شيك، أي الدفع بأنه قد وقع في الشيك تغيير في الحقيقة صلباً أو توقيعاً، سواء أكان تزويراً مادياً وهو الذي يحصل فيه تغيير الحقيقة بطريقة مادية، بحيث يترك أثراً يدركه الحس وتقع عليه العين، أو تزويراً معنوياً والذي يكون بتغيير الحقيقة في موضوع المحرر أو ظروفه وملابساته أثناء التحرير.
ويكون الادعاء بالتزوير في دعوى قائمة أصلاً سواء أكانت دعوى جنائية ثم رفعها عن إحدى الجرائم الناشئة عن الشيك. أو دعوى تتعلق بالشيك تنظر أمام المحكمة المدنية والتجارية. والطعن بالتزوير في الشيك يكون عن طريق الادعاء بدعوى التزوير الفرعية أو بطريقة التبعية لدعوى أصلية وفقاً لنص المادة ٢٩٥ من قانون الإجراءات الجنائية ويحصل الطعن ويتم الفصل فيه وفقاً لما تنص عليه المادتين ٢٩٧ ،٢٩٦ من ذات القانون. يلزم أن يكون الادعاء بتزوير الشيك أمام جهة التحقيق أو المحاكمة. وجهة التحقيق هي الجهة المنوط بها إجراء التحقيق الابتدائي، وهي من اختصاص النيابة العامة بصورة أصلية وقاضي التحقيق بصورة ثانوية )المادة ٦٤ من قانون الإجراءات الجنائية( أو مستشار التحقيق بناء على ندب وزير العدل (مادة ٦٥ من قانون الإجراءات الجنائية) وجهة المحاكمة هي المحاكم على اختلاف درجاتها، ويستفاد ذلك من نص المادة ٥٣٦ تجاري : كل من ادعى بسوء نية تزوير شيك، ولو أراد المشرع غير ذلك لاستخدم تعبير “كل من جحد أو أنكر أو زعم تزوير شيك” أو غير ذلك من التعبيرات التي تمس القوة الثبوتية للشيك أو سلامته، دون أن يبلغ ذلك درجة الطعن بالتزوير(2) كما أن هذا تتفق مع نص المادة ٢٩٥ من قانون الإجراءات الجنائية حيث نصت على أنه : “… للنيابة العامة ولسائر الخصوم في أية حالة كانت عليها الدعوى أن يطعنوا بالتزوير….” ويلزم لتوافر الركن المادي لهذه الجريمة أن يحكم نهائياً بعدم صحة الادعاء بتزوير الشيك. والجدير بالذكر أن اشتراط صدور حكم نهائي بصحة الشيك يؤدي إلى وجود ثغرة يستغلها البعض في تحقيق المماطلة والإضرار بالمستفيد وتعطيل قيام الشيك بدورها كأداة وفاء، وذلك بالحيلولة دون صدور حكم نهائي بصحة الشيك، بالتنازل عن الادعاء بالتزوير في أية مرحلة قبل صيرورة الحكم بقيمة الشيك نهائياً فيدعي بسوء نية تزوير شيك ويستمر في إجراءات ادعائية وتحقيقه وإيقاف سير الدعوى الأصلية للتحقيق في دعوى التزوير الفرعية، حتى إذا ما تبين له أن مصير ادعائه هو الرفض تنازل عن ادعائه بسواء قبل صدور حكم، أو بعد صدوره وقبل صيرورته نهائياً بعد الطعن فيه بالاستئناف تبعاً لاستئناف الحكم الصادر في الدعوى الأصلية، وبالتالي لا يتوافر الركن المادي للجريمة ويحقق المدعي بتزوير الشيك غرضه في المماطلة وكسب الوقت وإفلاته من الوقوع تحت طائل التجريم والعقاب، وقد قضت محكمة النقض(3) بأن: الطعن بالتزوير لا يمنع الطاعن من التنازل عنه في أي وقت. ولكن حكم محكمة النقض يجب أن يفهم في إطار سلطة القاضي التقديرية، لأنه إذا كان الطعن بالتزوير لا يمنع الطاعن التنازل عنه في أي وقت، إلا أن الأمر متروك للقاضي في قبول هذا التنازل أو عدم قبوله. فالادعاء بالتزوير يعد من وسائل الدفاع المقررة لسائر الخصوم في الدعوى، لهم أن يستعملوه، أو أن يلتفتوا عنه، إلا أنه متى تم استعماله، فإنه لم يعد حق التنازل عنه خالصاً للمدعي فقد يرى القاضي غير ذلك وضرورة السير في تحقيق الادعاء بالتزوير إذا قدر ضرورته لإظهار وجه الحق في الدعوى.
الركن المعنوي :
تعد هذه الجريمة عمدية، والقصد الجنائي المتطلب هنا ليس القصد الجنائي العام وهو العلم والإرادة وإنما يجب أن يتوافر القصد الجنائي الخاص المتمثل في سوء نية مدعي التزوير ويقصد بسوء النية ليس فقط علم مدعي التزوير بعدم صحة ادعائه بل قصده الإضرار بالحامل وحرمانه من الحصول على قيمة الشيك.
العقوبة :
العقوبة كما هو واضح من نص المادة ٥٣٦ من قانون التجارة هي الحبس والغرامة والقاضي مخير بأن يدفع أحدهما.
________________
1- حسنين إبراهيم صالح عبيد –مفترضات الجريمة، مدلولها، طبيعتها، ذاتيتها، مجلة القانون والاقتصاد، كلية الحقوق جامعة القاهرة ١٩٨١ م، رقم ٣ ص ٥٥٨.
2- عبد الفتاح مصطفى الصيف، قانون العقوبات القسم الخاص منشأة المعارف الإسكندرية ٢٠٠٠ رقم ٦٧٣ ، ص3 ٨١.
3- مجموعة أحكام محكمة النقض نقض جلسة ٢3/6/1969م م، س ٣٠ رقم ١٨٨ ص ٩٥١.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً