نظام المنافسة السعودي .. و «رؤية 2030»
د. ملحم بن حمد الملحم
قوانين المنافسة تعتبر أحد أهم القوانين الأساسية والحيوية في أي دولة، وتزداد أهمية قانون المنافسة بشكل عام كلما زادت قوة تلك الدولة اقتصاديا وكلما كان الحراك التجاري فيها فاعلا. لذلك نجد اهتمام الدول به بدأ من مرحلة متقدمة وعلى رأسها في ذلك الولايات المتحدة بدءا من عام 1890 عندما أصدر الكونجرس قانون شيرمان Sherman Act، إضافة لوجود جذور له في أحكام المحاكم الأمريكية خلال الفترة التي سبقت عام 1890. ولأن الولايات المتحدة كان لها قصب السبق في إصدار أول تشريع للمنافسة، فإن قواعد المنافسة الأوروبية قد تأثرت بشكل كبير بقانون شيرمان الأمريكي، وبالتالي يعتبر قانون شيرمان وقواعد المنافسة الأوروبية أهم التشريعات الرائدة في مجال المنافسة، التي تأثر بها عديد من الدول بعد ذلك.
أحب أن أشير إلى أن هذه المقالة تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية نظام المنافسة السعودي كنظام، بغض النظر عن مسألة حاجة النظام إلى إعادة بناء بدءا من رسم سياسته حتى صياغته وتنفيذه.
تهدف قوانين المنافسة للحفاظ والإبقاء على سوق حرة تنشأ عنها منافسة عادلة تعتمد على استقلال المنشآت أو المشاركين فيها حيث لا تقوم منشآت معينة بالاتفاق فيما بينها على التأثير في السوق وحيث لا تقوم منشأة معينة بالتأثير في السوق عن طريق هيمنتها أو قوتها في السوق.
قد يتبادر إلى ذهن القارئ أن قوانين المنافسة عموما أو أن نظام المنافسة السعودي خصوصا يمثل تهديدا للمنشآت والتجار، وبالتالي يرى أن نظام المنافسة السعودي يعتبر مصدر قلق أو يشكل قيودا.
الحقيقة إن نظام المنافسة السعودي ممثلا في مجلسه أو هيئته يعتبر أحد الأعمدة التي تقوم عليها التجارة في السعودية كما هو الحال لأجهزة المنافسة في الدول المتقدمة، وذلك لعدة أسباب.
أولها: أن نظام المنافسة السعودي وإن كان ربما يعتبر مصدر قلقٍ لعدد معين من المنشآت إلا أنه يعتبر صمام أمان لعدد هائل من المنشآت والمشاركين في السوق، فهو يكفل للشركات الناشئة المنافسة أن تحصل على الفرص العادلة للاستثمار ما ينتج عنه تحفيز للمنافسة بين الشركات الموجودة، الذي بدوره يدفع جميع الشركات للتنافس في الأسعار وللابتكار وهذا بالطبع يعود على المستهلك بالفائدة كما يعود على السوق نفسها بالتطوير.
ثانيها: وضوح نظام المنافسة السعودي من جهة، وقوة تطبيقه من جهة أخرى يعطي ثقة لعدد كبير من المستثمرين الأجانب للدخول إلى السوق السعودية، ويضمن لهم الفرص العادلة التي من خلالها تمكنهم من الاستثمار في السعودية. إضافة لذلك عندما يكون نظام المنافسة فاعلا، فإنه يشجع على الصناعات المحلية كما يدفع الصناعات المحلية إلى التحسين من أدائها في الوقت نفسه.
ثالثها: قوة حضور مجلس/ هيئة المنافسة في الساحة التجارية وتفاعله يعطي مؤشرا قويا على قوة واحتراف ووجاهة ومستقبل الدولة في أعين المستثمرين والسياسيين بل أمام المجتمع الدولي ككل، والأحداث والتجارب لطالما أثبتت ولا تزال تثبت هذه الحقيقة.
لذلك نظام المنافسة يعتبر جزءا أساسا في وجود بيئة منافسة عادلة تسعى لها أغلب الدول المتقدمة عموما، وهو جزء أساس لتحقق “رؤية 2030”.
اترك تعليقاً