قراءة في قانون حماية المنافسة و منع الاحتكار العماني
نطاق تطبيق القانون
لكل قانون نطاق تطبيق تعمل من خلاله نصوصه، وتنطبق في إطاره الجزاءات التي يتضمنها، ولهذا كان من المنطقي أن يحدد قانون حماية المستهلك الوطني في المادة (3) نطاق تطبيقه وإطار عمله. وبتحليل نص هذه المادة نجد أن نطاق تطبيق القانون يتحدد بعاملين؛ ما يدخل في نطاق التطبيق، وهو ما يطلق عليه النطاق الإيجابي، وما يخرج من نطاق التطبيق، وهو ما يطلق عليه النطاق السلبي. وسوف نركز في هذه المقالة على النطاق الإيجابي فقط الذي حددته المادة (3) منه.
والتي جرى نصها على أن “تسري أحكام هذا القانون على جميع أنشطة الإنتاج والتجارة والخدمات وأي أنشطة اقتصادية أو تجارية أخرى تمارس في السلطنة وأي أنشطة اقتصادية أو تجارية تتم خارج السلطنة ما تترتب عليها أثار داخلها. كما تسري أحكام هذا القانون على إساءة استعمال حقوق الملكية الفكرية والعلامات التجارية وبراءات الاختراع والنشر إذا أدى ذلك إلى آثار ضارة بالمنافسة”، ووفقًا لهذا النص، ينقسم نطاق القانون إلى نطاق موضوعي يحدد الأنشطة والأعمال التي تخضع له، ونطاق إقليمي يحدد مكان ممارسة تلك الأنشطة، وذلك على النحو التالي:
أولا: النطاق الموضوعي، ويشمل الأنشطة أو الأعمال الآتية:
1- أنشطة الإنتاج، وعمليات التجارة، والخدمات، وأي نشاط اقتصادي أو تجاري آخر. ونلاحظ التوسع الكبير الذي يتبناه المشرع العماني في بسط مظلة أحكام القانون على كل الأنشطة التجارية والاقتصادية التي تمارس داخل السلطنة، سواء وصفت بأنها تنتمي إلى قطاع الإنتاج وسواء كان كاملاً أو نصف إنتاج أو دورة واحدة من دورات الإنتاج، أو قطاع الخدمات كالمعلوماتية والسياحة والسفر، أو النقل، أو حتى مجرد نشاط تجاري بسيط يتمثل في استيراد البضائع والمنتجات أو تصديرها.
2- حقوق الملكية الفكرية والعلامات التجارية وبراءات الاختراع والنشر. ونلاحظ هنا أن المشرع الوطني قد استخدم مصطلح الملكية الفكرية ثم أردف ذلك بالعلامات التجارية وبراءات الاختراعات والنشر، ونقدر أنه كان يكفي أن يستخدم المشرع مصطلح الملكية الفكرية دون ذكر العلامات التجارية وبراءات الاختراع، أو يذكر الملكية الأدبية والتجارية والصناعية.
ويرجع ذلك إلى أن مصطلح الملكية الفكرية مصطلح يشمل الملكية الأدبية المتمثلة في حق المؤلف والحقوق المجاورة له، وحقوق الملكية الصناعية المتمثلة في براءات الاختراعات والنماذج الصناعية ونظام الدوائر المتكاملة والبيانات، ويشمل كذلك الملكية التجارية المتمثلة في العلامات التجارية. وقد تبنت بعض التشريعات هذا المصطلح ونظمت تحت عنوانه العديد من المسائل كما هو الحال في قانون الملكية الفكرية المصري رقم (82) لسنة 2002.
أما النظام العماني فلم يتبن هذا المصطلح وإنما فصل الملكية الأدبية المتمثلة في حق المؤلف والحقوق المجاورة له ونظمها بالمرسوم السلطاني رقم (37) لسنة 2000 الخاص بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة له، وفصل الملكية الصناعية ونظمها بالمرسوم رقم (67) لسنة 2008 الخاص بحقوق الملكية الصناعية، وفصل الملكية التجارية ونظمها في قانون العلامات التجارية والأسرار التجارية والمنافسة غير المشروعة بالمرسوم السلطاني رقم (82) لسنة 2002.
ولهذا لا يروق لنا استخدام القانون لمصطلح الملكية الفكرية في غير محله، وكان الأجدى من وجهة نظرنا أن تستخدم المصطلحات المستخدمة في القوانين السابقة على قانون المنافسة، أو يكون لدينا نظرة مستقبلية على اعتبار أن السلطنة سوف تتجه إلى دمج كل عناصر الملكية الفكرية في تقنين واحد، وفي هذه الحالة نستخدم مصطلح الملكية الفكرية بمفرده. ودليلنا على ذلك أن قانون تنظيم المنافسة الإماراتي يستخدم مصطلح الملكية الفكرية بمفرده لبيان الأنشطة المرتبطة بهذه الملكية في المادة (3) منه دون إضافة العلامات التجارية وبراءات الاختراع وغيرها، هذا على الرغم من أن دولة الإمارات العربية المتحدة لم تعالج كل عناصر الملكية الفكرية في قانون واحد.
ثانيًا: النطاق الإقليمي
أوضح نص المادة (3) من القانون أنه ينطبق على أعمال الإنتاج والأنشطة الاقتصادية والأنشطة المرتبطة بالملكية الفكرية التي تقع في داخل حدود السلطنة أو التي تقع في الخارج ويترتب عليها آثار ضارة داخل السلطنة. وحسنًا فعل المشرع العماني عندما مد نطاق تطبيقه إلى اتفاقات تقييد المنافسة التي تتم خارج السلطنة، ولكنها تؤثر على حرية دخول الأسواق والمنافسة الحرة داخل السلطنة، وكذلك الأعمال التي تشكل إساءة لاستعمال الوضع المهمين التي تتم في الخارج، ولكن يكون لها آثارها السلبية في الداخل.
ومن أهم الأنشطة التي تتم في خارج السلطنة وتؤثر في الأسواق الداخلية: الإغراق والدعم. ويقصد بالإغراق The Dumping قيام المنتج ببيع منتجاته في أسواق التصدير بسعر منخفض بصورة ملحوظة عن ذلك السعر الذي يبيع به نفس المنتجات في السوق الداخلي، ويهدف المغرِق من ممارسة سياسة الإغراق إلى انفراده بسوق الدولة المستوردة والتخلص من منافسة الغير له ، وصولاً إلى احتكار سوق هذه الدولة. ويبدو الضرر المادي الناتج عن فعل الإغراق في الإخلال بحق مالي من حقوق الصناعة المحلية ، كخفض نسبة مبيعاتها أو أرباحها، أو أن ينتج عن الإغراق إخلال بمصلحة مالية من مصالح هذه الصناعة ، كتسببه في عدم رفع مستوى أسعار منتجات هذه الصناعة للنسب المتوقعة.
أما الدعم ( The Subsidies ) فيقصد به أية مساهمة أو منفعة تجارية ينتج عنها فائدة سواء أكانت مباشرة أو غير مباشرة ، مقدمة من الحكومة أو أية هيئة عامة بها للمنتجين أو المصدّرين ، وذلك من خلال برامج أو خطط ، أو أية ممارسات تقدمها أو تنفذها حكومات الدول.
ومن أمثلة المساهمات المالية التي تعد دعمًا: التنازل عن إيرادات حكومية مستحقة، تقديم منح ، خصم ، إعفاء ضريبي ، اعتماد نظام الإهلاك المعجل، التخفيض في رسوم التوريد، الإعفاء من مساهمات التسجيل في نظام التغطية الاجتماعية، تقديم قروض بنسب فائدة منخفضة، ضمان القروض، مساهمة الحكومة في رأس مال الشركة عن طريق شراء أسهم أو حصص، شراء المنتجات بواسطتها، أو تقديم سلع أو خدمات من الحكومة باستثناء البنية الأساسية. وإذا كان الدعم من الوسائل المشروعة للدولة لتشجيع الإنتاج ، وبصفة خاصة في الدول النامية، إلا أن الاتفاقيات الدولية تحظره بل وتعاقب على منحه إذا توافر أمران معًا: الأول /أدى الدعم إلى وجود ضرر يلحق بالتجارة الخارجية أو الداخلية للدول الأخرى، أما الأمر الثاني/ فإنه يشترط للمنع والعقاب على الدعم أن يكون الدعم خاصاً.
ويقصد بالدعم الخاص الدعم المقدم لمؤسسة معينة Specificity enterprise أو أن يخصص لفرع إنتاج معين Specificity Industry أو أن يخصص لجهة معينة Regional Specificity. ولهذا نقدر أنه حسنا فعل المشرع العماني من حظره لكافة الوسائل والطرق غير المشروعة التي تؤثر على السوق العمانية سواء ارتكبت هذه الوسائل وتلك الأنشطة داخل السلطنة أو خارجها. قراءتنا القادمة مع تحليل آخر ضمن أحكام هذا القانون.
سالم الفليتي
محام ومستشار قانوني
كاتب وباحث في الحوكمة والقوانين التجارية والبحرية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً