طبقاً للقواعد العامة في التعبير عن الارادة فإنه لا يلزم ان يكون الايجاب صريحاً، بل يكفي ان يكون ضمنياً. ويكون الايجاب بالتعاقد ضمنياً اذا لم يعلن صاحب العرض عن نيته بالتعاقد بشكل صريح، ولكن هذه النية تستخلص ضمناً من الظروف المحيطة بالعرض(1). اذن فهو يتحقق باتخاذ موقف لا يكون في ذاته موضوعاً للافصاح عن الارادة ولكنه مع ذلك لايمكن تفسيره دون ان يفترض وجودها، كالمستأجر الذي يبقي في العقار بعد انتهاء مدة الايجار ، فهو لم يستعمل كتابة ولا قولاً ولا اشارة، بل اتخذ موقفاً يستنتج منه انه يعرض على المؤجر تجديد الايجار. وكذلك لو تصرف شخص في عقار عرض عليه شراؤه، فان هذا التعرف يستفاد منه انه قبل الشراء. وتسليم سند الدين للمدين من قبل الدائن تعبير ضمني عن ارادته بانقضاء الدين(2).
وقد يتطلب القانون في احوال بخصوصها صراحة التعبير عن ارادة العميل القانوني. ويقع في حالة المستأجر من الباطن او التنازل عن الايجار، اذ لا تبرأ ذمة المستأجر نحو المؤجر في هذا الصدد الا اذا صدر من هذا قبول صريح بالايجار الثاني او بالتنازل عن الايجار، وقد اشارت الى ذلك المادة 778/ أ من القانون المدني العراقي بقولها “1. اذا صدر من المؤجر قبول صريح بالايجار الثاني او بالتنازل عن الايجار، دون ان يبدي أي تحفظ بشأن حقوقه قبل المستأجر الاول“. كذلك ماورد في نص المادة 29/ ثانياً من قانون الاثبات رقم 107 لسنة 1979 التي تقضي بان القيود الواردة في الدفاتر غير الالزامية والدفاتر والاوراق الخاصة لا تكون حجة على من صدرت منه الا اذا ذكر فيها صراحة انه استوفى ديناً. او اذا ذكر صراحة انه قصد بما دونه فيها ان تقوم مقام السند لمن اثبتت حقاً لمصلحة(3).
وكذلك اذا اشترط المتعاقدان ان التعبير عن الارادة لا يكون صريحاً وبشكل خاص فان العقد لا ينعقد الا اذا روعي هذا الشكل في التعبير عن الارادة. ويستطيع من صدر منه الايجاب العدول عن ايجابه مادام لم يتصل بعلم من وجه اليه، بل ويستطيع ايضاً الرجوع في ايجابه بعد وصوله مادام غير ملزم، والايجاب لا يكون ملزماً الا خلال فترة معينة يتفق عليها او يتحدد وفقاً لظروف الحال وطبيعة المعاملة(4). واننا نرى انه من البديهي بالامكان قطع مرحلة الايجاب التي تمثل جزءاً من المرحلة السابقة على التعاقد، طالما انه كان بالامكان قطع هذه المرحلة سواء في مرحلة المفاوضات المكونة لها او في مرحلة الايجاب بشكل مستقل، ولكن هذا يجب ان يتم في المرحلة السابقة على التعاقد أي قبل اقتران القبول بالايجاب، ففي هذه الحالة فقط يكون العقد قد انعقد واصبح ملزماً ولا يجوز لاحد طرفيه ان يرجع فيه بإرادة واحدة.
________________
1- ينظر: د. احمد سلامة، مذكرات في نظرية الالتزام، الكتاب الاول، مصادر الالتزام، الاسكندرية، منشأة المعارف، 1997، ص107-108.
2- ينظر: د. انور سلطان، الموجز في مصادر الالتزام، الاسكندرية، منشأة المعارف، 1970، ص74؛ د.عبد الرزاق احمد السنهوري، مصادر الالتزام، الجزء الاول، ص11-117؛ د. عبد المنعم فرج الصدة، عقود الاذعان في القانون المصري، رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون، جامعة القاهرة، 1946، ص107؛ د. جلال علي العدوى ، اصول المعاملات، الاسكندرية، بلا اسم مطبعة او تاريخ طبع ، ص96 ومابعدها.
– على انه قد يحدث كثيراً في الحياة العملية ان يقوم شخص بتوجيه عرض بأبرام عقد معين الى شخص اخر، او الى افراد الجمهور دون ان يتضمن هذا العرض العناصر الجوهرية للعقد المراد ابرامه، وفي هذه الحالة فان العرض لا يعتبر ايجاباً بالعقد لانتفاء احد الشروط الواجب توافرها في هذا الايجاب، وهو ان يكون متضمناً العناصر الجوهرية او الاساسية للعقد اذ ان هذه الدعوة ليست صريحة ، فانها تعتبر ايجاباً ضمنياً بالتفاوض. ينظر: د.حسام كامل الاهوائي، النظرية العامة للالتزام ، الجزء الاول، مصادر الالتزام، الطبعة الثانية، القاهرة، بلا اسم مطبعة، 1952، ص86؛ د. احمد حشمت ابو ستيت، نظرية الالتزام في القانون المدني الجديد، الكتاب الاول، الطبعة الثانية، القاهرة، بلا اسم مطبعة، 1954، ص71؛ د. انور سلطان، الموجز في مصادر الالتزام، الاسكندرية، منشأة المعارف، 1970، ص71؛ د. عبد المنعم فرج الصدة، عقود الاذعان في القانون المصري، رسالة دكتوراه مقدمة الى كلية القانون، جامعة القاهرة، 1946، ص99 و100.
3- ينظر: الموجز في قانون الاثبات العراقي المرقم 107 لسنة 1979.
4- ينظر: د. عبد المجيد الحكيم والاستاذ عبد الباقي البكري والاستاذ محمد طه البشير، الوجيز في نظرية الالتزام في القانون المدني العراقي، الجزء الاول، مصادر الالتزام، بغداد، بلا اسم مطبعة، بلا عام طبع ، ص39 ومابعدها.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً