لدى الرجوع الى نص المادة الثانية من قانون ضريبة الدخل العراقي النافذ وجدنا ان المشرع الضريبي العراقي لم يتناول مدى خضوع الأرباح الناتجة عن نشاط غير مشروع للضريبة او مدى عدم خضوعه كممارسة الشخص لمهنة المحاماة أو الطب أو الهندسة دون أن يكون مؤهلاً لذلك ، وتهريب البضائع من الكمارك ، والقمار والملاهي والمخدرات وبيع السلعة أو الخدمة بأكثر من التسعيرة الرسمية وعموماً فإن غالبية التشريعات الضريبية وإن كانت لم تنص على مشروعية الأرباح من عدمها إلا أنها أخضعت هذه الأرباح لضريبة الدخل، وذلك لأن القانون ذاته لم ينص على مشروعية العمل من عدمه، وأن القول بعدم خضوع الأرباح المتولدة عن ممارسة الأعمال غير المشروعة يجعل من الضريبة عقوبة على الأعمال المشروعة هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فإن اقتصار الضريبة على أرباح الأعمال المشروعة يساعد على زيادة هذا النشاط والتوسع فيه على العكس من ذلك فإن الأشخاص الذين يمارسون الأعمال التجارية غير المشروعة يحصلون على مكسبين أو يحققون ربحا لمرتين . المرة الأولى هو حصولهم على الدخل غير المشروع وفي المرة الثانية هو عدم خضوعهم للضريبة ، وعليه فإنه لا يفهم من ذلك هو تشجيع الأعمال غير المشروعة والاعتراف بها وإنما تطبيق للمنطق والعدالة ، فمن ناحية المنطق فإن عقوبة المخالف لا تكون بإعفائه من الضريبة ، بل على العكس من ذلك إخضاعه للضريبة فضلاً عن ما يقرره القانون لمن يخالف أحكامه ومن ناحية العدالة فإنه لا يجوز إعفاء المخالف لأحكام القانون أو الذي يمارس أعمالاً غير شريفة من الضريبة وفرض الضريبة على من يعمل في حدود القانون على وفق أحكامه(1) . ويذهب البعض(2). بحق الى أن الدخل غير المشروع يتطلب خضوعه للضريبة تحققه فعلاً في يد المكلف وأن يستقر في ذمته المالية ، وأن لا ينفصل عنها بمصادرة المال كلياً ، إذ لا تكون أمام دخل في هذه الحالة بالمرة . ومع ذلك فهناك من الفقه لا يؤيد إطلاقاً إخضاع هذه الأرباح للضريبة إطلاقاً من منطلق مخالفتها أحكام الشريعة الإسلامية الغراء التي تعتبر المصدر الأول للقانون(3) .
ولكن ما الحكم في حالة تحويل الأموال غير المشروعة الى أموال مشروعة هذا ما يعرف بغسيل الأموال(4) ، استنادا لما تقدم فإن جانب من الفقه والقضاء يميل الى إخضاع الأرباح غير المشروعة لضريبة الدخل . أما إذا تحولت الى أموال مشروعة ففي هذه الحالة تخضع للضريبة استناداً للمادة الثانية من قانون ضريبة الدخل العراقي النافذ وبالاستناد الى القانون التجاري . أما من ناحية الشريعة الإسلامية فلا يمكن إخضاعها للضريبة لأن كل ما يستند الى باطل فهو باطل فضلاً عن أن منشأها حرام فلا يجوز الاعتداد بها . وقد أيد القضاء خضوع الأرباح الناتجة عن الأعمال غير المشروعة لضريبة الدخل(5). ففي انكلترا حكم القضاء الإنكليزي بأن الأرباح التي يحققها أحد الأشخاص من قيامه بعمليات مراهنات غير مشروعة تخضع للضريبة شأنها في ذلك شأن الأرباح الناشئة من معاملات تجارية مشروعة ، على الرغم من أن هذا الشخص قد حكم عليه في جنح مماثلة . كما قضى بأن تخضع للضريبة الأرباح الناشئة من تصدير الويسكي لمدة تزيد على سنتين الى الولايات المتحدة خلافاً للقانون الأمريكي(6) . وفي مصر فقد أجمع الفقه والقضاء على إخضاع الأرباح غير المشروعة للضريبة وذلك لأن قوانين الضرائب تنظر الى النشاط المنتج سواء أكان مشروعاً ومتحققاً طبقاً لما يقضي به القانون أم لا ، لأن كل ما يهمه هو تحقق ربح نتيجة ممارسة نشاط أو أعمال تخضع للضريبة(7). أما الاتجاه الحديث للقضاء المصري فإنه يسير على عدم خضوع أرباح الأعمال غير المشروعة لضريبة الدخل وهذا الحكم أكدته محكمة جنايات المنصورة في القضية رقم 536/92 كلي ، بجلسة 25/5/1996 التي قررت بأنه لا ضريبة على عمل غير مشروع(8). أما بالنسبة الى المشرع الضريبي السوري فهو يخضع العمل لضريبة الدخل سواء أكان مشروعاً أم غير مشروع ، كذلك يخضع العمل للضريبة سواء أكان متفقاً مع شروط تنظيم المهنة أو الحرفة أم مخالفاً لها(9) .
أما القضاء الأردني فقد ذهب الى تأييد خضوع الأرباح غير المشروعة للضريبة فقد جاء في قرار محكمة استئناف ضريبة الدخل رقم 67/85 والصادر بتاريخ 30/5/1985 ما يأتي (أما بالنسبة للدخل القائم من الرشوة ولما لم تقدم لدينا أية بينة مقنعة تثبت عكس ما توصل اليه المقرر بهذا الخصوص تقرر الإبقاء عليه ومحاسبة المكلف عن هذا الدخل)(10) . وفي قرار آخر لمحكمة التمييز الأردنية رقم 280/77 والصادر في 24/8/1977 والذي جاء فيه (أن الفقرة أ من المادة (5) من قانون ضريبة الدخل رقم 25 لسنة 1964 أوجبت فرض الضريبة على أرباح أو مكاسب أي عمل أو أية حرفة أو تجارة …الخ ، فيتضح من هذا النص الذي ورد مطلقاً بأن أي دخل يتأتى للمكلف يخضع للضريبة سواء كان مصدر الدخل مشروعاً أو غير مشروع وبما أنه ثابت من البينة الواردة في الدعوى أن المكلف كان يتاجر بالمخدرات فإن عد دخله من هذا المصدر خاضعاً للضريبة قائماً في محله)(11) .والسؤال الذي يطرح نفسه ما هو الحكم بالنسبة الى النفقة التي تم إنفاقها للحصول على ارباح غير المشروعة ، أي أيتم تنزيلها أسوةً ببقية النفقات أم لا تنزل باعتبارها تنفق على إيراد غير مشروع ؟ للإجابة عن هذا التساؤل لابد من الرجوع الى آراء الفقه وأحكام القضاء للبت في هذا الموضوع .لقد أجمع الفقه المالي والضريبي بأنه لا يشترط في تكاليف الدخل أن تنفق دائماً في غرض مشروع ، بل قد يعد مبلغاً ما عبئاً على أرباح المنشأة حتى إذا أنفق في غرض غير مشروع ، إذا لا معنى للتمسك بمشروعية التكاليف مادمنا لا نتمسك بمشروعية الأرباح الخاضعة للضريبة(12) . وقد ذهب بعض الكتاب(13). في مجال تسويغه للنفقات غير المشروعة الى القول (الواقع أننا لو تمسكنا بمشروعية تكاليف الدخل دون أن نتمسك بمشروعية الدخل الخاضع للضريبة ، فإننا لا نساير المنطق ونناقض أنفسنا ، ذلك إذا قررنا أن الدخول من المصادر غير المشروعة يجب أن تعتبر من قبيل الدخول الخاضعة للضريبة ، بصرف النظر عن مشروعية المصدر ، وإذا كان الأمر كذلك فلابد أن يكون هذا الدخل غير المشروع صافياً، لصيرورته كذلك يستلزم الأمر خصم النفقات التي صرفت لإنتاجه ، بغض النظر عن مشروعيتها ، أما إذا اشترطنا المشروعية بالنفقة الإيرادية ، فلابد أن تدخل في دائرة الدخل الخاضع للضريبة ، تلك الدخول المشروعة دون غيرها وهذا أمر لا نرتضيه) .وإذا كان الفقه قد استقر على وجوب خصم النفقات غير المشروعة فإن القضاء اختلف في ذلك .إذ استقر القضاء المصري على وجوب خصم النفقات غير المشروعة ولو أن محكمة الاسكندرية المختلطة رفضت في البداية السماح بخصم مبلغ العمولة المستترة واستندت في ذلك الى أن العمولة المتنازع عليها لم تؤيد بالمستندات المثبتة لها ، وأنها عمولة غير مشروعة لم يكن للضباط قبولها . وأن على القاضي أن يقضي بما يتفق وأحكام القوانين، دون ما جرى عليه العرف أو العادة على خلافها(14) .
إلا أن محكمة الاستئناف المختلطة(15). رفضت الأخذ بهذا الرأي وقضت على العكس بانه يكفي استقرار العرف المتبع في النشاط البحري على دفع العمولة لتسويغها دون الحاجة الى البحث فيما إذا كان للضباط المنتفعين الحق في الحصول عليها أم لا . أو ما إذا كان هذا العرف متفقاً مع الآداب أو أنه ينافيها . كما وأخذت محكمة النقص بهذا الرأي حين قضت بالآتي(16). ( متى كان نشاط الممول الخاضع للضريبة على الأرباح التجارية والصناعية هو الذي هيأ لاتهامه وساعد عليه ، فان ما ينفقه في سبيل دفع هذا الاتهام يعد تكليفاً على الربح ويخصم من وعاء الضريبة ، وإذا كان الحكم المطعون فيه ، قد جرى في قضائه على أن المصروفات التي تخصم من وعاء الضريبة هي المصروفات التي تعد تكليفاً على الربح وتساهم في إنتاجه وليست أتعاب المحاماة ، التي ينفقها المتهم في مخالفة التسعيرة تكليفاً على الربح فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه) . أما القضاء الأردني فقد استقر على عدم تنزيل النفقات غير المشروعة(17). وهو بذلك يتخذ موقفاً مخالفاً لموقف القضاء المصري . فقد قضت محكمة التمييز في معظم أحكامها برفض النفقات غير مشروعة إذ قررت محكمة استئناف قضايا ضريبة الدخل في القضية رقم 793/77 بتاريخ 29/11/1977 اعتبار أن الخسارة التي تعرض لها المستأنف بسبب مصادرة المخدرات والسيارات المضبوطة من التكاليف التي تنزل من الدخل ، مستندة الى أن الضريبة تفرض على الدخل الصافي بعد خصم جميع المصاريف والنفقات(18) .
إلا أن محكمة التمييز رفضت هذا الحكم بقرارها رقم 413/77/ بتاريخ 4/5/1983 وقضت (بأنه وإن كان من المتفق عليه فقهاً وقضاءاً أن الدخل المتأتي للمكلف من مصدر غير مشروع كالاتجار بالمخدرات خاضع لضريبة الدخل ، إلا أنه من المتفق عليه أيضاً أنه لا يجوز تنزيل الخسائر التي نشأت عن ذلك المصدر كالغرامة ومصادرة المخدرات ووسائط النقل من الدخل الخاضع للضريبة سواء أكان المكلف قد قدم حسابات دقيقة لأرباحه وخسائره أو لم يقدم ، وعلى ذلك أن الخسائر التي تنجم عن عمل يعتبره القانون جرماً يجب أن يتحملها نفس المكلف الذي اقترف الجريمة على اعتبار أن العقوبة شخصية لا يتحملها أحد سوى المجرم والقول بخلاف ذلك يؤدي الى نتيجة غير منطقية وغير معقولة : وهي تحميل الخزينة العامة الخسائر المترتبة على المكلف من جراء معاقبته على ارتكاب الفعل الممنوع بموجب القانون ومكافأة المجرم على ما اقترفه من جريمة)(19). من كل ما تقدم نحن نرى عدم إخضاع الأرباح غير المشروعة لضريبة الدخل ، وعليه فلا حاجة الى الولوج في تفاصيل النفقات غير المشروعة استناداً الى الحجج الآتية :
1-أن قانون ضريبة الدخل العراقي رقم 113 لسنة 1982 المعدل لم ينص صراحةً على مشروعية الدخل من عدمه .
2-إن خضوع الأرباح غير المشروعة للضريبة يعني ذلك تشجيع الأشخاص على ممارسة هذه الأعمال التي بطبيعتها تكون مخالفة للقانون والشريعة الإسلامية الغراء لقوله تعالى ((ياأيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون))(20)، ولأن القانون وضع لحماية المجتمع من مثل هذه الجرائم كالاتجار بالمخدرات أو انتشار الفساد في الجهاز الإداري للدولة بتعاطي الرشاوي تحت أسم العمولات فضلاً أن عدم المشروعية إما أن يرجع الى مخالفة نص في القانون أو الى مخالفة النظام العام والآداب وأن نص القانون يكون مبنياً على اعتبارات النظام العام والآداب .
3-ان القول أن الدخول المشروعة تفرض عليها الضريبة والدخول غير المشروعة لا تفرض عليها الضريبة باعتبار الضريبة عقوبة على الدخول المشروعة ، مردود في نظرنا لان الدخول الغير المشروعة معرضة لعقوبة أشد من الضريبة ألا وهي عقوبة جنائية وما يتبعها من مصادرة للأموال كلها فضلاً عن أن الضريبة هي مساهمة مالية في الأعباء العامة استناداً للسيادة والتضامن المالي لتحقيق قاعدة العمومية ، أي أن جميع أعضاء المجتمع ملتزمون بأن يساهموا في مواجهة الأعباء العامة وكل حسب مقدرته التكليفية ، أي أن الضريبة ليست عقوبة.
4-صعوبة إجراء التقدير على مثل هذه الدخول ، لعدم الوصول الى الدخل الحقيقي لها ، لأنها غالباً ما تكون بشكل مخفي ، وأنه من غير المعقول تقديم إقرار ضريبي عن نشاط تجارة المخدرات مثلاً .
5-عدم اتفاق القضاء على ذلك اذ على الرغم من القضاء المصري قد قبلوا بتنزيل النفقات غير المشروعة ونحو ذلك في الأصل كان معارضا لها أما الاتجاه الحديث أكد على عدم خضوعها لضريبة الدخل ، أما القضاء الأردني فقد كان معارضا لتنزيل النفقات وكذلك ما جاء في بعض نصوص التشريع الفرنسي بعدم جواز خصم النفقات غير المشروعة .
_____________________
[1]- د. عادل فليح العلي (المالية العامة والتشريع المالي) ، مصدر سابق ، ص240 ؛ د. صالح عجينة ، مصدر سابق ، ص44 وما بعدها.
2- الخصاونة ، مصدر سابق ، ص ص63-64 .
3- د. عادل أحمد حشيش (الوسيط في الضرائب على الدخل) ، مصدر سابق ، ص595 .
4- يمكن تعريفها بأنها إضفاء صفة المشروعية القانونية على الأموال التي تجنيها العصابات بممارستها لأعمال غير مشروعة أصلاً وبطرق تمنع تتبعها الى مصادرها الحقيقية التي إذا ما عرفت فإن هذه الأموال تكون عرضة للمصادرة ، بحيث يصبح بالإمكان لاحقاً إخراج هذه الأموال من دائرة الظل والتعامل بها بشكل علني على أساس من المشروعية .أنظر : أروى فايز الفاعوري وإيناس محمد قطيشات (جريمة غسيل الأموال) ، ط1 ، دار وائل للنشر ، عمان ، 2002 ، ص19 .
5- ما يفيده قرار الهيئة التمييزية الخاصة بالضرائب بالعراق ذي العدد 91/1996 بتاريخ 24/9/1996 والمتعلق برفض الاعتراض على تقدير الضريبة عن دخل أحد محلات المشروبات الروحية . انظر : الكتاب السنوي للهيئة العامة للضرائب لسنة 1997 ، وزارة المالية ، شعبة التحري ، ص68 .
6- د. زكريا محمد بيومي (ضريبة الدخل في التشريع السوداني) ، مصدر سابق ، 1974 ، ص69 .
7- د. زين العابدين ناصر (النظام الضريبي المصري) ، مصدر سابق ، ص43 .
8- مشار اليه في :د.مصطفى رشدي شيحة (ضرائب الدخل المباشرة) ، دار الجامعة الجديدية للنشر الإسكندرية ، 1998 ، ص21 .
9- د. محمد سعيد فرهود ود.كمال حسين ابراهيم (نظام الزكاة وضريبة الدخل) ، مصدر سابق ، ص187 .
10- مشار اليه في الخصاونة ، مصدر سابق ، ص240 .
1[1]- مشار اليه في : وليد زكريا صيام وحسام الدين مصطفى الخداش ، مصدر سابق ، ص81 .
2[1]- انظر في ذلك :
– د. أحمد نور (المحاسبة الضريبية) مصدر سابق ، ص280 .
– د. زين العابدين ناصر (النظام الضريبي المصري) ، مصدر سابق ، ص226 .
– د. محمود رياض عطية (الوسيط في تشريع الضرائب) ، مصدر سابق ، ص477 .
3[1]- د. عادل الحياري (الضريبة على الدخل العام) ، مصدر سابق ، ص300 .
4[1]- مشار اليه في : د. حسين خلاف (ضريبة الأرباح التجارية والصناعية) أ، مصدر سابق ، ص290 .
5[1]- المصدر نفسه ، ص291 .
6[1]- مشار اليه في : سالم محمد سلمان المفلح ، مصدر سابق ، ص146 .
7[1]- مسايراً بذلك المشرع الضريبي الفرنسي الذي نص صراحةً على عدم جواز خصم بعض النفقات غير المشروعة ، فقد نصت المادة (39/2) من قانون الضرائب العام بعدم جواز خصم بعض التعاملات ، المصادرات ، الجزاءات .
انظر : سالم محمد سلمان المفلح ، مصدر سابق ، ص148 .
8[1]-الخصاونة ، مصدر سابق ، ص ص64-65 .
9[1]- المصدر نفسه ، ص65 .
20- سورة البقرة آية (267) .
المؤلف : عبد الباسط علي جاسم الزبيدي
الكتاب أو المصدر : وعاء ضريبة الدخل في التشريع الضريبي العراقي
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً