نتائج التنفيذ العقاري:
تترتب على التنفيذ العقاري نتائج قانونية ينبغي أن نتناولها بشيء من الإيضاح بادئين بالنتائج التي تترب على إجراءات الحجز ومردفين ذلك بالنتائج التي تترتب على البيع.
النتائج المترتبة على الحجز:
كل إجراء من إجراءات الحجز التي سبقت لنا الإشارة إليها تترتب عليه نتائج وأثار قانونية لها أهميتها. كما أن إغفال أي إجراء من هذه الإجراءات قد تترتب عليه آثار قانونية (سلبية) أي أن إغفالها قد يترتب عليه توقيع جزاء هو البطلان أو السقوط أو غير ذلك حسب الأحوال.
فإذا ما بدأنا بالإجراء الأول من الإجراءات المشار إليها وهو إعلان السند التنفيذي % نجد أنه يترتب على تخلفه أثر هام وهو عدم إمكان البدء في التنفيذ. أما الإجراء نفسه فلا يترتب عليه أثر إيجابي معين فهو شرط للبدء في التنفيذ، وليس من إجراءات التنفيذ ذاتها بل هو إجراء سابق عليها أي أنه من مقدمات التنفيذ وليس من إجراءاته. فهو إيذان بالتنفيذ ويجب أن يسبقه.
ويترتب على عدم اتخاذ هذا الإجراء بطلان إجراءات التنفيذ وقد كان القانون القديم يجيز إعلان السند التنفيذي مع تنبيه نزع الملكية في نفس الوقت. ولكن قانون المرافعات الجديد (الصادر في سنة 1968) ينص على أن إعلان السند التنفيذي يجب أن يكون سابقاً على إعلان التنبيه بنزع الملكية: وأية ذلك أن المشرع قد نص على أن التنبيه يجب أن يشتمل على بيان السند التنفيذي وتاريخ إعلانه إلى المدين، فدل ذلك على أن التنبيه يجب أن يكون لاحقاً وأنه إذا ما تم التنفيذ قبل إعلان السند التنفيذي أو معه في نفس الوقت كان باطلاً.
وتقضى القواعد العامة بأن التنفيذ يجب إلا يتم إلا بعد مضى يوم كامل (على الأقل) على إعلان السند التنفيذي. وتطبيق هذه القواعد في مجال التنفيذ العقاري يؤدى إلى القول بأن إعلان السند التنفيذي يجب أن يكون سابقاً على إعلان تنبيه نزع الملكية وأن يفصل بينهما يوم كامل (على الأقل).
أما الإجراء الأول من إجراءات التنفيذ العقاري ذاتها وهو إعلان تنبيه نزع الملكية فلا يترتب عليه سوى أثره الطبيعي الذى تقرره القواعد العامة وهو قطع التقادم وسريان الفوائد.
وإنما تترتب النتائج القانونية الهامة على الإجراء التالي أو اللاحق. وهو تسجيل تنبيه نزع الملكية. وقد جرت العادة على القول بأن إعلان تنبيه نزع الملكية يمنع المدين من التصرف ويقيد حريته في الإدارة والاستغلال. وهو ما سنتولى بيانه بشيء من الدقة وإنما نبادر إلى القول بأن المدين أو على العموم مالك العقار الذى يجرى التنفيذ عليه – يتمتع بسلطات المالك وهى التصرف في العقار من جهة إدارته واستغلاله من جهة أخرى. فإلى أي مدى يتأثر حق المدين في (التصرف) في عقاره وإلى أي مدى يتأثر حقه في (إدارته واستغلاله).
لا حاجة بنا هنا إلى القول بأن أعمال التصرف تختلف عن أعمال الإدارة – فالتصرف في العقار عمل قانونيا يؤدى إلى نقل ملكية العقار أو الانتقاص منه فهو إذن العمل الذى يمس أصل المال أو رأس المال ومثاله البيع والهبة والرهن وترتيب حقوق الارتفاق والانتفاع على العقار. أما أعمال الإدارة فهي تصرفات قانونية لا تمس أصل المال أو رأس المال ومثاله البيع والهبة والرهن وترتيب حقوق الارتفاق والانتفاع على العقار. أما أعمال الإدارة فهي تصرفات قانونية لا تمس أصل المال وإنما تمس ثمرته والثمرة متجددة فالانتقاص منها ليس بالخطورة التي يوصف بها الانتقاص من رأس المال نفسه. ولذلك (منعوا) التصرف في العقار (وقيدوا) أعمال الإدارة.
مدى تأثر حق التصرف في المال بتسجيل التنبيه:
أختلف الشراح في الماضي بشأن النتيجة التي تترتب على تسجيل التنبيه – وذلك بالنسبة لأعمال التصرف التي يجريها المدين في العقار المحجوز عليه. فقال البعض أنه يترتب على تسجيل التنبيه منع المدين من التصرف ولكن هذا القول مردود بأن تسجيل التنبيه لا يخرج العقار من ملك صاحبه ولا يعدو أن يكون إجراء من إجراءات الحجز.
والحجز لا يحول دون القول بأن المدين يظل مالكاً للمال المحجوز بدليل أنه لو بيع العقار بأكثر من قيمة الدين فالفائض يرد إلى المدين لأنه يعتبر مقابل ماله الذى بيع فهو من حقه.
ومتى سلمنا بأن المحجوز عليه مالك فإنه يظل متمتعاً بسلطات المالك وتكون له كافة الحقوق التي للمالك ومنها حق التصرف في المال المملوك له وان كان محجوزاً عليه.
وعلى هذا الأساس فإن الحجز العقاري إعلان تنبيه نزع الملكية وتسجيله – لا يمنع المالك (المدين) من بيع العقار المحجوز أو من رهنه بل أن بيع العقار أو رهنه قد يكون هو الوسيلة لسداد الدين الذى يجرى التنفيذ بمقتضاه فكيف نمنع المدين من الالتجاء إلى هذه الوسيلة مع أنه لو سدد الدين سيتجنب المضي في الإجراءات إذ تصبح عندئذ قائمة على غير سبب.
لذلك اتجه رأى آخر إلى القول بأن تسجيل التنبيه يؤدى إلى الحجز على حرية المدين في التصرف: فيكون منعه من التصرف إذن راجعاً إلى أن الحجز العقاري يصيبه بنوع من نقص الأهلية (أهلية الأداء) فيمنعه من التعامل مادام الحجز قائماً.
على أن هذا القول بدوره مردود: لأن مناط الأهلية هو التمييز والإدراك. ولا شك في أن حجز العقار وتسجيل تنبيه نزع الملكية لا ينتقص أهلية مالك العقار لأنه لا يؤثر على إدراكه أو تمييزه فمن الخطأ إذن أن نقول أن الحجز يؤدى إلى الحجز على المدين أو إلى الانتقاص من أهليته أياً ما كانت صورة ذلك الانتقاص.
وقد قيل – في رأى ثالث – أن تصرف مالك العقار المحجوز عليه سواء في ذلك المدين أو الحائز أو الكفيل العيني يقع باطلاً متى تم تسجيل تنبيه نزع الملكية. ولكن البطلان هنا لأوجه له لأن البطلان جزاء على تخلف شرط من شروط انعقاد (الرضا والمحل والسبب) كان البطلان مطلقاً وان كان العيب ش شرط من شروط الصحة كنقص الأهلية وعيوب الرضا) فالبطلان نسبى. وهنا لا يوجد عيب في ركن من أركان العقد أو في شرط من شروط صحته. فما هو سبب البطلان؟ لاشك في أن القول بالبطلان في هذه الحالة لا محل له إلا أن يقال أنه بطلان من نوع خاص وهذه حيلة العاجز.
ولذلك اتجه الرأي أخيراً إلى أن تصرف المدين في عقاره المحجوز يقع صحيحاً فيما بين طرفيه إذ لا يوجد ما يدعو إلى بطلانه أو منعه وإنما يوقف نفاذ ذلك التصرف في حق الدائن المنفذ إلى أن يؤدى إليه دينه. فاعتبروا أن حق المدين في التصرف لا يمنع ولا يبطل وإنما يوقف نفاذه ويعلق على سداد الدين إلى دائن المباشر للتنفيذ. فهو إذن ليس صورة من صور البطلان ولا صور المنع ولا صور الحجز أو الانتقاص من الأهلية وإنما هو صورة من صور عدم النفاذ inopposabilite ويعتبر الشراح هذا الجزاء (وهو عدم نفاذ التصرف) مقرراً في حق مالك العقار الذى يجرى التنفيذ عليه سواء كانا لمدين أو غيره كالحائز والكفيل العيني: فإن حق المالك في التصرف يتأثر بتسجيل تنبيه نزع الملكية ولكن في هذه الحدود المشار إليها فيما سبق.
ولا يقتصر عدم النفاذ على حق مالك العقار المحجوز في التصرف فيه بل يشمل كل أنواع الحقوق العينية التي تنشأ أو تترتب على العقار بعد تسجيل التنبيه وذلك حماية للدائن المنفذ (من جهة) وخوفاً من التواطؤ والتحايل (من جهة أخرى): فإذا ما ترتب على العقار حق عيني بعد تسجيل هذا التنبيه فإن للدائن المنفذ أن يتجاهل ذلك الحق العيني بمعنى أن الحق العيني المذكور لا ينفذ في حق الدائن ولا يسرى عليه طالما أن حجزه قائم % يستوى في ذلك أن يكون الحق العيني قد ترتب بإرادة المدين أو رغم إرادته كما لو تقرر على العقار حق اختصاص droit’affectation أو حق ارتفاق لصالح الغير: بموجب حكم أو أمر قضائي: فإن تقرير ذلك الحق على العقار وأن كان يتم رغماً عنه إلا أنه قد يوعز إلى غيره ويتواطأ معه على استصدار الحكم أو الأمر بالاختصاص أو بتقرير حق الارتفاق على العقار بما ينتقص من قيمته إضراراً بالدائن فرؤى تجنب هذا التصرف الذى قد يحصل بطريقة خفية غير مباشرة ولا يمكن إقامة الدليل على مساهمة المالك فيه – وذلك بتقرير عدم سريان ذلك الحق العيني في مواجهة الدائن المنفذ. فله أن يتجاهله ويمضى في التنفيذ على أساس تجاهله.
قد يقال: وما ذنب المشترى إذا كان حسن النية واشترى العقار من مالكه وهو لا يعلم أنه محجوز عليه والرد على هذا أن تنبيه نزع الملكية مسجل وهذا كاف في إعلام الغير وتعريفه بأن العقار محجوز عليه فإذا أقدم شخص على شراء عقار أو جزء من عقار وسجل عقده وعلم طبعاً عند التسجيل بوجود تنبيه نزع ملكية (مسجل) فلا يمكن أن يقال أنه حسن النية لأن تسجيل التنبيه كاف لتعريفه بأن هناك إجراءات نزع ملكية متخذة على العقار. فكل التصرفات المسجلة بعد تنبيه نزع الملكية المسجل تعتبر غير نافذة في حق الدائن الحاجز بصرف النظر عن حسن أو سوء نية صاحبها وبصرف النظر عن ثبوت أو عدم ثبوت تاريخها قبل أن يسجل التنبيه: فالعبرة هنا بالمفاضلة بين التسجيلين والعبرة بتاريخ التسجيل الأسبق بصرف النظر عن أي اعتبار أخر أي أن المعيار هنا مادى وهو أسبقية التسجيل. أما التصرفات الحاصلة والمسجلة قبل تسجيل التنبيه فالمفروض فيها أصلاً أنها تسرى ولكن هذا لا يمنع من الطعن فيها بأنها عملت بالتواطؤ ما بين المشترى والمدين أضراراً بالدائن الحاجز فيكون الطعن هنا بالصورية التدليسية أو بالدعوى البوليصة وعلى من يطعن بذلك أن يثبت مدعيه وله الإثبات بكافة الطرق لأن الدائن الحاجز (الطاعن) يعتبر من الغير ولأن الأمر المدعى به في هذا المقام مبنى على أساس وجود غش أو تدليس. والأمر متروك لتقدير المحكمة في هذا الشأن – وهذا هو الفرق بين التصرفات الحاصلة قبل تسجيل التنبيه وبعده.
وعدم النفاذ هنا معناه أن الحجز (تسجيل التنبيه) يضرب حول العقار نطاقاً أو ستاراً يجعله بمنأى عن التأثر بالتصرفات التي تجرى بعد الحجز: أي أن تسجيل التنبيه يجعل العقار بمعزل عن تلك التصرفات أي أن تسجيل التنبيه ينشئ حقاً للدائن وهذا الحق له صبغة عينية من نوع خاص وأن كنا لا نجرؤ على القول بأن تسجيل التنبيه ينشئ للدائن حقاً عينياً يتفوق على كافة الحقوق العينية اللاحقة عليه وذلك لأن الحقوق العينية مقررة في القانون على سبيل الحصر وليس منها حق الدائن (العقاري) الحاجز.
وهذا الستار أو العازل الذى يقف حائلاً يمنع الحق العيني المقرر على العقار من إرسال إشعاعاته إلى الدائن الحاجز أي (يحجز) هذه الإشعاعات عن الدائن الحاجز: هذا الستار يمنع من نفاذ أي حق عيني يقرر على العقار سواء كان حق الملكية أو حق الانتفاع أو حق الارتفاق أو حق الرهن أو حق الاختصاص وسواء كان ذلك الحق مقرراً بإرادة المدين (مالك العقار) أو على غير إرادته كما هو الشأن مثلاً بالنسبة لحق ارتفاق يتقرر على العقار بموجب حكم قضائي في دعوى مرفوعة ضد المدين من أحد جيرانه – وكما هو الشأن بالنسبة لحق اختصاص يحصل عليه دائن أخر لنفس المدين بموجب أمر من القاضي وعلى أساس حكم قضائي (بدين) صادر ضد المدين – وذلك لأن عدم النفاذ هنا مطلق والحكمة فيه لا تخفى على أحد وهى خشية التواطؤ فقد يكون المدين هو المحرك من وراء الستار. ولذلك لا يسرى التصرف إذا كان من شأنه إنشاء أو نقل حق عيني على العقار أو إذا كان من شأنه الانتقاص من قيمة العقار كتقرير حق عيني (بالارتفاق) لصالح عقار مجاور على العقار المنزوعة ملكيته مما يهبط بقيمة العقار عند بيعه بالمزاد.
ويسرى هذا المنع في حق المدين وفى حق من يتعامل معه (كالمشترى) لصالح الدائن الحاجز ولصالح من يقدم على شراء العقار بالمزاد: لأن غاية المنع لا تتحقق إلا إذا استفاد منه من يشترى العقار بالمزاد. فنطاق هذا الأثر من حيث الأشخاص الذين يسرى المنع لصالحهم يشمل الدائن العادي والمرتهن كما يشمل المشترى بالمزاد. ومن حيث الأشخاص الذين يسرى المنع لصالحهم يشمل الدائن العادي والمرتهن كما يشمل المشترى بالمزاد. ومن حيث الأشخاص الذين يسرى المنع ضدهم يشمل مالك العقار أياً كان أي سواء كان هو المدين أم الحائز أم الكفيل العيني كما يشمل من يتعامل مع مالك العقار ومن يتقرر لصالحه الحق العيني المسجل بعد تسجيل التنبيه.
وجدير بالذكر أن سريان هذا المنع في حق الحائز يبدو غريباً لخروجه على القاعدة العامة في المرافعات وهى نسبية أثر الإجراءات فكان ينبغي أن يتقرر هذا المنع في حق المدين من تاريخ تسجيل التنبيه وأن يتقرر في حق الحائز من تاريخ تسجيل الإنذار الموجه إليه. ولكن المشرع قرر هنا أن الحائز يتأثر بتسجيل التنبيه الموجه للمدين أي أن تسجيل التنبيه يؤثر على حق الحائز مع أن التنبيه لم يوجه إليه خلافاً لقاعدة نسبية أثر الإجراء. وقد قرر المشرع ذلك لحكمة هى منع التواطؤ خشية الاتصال الخفي بين المدين والحائز للإضرار بحقوق الدائن وبذلك أوجب المشرع على من يتعامل مع حائز ألا يكتفى بالكشف عن التصرفات العقارية الصادرة من الحائز عليه أن إلى الوراء ويكشف عن تصرفات سلف أو اسلاف الحائز مما يؤدى به إلى اكتشاف وجود التنبيه المسجل.
كما يلاحظ أن هذا المنع لا يقتصر على الحقوق العينية التي تتقرر على العقار بإرادة صاحبه بل يشمل أيضاً ما يتقرر بغير إرادته كالاختصاص والارتفاق وقد سبقت الإشارة إلى ذلك.
وهذا المنع يتكيف قانوناً بأنه ليس بطلاناً ولا حجراً على المدين ولكنه صورة من صور عدم النفاذ inopposabilité والوسيلة إلى تجنبه وإلى إنفاذ أثر التصرف في حق الدائن الحاجز هى سداد الدين المطلوب وملحقاته.
ويطيب لنا أن نكرر الإشارة إلى أن ما يأتيه المدين من الأعمال القانونية في شأن العقار المحجوز عليه ينقسم إلى قسمين: (1) أعمال تصرف (2) أعمال إدارة.
وهذه هى التفرقة التقليدية المعروفة في القانون المدني. والفرق بين أعمال التعرف وأعمال الإدارة هو أن أعمال التصرف تمس أصل المال أو رأس المال ِأما أعمال الإدارة فتمس الثمرة فقط. ومن شأن أعمال التصرف أن تنقص من أصل المال بشكل نهائي لا يمكن تعويضه أو تجديده ومثالها البيع والهبة وتقرير حق ارتفاع على العقار مثلاً.
أما حقوق الإدارة والاستغلال فهي تتعلق بثمرة العقار دون أن تمس أصله. ومثالها تأجير العقار أو تحصيل أجرته.
وأعمال الإدارة لا تنتقص من قيمة العقار إلا لفترة محدودة لأن الثمرة متجددة كما سبق القول. ولذلك تعامل أعمال الإدارة تشريعياً معاملة أكثر رفقاً من أعمال التصرف فهي لا تمنع مثلها وإنما يكتفى المشرع بتقييدها.
أثر تسجيل التنبيه على حق المدين في إدارة العقار واستغلاله:
لا شك في أن الاعتراف للمدين بأنه مالك للعقار رغم الحجز يؤدى إلى القول بأن له الحق في إدارته واستغلاله أي تأجيره والحصول على أجرته وثمراته.
غير أن المشرع في هذا المقام قد أورد على حقوق المدين قيداً أو جملة قيود نتولى شرحها فيما يلى:
تقييد حق المدين في الإدارة:
ليس الأمر هنا أمر (منع) وإنما يتلخص في مجرد (تقييد) حقوق المدين في إدارة عقاره وذلك على التفصيل الآتي:
أولاً- بالنسبة للتأجير:
لا تنفذ في حق الدائن ومن يلوذ به تصرفات المدين المتعلقة بالتأجير إلا إذا كانت من أعمال الإدارة الحسنة. ويعتبر التأجير من أعمال الإدارة الحسنة إذا كان بسعر المثل وبمدة معقولة.
أما سعر المثل: فهو معروف: لأن الأراضي الزراعية تؤجر بسبعة أمثال الضريبة. فأقل عن ذلك لا يعتبر من أعمال الإدارة الحسنة، أما المباني فقد حدد القانون أجر المثل فيها بحسب تاريخ إنشائها وفقاً للقواعد المقررة في قوانين المساكن.
وأما المدة المعقولة: فهي سنة في المباني وثلاث سنوات في الأراضي الزراعية.
فإن زادت المدة عن ذلك أو قل السعر عن أجر المثل (لظروف معينة) وجب أن يكون عقد الإيجار ثابت التاريخ قبل تسجيل التنبيه (وذلك لدفع مظنة التواطؤ).
أما إذا زادت مدة الإجارة عن تسع سنوات فإنها يجب أن تكون مسجلة على تقدير أن التأجير لمدة تزيد عن 9 سنوات يأخذ حكم أعمال التصرف ويثقل العين بحق لأمد طويل مما يبخس قيمته ويضر بالدائن الحاجز فوجب أن يكون عقد الإيجار مسجلاً قبل تسجيل التنبيه حتى ينفذ في حق الدائن الحاجز وإلا فإنه لا يسرى إلا في حدود (9) سنوات فقط أن كان ثابت التاريخ ولا يسرى فيما زاد عن ذلك. أما إذا لم يكن ثابت التاريخ فإنه لا يسرى إلا في حدود سنة واحدة في المباني وثلاث سنوات في الأراضي الزراعية أن كان بسعر المثل أي معتبراً من أعمال الإدارة الحسنة.
ولا شأن لنا هنا بالامتداد القانوني لعقود الإيجار – فإن هذا حكم استثنائي ووقتي لا مناص من تطبيقه ولكنه لا يؤثر على المبادئ العامة في التأجير – التي أشرنا إليها.
ثانياً- بالنسبة لتحصيل الأجرة مقدماً:
قد يسارع المدين بمجرد وصول التنبيه غليه فيقوم بتحصيل الإيجار مقدماً من المستأجرين لكى يحرم الدائن منه – وقد فرق المشرع في هذا المقام بين جملة فروض:
(1) فإذا أصدر الدائن إيصالاً عن أجرة سنة جاز ذلك ونفذ في حق الدائن بلا قيد ولا شرط (2) وأن زادت قيمة المخالصة عن أجرة سنة فتنقص إلى سنة إلا إذا كانت ثابتة التاريخ (3) أما إذا كان المدين بتحصيل أجرة مقدماً عن أكثر من ثلاث سنوات وجب أن يكون المخالصة مسجلة تسجيلاً كلياً.
ثالثاً- بالنسبة لحوالة الأجرة:
قد يجد المدين أن المستأجر عاجز أو ممتنع عن سداد الأجرة مقدماً فيقوم بتحويل حقه في تحصيل الأجرة إلى الغير ويقتضى قيمة الأجرة مقدماً من الغير ولو مخفضة فتقاس حوالة الأجرة على المخالصات بالأجرة المعجلة بمعنى أنها لابد أن تكون مسجلة أن زادت عن (3) سنوات وثابتة التاريخ أن كانت عن سنتين أو ثلاثة – وتنفذ حوالة الأجرة مقدماً عن سنة واحدة بدون قيد. وذلك على تقدير أن هذا هو أخر ما سيحصل عليه المدين من ملكه فيجب التسامح معه فيه ولو من باب المواساة خصوصاً وان إجراءات التنفيذ العقاري تستغرق في العادة لا أقل من سنة.
إلحاق الثمار بالعقار:
وقد قرر المشرع بالنسبة لحق المدين في استغلال ماله المحجوز عليه قاعدة خاصة بالنسبة للتنفيذ العقاري تقيد حق المدين في استغلال عقاره وجنى ثمراته وهذه القاعدة هى المعروفة باسم (إلحاق الثمار بالعقار) وهى لا سترى إلا بالنسبة للحجز العقاري وقد تقررت بنص خاص مؤداه اعتبار الثمرات، محجوزة مع العقار تبعاً لإجراءات الحجز العقاري ودون حاجة لاتخاذ إجراءات جديدة لحجز الثمرات ذاتها. وقد قيل في تبرير ذلك أن هذا الحكم راجع إلى أن الرهن يشمل العقار وتوابعه ومنها الثمار ولكن هذا مردود بأن إلحاق الثمار بالعقار أثر للتنفيذ لا للرهن ولو كان من أثار الرهن لا لحقت الثمار بالعقار من تاريخ الرهن لا من تاريخ تسجيل التنبيه على أنه قد قيل في هذا المقام أن حق الدائن المرتهن على الثمار يظل كامناً إلى أن تتخذ إجراءات التنفيذ فتحركه فينشط وبذلك يبدأ حق الدائن في الثمرة من تاريخ تسجيل التنبيه – غير أن هذا التبرير خيالي والصحيح أن إلحاق الثمار أثر للتنفيذ لا للرهن ولذلك يستفيد منه الدائن العادي إذا باشر إجراءات التنفيذ العقاري كما يستفيد منه الدائن المرتهن إذا نفذ.
ويترتب على إلحاق الثمار بالعقار أنه عند بيع العقار لا يوزع الثمن وحده على الدائنين وإنما يوزع معه أيضاً ما تراكم من الثمرات وبديهي أن ذلك لا يكون إلا عندما يتضح عدم كفاية الثمن المتحصل من بيع العقار بالمزاد لسداد ديون جميع الدائنين المعتبرين طرفاً في إجراءات التنفيذ العقاري فإذا كان الثمن كافياً فلا مصلحة للدائنين في طلب توزيع الثمار مع الثمن بل ولا مصلحة لهم أصلاً في إلحاق الثمار بالعقار.
ويترتب على إلحاق الثمار أن يعتبر المدين حارساً على العقار وثمراته بحكم القانون فإذا تبين تفريطه في الثمار وعدم كفاية قيمة العقار لسداد الديون يعزل ويعين حارس أخر بدله لجنى الثمرات وإيداعها بالخزينة.
وإلحاق الثمار بالعقار هو نوع خاص من الحجز لأنه ينصب على منقولات ولكنه يتم بإجراءات الحجز العقاري ولأنه ينصب على أشياء مستقبلة وغير محددة فكل محصول يظهر يجد نفسه وقاعاً تحت نير الحجز بمجرد ظهوره وهذا حكم غريب لأن القاعدة في الحجز هى تعيين المحجوزات وهو ما يقتضى وجودها وقت الحجز. كما أن من وجوه الغرابة في هذه الصورة من صور الحجز أن المدين يعتبر حارساً على المحجوزات ولكنه لا يحاسب عنها إلا عند البيع وظهور عدم كفاية الثمن فإذا تبين تقصير الحارس (المدين) في حفظها اعتبر مبدداً ويعاقب بعقوبة التبديد أما قبل ذلك فإن له الحق في جنى الثمار وبيعها بمعرفته بالممارسة الودية بشرط أن يحتفظ بقيمتها لذمة الدائنين عند المحاسبة. وللمدين الحق في أن يأخذ من الثمار ما يكفيه لقوته وقوت عياله وان كان العقار غير مؤجر جاز للحارس (المدين) أن يقوم بزراعته بنفسه وأن كان العقار عبارة عن بناء يقيم المدين فيه أو في جزء منه فيظل مقيماً فيه بلا أجر وإذا تم بيع العقار فلا يطرد بل يبقى مقيماً ويتحول إلى مستأجر ويلزم بأجر المثل. (وهذا الحكم مقرر في القوانين الاستثنائية الخاصة بإيجار المساكن).
على أن تحديد ما يلحق بالعقار من الثمار يحتاج إلى شيء من التأمل: لأن الثمار إما أن تكون مدنيه وهى أجرة العقار أن كان مؤجراً فتحسب من اليوم التالي لتسجيل التنبيه وتستحق يوماً بيوم. أما أن كانت ثماراً طبيعية وهى المحاصيل الزراعية فيجب من باب العدالة عمل نسبة بين المدة السابقة على تسجيل التنبيه (من يوم البدء في الزرع والمدة اللاحقة حتى تاريخ جنى المحصول) – ولا تلحق بالعقار سوى نسبة معادلة للمدة الأخيرة (اللاحقة). ومثال ذلك أن تستغرق مدة نضج المحصول من تاريخ بدء الزراعة لتاريخ الجنى 7 شهور مثلاً ولا يعمل التنبيه إلا بعد مضى 5 شهور فتلحق بالعقار ما يعادل قيمة 7:2 من الثمار ويبقى للمدين حقه كاملاً غير منقوص في 7:5 من المحصول وذلك حتى يتكاسل المدين إذا كان مزارعاً في فلاحة الأرض خوفاً من أن يحصل الدائن على ثمرة جهده كلها بجرة قلم. ويبرر الشراح هذا الحل بقياسهم على حالة وفاة المنتفع قبل إدراك الزرع فإن حق الانتفاع ينتهى بالوفاة ولكن يعطى ورثة المنتفع من المحصول ما يعادل قيمة المدة السابقة على الوفاة لأن المنتفع قد أنفق وبذلك الجهد لكى ينبت ذلك المحصول فيعوض ورثته عن جهده ونفقاته بما يعادل قيمة المدة السابقة على الوفاة منسوبة إلى المدة التي يستغرقها إنضاج المحصول من يوم البدء في زراعته إلى يوم حصاده أو جنيه.
ويمكن للدائن أن يحصل على إذن من قاضى التنفيذ بضم المحصول أي جنيه إذا اتضح أن المدين مقصر في ذلك أو كان هناك خطر يخشى من قيام المدين بالجنى فعندئذ يتولى الدائن جنى المحصول وتخزينه وبيعه وإيداع ثمنه في خزينة المحكمة.
يضاف إلى ما تقدم أن من أثار تسجيل التنبيه تأمين فوائد الدين إذا كان مضموناً برهن بحيث يدخل في توزيع ثمن العقار بعد بيعه فوائد سنتين سابقتين على تسجيل التنبيه بالإضافة إلى أصل الدين وتضاف كذلك فوائد المدة اللاحقة أي من تاريخ تسجيل التنبيه إلى يوم رسو المزاد. وتكون للفوائد نفس المرتبة التي لأصل الدين من حيث الأولوية في التوزيع. وقد نصت على ذلك المادة (1058) مدنى.
وباقي إجراءات التنفيذ العقاري لها آثارها – ويكفى في ذلك الرجوع إلى نصوص القانون لتوضيح ما شرح بالمحاضرات شفوياً.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً