قانون الرشوة واحكامها
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
علة تجريم الرشوة :-
الشارع الجنائي 00 لا يجرم فعل ويقرر له عقابا 00إلا بغرض إضفاء الحماية اللازمة على مصلحة أو حق يراه جديرا بهذه الحماية ويكون في إتيان هذا الفعل مساسا بتلك المصلحة أو الحق أو تهديدا له .
والموظف العام وكل من بيده قدرة من السلطة العامة هو رمز للجهة الإدارية التي يتبعها ونموذجا وممثلا لها في ذهن ونظر جمهور المتعاملين معها .
وعلة تجريم الرشوة تكمن في رغبة الشارع في شمول حمايته للوظيفة العامة 00 بأن يقيها صورة السلوك المختلفة التي تصدر عن شاغلها ويكون من شأنها التعريض بنزاهتها والدنو بهيبتها والحط من وقار الدولة ومكانتها في نظر جمهور المتعاملين مع مرافقها ومؤسساتها .
فالموظف المرتشي لا يسئ على نفسه بقدر إساءته للجهة الإدارية00 التي يمثلها أمام المستفيدين من خدماتها ن لأنه في سبيل تحقيق نفع مادي شخصين عن طريق اتجاره في الوظيفة ، يخلق لدى الجمهور
شعورا بعدم الاطمئنان وفقدانا للثقة الواجبة في الجهة الإدارية بأسرها
ورد النص على جريمة الرشوة الأصلية في المواد ( 103 – 103 مكررا 104 – 104 مكررا ) .
من قانون العقوبات فنصت المادة (103 عقوبات ) على أنه ” كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشيا . ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به .
وجاءت المادة ( 103 مكررا عقوبات ) مكرره ذات العقوبة عن ذات الفعل حتى ولو كان الموظف ” يعتقد خطأ أو يزعم أنه من أعمال وظيفته أو للامتناع عنه ” .
ونصت المادة (104 عقوبات ) على أنه : ” كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل
أو أخذ وعداً أو عطية للامتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو للإخلال بواجباتها .. يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وضعف الغرامة المذكورة في المادة 103 من هذا القانون .
تعريف الرشوة الأصلية :-
يمكن تعريف هذه الجريمة بأنها ” جريمة الموظف العام الذي يطالب أو يقبل أو يأخذ وعدا أو عطية لأداء عمل من أعمال أو للامتناع عنه أو للإخلال بواجبات الوظيفة في أية صورة ، ولا يقدح في ذلك إتجاه نية الموظف إلى عدم الوفاء بمقابل الرشوة المطلوب منه .
تقوم جريمة الرشوة الأصلية على أركان ثلاثة :-
الركن الأول : الركن المفترض 0 صفة الموظف العام ) .
الركن الثاني : الركن المادي .
الركن الثالث : الركن المعنوي .
ونتناول بالبيان تفصيل كل ركن من هذه الأركان الثلاثة فيما يلى :-
الركن الاول : الركن
المفترض صفة الموظف العام :-
المقصود بالموظف العام :-
ولم يضع الشارع الجنائي تعريفا للموظف العمومي ( العام ) الذي قصده بنصوص التجريم السابقة مما حد ا بالفقه الجنائي غلى الركون في ذلك إلى الركون في ذلك إلى معناه المعرف به في المجال الإداري .
وجرى والفقه القضاء الإداري في مصر على أن المقصود بالموظف العام : “كل من عين في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام بطريق مباشرة ” .
وطبقا لهذا التعريف فإنه يعتبر موظفا عاما من تتوافر فيه العناصر التالية :-
العنصر الأول :- العمل في خدمة مرفق عام 00 سواء كان مرفقا عاما ( قوميا ) يشمل نشاطه الدولة بأسرها أو ( إقليميا ) قاصرا في نشاطه على جزء أو منطقة معينة م ن الدولة
العنصر الثاني : إدارة المرفق العام بالأسلوب المباشر00 ويقصد بذلك أن تتولى الدولة بنفسها ( الحكومة المركزية) أو عن طريق وحدتها المحلية العامة ( اللامركزية ) إدارة المرفق العام مستعينة في ذلك بأموالها وموظفيها ومستخدمة وسيلة القانون العام .
العنصر الثالث :- التعيين من قبل السلطة المختصة 00 لا تكتسب صفة الموظف العام إلا بالنسبة لمن إستوفى أداة التعيين قانونا بأن صدر له قرار بذلك من الجهة الإدارية المختصة .
وعلى الرغم من ذلك فإن الفقه والقضاء الإداريين يعتبران ( موظفا فعليا ) من باشر عملا في مرفق عام يدار مباشرة بموجب قرار تعيين باطل ( الموظف الفعلي في الظروف العادية ) أو بدون قرار تعيين مطلقا ( الموظف الفعلي في الظروف الاستثنائية ) .
ما لا يؤثر في ثبوت صفة الموظف العام :-
إذا توافرت العناصر الثلاثة السابقة اكتسب الموظف صفة العمومية مما يصح معه قانونا اعتباره فاعلا في جريمة الرشوة . ولا يقدح في ثبوت صفة الموظف العام لفاعل الرشوة أي من الاعتبارات التالية :
1- مستوى الوظيفة 00 التي يشغلها فسواء أن تكون الوظيفة من وظائف التوجيه والقيادة أم من الوظائف الدنيا التي يطلق على شاغليها مسمى ( العمال ) أو المستخدمين .
2- صفة الوظيفة00 من حيث الديمومة أو التوقيت فسواء أن تكون الوظيفة من الوظائف الدائمة التي ينقطع فيها الموظف لخدمة الدولة أو كانت عارضة مؤقتة .
3- نوع القانون الذي يحكم الوظيفة العامة 00فسواء أن يكون الموظف خاضعا للقانون العام الذي يحكم الوظيفة العامة ( قانون العاملين المدنيين بالدولة ) أو يحكم وظيفته قانون خاص .
4- أن يتقاضى الموظف راتبا من عدمه00 فسواء في اكتساب الشخص صفة الموظف العمومي أن يشغل وظيفة مقرر لها مقابل مادي في صورة أجر أو راتب أم كان لا يتقاضى عنها أيا من ذلك ومثال ذلك المأذون والعمدة .
5- أن يعمل الموظف في إحدى سلطات الدولة المركزية00 التشريعية أو التنفيذية أو القضائية أم في سلطاتها اللامركزية سواء كانت إقليمية ( هيئات الإدارة المحلية ) أو مصلحيه ( كالمؤسسات والهيئات العامة ) .
6- أن يكون الموظف حين تقاضيه الرشوة في غير أوقات العمل الرسمي أو خارج مقره لا تسقط صفه الموظف العام إلا بإحدى الطرق المحددة قانونا الاستقالة بلوغ سن المعاش العزل من الوظيفة الإحالة إلى الاستيداع الوفاة .. الخ .
من في حكم الموظف العام ( م 111 عقوبات ) :-
فنصت المادة 111 عقوبات على أنه : ” يعد في حكم الموظفين العامين في تطبيق نصوص هذا الفصل ( وصحة الباب ) :-
1- المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها .
2- اعضاء المجالس العامة أو المحلية سواء كانوا منتخبين أو معينين .
3- المحكمون ووكلاء الديانة والمصفون والحراس القضائيون .
4- الغيت .
5- كل شخص مكلف بخدمة عامة .
6- أعضاء مجالس إدارة ومديروا ومستخدموا المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت .
أولا : المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعات تحت رقابتها ( م111/1ع )
صدر القانون رقم (210 لسنة 1951 بشأن تنظيم موظفي الدولة المدنيين مقسما العاملين المدنيين بالدولة بوجه عام إلى موظفين ومستخدمين عموميين وقصر الشارع مصطلح الموظف على من يعين في وظيفة داخل الهيئة ، بينما أطلق مصطلح المستخدم على من يعين في وظيفة خارج الهيئة مع إخضاع كل من الموظف والمستخدم لأحكام خاصة .
وقد أراد الشارع الإداري بهذه التفرقة00 قصر مصطلح الموظف على من يشغلون المناصب العليا في الكادر الإداري ومصطلح المستخدم على من يشغلون أدنى هذه الدرجات .
ويبدو أن شارعنا الجنائي قد أراد بالنص على اعتبار المستخدمين00 في المصالح التابعة للحكومة في حكم الموظفين العامين في تطبيق أحكام الرشوة التوكيد على صفة ثبوت الموظف العام لهذه الفئة الدنيا من فئات الموظفين .
وتاسيا على ذلك فإنه يعتبر موظفا عاما00 في معنى الرشوة السعاه والكتبة ، وحجاب المحاكم ، وعمال النظافة في المصالح الحكومية .
أما المقصود بالمستخدمين في المصالح الموضوعة تحت رقابة الحكومة00 فهم العاملين بالهيئات والمؤسسات العامة ذات الشخصية الاعتبارية المستقلة التي تنشؤها الدولة وتعهد اليها بمباشرة بعض مهمامها وتخولها قدر من السلطة العامة مع اخضاعها في ذلك لرقابتها وإشرافها .
Hesham Hendy
ثانيا : أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية ( م111 / 2 ع) :-
يقصد بأعضاء المجالس النيابية من ينيبون عن المواطنين في التعبير عن إرادتهم ومشيئتهم في تسيير شئون حياتهم العامة لدى الحكومة وقد تكون هذه المجالس ( عامة ) أي على مستوى الجمهورية كلها كمجلس الشعب وقد تكون ( محلية ) أي على مستوى وحدات التقسيم الإداري للجمهورية كمجالس المحافظات والمدن . وقد ساوى الشاعر في اعتبار هؤلاء من الموظفين العامين بين ما إذا كانوا معينين أو منتخبين .
ثالثا : المحكمون والخبراء ووكلاء الديانة والمصفون والحراس القضائيون م 111 / 3ع :-
يقوم هؤلاء المذكورين بدور وثيق الصلة بإدارة العدالة وسير مرفق القضاء وكثيرا ما يعول القضاء في أحكامهم التي يصدرونها على تقارير هؤلاء وآرائهم ومن ثم فهم يمارسون في الحقيقة والواقع نصيب من السلطة القضائية 00 لذلك عدهم الشارع في حكم الموظفين العموميين من حيث تطبيق أحكام الرشوة عليهم بيد أنه لزاما لإعتبار هؤلاء كذلك أن يكونوا مفوضين في عملهم من قبل السلطة القضائية أو اية سلطة عامة .
رابعا : كل شخص مكلف بخدمة عام م 111 / 5ع :-
يقصد بالمكلف بخدمة عامة من تطلب منه جهة حكومية أو اية سلطة إدارية عامة أخرى أداء مهمة معينة مؤقتة لصالحها سواء كان ذلك بمقابل أو بدونه . فيعتبر من المكلفين بخدمة عامة المرشد السري المتعاون مع أجهزة الأمن في الإبلاغ عن الجرائم والإيقاع بمرتكبيها والمجندون ومن تطلب منه الحكومة أو أحد أشخاص القانون العام الوساطة في عقد صفقة تجارية أو في التعاقد مع أحد بيوت الخبرة العالمية لتخطيط أو تنفيذ مشروع ما ومن يكلف من قبل سلطة إدارية بمتابعة الإشراف الفني على تنفيذ عقد هي طرف فيه .
خامسا : العاملون في القطاع العام م 111 / 6ع :-
نص الشارع على هذه الفئة ممن يعدون في حكم الموظف العام في تطبيق أحكام الرشوة في الفقرة السادسة من المادة (111 عقوبات ) التي جاء نصها : ” أعضاء مجلس إدارة ومديرو ومستخدموا المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت . ويعبر عن الجهات الواردة بالنص السابق بإصطلاح ( القطاع العام ) وهي مشروعات خاصة تؤممها الدولة كليا أو جزئيا وتصبح أو أحد أشخاص القانون العام الأخرى بموجب ذلك مالكه لكل رأس مال المشروع أو بعضه أما إذا كانت شركات القطاع العام هي التي تسهم بأموالها في مشروع أو منشأة بأي نصيب فإن العاملين بهذا المشروع أو المنشأة لا يعدون في حكم الموظفين العموميين ) ولا تسري عليهم بالتبعية أحكام الرشوة .
سادسا : الأطباء والجراحون والقابلات ( م 222 عقوبات ) :-
نصت المادة ( 222 عقوبات ) على أنه كل طبيب أو جراح أو قابلة أعطى بطريق المجاملة شهادة أو بيانا مزورا بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاء مع علمه بتزوير ذلك يعاقب بالحبس أو بغرامة لا تجاوز خمسمائة جنيه مصري . فإذا طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أخذ وعدا أو عطيه للقيام بشيء من ذلك ، أو وقع الفعل نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة .
ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي أيضا “00 ومفاد النص المتقدم أن الطبيب أو الجراح او القابلة يعاقب بعقوبة التزوير المقررة بالنص ما يثبت أن التزوير قد وقع منه مقترنا بطلب أو قبول أو أخذ لوعد أو عطية ( جريمة الرشوة الأصلية ) أو كان نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة من الجرائم الملحقة بالرشوة ففي هذه الأحوال الاخيرة تطبق الأحكام المقررة في الرشوة وعقوبتها .
سابعا : شهود الزور م 298 ع :-
نصت المادة 298 عقوبات على إنه : ” إذا قيل من شهد زورا في دعوى جنائية أو مدنية عطية أو وعدا بشي ما يحكم عليه هو المعطي أومن وعد بالعقوبات المقررة للرشوة أو للشهادة الزور إن كانت هذه اشد من عقوبات الرشوة . وإذا كان الشاهد طبيبا أو جراحا أو قابله وطلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية لآداء الشهادة زورا بشأن حمل أم مرض أو عاهة أو وفاء أو وقعت منه الشهادة بذلك نتيجة لرجاء او توصية أو وساطة يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة أو في باب شهادة الزور أيهما أشد ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي ايضا ” .
ويشترط لإعمال أحكام الرشوة على هؤلاء شرطان :-
أولهما أن تثبت في حق الشاهد الأركان والعناصر اللازمة لجريمة شهادة الزور وهذه الجريمة تقوم بما يلي :-
– الإدلاء بشهادة مغايرة للحقيقة ايا كان موضوعها . & – في مجلس القضاء & – القصد الجنائي .
وثانيهما : أن يأتي الإداء بشهادة الزور نتيجة قبول الشاهد وعدا أو عطية أو أخذه بالفعل لأي من ذلك من باب أولى فلا يكفي هنا مجرد طلب الوعد أو العطية .
أما إذا كان شاهد الزور طبيبا أو جراحا أو قابلة فإنه يعتبر في حكم الموظف وتسري عليه أحكام الرشوة إذا كانت أشد في عقوبتها من شهادة الزور وذلك بشرطين :-
أولهما : أن نصت شهادة الزور على أمر مما حدده النص ( حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة ) فإذا شهد أي من هؤلاء زورا على أمر غير ما تقدم فإنه لا يعد في حكم الموظفين ، ولا يخضع بالتالي سوي لأحكام شهادة الزور .
وثانيهما : حصول طلب أو قبول أو أخذ لوعد أو عطية لأداء شهادة الزور ولو لم تكن الشهادة قد أديت فعلا .
الوقت المعتبر في ثبوت صفة الموظف العام:-
إذا كان ثبوت صفة الموظف – على التفصيل سابق البيان 00 هو ركن لازم في الرشوة بحيث لا يتصور قانونا عزو الجريمة إلى فاعل لا تثبت له هذه الصفة فعلا فإن العبرة في ثبوت هذه الصفة تكون بوقت إتيان السلوك العادي المكون للجريمة دون غيره .
فلا يعتبر مرتشيا من ليس موظفا عاما أو في حكمه 00 ولو إدعى غير ذلك كذبا إذا هو طلب أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية حتى ولو ثبتت له صفة الموظف العام لاحقا لذلك وتمكن من أداء المقابل المطلوب نظير الرشوة بأن أخل بواجباتها لصالح الراشي .
الركن الثانى : الركن المادي :-
أن الركن المادي00 في جريمة الرشوة الأصلية 00 يقوم على عنصرين :-
العنصر الأول : سلوك يباشره الموظف في سبيل حصوله على الرشوة .
العنصر الثاني : مقابل يطلب من الموظف نظير الرشوة .
وسوف نوالى توضيح ذلك :-
اولا : صور سلوك الموظف :-
يسلك الموظف وهو بصدد سعيه إلى الحصول على الوعد أو العطية موضوع الرشوة أحد أنماط سلوكية ثلاثة حصرتها المواد القانونية السابقة في أفعال : الطلب ، أو القبول ، أو الأخذ .
الصورة الأول :- الطلب :-
الطلب00 هو دعوة للإرشاد موجهة من الموظف إلى أحد أو بعض أصحاب المصالح من جمهور المتعاملين معه بصفته الوظيفية يعرض بموجبها ذمته للبيع ويعبر بها عن إتجاه إرادته إلى الاتجار في الوظيفة العامة والإثراء غير المشروع على حساب هيبتها وكرامتها .
وبمعنى آخر فإن الطلب هو إيجاب بالرشوة صادر من الموظف العام00 بإرادته المنفردة وموجه إلى الغير من أصحاب المصالح لديه فإذا قبله هذا الأخير وقعت الرشوة تامة ولو لم يحصل تسليم للجعل بالفعل .وليس بلازم أن يلاقي هذا الإيجاب قبولا من لدن الموجه إليه فتقع جريمة الرشوة بمجرد حصول الطلب من الموظف حتى ولو لم يلق استجابة ممن وجه إليه ، بل حتى ولو سارع هذا الأخير بإبلاغ السلطات العامة بأمر هذا الطلب . والسبب في اعتبار الرشوة قد وقعت تامة بمجرد فعل الطلب من الموظف أن معاني الإتجار بالوظيفة والإخلال بموجبات الثقة العامة اللازمة في شاغليها التي هي علة تجريم الرشوة والعقاب عليها تكون متوفرة في حق الموظف الذي يتدنى بطلب الرشوة .
وقد ساوى الشارع بين أن يحصل طلب الرشوة للموظف نفسه أو لغيره وسواء في هذا الغير أن يكون منقطع الصلة بالوظيفة العامة كزوجة الموظف أو أحد أبنائه أو أقاربه أو معارفه .
ولم يتطلب الشارع شكلا معينا00 يلزم أن يفرغ فيه الطلب الذي تقوم به جريمة الرشوة فسواء أن يكون كتابة أو شفاهة أو أن يحصل بإشارة أو رمز ذي دلالة عليه في العرف الاجتماعي السائد .
الصورة الثانية : القبول :-
يقصد بالقبول تعبير الموظف00 عن إرادته في الموافقة على عرض الرشوة أو الإيجاب بها الصادر عن صاحب المصلحة الراشي فالقبول يفترض سبق حصول إيجاب بالرشوة من قبل الراشي يصادف هو في نفس الموظف المعني وفي ذلك يختلف القبول عن الطلب من حيث أن الإيجاب بالرشوة في هذا الأخير يكون صادرا عن الموظف لا الراشي .
وتقع الجريمة تامة بمجرد قبول الموظف للإيجاب بالرشوة المطروحة عليه00 دون أن يكون قد حصل بالفعل على الوعد أو العطية محل هذا الإيجاب لأنه لو حصل عليه بالفعل كان ذلك أخذ تتحقق به الصورة الثالثة . وسواء في الإيجاب بالرشوة المقدم من الراشي أن يكون جديا حقيقيا أو هزليا أراد به صاحب المصلحة أن يغري الموظف ويعبث براسه ويسيل لعابه حتى ينهي له خدمته أو أراد به الإيقاع بالموظف لدى جهات الضبط المختصة مادام أن هذا الإيجاب قد لقي قبولا جديا من قبل الموظف .
وتطبيقا للمعنى المتقدم فقد قضت محكمتنا العليا بأنه : ” لا يؤثر في قيام أركان جريمة الرشوة أن تقع نتيجة تدبير لضبط الجريمة ، وأن لا يكون الراشي جادا في عرضه على المرتشي متى كان عرضه الرشوة جديا في ظاهره وكان الموظف قد قبله على أنه جدي منتويا العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي .
الصورة الثالثة : الأخذ :-
تتحقق هذه الصورة بحصول الموظف المرتشي على الوعد أو العطية موضوع الرشوة وصيرورته خاضعا لهيمنته على نحو يمكنه من ممارسة سلطات الحائز عليه 00وغني عن البيان أن الأخذ بهذا المفهوم ينطوي بالتأكيد على معنى القبول كذلك فلا يكون الأول متصور بغير حصول هذا الأخير إما سابقا عليه زمنيا أو معاصرا له .
وتختلف الطريقة التي يتم بها فعل الأخذ بحسب طبيعة الوعد أو العطية موضوع الرشوة وهل هو شيء مادي أو معنوي فاذا كان شيئا ماديا ملموسا في العالم الخارجي نقود ، سيارة ، أجهزة ، أي نوع ، ملابس ، مفروشات … الخ فإن أخذها يتحقق بتسلم الموظف لها وضمها إلى حيازته . وسواء في هذه الحالة أن يحصل التسليم إلى الموظف من قبل الراشي أو عن طريق وسيط أو بطريق البريد أو غير ذلك من وسائل .
وسواء كذلك أن يحصل التسليم إلى الموظف المرتشي شخصيا أو الى شخص آخر يعين لهذه المهمة من قبل الراشي أو المرتشي .
ويكون التسليم حكميا في الأحوال التي تكون العطية فيها موجودة سلفا بين يدى الموظف المرتشي بوصفه حائزا حيازة مادية ناقصة ثم يتفق مع الراشي على قلب حيازته غلى حيازة تامة بحيث يظهر عليها بمظهر المالك لها المتصرف فيها ومثال ذلك أن يكون الموظف مستأجرا قطعة أرض أو شقة من الراشي أو متسعيرا سيارته أو مدينا له بمبلغ من النقود فيملكه الأخير العين المؤجرة أو السيارة أو يبرئه من الدين مقابل العبث بوظيفته لمصلحة الراشي .
الشروع في الرشوة :-
الرشوة الأصلية من الجنايات00 والقاعدة في هذه الأخيرة أنه يعاقب على الشروع فيها طبقا لما هو مقرر بالمادة ( 46 عقوبات ) .
يبد أن تقرير الشارع العقاب على الشروع في الجنايات00 كمبدأ عام يفترض معه مكنة تصور الشروع في الجناية بمفهومه القانوني وطبقا للوضع الذي يتخذه السلوك المادي فيها فهل يكون الشروع متصورا قانونا في جريمة الرشوة الأصلية 00 إذا استعرضنا صور السلوك الثلاثة السابقة التي تتحقق بأي منها ماديات الجريمة فإنه يمكن القول بإستبعاد إمكانية حصول الشروع في فعلى ( القبول و الأخذ لأنه من المتعذر تجزئة إيهما ماديا على نحو يمكن معه القول بتصور حصول البدء في التنفيذ بمعناه المعروف في الشروع فكلا الفعلين غير قابل بطبيعته للتبعيض أو التجزئة ، فإما أن يقع تاما وإما ألا يقع على الإطلاق .
أما فعل الطلب فالامر بشأنه محل خلاف00 فمن الشراح فريق يرى أن الطلب يتم بمجرد صدور فعل من الموظف المرتشي يعبر به عن إرادته المنفردة في الإيجاب بالرشوة دون لزوم وصول هذا الإيجاب إلى علم صاحب المصلحة وطبيعي أن يساير هذا الفريق من الشراح وجهته هذه منتهيا إلى القول بعدم تصور الشروع كذلك في فعل الطلب شأنه في ذلك شأن سابقيه .
ومن الشراح من يذهب إلى القول بعدم حصول الطلب تاما قانونا ما لم يصل بالفعل إلى علم صاحب المصلحة المخاطب به دونما إعتبار لموقف هذا الأخير حيال الطلب رفضا أو قبولا .
وطبيعي أيضا أن ينتهي هذا الفريق من الشراح إلى القول بإمكانية تصور الشروع في الرشوة في صورة فعل الطلب وذلك في الأحوال التي يصدر فيها الطلب عن الموظف إلا أنه لا يصل بالفعل إلى علم صاحب المصلحة لأسباب خارجة عن إرادة الموظف فيعتبر شارعا في الرشوة الموظف الذي يفرغ طلبه للرشوة في رسالة يوجهها إلى صاحب المصلحة إلا أن الرسالة تقع في يد السلطات المعنية قبل وصولها غلى هذا الأخير وكذلك الحال بالنسبة للموظف الذي يطلب من وسيط إبلاغ إيجابه بالرشوة إلى صاحب المصلحة فلا يفعل ويبلغ الجهات المختصة .
ونحن أميل إلى إعتناق هذه الوجهة الأخيرة من فريق الشراح بسبب ما تتسم به من واقعية ونطقية ولأن في الأخذ بالنظر الأول توسعا في تفسير معنى الطلب الذي عناه الشارع في جريمة الرشوة وهو توسع في غير صالح المتهم مما يخالف ما هو مستقر عليه من ضرورة التزام التفسير الضيق لنصوص التجريم .
ويبدو أن محكمتنا العليا تميل هي الأخري في قضائها إلى إمكانية تصور الشروع قانونا في الرشوة فقد قضت بأنه :” تتم جريمة الرشوة بمجرد طلب الرشوة من جانب الموظف والقبول من جانب الراشي ، وما تسليم المبلغ يعد ذلك إلا نتيجة لما تم الإتفاق عليه بينهما .
الوعد أو العطية موضوع الرشوة :-
ينصب سلوك الموظف في أي من صوره الثلاث السابقة على وعد أو عطية يكون هو موضوع الرشوة التي يطلبها أو يقبلها أو يأخذها .
ولم يتطلب الشارع في الوعد أو العطية موضوع الرشوة أية صفة أو طبيعة أو مسمى خاص00 فقد نصت المادة (107) عقوبات في هذا الخصوص على أنه” يكون من قبيل الوعد أو العطية كل فائدة يحصل عليها المرتشي أو الشخص الذي عينه لذلك أو علم ووافق عليه ايا كان أسمها وسواء أكانت هذه الفائدة مادية أو غير مادية ” .
ومؤدي هذا النص السابق أنه لا عبرة في الوعد أو العطية بالمسمى الذي يطلب عليه فسواء أن يسمى اتعابا أو عمولة ، أو هدية أو مكافأة أو عربون صداقة ومحبة أو هبة أو بقشيش أو غير ذلك من مسميات لا تقع تحت حصر .
ولا عبرة بطبيعة الوعد أو العطية فسواء أن يكون ماديا ملموسا أو معنويا حسيا ، على ما بينا سلفا وسواء أن يكون ظاهرا أو يقدم في صورة مستترة ومثال ذلك أن يقدم الراشي شالية يملكه أو يستأجره إلى الموظف لقضاء عطلة الصيف أو الشتاء تدون أن يتقاضي مقابلا عن ذلك أو يدعوه لقضاء نزهة خارج البلاد أو داخلها ، أو يصنع له أثاثا أو يصلح له شيئا دون مقابل يدفعه الموظف أو أن يخل الراشي بواجبات وظيفته بافتراض أنه هو الآخر موظفا عاما لصالح الموظف المرتشي مقابل ما يؤديه هذا الأخير للأول من أمر مماثل وفي هذه الحالة يعد كلا الطرفين راشيا ومرتشيا في ذات الوقت إذ يكون بصدد جريمتي رشوة أصليتين مرتبطتين ماديا بما لا يقبل التجزئة .
والرأي عندنا أن عدم الإعتداد بقيمة الوعد أو العطية 00لا ينبغي أن يقود إلى القول بقيام جريمة الرشوة في جميع الأحوال بالغا ما بلغت تفاهة وضالة قيمة الوعد أو العطية فجسامة العقوبة المقررة جزاء للجريمة يدعونا إلى القول بضرورة ألا تدنو قيمة الرشوة إلى الحد الذي لا يتصور معه وصفها بأنه ( فائدة ) بالمعنى الذي قصده الشارع بالمادة 107 عقوبات السابقة خاصة إذا كان العرف الاجتماعي السائد مقرا لها فلا يصدق على السيجارة مثلا أو قلم بسيط يقدمه صاحب المصلحة إلى المونظف ليكتب به أوراقه أو شيء مما توزعه الشركات والمؤسسات على المتعاملين معها كدعاية لنشاطها أو بمناسبة بدء العام الجديد لا يصدق على أي من هذه الأمور وما شابهها وصف الوعد أو العطية المقصود في معنى الرشوة
ثانيا : مقابل الرشوة :-
يقصد بمقابل الرشوة ما يقوم به الموظف العام المرتشي أو ما يطلب منه القيام به من عبث وظيفي نظير ما يطلبه أو يقبله أو يأخذه من وعد أو عطية00 فمن غير المتصور أن يوصف سلوك الموظف بكونه إرتشاء قانونا مالم يكن مرتبطا سببيا بعبث بموجبات الوظيفة تتحقق به مصلحة الراشي على أي نحو ويمثل غرض هذا الأخير ومبتغاه من الرشوة .
صوره :
يتخذه المقابل المطلوب من الموظف المرتشي القيام به نظير الرشوة في إحدى صور ثلاثة :
– أداء عمل من أعمال الوظيفة – الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة – الاخلال بواجبات الوظيفة .
تنويه :-
قبل عرض صور مقابل الرشوة الثلاثة المذكورة نود التنبه ألى أن جريمة الرشوة تقع تامة في مادياتها بمجرد حصول فعل الطلب أو القبول أو الأخذ شريطة أن يقع أي من هذه الأفعال مرتبطا سببيا بإحدى صور المقابل أنفة الإشارة فلا يعد مرتشيا الموظف الذي يطلب أو يقبل أو يأخذ وعدا أو عطية منبت الصلة تماما بوضعه الوظيفي ، كأن يحصل ذلك على وجه من أوجه التبرع أو الشفقة على الموظف أو المساعدة المادية له من شخص لا مصلحة له على الإطلاق مع الموظف بصفته هذه .
الصورة الأولى : أداء عمل من أعمال الوظيفة :-
يتحقق مقابل الرشوة في هذه الصورة عندما يتعهد الموظف المرتشي أو يطلب منه القيام بعمل من أعمال وظيفته فيه مصلحة للراشي ففي هذه الصور ة يأتي الموظف سلوكا إيجابيا توصلا إلى تحقيق مقابل الرشوة المطلوب00 ومن أمثلة ذلك00 إصدار القاضي لحكم قضائي أو أن يقرر وكيل نيابة حفظ التحقيق أو يصدر الموظف ترخيصا ما أو بطاقة إثبات شخصية أو جواز سفر أو توصيل خدمة مرفقية مياه كهرباء ، غاز تليفون بما يحقق مصلحة الراشي .
وإذا كان الغالب أن يكون العمل المطلوب من الموظف أدائه مقابلا للرشوة عملا غير مشروع إلا أن ذلك ليس بشرط لازم .
الصورة الثانية : الإمتناع عن عمل من أعمال الوظيفة :-
تتحقق هذه الصورة خلافا لسابقتها بسلوك سلبي يأتيه الموظف المرتشي يمتنع بموجبه عن القيام بعمل تملى عليه واجبات وظيفته أدائه بلوغا إلى تحقيق مصلحة الراشي . ومن أمثلة ذلك : أن يتغاضى الجمارك عن ضبط مخالفة جمركية أو يمتنع رجل المرور عن تحرير محضر لشخص أرتكب مخالفة مروريه أو يتجاهل طبيب بيطري بالسلخانة التعليمات التي توجب إتلاف الذبائح الفاسدة التي لا تصلح للإستهلاك الأدمي أو يتجاوز مراجع حسابات إحدى الجهات الحكومية عن خطأ مالي أو يمتنع رجل شرطة عن القبض على محكوم عليه أو متهم في جريمة ، أو يمتنع محضر عن إعلان خصم بصحيفة دعوى أو إنذار قضائي …. وهلم جر .
وليس يلازم في الامتناع أن يقع تاما مطلقا00 فيكفي لتحقيقه مجرد التاخير في أداء العمل الواجب حتى ولو كان القانون لا يرسم أجلا محددا يلزم إنهاء العمل خلاله أو كان يرسم أجلا لذلك تمت مراعاته مادام أن التأخير قد حصل بتأثير من الرشوة وكانت ملحوظة فيه .
فيعتبر إمتناعا في هذه الصورة 00 تراخي رجل الشرطة في الانتقال إلى مسرح جريمة ومعاينته ريثما يتمكن راشيه من العبث بالأدلة وتأجيل القاضي إصدار حكم في قضية جاهزة لذلك تمكينا للراشي من الهرب أو تهريب أمواله وتأخير المحضر في إعلان ورقة التكليف بالحضور لأحد الخصوم حتى آخر يوم في الموعد القانوني لئلا يتمكن من الحضور أو تحضير دفاعه .
الصورة الثالثة : الإخلال بواجبات الوظيفة :
نصت المادة 104 عقوبات على الإخلال بواجبات الوظيفة كصورة لمقابل الرشوة الذي يطلب من الموظف المرتشي أدائه وساوت المادة 104 مكرر عقوبات بين هذه الصور وسابقتيها من حيث كفاية أيها في توافر مقابل الرشوة . وغني عن البيان أن أداء الموظف عملا من أعمال الوظيفة الصورة الأولى أو إمتناعه عنه الصورة الثانية متأثرا في ذلك بطلب الرشوة أو قبوله لها أو أخذ أياها ، هو مما يعد بحسب ظاهر الأمر من الإخلال بواجبات الوظيفية .
بيد أن الوقوف عند حد المدلول اللفظي لهذه الصورة من شأنه رمي الشارع00 بالتكرار غير المفيد ن فلو كان هذا هو مقصده لكان حريا به الإكتفاء بالنص على الإخلال بواجبات الوظيفة دون حاجة للصورتين السابقتين .
ألا وأن شارعنا قد عدد هذه الصور وتنزيها له عن الرمي بالتكرار غير المفيد00 فلا مراء أن يكون قد قصد بالنص على الإخلال بواجبات الوظيفة شيئا آخر مخالفا لآداء عمل من أعمالها أو الإمتناع عنه
شرط الإختصاص بالعمل أو الإمتناع أو الإخلال :-
نوهنا سلفا أنه يكفي في مقابل الرشوة في أي من صور الثلاثة السابقة أن يكون مرتبطا سببيا بأفعال الطلب أو القبول أو الأخذ الصادرة عن الموظف فتقع الرشوة تامة بأي من هذه الأفعال الأخيرة سواء أدى الموظف العمل أو الإمتناع أو الإخلال الذي هو مقابلها أو يؤديه بل حتى ولو كان لا ينتوي القيام به إبتداء .
إلا أنه لزاما في جميع الأحوال وعلى ما بين من صريح نصوص المواد السابقة00 المنظمة لأحكام جريمة الرشوة الأصلية أن يكون الموظف المرتشي مختصا بالعمل المطلوب منه أدائه أو الامتناع عنه أو الإخلال به والمرجع في تقرير قيام شرط الاختصاص هذا غلى ما تقرره القوانين واللوائح والتعليمات التي تنظم مسالة الاختصاص والوظيفي .
وليس بلازم لقيام شرط الاختصاص إنفراد الموظف واستئثاره وحده بالعمل المطلوب أدائه مقابلا للرشوة وإنما يكفي أن يكون له فيه نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة .
وقد قضت محكمتنا العليا في هذا الخصوص بأنه :” ليس ضروريا في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة ضمن حدود وظيفته مباشرة بل يكفي أن يكون له علاقة بها ” .
الاعتقاد في الاختصاص والزعم به :-
ليس بلازم لقيام شرط الاختصاص في الرشوة أن يكون الموظف مختص بالفعل كليا أو جزئيا بالعمل المطلوب منه أداؤه فقد جاءت نصوص الرشوة أن يكون الموظف مختص بالفعل كليا أو جزئيا بالعمل المطلوب منه أداؤه فقد جاءت نصوص الرشوة السابقة صريحة في التدليل على مقصد الشارع في المساواة في هذا الخصوص بين الاختصاص الحقيقي بالعمل وبين الاعتقاد الخاطئ فيه أو الزعم من قبل الموظف المرشو .
والعلة في مساواة الشارع بين الاختصاص الحقيقي للموظف وبين الزعم به كذبا من حيث قيام جريمة الرشوة أن الموظف بمسلكه المشين هذا لا يكون قد استغل الوظيفة واتجر فيها فحسب وإنما يكون قد أحتال كذبا باسمها كذلك .
وقد عبرت محكمة النقض عن هذا المعنى بقولها :” إن جريمة الرشوة تتحقق من جانب الموظف ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد خطأ أنه من أعمال وظيفته أو يزعم ذلك كذبا .. إذ هو حينئذ يجمع بين إثمين الاحتيال والارتشاء .
وسواء في الزعم بالاختصاص أن يقع صراحة من الموظف أو يستفاد ضمنا من مسلكه مع الراشي .
الترتيب الزمني لعنصري الركن المادي :-
المستفاد من صريح نصوص المواد القانونية السابقة المنظمة للاحكام الخاصة بجريمة الرشوة الأصلية أن الشارع قد رسم ترتيبا زمنيا معينا لعنصرى الركن المادي في الجريمة على نحو لا يتحقق معه النموذج القانوني للرشوة بمراعاة حصول هذا الترتيب الزمني .
فلزاما يصدر عن الموظف أولا أحد الأنماط السلوكية00 التي يتحقق بأيها العنصر الأول والركيزة الأساسية في هذا الركن بأن يطلب أو يقبل أو يأخذ وعدا أو عطية ثم يعقب ذلك حصول مقابل الرشوة العنصر الثاني سواء في صورة أداء الموظف المرتشي لعمل من أعمال وظيفته أو أمتناعه عنه أو إخلاله به مع ملاحظة ما سبق قوله من قيام جريمة الرشوة الأصلية قانونا ولو لم يحصل هذا المقابل بالفعل في أي من صورة بل حتى ولو كان الموظف لا ينتوي أصلا القيام به .
فاعتبارات الاتجار بالوظيفة واستغلالها التي هي علة التجريم في الرشوة00 تقع ظاهرة جلية عندما يكون أداء الموظف لعمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عنه أو الإخلال به على نحو تتحقق به مصلحة الراشي قد حصل بتأثير من الوعد أو العطية من قبل هذا الأخير وارتبط به برباط السببية المعنوية .
الرشوة اللاحقة :-
مؤدى الترتيب الزمني المتقدم لعنصري الركن المادي في جريمة الرشوة الأصلية أنه لاقيام للنموذج القانوني للجريمة كما صاغة الشارع وتصوره إذا ثبت انقطاع الارتباط السببي بين عنصري هذا الركن نتيجة لانعكاس ترتيب حصولهما زمنيا ويتحقق هذا في الأحوال التي يؤدي فيها الموظف أولا مقابل الرشوة الذي تتحقق به مصلحة الراشي العنصر الثاني ثم يعقب ذلك صدور سلوك عنه في سبيل حصوله على رشوة من هذا الأخير العنصر الأول بأن يطلب أو يقبل أو يأخذ منه مكافأة له على ما وقع منه .
وقد نظم شارعنا صورتين للرشوة اللاحقة :-
الصورة الأولى : نصت عليها المادة 104 عقوبات كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية للإمتناع عن عمل من أعمال وظيفته أو للإخلال بواجباتها أو لمكافأته على ما وقع منه من ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وضعف الغرامة المذكورة في المادة 103 من هذا القانون .
ومؤدى هذا النص00 أن جريمة الرشوة اللاحقة التي ينتظمها تتحقق فقط في حالتي إمتناع الموظف عن عمل من أعمال وظيفته أو إخلاله بواجباتها فيخرج من عداد هذه الصورة حالة أداء الموظف لعمل من أعمال الوظيفة وإن كانت هذه الحالة تثملها الصورة الثانية لجريمة الرشوة اللاحقة .
الصورة الثانية : نصت عليها المادة 105 عقوبات بقولها :” كل موظف عمومي قبل من شخص أدى له عملا من أعمال الوظيفة أو أمتنع عن أداء عمل من أعمالها أو أخل بواجباتها هدية أو عطية بعد تمام ذلك العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات وظيفته يقصد المكافأة على ذلك وبغير اتفاق سابق يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه ” .
وتختلف هذه الصورة لجريمة الرشوة اللاحقة عن سابقتها في أكثر من وجه :-
أولها أن الشارع قد ساوى في هذه الصورة الثانية بين حصول مقابل الرشوة من جانب الموظف في أي من صوره الثلاثة فسواء أن يتم ذلك في صورة أداء عمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عنه أو إخلاله بواجباتها .
وثانيهما : أنه إذا كان المستفاد من نص المادة 104 عقوبات أن الرشوة اللاحقة المنصوص عليها فيها تتحقق بأي من أفعال الطلب أو القبول أو الأخذ للوعد أو العطية التي يأتيها الموظف لاحقا على امتناعه عن عملا من أعمال الوظيفة أو إخلاله بواجباتها فإن الرشوة اللاحقة الواردة بالمادة 105 عقوبات وعلى ما بين من صريح نصها لا تقع إلا بفعل القبول للجعل من جانب الموظف .
وثالثهما : أن الصورة الأولى للرشوة اللاحقة م 104 عقوبات تفترض قيام اتفاق مسبق بين الموظف المرشو وراشيه على ما بينا بينما تفترض الصورة الثانية م 105 عقوبات عدم قيام ثمل هذا الاتفاق .
الرشوة الأصلية والرشوة اللاحقة :-
بعد أن بينا أوجه الفروق بين صورتي جريمة الرشوة اللاحقة نتعرض في هذا الموضوع لإجلاء أوجه الشبه والاختلاف بين جريمة الرشوة الأصلية وجريمة الرشوة اللاحقة عامة .
فتتفق الجريمتان : من حيث ضرورة ثبوت صفة الموظف العام أو من في حكمه في فاعل كليهما .
وتتفق الجريمتان بالنظر غلى صور السلوك التي يتحقق بأيها سعى الموظف في سبيل الحصول على الرشوة الطلب أو القبول أو الأخذ والتي تقوم بها للجريمة في مادياتها مع ملاحظة الاختلاف القائم بين صورتي جريمة الرشوة اللاحقة والذي بيناه سلفا في هذا الخصوص .
وتتفق الجريمتان 00كذلك من حيث المقابل المطلوب من الموظف المرشو أدائه نظير الرشوة ، والذي يتخذ صور أداء عمل من أعمال وظيفته أو إمتناعه عنه أو إخلاله بواجباتها مع ملاحظة الإختلاف القائم كذلك بين صورتي جريمة الرشوة اللاحقة والذي بيناه سلفا في هذا الخصوص .
وتتفق الجريمتان أخيرا 00من حيث اشتراط اختصاص الموظف المرتشي بالعمل أو الامتناع أو الإخلال المطلوب منه أدائه نظير الرشوة أو الذي أداه بالفعل .
بينما تختلف الجريمتان من الأوجه التالية :-
أولا : الاختلاف في الترتيب الزمني لحصول عنصري الركن المادي اللازمين فيهما ولذلك على التفصيل سابق الإشارة .
ثانيا : تفترض الرشوة الأصلية قيام اتفاق مسبق بين الموظف المرتشي وصاحب المصلحة على أن يؤدي الاول العمل أو الامتناع أو الإخلال المحقق لمصلحة هذا الأخير مقابل وعدا أو عطية ، مما يقطع بقيام قصد اتجار الموظف بالوظيفة واستغلاله لها منذ البداية بينما لا وجود لمثل هذا الاتفاق في جريمة الرشوة اللاحقة فكل ما تفترضه صورة الرشوة اللاحقة المقررة بالمادة 104 عقوبات من اتفاق مسبق بين الموظف وصاحب المصلحة يأتي قاصرا كما بينا سلفا على امتناع الموظف أو إخلاله بواجبات وظيفته دون أن ينصب هذا الاتفاق على ما يفيد مكافأته على ما يؤديه .
ثالثا : إنه إذا كان ليس بلازم في الرشوة الأصلية قيام الموظف فعلا بالعمل أو الامتناع أو الاخلال الذي يحقق غرض الراشي من الرشوة بل وتقوم هذه الجريمة حتى ولو ثبت عدم انتواء الموظف القيام بما هو مطلوب منه مقابلا للرشوة فإنه لا قيام لجريمة الرشوة اللاحقة قانونا مالم يكن للموظف فاعلها قد أتم المقابل بالفعل .
رابعا : ساوى الشارع في شرط الاختصاص بالنسبة لجريمة الرشوة الأصلية بين الاختصاص الحقيقي للموظف بالعمل المطلوب منه أدائه أو الامتناع عنه أو الاخلال بواجبات الوظيفة وبين الاعتقادج الخاطئ في الاختصاص أو الزعم الكاذب به من جانب الموظف بينما طبيعة جريمة الرشوة اللاحقة – بما تفرضه من إتمام الموظف بالفعل للعمل أو الامتناع أو الإخلال لا يتصور معها سوى أن يكون الموظف مختصا فعلا بما أداه فلا يغني عن ذلك مجرد اعتقاده الخاطئ في الاختصاص أو زعم الكاذب به خاصة وأنه لم يرد النص على أي من ذلك في النصوص الخاصة بالرشوة اللاحقة .
خامسا : قرر الشارع لجريمة الرشوة اللاحقة بالمادة 105 عقوبات عقوبة أقل جسامة من العقوبات المقررة جزاء لجريمة الرشوة الأصلية بل واقل جسامة من عقوبة جريمة الرشوة اللاحقة المقررة بالمادة 104 عقوبات على ما سنرى في موضعه .
الركن الثالث : الركن المعنوي :-
القصد العام : الرشوة الأصلية وغيرها من الجرائم الملحقة بها جريمة عمدية يقوم الركن المعنوي فيها على القصد الجنائي العام لدى الموظف المرتشي باعتباره فاعلا لها ، أما الراشي أو الوسيط فاعتبارهما شركاء في الجريمة يقتضي القول بضرورة قيام قصد الاشتراك عندهما حسبما تتطلبه القواعد العامة في المساهمة الجنائية التبعية .
فالرشوة لا تستلزم قصدا جنائيا خاصا00 وهذا الأمر مستفاد من صريح نص الشارع في المادة 104 مكرر عقوبات من العقاب على الرشوة الأصلية المنصوص سعليها في الموادج 103 و 104 مكرر و104 عقوبات بمجرد طلب الموظف أو قبوله أو أخذه جعلا لأداء عمل من أعمال وظيفته أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة :” حتى ولو كان بقصد عدم القيام بذلك العمل أو عدم الإمتناع أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة .
والاكتفاء بالقصد العام في حق الموظف المرشو مؤداة ضرورة توافر عنصر هذا النوع من القصد لديه العلم والإرادة وهو ما يتحقق باتجاه إرادته . إلى طلب الرشوة أو قبولها أو أخذها مع علمه بصفته الوظيفة وبمقابل الرشوة المتمثل في عبثه بنزاهة الوظيفة في إحدى الصور المنصوص عليها قانونا .
وينتفي القصد الجنائي عن الموظف في الرشوة بما يستتبع امتناع مسئولية الجنائية إذا انتفى عنه أحد عنصري القصد العام السابقين أو كليهما .
وتنتفي إرادة الارتشاء عن الموظف في الأحوال التي يثبت فيها أن قبوله وأخذه للرشوة كان أمرا ظاهريا مخالفا لإرادته الحقيقية ، :ان يتم ذلك بموجب اتفاق مسبق مع رجال الضبط بغية ضبط الراشي متلبسا .
وتنتفي إرادة الرشوة كذلك في الأحوال التي يثبت فيها أن الرشوة قد دست على الموظف ومثال ذلك :” أن يضع الراشي مبلغ الرشوة داخل ملف أوراق يقدمه للموظف أو يضعه خلسة في موضع ما داخل مكتبه أو في أحد جيوب معطفه المعلق أو يودع مبلغ الرشوة حساب الموظف بالبنك .. وهلم جرا ففي هذه الأحوال وما شابهها تنتفي عن الموظف إرادة أخذ الرشوة فضلا عن انتفاء علمه بها كذلك ولا يقدح في قيام إرادة الارتشاء لدى الموظف المرشو أن تكون الرشوة قد قدمت اليه من الراشي باتفاق هذا الأخير مع جهة الضبط التي ابلغها بالواقعة فرتبت الأمر لضبط الموظف متلبسا بالجرم .
وليس صحيحا في هذا المقام القول بأن تدخل جهة الضبط على هذا النحو يعد تحريضا للموظف على الجريمة وحملا له على ارتكابها مما ينال من حرية إرادته فيها .
فمن ناحية فإن التحريض المعتبر قانونا00 ويعد فاعله شريكا في الجرم هو الذي يخلق فكرة الجريمة في نفس الفاعل ويوجه إرادته إليها بعد أن كان خلو الذهن عنها فيدفعه اليها ويحمله عليها أو بالأقل يرسخ فكرة الجريمة الموجودة بالفعل في ذهن هذا الأخير باعتبارها غاية ومار باله .
ومن ناحية أخرى فإنه يشترط في التحريض المعتبر قانونا وبحسب صريح نص المادة 40 / أولا من قانون العقوبات أن يكون مباشرا أي منصبا على ارتكاب الفعل المكون للجريمة وهو مايفترض وقوعه سابقا على اتيان الفاعل لسلوكه المجرم .
وحتى مع التسلم جدلا بخلاف ما تقدم ، فإن ذلك ليس من شأنه أن يعدم إرادة الموظف المرتشي مما يعفيه من المسئولية الجنائية وإلا لا عتبر قيام الاشتراك بطريق التحريض سببا معفيا للعقاب بالنسبة للفاعل ، وهو ما لا يمكن قبوله أو التسليم به .
أما عنصر العلم00 فهو ينتفي بكل ما من شأنه أن يجعل الجاني جاهلا بأحد الأركان أو العناصر التي لا قيام للرشوة قانونا إلا بها أو يقع في خطأ فيه ويشمل ذلك .
جهل المتهم لثبوت صفة الموظف العام أو من في حكمه وقيامها لديه وقت اتيانه فعل الارتشاء ويتصور ذلك عندما يعتقد الجاني لأسباب معقولة صدور قرار بعزلة من الوظيفة أو بقبوله استقالته أو عدم صدور قرار تعيينه حيث لم يبلغ به .
اعتقاد المتهم خطأ بأن الاختصاص بالمقابل المطلوب لقاء الرشوة 00معقود لغيره بسبب جهله بالقواعد المنظمة للاختصاص الوظيفي أو فهمه لها فهما غير صحيح فالموظف هنا لم يعتقد خطأ في اختصاصه هو بالعمل المطلوب ولم يزعم كذبا انعقاد الاختصاص له به ، على ما هو متطلب في الرشوة
جهل الموظف للغرض الحقيقي للراشي من جراء تقديمه للوعد أو العطية والمتمثل في العبث بنزاهة الوظيفة وأمانتها في إحدى الصور المحددة قانونا فيقبله على أنه هدية بمناسبة إجتماعية تبررها صلة القربى أو الصداقة التي تربط بالراشي أو باعتباره سدادا لدين مستحق في ذمة الراشي أو اجر عن عمل أداة لهذا الأخير منبت الصلة بأعمال الوظيفة العامة .
القصد الجنائي في الرشوة اللاحقة :-
لا تختلف طبيعة القصد العام من جريمة إلى أخرى فلزاما توافر إرادة السلوك ونتيجته لدى الجاني وانصرافه علمه وشموله للأركان والعناصر التي لا قيام للجريمة قانونا إلا بها .
وبتطبيق ذلك على جريمة الرشوة اللاحقة فإنه يلزم ثبوت اتجاه إرادة الموظف المرشو إلى طلب الوعد أو العطية أو قبوله أو أخذه وذلك بحسب ما إذا كنا بصدد الرشوة اللاحقة المقررة بالمادة 104 عقوبات أم تلك المقررة بالمادة 105 عقوبات مع علمه بأن الجعل محل الرشوة ليس سوى مكافأة له على ما وقع منه من أداء لعمل من أعمال الوظيفة أو امتناعه عنه أو إخلاله بواجباتها بحسب الأحوال كما بينا .
اترك تعليقاً