نظرة القضاء المغربي للخطأ الطبي
اعداد ذ. عبدالله بورحي
الخطأ في مفهوم الاجتهاد القضائي هو كل خطأ ناتج عن جهل تام في الميدان الطبي أو عن إهمال خطير من جانبه أو تواطئ تدليسي ولكي يثبت المريض مسؤولية الطبيب عليه أن يثبت أن الطبيب قد أخطأ وأن هناك ضرارا لحق به من جراء ذلك الخطأ، وأن الصلة بينهما ثابتة أي وجود علاقة سببية بين الخطأ والضرر والمدعي مطالب بإثبات جميع أركان المسؤولية الطبية. فقد جاء في قرار لمحكمة الاستيناف بطنجة بتاريخ 27 ماي 1987 أن: «مسؤولية الطبيب ليست مفترضة ولا تقوم على مجرد فكرة المخاطر، بل لابد من إثبات خطأ الطبيب المهني وكون هذا الخطأ هو السبب المباشر في حصول الضرر اللاحق بالمريض» ويضيف هذا القرار بأنه «يتعين تجسيد الخطأ المهني لهذا الأخير (أي الطبيب)، وإثباته بدلائل مقبولة يقع على عاتق المستأنف (أي المريض)». قرار عدد 681 بتاريخ 27-05-1987، ملف مدني عدد 8134/5 منشور بمجلة الندوة (هيئة المحامين بطنجة) عدد 4
وتتخلص وقائع هذه القضية في أن “طبيبا أجرى عدة عمليات جراحية على رجل أحد المرضى التي كانت في حالة خطيرة نتيجة حادثة سير تعرض لها فجنبه بذلك بترها، إلا أن المريض المذكور خلفت له تلك العمليات عيبا تمثل في عجز دائم بنسبة %60، مما جعله يرفع دعوى التعويض عن هذا الضرر إلى ابتدائية طنجة التي رفضت طلبه وأيدتها في ذلك محكمة الاستيئناف لعدم ثبوت خطأ الطبيب…” كما جاء في قرار محكمة الاستئناف بالرباط بتاريخ 31-03-1989 ملف جنحي عدد 7771/88 منشور بمجلة المحاماة عدد 8، ص 197 أن: «الخطأ لا يثبت في حق الطبيب بمجرد حصول وفاة المريض بل لابد من إقامة الدليل على إهماله وتقصيره».
الا ان موقف القضاء بعد ذلك تغير وأصبح يسير في مسلك التخفيف على المريض من عبء الإثبات ومثال ذلك قرار محكمة الاستئناف بالبيضاء قرار استيئنافية البيضاء ملف مدني عدد 2425/83 حين اعتبر أن الطبيب المولد قد ارتكب خطأ فنيا عن بينة واختيار حين أقدم على توليد امرأة بطريقة عادية دون مراعاة ملفها الطبي الذي يشير إلى أنه لا يمكن توليدها إلا بإجراء عملية قيصرية وقد جاء في حيثيات القرار: «وحيث ثبت للمحكمة – استنادا إلى الخبرة الطبية- أن الخبراء لم يقوموا بمهامهم بطريقة كاملة وإنما اكتفى بالقرائن المستخلصة من الملف الطبي للضحية ومن الشهادات الطبية ومن كون التحاليل والفحوص التي أجريت بنفس المستشفى وعدم تحفظ الطبيب والمستشفى خلال الدعوى بكون المضرورة لا تتوفر على ملف طبي أن ذلك الخطأ هو السبب فيما لحق الضحية من ضرر ثابت من خلال الشهادات الطبية ومن اتفاق جميع الأطراف عليه فقضت بمسؤولية الطبيب المولد وحكمت عليه بالتضامن مع المستشفى بأن يؤدي للضحية تعويض قدر 300.000درهم» وقد أيد المجلس الأعلى ذلك بقوله: “حيث أن الفصل 66 من قانون المسطرة المدنية لا يجعل تقارير الخبراء ملزمة للمحكمة والثابت من أوراق الملف أن المحكمة أمرت بإجراء خبرة أدت إلى إقامة تقريرين منفصلين الأول أعده الدكتور…
لم يتطرق نهائيا إلى نقط المسؤولية والثاني أعد من طرف (…) وأشير فيه إلى أنه لا يمكن تحميل الدكتور المولد أية مسؤولية دون الإفصاح عن المستند في ذلك. وبذلك تكون المحكمة قد استندت على الوثائق الموجودة بالملف واستبعدت الخبرات للقول بمسؤولية المولد وهذه الوثائق هي الشواهد الطبية التي تفيد صدق ما يدعيه المدعى وكذلك الملف الطبي للأم الحامل الذي عرض على الدكتور ( المولد) قبل الولادة، و الذي يشير إلى ضرورة إجراء عملية قيصرية الشيء الذي لم يقم به الدكتور المولد مكتفيا بالتوليد بطريقة عادية. حيث يؤخذ من القرار أن محكمة الاستئناف عندما استبعدت تقارير الخبراء لم تؤسس قضاءها على تأكيد غامض كما ورد في الوسيلة بل استخلصت أن وثائق الملف تفيد صدق ما يدعيه المدعي موضحة أن الملف يتضمن شهادات طيبة وأن الملف الطبي للأم ينص على أنه أجريت لها تحاليل وفحوص بالمصحة ولم يقع أي تحفظ لا من الدكتور المولد ولا من المصحة واستخلصت المحكمة أن الدكتور…(المولد) عندما قام بتوليد الأم بطريقة عادية دون مراعاة ملفها الطبي ارتكب خطأ عن بينة واختيار. ونستخلص من كل ما سبق أن الأحكام والقرارات الحديثة الصادرة في موضوع المسؤولية الطبية أصبحت تنادي بوجوب استعمال الشدة مع الأطباء المتخصصين في ما يرجع إلى تقدير خطأ الطبيب وهذا التحول في قلب عبء الإثبات هو نفسه الذي شهده القضاء الفرنسي حيث أصبح الطبيب هو المكلف بإثبات عدم مسؤوليته لأنه هو الملزم ببذل عناية.
وكمقترح اتمنى ان يصدر قانونينظم كل ما يتعلق بالأخطاء الطبية وما يرتبط بآداب وسلوكيات مهنة التطبيب بالمغرب .
اترك تعليقاً