نظرة عامة عن التحكيم
د. ملحم بن حمد الملحم
تعود جذور أو مفهوم التحكيم إلى زمن بعيد، لكن بطريقته المتقدمة أو المعقدة لم يبدأ بالتشكل نحو هذا التعقيد إلا في القرن الأخير، مرورا أو بدءا باتفاقية نيويورك، وهي اتفاقية الاعتراف بقرارات التحكيم الأجنبية التي وقعت عام 1958. في بداية هذه الاتفاقية – وفقا للأمم المتحدة – كان عدد الدول الموقعة عليها 24 دولة حتى وصلت إلى 159 دولة منظمة لهذه الاتفاقية عام 2018. المملكة العربية السعودية إحدى الدول الموقعة على اتفاقية نيويورك؛ حيث انضمت إلى هذه الاتفاقية عام 1994.
المقصود بالتحكيم هنا عموما هو أن تتفق أطراف علاقة تعاقدية تجارية معينة على أنه في حال النزاع، ستلجأ الأطراف إلى التحكيم بدلا من التوجه إلى القضاء، وذلك من خلال اختيار محكم، أو هيئة تحكيم مكونة من ثلاثة محكمين أو أكثر، بحيث يكون الترافع بين الأطراف أمام هذا المحكم أو هيئة التحكيم بمقابل وفق إجراءات معينة كما لو كانت أمام قضاء فعلي، لذلك يمكن أن نطلق على التحكيم أنه قضاء القطاع الخاص أو القضاء الخاص أو القضاء الأهلي.
اللجوء إلى التحكيم له أسباب متعددة، بعضها يذكر أكاديميا كالسرعة والسرية خلافا لما يذكر عن القضاء أن إجراءاته تطول، أو أن جلساته علنية، بحيث يمكن لأي شخص حضور الجلسات، وكحرية اختيار القانون الحاكم للعقد والإجراءات التي تحكم إجراءات التحكيم، ومن هذا السبب تحديدا تنتج أهداف أخرى تختلف حسب نوع العقد وغرض كل طرف، وبعضها أسباب خاصة لطرف معين يسعى إلى تحقيقها.
ذكر الدكتور جلال الإيهاب – رئيس تحرير مجلة التحكيم العربي – أنه ما بين 2005 و2009 زاد عدد طلبات التحكيم في ثلاثة مراكز تحكيم فيما لا يقل عن 24 في المائة على الأقل، وزاد عدد طلبات التحكيم في ثلاثة مراكز تحكيمية أخرى بنسبة لا تقل عن 125 في المائة. وإن كانت الأرقام المعروضة قديمة، لكن الساحة تشهد توجها أكثر نحو التحكيم، ولا سيما إن كان أحد أطراف العلاقة أجنبيا، فكل طرف يرغب في التأكد من أن العقد والعلاقة التعاقدية، ومن ثم تنفيذها محكومة بقانون وإجراءات يضمن فيها حقوقا أو أمانا ولو نسبيا.
وفقا لاستبيان التحكيم الدولي لعام 2018، الذي قامت به جامعة كوين ميري في لندنQueen Mary University of London، الذي شارك فيه ممارسون في القطاع الخاص ومحكمون متفرغون ومستشارون داخليون ومختصون وأصحاب مصالح، وُجِد أن 99 في المائة من الإجابات تقترح أن يكون التحكيم الدولي الأسلوب المتبع لحل النزاعات الدولية في المستقبل.
المهم هو أن التحكيم يزداد تشعبا يوما بعد يوم، وتظهر جوانبه الإيجابية أو السلبية يوميا بشكل أوضح، ويحتاج إلى رعاية واهتمام بدءا من القانون الذي يحكمه، مرورا ببند التحكيم الذي يحكمه والمنصوص عليه في العقد، ومرورا باختيار هيئة التحكيم، ونهاية بتنفيذ أحكام التحكيم المحلية أو الأجنبية، التي هي المقصودة في المحصلة الأخيرة، وهي التي من أجلها تم الاتفاق على اتفاقية نيويورك. فكل ما ذُكر سابقا تبقى أهميته ونجاحه معلقين على تنفيذ قرارات التحكيم، وهي إحدى أهم المسائل الاستراتيجية للمستثمرين والمحامين.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً