نظرة القانون الدولي للجدار الاسرائيلي
الجدار الاسرائيلي امام القانون الدولي / أ/ يارا النجادات
اذا اعتبرنا أن حدود عام 1967 هي الحدود الفاصلة بين الأراضي الفلسطينية ودولة اسرائيل وفقاً لقرار المجلس الوطني الفلسطيني الذي أعلن قيام دولة فلسطين علي الأراضي الفلسطينية التي احتلتها اسرائيل خلال حرب عام 1967، ومن ثم التي تم تأسيساً عليها بدء المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية في محاولة للتوصل الي تسوية للصراع القائم، فان الجدار الذي تقيمه اسرائيل في هذه الأيام داخل الأراضي الفلسطينية تحت مسميات مختلفة وبذريعة توفير الأمن لها يقضم من الأراضي الفلسطينية بعد الانتهاء من اقامته مايساوي 65 كيلو متراً تضمها اسرائيل الي أراضيها وهذا مايُعبَر عنه في القانون الدولي بالاكتساب أو الضم Acquisition or Conquest، أي أن هذا الجدار يتجاوز الخط الأخضر وهو حدود عام 1967 التي يتعامل العالم معها كحدود واقعية في حين أن الحدود الرسمية لاسرائيل هي حدود قرار التقسيم الذي اعتمدته الجمعية العامة بقرارها 181 لعام 1947.
ان هذا الجدار الذي تنطوي اقامته علي أبعاد سياسية وأمنية وانسانية وبيئية ومادية واقتصادية مدمرة بالنسبة للشعب الفلسطيني، فان البعد القانوني له يتعلق بمسألة ضم الأراضي الفلسطينية أو اكتسابها وهي التي يبتلعها الجدار عند اكتماله وفق المخطط الاسرائيلي، وهو البعد الأخطر في ضوء القانون الدولي العام، مع التأكيد علي أن الآثار المترتبة علي اقامة هذا الجدار تمس جوهر القضايا المتعلقة بالقانون الانساني الدولي وحقوق الانسان، الي جانب الاستيلاء علي الأرض اكتساباً وبالقوة. واكتساب الأرض أو الضم يقع عادة اما بسن القوانين بشأنه، أو بالممارسة الواقعية عن طريق القوة العسكرية أو الحرب، وقد درجت اسرائيل علي ممارسة النمطين من الاكتساب والضم، فقد أصدرت القوانين باخضاع القدس الشرقية للقوانين الاسرائيلية بعد احتلالها، وكذلك الحال فيما يتعلق بالجولان السوري المحتل، ومارست الضم والاكتساب عن طريق القوة وتحت حماية قواتها العسكرية فيما يتعلق بالجدار المذكور وقبل ذلك بمصادرة الأراضي الفلسطينية واقامة المستوطنات الاسرائيلية والطرق الالتفافية عليها.
لقد اعتبر القانون الدولي أعمال ضم أراضي الغير بالقوة أو الاستيلاء عليها جريمة مخلة بسلم الانسانية وأمنها، وذلك وفقاً لما ورد ضمن مبادئ القانون الدولي المعترف بها في ميثاق محكمة نورمبرغ وفي الأحكام الصادرة عنها، وما أكدته لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة في تعريفها للجرائم المخلة بسلم الانسانية وأمنها، حيث تضمنت هذه الجرائم (قيام سلطات دولة ما بضم أراضٍ تابعة لدولة أخري يشكل انتهاكاً للقانون الدولي) وهكذا جاءت المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة لتتكامل مع مبادئ القانون الدولي عندما طلبت من أعضاء هيئة الأمم المتحدة جميعاً الامتناع في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو علي أي وجه آخر لايتفق مع مقاصد الأمم المتحدة.
ومباشرة وبعد حرب حزيران 1967 وبتاريخ 22 نوفمبر 1967 أصدر مجلس الأمن قراره رقم 242 والذي تضمن تأكيد عدم جواز الاستيلاء علي الأرض عن طريق الحرب حيث جاءت الفقرة الثانية من ديباجته لتقول يؤكد عدم جواز الاستيلاء علي الأرض عن طريق الحرب ، ثم عالج مجلس الأمن حالة الضم الاسرائيلي عن طريق سن القوانين لمدينة القدس الشرقية المحتلة عام 1967، وحالة الضم المماثلة المتعلقة بالجولان السوري المحتل عن طريق قراراته التي استندت الي مبادئ القانون الدولي وأحكام الميثاق، فرفض المجلس الاجراءات الاسرائيلية المذكورة وأكد انتهاكها لمبادئ القانون الدولي واعتبرها باطلة وفاقدة لأية شرعية قانونية، ففي قراره رقم 478 بتاريخ 2 آب (أغسطس) 1998 أكد بأن جميع الاجراءات القانونية والادارية التي اتخذتها حكومة اسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال والتي غيرت أو من شأنها تغيير أو تبديل الطابع المؤسسي أو الوضعي لمدينة القدس المقدسة وعلي وجه الخصوص القانون الأخير المتعلق بالقدس هي باطل وغير شرعية ويجب الغاؤها، كما أكد القرار نفسه بأن هذا الاجراء يشكل عقبة في طريق السلام الشامل والعادل في منطقة الشرق الأوسط.
ولقد تكرر التأكيد الدولي في هذا الشأن من خلال قرار مجلس الأمن رقم 497 بتاريخ 17 ديسمبر 1981 الخاص بالجولان السوري المحتل بعد أن أصدرت الحكومة الاسرائيلية القانون الخاص باخضاع تلك المرتفعات الي السيطرة الادارية والقانونية الاسرائيلية أي ضمها قانونياً الي اسرائيل، فأكد المجلس من جديد عدم جواز الاستيلاء علي الأراضي عن طريق الحرب وهو أمر غير مقبول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وقرارات المجلس ذات الصلة، كما تواترت القرارات الدولية التي أكدت مبدأ عدم جواز الاستيلاء علي أراضي الغير بالقوة من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وأجهزة الأمم المتحدة الأخري بعد ذلك مما جعل من مثل هذا الاجراء الذي يتعارض مع القانون الدولي وأحكام الميثاق وينتهك قرارات مجلس الأمن، ويشكل جريمة مخلة بسلم الانسانية وأمنها هو عمل يقتضي منح مقاومته قوة القاعدة الآمرة في القانون الدولي، نظراً لما يشكله من عدوان وجريمة بحق سلم البشرية وأمنها. ولم يصمت القانون الانساني الدولي عن مثل هذه الجريمة، فقد عالجها في المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة من زاوية التدمير للممتلكات الثابتة والمنقولة، الخاصة والعامة التي تسبب فيها اقامة الجدار في الأراضي الفلسطينية، فحظر علي دولة الاحتلال أن تفعل ذلك.
ان الوضع القانوني لاقامة الجدار الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية كما ورد في هذا السياق ينطبق تماماً علي الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها اسرائيل بالقوة وعن طريق الاغتصاب والاكتساب في الفترة الزمنية الواقعة مابين صدور قرار تقسيم فلسطين رقم 181 الصادر عن الجمعية العامة لعام 1947، وتلك الأراضي التي اُعتبرت حدود عام 1967 والتي استولت عليها اسرائيل بالقوة العسكرية أيضاً، ويدخل ضمن هذا كذلك جميع الأراضي الفلسطينية التي صادرتها اسرائيل وأقامت عليها المستوطنات اليهودية والطرق الالتفافية في جميع الأراضي الفلسطينية خلال احتلالها لها منذ حرب عام 1967.
واذا كان مجلس الأمن قد استشعر أخطار انتهاك مبادئ القانون الدولي في الماضي عندما اتخذت اسرائيل اجراءاتها التشريعية لضم القدس الشرقية بعد احتلالها، واعتمد المجلس بشأن ذلك القرارات التي شجبت تلك الاجراءات واعتبرتها باطلة ولا أساس قانوني لها، وطالب اسرائيل بالتراجع عنها دون أي التزام اسرائيلي بقرارات المجلس، يجد المجلس نفسه الآن أمام حقيقة خطيرة صنعها هو بيديه عندما عالج الأمر آنذاك في اطار الفصل السادس من الميثاق ليترك لاسرائيل الحرية في ارتكاب ماتشاء من الجرائم دون ردع أو عقاب، وبشعور من الحماية الدولية لأعمالها العدوانية، مما يجعل المجلس الآن أمام تكرار ممارسة اكتساب الأرض الفلسطينية وضمها الي اسرائيل من خلال اقامة الجدار عن طريق القوة العسكرية في وضع بلغ من الخطورة مايفرض عليها معالجة الأمر في اطار الفصل السابق من الميثاق، باعتبار أن مايترتب علي اقامة الجدار المذكور هو جريمة مخلة بسلم الانسانية وأمنها وفقاً للقانون الدولي كما سلف ذكره، والا فان المجلس كجهاز وحيد يتمتع بحق اتخاذ الاجراءات المناسبة وفقاً للميثاق للمحافظة علي السلم والأمن الدوليين ومنع أي تهديد لهما من أية دولة اذا لم يفعل ذلك بممارسة مسؤولياته أمام الامعان الاسرائيلي في انتهاك مبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الانساني علي مدي عشرات السنين الماضية فانه يضع نفسه في موقع التواطؤ مع العدوان والجريمة، بل قد يكون هو نفسه قد بدأ بتدمير المجتمع الدولي الذي قام علي المبادئ والقيم التي ارتضتها دول العالم لكي تحكم العلاقات الدولية، علي أسس من العدل والود بين الدول وتحقيق مقاصد وأهداف الأمم المتحدة في استتباب العدل والسلم والأمن في العالم.
اترك تعليقاً