الملكية الفكرية ودورها في التطور والنمو براءة الاختراع نموذجاً
تمهيد: الحقوق المعنوية وفلسفتها القانونية
درج التقسيم التقليدي للحقوق المالية المتعلقة بالذمة على الاكتفاء بتقسيمها إلى حقوق عينية وأخرى شخصية، معتبراً أن الحق العيني هو تلك السلطة المباشرة التي يقرها القانون لشخص ما على شيء معين ومحدد بالذات تمكنه من الاستفادة من هذا الشيء على النحو الذي يشاء، وكمثال على ذلك حق الملكية. في حين عُرِّفت الحقوق الشخصية بأنها تلك العلاقة أو الرابطة القانونية بين شخصين (أو أكثر) (دائن ومدين) يحق لأحدهما، بمقتضاها، أن يلزم الآخر بأن يؤدي عملاً أو يمتنع عن أداء عمل ما لصالحه(1).
إلا أن هذا التقسيم قد تعرض للنقد الشديد فكان أبرز من وجه النقد لهذه النظرية هو الفقيه الفرنسي العلامة بلانيول (Planiol)(2)، وتبعه فقهاء آخرون(3). فقد لاحظ بلانيول أن عدداً من الحقوق يتمتع ببعض خصائص الحقوق العينية، وبعض خصائص الحقوق الشخصية في آن واحد، وأطلق على هذه الحقوق بالحقوق المختلطة(4).
غير أن الجزء الأهم من نقد النظرية التقليدية اتجه إلى أن تقسيمها للحقوق المالية المقتصر على الحق العيني والحق الشخصي لا يمكن بأي حال أن يشمل حقوقاً أخرى كانت موجودة ساعة نشوء هذه النظرية وبلورتها(5)، فضلاً عن الحقوق التي نشأت فيما بعد، أو ربما تنشأ في المستقبل(6)، إذ ظهر في الأزمنة الأخيرة نوع من الحقوق اصطُلِح على تسميتها بالحقوق المعنوية؛ كحق المؤلف على أفكاره، وحق الموسيقي على ألحانه، وحق المخترع على اختراعه، والتاجر على محله.
ويمكن أن نلحظ بأن للحق المعنوي شقين متميزين، الأول أدبي يعطي للشخص الحق في أن تُنسب أفكاره إليه، وهذا الحق متصل اتصالاً وثيقاً بشخصه ما دامت الحياة الإنسانية قائمة إلى أن يشاء الله، ويترتب على ذلك عدم قابلية هذا الحق للانتزاع منه، وعدم قابليته للتقويم بالمال أو التصرف فيه أو الحجز عليه. والشق الآخر من هذا الحق المعنوي يتمثل في حق الشخص في الاستفادة المالية من ثمار نتاجه الفكري كالنشر للمؤلف، واستغلال براءة الاختراع صناعيًّا وتجاريًّا، إذ تعتبر في هذا الجانب حقًّا ماليًّا يمكن تقويمه بالمال، وبالتالي يتمكن من التصرف فيه، وهو بذلك يخضع للحجز عليه وغيره من التصرفات القانونية الأخرى(7).
في الأخير، نذَكِّر بأنه لا يصح القول أن هناك حقوقاً مادِّيَّة وأخرى غير مادية، فهذا القول لا أساس له، حيث أن الحق دائماً هو غير مادي، وبكلمة أخرى فالحق معنوي ولا يمكن أن يتصف إلا بهذه الصفة، نعم يصح أن يقال بأن محل الحق ماديٌّ أو معنويٌّ(8).
وإذا كانت الحقوق التي ترد على الأشياء المادية هي حقوق معنوية فمن الأولى أن تكون الحقوق الواردة على أشياء معنوية هي حقوق معنوية. وحيث أن أغلب الأشياء غير المادية هي نتاج ذهني لذا أصبح من الممكن تسمية حق الملكية الذي يقع عليها بالحقوق الذهنية أو الملكية الفكرية (Intellectual Property)(9). وقد نُظمت حقوق الملكية الفكرية بتشريعات خاصة، فقد نصت المادة 86 من القانون المدني المصري على أن «الحقوق التي ترد على شيء غير مادي تنظمها قوانين خاصة»(10).
لقد أصبح واضحاً مما تقدم أن الحقوق المالية تنقسم إلى ثلاثة أنواع:
1- الحقوق العينية.
2- الحقوق الشخصية.
3- الحقوق المعنوية التي تنبثق عنها الملكية الفكرية.
الملكية الفكرية
والفروع التي تشملها
تنقسم الملكية الفكرية(11) إلى ثلاثة أقسام رئيسة وهي:
أولاً: الحقوق الأدبية والفنية. وهي حقوق المؤلف(12) وتشمل(13):
1- المصنفات المكتوبة.
2- المصنفات التي تلقى شفاهاً، كالمحاضرات والخطب والمواعظ الدينية وما يماثلها.
3- الدوائر المتكاملة(14).
4- المصنفات المسرحية والمسرحيات الموسيقية.
5- المصنفات الموسيقية سواء اقترنت بالألفاظ أو لم تقترن بها.
6- المصنفات التي تؤدى بحركات أو خطوات وتكون معدة ماديًّا للإخراج.
7- المصنفات السينمائية والمصنفات الإذاعية السمعية والبصرية.
8- أعمال الرسم والتصوير بالخطوط أو الألوان أو الرسوم البيانية والعمارة والنحت والفنون والزخرفية والحفر.
9- أعمال التصوير الفوتوغرافي(15).
10- أعمال الفنون التطبيقية سواء أكانت حرفية أم صناعية.
11- الصور التوضيحية، والخرائط الجغرافية والتصميمات والمخططات والأعمال المجسمة المتعلقة بالجغرافيا والطبوغرافيا وفن العمارة والعلوم.
12- مصنفات الحاسب الآلي من برامج وقواعد بيانات وما يماثلها.
13- المصنفات المشتقة والمترجمة(16).
ثانياً: حقوق الملكية الصناعية، وهي الحقوق التي ترد على المبتكرات الصناعية الجديدة كالرسوم، والنماذج الصناعية والاختراعات(17)، وتشمل:
1- الرسوم(18) والنماذج الصناعية(19).
2- براءات الاختراع(20).
3- نماذج المنفعة(21).
4- الأسرار الصناعية.
ثالثاً: حقوق الملكية التجارية: وهي ما للتاجر من حق على محله التجاري، كونه مالاً معنوياً منقولاً يستقل عن عناصره المكونة له، وتشمل هذه الحقوق:
1- العلامات التجارية(22).
2- المنافسة غير المشروعة(23).
3- المؤشرات الجغرافية(24).
4- الأسرار التجارية(25).
التطور التاريخي لقوانين الملكية الفكرية
إذا كانت الملكية الصناعية بفروعها جزءاً من كل ما يشكل الملكية الفكرية؛ فإن براءة الاختراع تعد الجزء الأهم في الملكية الصناعية التي تضم حقوقاً تعنى بالابتكارات الصناعية الجديدة التي قد تحوي إلى جانب براءة الاختراع، الرسوم والنماذج الصناعية.
لم تكن ولادة فكرة الاختراع يسيرة، إذ تعددت الآراء والاتجاهات في تفسير أصل الفكرة خاصة وأن المخترعين الذين ساهموا في تطور البشرية، ظل نشاطهم دون حماية حتى عصور حديثة نسبيًّا. كما أن هذه الحماية لم تجد لها أصولاً في القانون الروماني(26) بل قد نجد العكس من ذلك تماماً، بحيث عزف الحكام والملوك في البداية عن تشجيع الاختراعات الجديدة، واعتبروها نوعاً من الجنون والطيش، هذا إذا لم يحاكَموا بتهمة الشعوذة والسحر(27). غير أن هذا لم يكن السبب الوحيد في عدم ظهور نظام الحماية بقدر ما كان راجعاً إلى قلة عدد المخترعين من ناحية، ولعدم ظهور مخاطر التقليد والمحاكاة.
وترجع النشأة الأولى للحماية إلى القرنين الرابع عشر والخامس عشر، حيث أخذت حماية الاختراعات في بداية الأمر شكل امتيازات ملكية يمنحها الملوك والأمراء لأرباب الحرف والصناعات، وذلك قصد مكافأة المخترع على صنعه شيئاً جديداً أو إدخاله لصناعة جديدة للبلاد ،إلا أن هذه الامتيازات كانت في الغالب تعسفية تخضع لمحض إدارة الملوك، لذا فلا مجال للحديث عن نظام بالمعنى القانوني للكلمة.
وفي فرنسا صدرت امتيازات لجلب صناعة الكريستال واحتكارها سنة 1551، وأخرى 1659 لاستخراجه من الصخور وتصنيعه، وفي روسيا كان يتم منح امتيازات قيصرية للمخترعين خاصة بصناعة الكهرمان، أما في إيطاليا فبدأت الحماية في إمارة “سردينيا” في صورة امتيازات ملكية، بينما يرى “ماندش” بأن الحماية في إيطاليا ترجع إلى تشريع صدر في 21 مايو 1297 خاص بصناعة الأدوية(28)، يعتبر النظام الذي وجد في فينيسيا سنة 1474 نموذجاً للتشريع المتكامل في مجال حماية المخترع لما نص عليه من تحديد للمدة، وكان الحق في البراءة يتعلق بالشخص الذي يشغل أولاً في فينيسيا(29)، ثم ضرورة تسجيله لدى الجهة المختصة، إضافة إلى تمتع صاحب الامتياز بمدة عشر سنوات من الاستغلال الاحتكاري، ولا يجوز لأي شخص تقليده خلال تلك الفترة دون ترخيص من صاحب الامتياز.
استمر نظام الامتيازات في أوربا، قبل أن ينتشر إلى إنجلترا، حيث بدأ أرباب الحرف والصناعات ينتظمون في تكتلات ليشكلوا بذلك قوة ضاغطة دفعت البرلمان إلى التدخل للحد من سلطة التاج الذي أساء التصرف في منح هذه الامتيازات، ونتج عن هذا الصراع قانون الاحتكارات الشهير statute of monopolies الذي أصدره الملك جاك الأول، ويعتبر هذا القانون بمثابة “الماغنا كارتا” الخاص بحماية المخترعين الذي تُرَدُّ إليه نشأة الحماية الحديثة.
تبلور نظام حماية الاختراع
كان من أهم ما حققه قانون الاحتكارات الانجليزي الصادر سنة1623 هو إلغاء الامتيازات، وتقييد سلطة الأمراء والملوك في منحها هذه للأنشطة الصناعية والتجارية التي كانت معروفة من قبل، والتي امتدت لتشمل السلع الغذائية، إذ نصت المادة الأولى منه على بطلان كل نوع من أنواع الاحتكارات أو المنح أو الترخيص أو البراءات، أيا كان المحل الذي تترد عليه، واستثنت المادة الخامسة الاحتكارات الخاصة بالاختراعات القائمة وقت إصدار التشريع، ونصت على بقائها بحيث لا تستمر لأكثر من واحدٍ وعشرين عاماً من تاريخ منحها، وقيدت المادة السادسة الاحتكارات المستقبلة منحها بتوفر شرط الجدة في الصناعة على ألا يمتد لأكثر من أربعة عشر عاماً، وأن تمنح للمخترع الحقيقي، The first and true inventor، وهو مبدأ جديد أخذت منه التشريعات الحديثة، التي تمنح شهادات المخترعين «Lettres patentes» لأي شخص دون تمييز، وذلك بتسجيل طلبه لدى مكتب الاختراعات، وإرفاقه بوصف مختصر Exposé Sommaire للاختراع، على أن يتقدم خلال شهر من هذا التسجيل إلى مكتب الاختراعات بمذكرة توضيحية لحقيقة اختراعه، والطرق التي يمكن اتباعها لتنفيذه وإلا تعرض لبطلان اختراعه. غير أن هذا القانون سادته مجموعة من النواقص لم تمكنه من إحداث تغيير جوهري في نظام الامتيازات؛ إذ إن هذه البراءات كانت دائماً تحت طائلة الإلغاء من طرف الملك الذي ظل مصدراً لكل الحقوق، ومع إحياء فكر القانون الطبيعي ثار الاقتصاديون على نظام الطوائف، فأعلن الثوار الفرنسيون مبادئ المساواة، العدالة، والحرية القائمة على حقوق أساسية للفرد سابقة على تدخل المشرع الذي لا يعمل سوى على كشفها. فصدر تشريع الثورة سنة 1791 ليعلن أن المخترع هو مالك الاختراع حسب المادة الأولى، وبهذا انتشرت فكرة الحق الطبيعي للمخترع لتنشر خارج فرنسا خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي لم يعد الأمر متعلقاً بمطلق إرادة الحاكم.
تحول نظام البراءة مع مجيء الحركة البلشفية سنة 1917 إلى صورة جديدة هي “شهادة المخترع” التي تعتبر فقط شهادة إثبات صفة المخترع، ونسبة الاختراع إليه دون حق استئثاري بالاستغلال، الذي تمارسه الدولة عن طريق المشروعات العامة مع تخصيص مكافأة مالية تحدد بنسبة الوفورات الاقتصادية التي تنتج عن استغلال الاختراع، وهو التشريع الذي أخذ به -فيما بعد- ما كان يسمي بالمعسكر الشرقي.
إن قوانين الملكية الصناعية، وتبعاً براءات الاختراع، تتميز بمبدأ القطرية، إذ تستند على شهادات تمنحها الدولة تضمن حماية فوق تراب الدولة المانحة، هذه الحماية القطرية كانت كافية لضمان حقوق المخترع في زمن لم تتجاوز الطموحات حدود الدولة الواحدة لكن مع توسع النشاط التجاري ليطال دولاً أخرى اضطر المخترعون إلى استصدار براءات بعدد الدول التي يتاجرون فيها حتى يحموا اختراعاتهم، وعندما اقترح رئيس المعرض الدولي بلندن في 20 ديسمبر 1851 توحيد قوانين الملكية الصناعية لم تر دعوته النور إلا بعد عشرين سنة في إطار المقاربة الدولية لحماية الملكية الصناعية.
تشريع الحماية القُطرية
تشريع الحماية القطرية في الدول الأوربية:
فيما يخص الدول الأوربية، فقد عرفت تشريعات حماية الاختراعات خلال فترات مختلفة، حيث إن منح حق الاحتكار لا يمكن تبريره إلا في ظل أنظمة اقتصادية ليبرالية مؤسسة على حرية المبادرة(30)، هكذا، ومنذ 1474 تبنت فينيسيا نظاماً للحماية يجمع ما بين الحماية والإعلان، وفي سنة 1624 وافقت غرفة المقاطعات ببريطانيا على قانون الاحتكارات الذي تم اعتباره لمدة طويلة كأول قانون لحماية الاختراعات(31)، وكان من الضروري انتظار توقيع لويس السادس عشر على القانون الثوري 7 يناير 1791 “المتعلق بالاكتشافات النافعة، والوسائل الكفيلة بتأمين الملكية لمن ثبت أنهم أصحاب الفكرة” لكي تتوفر فرنسا بدورها على قانون المخترع.
تشريعات الحماية في الدول العربية:
تنقسم الدول العربية من حيث تشريعاتها القطرية لحماية المخترعين إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى – وهي الدول التي وضعت تشريعات تحت الحماية أو السيطرة الأجنبية، مما جعل منها قوانين نموذجية لتلك الأوربية أو الأجنبية سواء على النمط الفرنسي كما هو شأن التشريع المغربي بتاريخ 23 يونيو 1916، واللبناني سنة 1946، أو السوري سنة 1946، أو على النمط البريطاني في الأردن سنة 1953؛ فالقانون المغربي والتونسي، مثلاً، هو نفس القانون الفرنسي القديم الصادر سنة 1844 رغم أن القانون المصري هو أقرب إلى القانون الفرنسي منه إلى الإنجليزي الصادر سنة 1907، وقد جمع المشرع في هذا القانون بين حماية كل من براءات الاختراع والرسوم والنماذج الصناعية.
أما المرحلة الثانية – فقد تميزت بوضع تشريعات وطنية بعد الحصول على الاستقلال السياسي والسعي إلى تجاوز نواقص القوانين القديمة التي لم توضع أصلاً لمراعاة الحاجات الوطنية من تشجيع الابتكارات الوطنية والمحلية، والتي لم تعد مناسبة بحال من الأحوال مع التطورات الحديثة في تشريع البراءات. ويعتبر القانون الجزائري نموذجا لهذه المرحلة، إذ صدر القانون سنة 1966(في 3 مارس) حيث استمد أحكامه من القانون النموذجي Loi type للاتحاد الدولي لحماية حقوق الملكية الفكرية سنة 1965 للدول النامية، وإن أخذ المشرع الجزائري – بحكم انتمائه إلى التكتل الاشتراكي – بشهادة المخترع كسند رئيسي لحماية حقوق المخترعين Certificat d’auteur في حين اقتصرت براءة الاختراع على الأجانب دون الجزائريين.
التشريعات الدولية الصادرة لحماية الملكية الفكرية
اهتمت الهيئات الدولية بتنظيم تشريعات الملكية الفكرية فأبرمت العديد من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية لحماية حقوق الملكية الفكرية بكافة أبعادها على المستوى الدولي، ويمكن استعراضها على النحو التالي:
أولاً: الاتفاقيات الدولية التي تحكم حماية الملكية الأدبية والفنية (حقوق المؤلف) وهي:
1- اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية تم توقيعها في مدينة برن السويسرية في 9 /9/1886، وعدلت صياغتها في باريس في 24/7/1971، ووفقاً لإحصائيات المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) لعام 2003، فإن هذه الاتفاقية تضم في عضويتها 149 دولة منها 17 دولة عربية(32).
2- الاتفاقية العالمية لحقوق المؤلف، تم توقيعها في جنيف في 6/9/ 1952، وعدلت صياغتها في باريس في 24/7/1971، ووفقاً لإحصائيات المنظمة العالمية للملكية الفكرية (wipo) لعام 2003 فإن عدد الدول المنظِّمة للاتفاقية بلغ 95 دولة منها 5 دول عربية(33).
3- اتفاقية التسجيل الدولي للمصنفات السمعية والبصرية التي وقعت في جنيف في 18/4/1989 ويبلغ عدد أعضائها 13 دولة، ولم ينضم إليها أي من الدول العربية، باستثناء مصر التي وقعتها ولم تنضم إليها، وقد صدرت لائحتها التنفيذية في 20/2/1992.
4- اتفاقية مدريد لتجنب الازدواج الضريبي على جِعال (جعائل)(34) حقوق المؤلفين الموقعة في 23/12/1979. وهي لم تدخل حيز التنفيذ بعد وقد انضم إليها دولتان عربيتان هما مصر والعراق.
5- اتفاقية واشنطن لحماية الدوائر المتكاملة، وقعت في واشنطن العاصمة الأمريكية في 26/5/1989، ولم تدخل حيز التنفيذ بعد، ولم تنضم إليها من الدول العربية إلا مصر إلى نوفمبر 1999.
6- اتفاقية روما لعام 1961 لحماية فناني الأداء، ومنتجي التسجيلات الصوتية (الفونوجرامات)، وهيئات الإذاعة، وقد انضم إليها -وفقاً لإحصائيات المنظمة العالمية للملكية الفكرية في نوفمبر 1999- (63) دولة، أما من الدول العربية فلم ينضم إليها إلا دولة واحدة هي لبنان.
7- اتفاقية جنيف بشأن حماية منتجي التسجيلات ضد النسخ غير المشروع، وتسجيلاتهم الصوتية (فنوجراماتهم)، تم توقيعها في جنيف في 29/10/1970 وعدد الدول المنضمة إليها 57 دولة، وأما من الدول العربية فلم ينضم إليها إلا مصر وفقاً لإحصاء نوفمبر 1999 للمنظمة العالمية للملكية الفكرية.
8- اتفاقية توزيع الإشارات حاملة البرامج عبر التوابع الصناعية، التي وقعت في بروكسل بلجيكا عام 1974، وعدد الدول المنضمة إليها إلى نوفمبر 1999 بلغ 20 دولة ليس من بينها إلا دولة عربية واحدة هي مصر.
9- قانون تونس النموذجي، الصادر عن منظمة اليونسكو، والمنظمة العالمية للملكية الفكرية (wipo) عام 1976، وقد وُضع نص هذا القانون بغية أن تستعين به الدول النامية عند وضع تشريعاتها في هذا المجال، وهو نص استرشادي لهذه الدول النامية، ولا يخرج هذا القانون عن اتفاقيتي برن وجنيف المعدلتين في صيغتهما لعام 1971(35).
ثانياً: الاتفاقيات الدولية في مجال الملكية الصناعية:
1- اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية والتجارية، وهي أول اتفاقية دولية(36) حيث أبرمت في 23/3/1883، وقد بلغ عدد الأعضاء فيها 170 دولة منها ستة عشر دولة عربية(37) وفقاً لإحصائيات المنظمة العالمية للمنظمة الفكرية لعام 2003.
2- اتفاقية ستراسبورغ (فرنسا) Strasbourg بشأن التصنيف الدولي لبراءات الاختراع(38): اتفاق ستراسبورغ PC لعام 1971 تم تعديله عام 1979، ويبلغ عدد أعضائه 52 دولة من بينها دولة(39) عربية واحدة هي مصر.
3- اتفاقية بودابست بشأن الاعتراف الدولي بإيداع الكائنات الدقيقة لأغراض تقديم البراءات (اتحاد بودابست). وضع الاتفاق في العاصمة الهنغارية بودابست عام 1977، وعدل عام 1980، وبلغ عدد الأعضاء فيه 46 دولة ليس من بينها أي دول عربية(40).
4- اتفاقية التعاون الدولي بشأن البراءات (اتحاد PCT) تم وضعه في العاصمة الأمريكية واشنطن1970، وعدل في عامي 1979 و1984، ويبلغ عدد أعضاء الاتفاقية 116 دولة بينها سبع دول عربية(41) وفقاً لإحصائيات المنظمة العالمية للملكية الفكرية لعام 2003(42).
5- اتفاقية لاهاي بشأن الإيداع الدولي للنماذج الصناعية (اتحاد لاهاي)، وضع في لاهاي عام 1925، وعدل في لندن عام 1934، ثم في لاهاي عام 1960، واستكمل بملحق موناكو عام 1962، وصيغة ستوكهولم التكميلية عام 1967، وبروتوكول جنيف عام 1975، وعدل في عام 1979، ويضم 29 دولة من بينها ثلاث دول عربية، وهي تونس ومصر والمغرب(43).
6- اتفاق لوكارنو المنشئ للتصنيف الدولي للنماذج الصناعية (اتحاد لوكارنو) وضع في لوكارنو عام 1968، وعدل عام 1979. يضم هذا الاتفاق 36 دولة ليس من بينها أية دولة عربية(44).
7- صياغة جنيف لاتفاق لاهاي بشأن التسجيل الدولي للرسوم والنماذج الصناعية وضع في جنيف عام 1999 ويبلغ عدد الموقعين عليه 24 دولة، ومن الدول العربية السودان والجزائر فقط.
8- الاتفاقية الدولية لحماية الأنواع (الأصناف)(45) الجديدة للنبات (اتفاقية UPOV)(46) وضعت عام 1961، وتمت مراجعتها في جنيف الأعوام 1972و 1978و 1991، ولم تدخل صيغتها المعدلة لعام 1991 حيز التنفيذ الدولي بعد، وتضم 44 دولة ليس من بينها أي دولة عربية(47).
ثالثاً: اتفاقيات دولية في مجال دلالات المنشأ والمصدر:
أ- اتفاق مدريد لتجريم البيانات الخاطئة أو المضللة عن منشأ البضائع(48).
ب- اتفاق لشبونة لحماية دلالات المصدر وتسجيلها دولياً: اتحاد لشبونة(49).
براءة الاختراع ثمرة الإبداع
تعريف الاختراع والشروط الواجب تحققها فيه.
تعريف الاختراع:
الاختراع: فكرة يتوصل إليها المخترع، وينتج عنها حل مشكلة معينة في مجال التقنية.
إن الاختراع يشترك مع الاكتشاف في إظهار وإبراز شيء جديد، إلا أنه يختلف في كونه يؤدي إلى الكشف عن شيء لم يكن موجوداً قبلاً في حين أن الاكتشاف يؤدي إلى الكشف عن شيء لم يكن معلوماً من قبل.
يكون الاختراع قابلاً للحصول على براءة إذا كان جديداً ومنطوياً على خطوة ابتكارية وقابلاً للتطبيق الصناعي، ولا يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية، أو النظام العام، أو الآداب العامة في دول مجلس التعاون سواء تعلق ذلك بمنتجات أو بعمليات صنع أو بطرق تصنيع.
يكون الاختراع جديداً إذا لم يسبق من حيث التقنية الصناعية السابقة، ويقصد بالتقنية الصناعية السابقة في هذا المجال كل ما تحقق الكشف عنه للجمهور في أي مكان بالوصف المكتوب، أو الشفوي، أو بطريقة الاستعمال أو بأية وسيلة أخرى من الوسائل التي يتحقق بها العلم بالاختراع، وذلك قبل تاريخ تقديم طلب البراءة، أو طلب الأولوية المدعى بها نظاماً. ولأغراض تطبيق الفقرة هذه لا يعتد بالكشف عن الاختراع للجمهور إذا حدث ذلك خلال سنة سواء قبل تاريخ إيداع الطلب، أو قبل تاريخ أولويته، وكان ذلك بسبب أعمال تصفية من فعل الغير ضد صاحب الطلب أو سلفه أو نتيجة لذلك. كما لا يعتد بالكشف عن الاختراع للجمهور إذا تم في معرض معترف به رسمياً خلال الأشهر الستة السابقة لتقديم الطلب، وتحدد اللائحة التنفيذية أحكام حماية الاختراع في هذه الحالة.
يعتبر الاختراع منطوياً على خطوة ابتكارية إذا لم يكن أمراً بديهيًّا في رأي رجل المهنة العادي نسبة إلى حالة التقنية الصناعية السابقة المرتبطة بطلب البراءة.
يعتبر الإجراء قابلاً للتطبيق الصناعي إذا كان في الإمكان إنتاجه أو استعماله في أي نوع من أنواع الصناعة أو الزراعة أو صيد الأسماك أو الخدمات على أن تفهم الصناعة بأوسع معانيها، بحيث تشمل الحرف اليدوية.
طرق تصنيف الاختراعات:
1- الاختراعات المستقلة، وتسمى أيضاً الاختراعات الحرة، وهي التي توضع خارج أوقات العمل، ولا علاقة لرب العمل بها، ولا صلة بينها وبين العمل، ولا يستفيد منها عادةً رب العمل لعدم وجود علاقة في أغلب الأحيان بينها وبين موضوع عمله، فيكون للمخترع كل الحق في الحصول على البراءة، وحقه الكامل في اختراعه المذكور، ولكن لرب العمل حق شفعة على هذا الاختراع.
2- اختراعات متصلة بالخدمة والعمل: تكون ملكية الاختراع لصاحب العمل متى كان الاختراع ناتجاً عن تنفيذ عقد، أو التزام، مضمونه إفراغ الجهد في الابتكار، أو إذا أثبت صاحب العمل أن العامل لم يتوصل إلى الاختراع إلا نتيجة استخدام الإمكانيات أو الوسائل أو البيانات التي أتاحتها له طبيعة العمل، ولا يخل ذلك بحق العامل في الحصول على مكافأة خاصة تقدرها السلطة المختصة في الدولة التي حصل فيها الاختراع في ضوء ظروف العقد أو الالتزام والأهمية الاقتصادية للاختراع، ويقع باطلاً أي اتفاق يحرم العامل من هذا الحق، وتطبق الأحكام السابقة بالنسبة للعاملين في الجهات الحكومية، ويعتبر الطلب المقدم من العامل المخترع للحصول على براءة خلال سنتين من تاريخ ترك الخدمة كأنه تم أثناء الخدمة.
صور الاختراع التي يمكن حمايتها بالبراءة:
وللابتكار عدة صور، فقد يكون ابتكاراً لمنتجات صناعية جديدة، أو طريقة صناعية جديدة، أو تطبيقاً جديداً لطرق أو وسائل صناعية معروفة، أو تركيباً جديداً.
الوصول إلى منتجات صناعية جديدة، وهو ابتكار منتجات صناعية جديدة لها ذاتية خاصة تميزها عن غيرها من الأشياء، ولو كانت من نوعها؛ مثل اختراع الفحم الصناعي المركب من مسحوق الخشب، والإعلانات المعدنية غير القابلة للصدأ، والآلات الموسيقية، والآلات الصناعية كالسيارات والدبابات والطائرات، والكهربائية كالثلاجات والمراوح وآلات التنشيف بالبخار، والآلات الغازية التي تستخدم في التدفئة والطهي، ولا يعد اختراعاً لإنتاج جديد في حالة استبدال عنصر بآخر في تكوين منتجات معينة، إذا اقتصر الإنتاج الجديد على مجرد الاستفادة من الخواص، ومزايا المادة التي كانت معروفة، أما إذا ترتب على استبدال مادة بأخرى إنتاج جديد في الجوهر والأساس فإنه يعد ابتكاراً، ويحدث هذا عادة في التركيبات الكيماوية التي تعتمد أساساً في نتائجها الجديدة على استبدال مادة بأخرى كانت معروفة من قبل وإنما تؤدي إلى إيجاد شيء جديد لم يك معروفاً له خصائصه وميزاته التي تميزه عن مثيلاته من المواد الكيميائية.
الوصول إلى طريقة أو وسيلة صناعية جديدة: لا يشترط في الاختراع أن يكون إنتاج مادة، بل فقط يمكن أن يكون طريقة أو وسيلة صناعية جديدة تقنية أم كيميائية، وتسمى ما دامت تؤدي إلى إنتاج مادة كانت موجودة. ولمنح براءة اختراع عن طريقة صناعية جديدة يجب أن تتوافر فيها الشروط اللازمة في الابتكار، فلا تكفي مجرد التحسينات أو الخبرات الفنية لمنحها، ومن الأمثلة على اختراع طريقة صناعية بهذه الشروط ابتكار طريقة طبع ترجمة الأفلام السينمائية على ذات الفلم بدلاً من عرضها على شاشة مجاورة ومنفصلة عن الفيلم، واختراع وسيلة لملء الساعة بمجرد حركة اليد واختراع طريقة لتسهيل تشغيل الآلات التي تستخدم الوقود(50).
الوصول إلى تطبيق جديد لوسائل صناعية معروفة: وفي هذه الحالة لا ترد البراءة على اختراع إنتاج أو طريقة صناعية جديدة، وإنما مجرد تطبيق جديد لوسيلة كانت معروفة لإنتاج مادة معروفة(51) بغير هذه الوسيلة، فالبراءة ترد على هذا التطبيق الجديد، لا على الطريقة أو الإنتاج، ومن الأمثلة عليها: استغلال محرك السيارة في صناعة الطائرة، فاستغلال محرك السيارة طريقة معروفة، والنقل نتيجة معروفة، أما التطبيق الجديد لهذه الوسيلة المعروفة للوصول إلى نتيجة جديدة هي النقل الجوي. من الأمثلة الأخرى استغلال الكهرباء في تسيير عربات السكة الحديدية بدلاً من الفحم واستخدام قوة الدفع الذري في تسيير السفن بدلاً من البخار.
ويشترط لمنح براءة التطبيق الجديدة ألا يكون صاحب براءة الطريقة قد ثبت في طلب البراءة أنها تصلح لهذا التطبيق، فلو كان مخترع طريقة تسيير القطار قد ثبت في براءة الاختراع أن القطار يمكن أن يسير بواسطة الكهرباء لما حصل منحها التطبيق الجديد على براءة الاختراع لأنه أصبح هذا التطبيق معروفاً، فينعدم عنصر الجدة أو الأصالة.
الوصول إلى تركيب صناعي جديد: ويتعدد موضوعه في التركيب الصناعي الذي يتكون، في أغلب الأحوال، من عناصر معروفة بحيث يبدو له وحدة ذاتية تتميز عن كل عنصر دخل فيه، ومن عمل هذه العناصر مجتمعة يتكون هذا المجموع أو -و- يتميز بإبرازه مجهود المخترع ومقدرته على هذا الجمع(52)، وتسمى البراءة الممنوحة له ببراءة التركيب.
ولا يعد مجرد تركيب عدة عناصر أو مواد كيميائية أو طرق صناعية معروفة إذا احتفظت هذه الأجزاء بخصائصها الذاتية بحيث لا ينشأ شيئاً جديداً له ذاتيته الخاصة ومستقلاً عن هذه الأجزاء.
الاختراعات غير القابلة للبراءة والممنوعة من البراءة
الاختراعات غير القابلة للبراءة:
1- الاختراعات المتعلقة بالمنتجات الزراعية.
2- الاكتشافات والنظريات العلمية (النظرية).
3- طرق التشخيص والعلاج والجراحة لمعالجة البشر والحيوانات.
4- الأصناف الحيوانية الموجودة في الطبيعة (غير الأحياء الدقيقة).
5- الأصناف التي تشكل حمايتها ضرراً بيئيًّا، أو للصحة العامة.
6- الأصناف التي يتضرر منها الأمن.
7- الطرق البيولوجية لإنتاج النباتات والحيوانات (غير البيولوجية والبيولوجية الدقيقة لا مانع).
الاختراعات الممنوعة من البراءة:
يكون الاختراع ممنوعاً إذا كان:
1- يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية.
2- يتعارض مع النظام العام.
3- يتعارض مع الآداب العامة.
أهم مزايا نظام براءات الاختراع:
أ- يوفر الحماية القانونية للحقوق المعنوية والمادية للمخترعين والمبدعين.
ب- يجعل المناخ مناسباً للاستثمارات المحلية والأجنبية، مما يسهم في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية.
ج- يحفز النشاط الابتكاري والإبداعي.
د- يوجد المناخ المناسب لنقل التقنية بالضمانات المقترحة لأصحاب البراءات من الأجانب.
هـ- نشر الوعي العلمي والتقني من خلال نشر المعلومات عن الاختراعات والبراءات وإتاحة الفرصة لكل من يهمه الأمر للاطلاع عليها.
و- تؤدي عملية نشر البراءات والاطلاع على الوثائق المتعلقة بها إلى تلافي ازدواج الجهود والنفقات عند البحث عن حلول للمشكلات التقنية، ويحفز ذلك أيضاً إلى توفر ابتكارات إضافية تسهم في تقدم العلم والتقنية.
أهمية براءة الاختراع
على الصعيد الاقتصادي
تبرز أهمية الاختراع من خلال الإجماع على أن الهدف من البراءة هو حماية وتقييم الاختراعات، وتعني حماية الاختراعات استئثار صاحبها بالحقوق المعنوية والمادية، أما تقييم اختراعٍ مَّا فمفاده الحصول على الربح المادي مع تحقيق ثلاثة مقاصد:
1- تعويض صاحب الاختراع.
2- تعويض مصاريف البحث والتطوير.
3- الاستثمار في أبحاث واختراعات جديدة.
ولبيان أهمية هذا الموضوع بالنسبة للدول العربية نستعرض بعض مؤشرات السوق العالمية للدواء:
1- زاد حجم سوق الدواء العالمي من 43.5 بليون دولار عام 1976 إلى 373.1 مليار دولار عام 2000م، والمتوقع زيادة مبيعات الدواء على مستوى العالم بمقدار 8.1% سنوياً لتبلغ 506 مليارات دولار عام 2004م.
2- حصة الدول العربية من الاستهلاك العالمي للدواء في عام 2000م حوالي 6.3 مليارات دولار بنسبة 1.5 من الاستهلاك العالمي، وحصة استهلاك الفرد في هذه الدول تبلغ 21.5 دولاراً سنويًّا، في حين أن حصة الفرد في أمريكا الشمالية تبلغ 518 دولاراً سنويًّا، وفي أوروبا الغربية 243 دولاراً سنويًّا.
3- أكبر سوق دوائية في العالم العربي هي السعودية، ففي عام 2000م بلغ الاستهلاك حوالي 1304 ملايين دولار، وتغطي الصناعة الوطنية لها حوالي 24% (313 مليون دولار) أي إن حجم الاستيراد يغطي أكثر من ثلاثة أرباع الاستهلاك الوطني، وثاني أكبر الأسواق هي مصر، ففي العام نفسه بلغ الاستهلاك حوالي 1040 مليون دولار، وتغطي الصناعة الوطنية حوالي (90%، 1026 مليون دولار).
4- أما مجموع استهلاك الدول العربية مجتمعة فحوالي 6284 مليون دولار في حين أن حجم الصناعة الدوائية العربية 3117 مليون دولار، وتغطي حوالي 49.6 من مجموع الاستهلاك.
فإذا أحكم تشريع قانون البراءات تبعاً لما تقتضيه مصلحة الاقتصاد الوطني، كان ذلك القانون من أقوى دعائم التطور الصناعي والاقتصادي، وأهم وسيلة لربط الإنتاج والبحث العلمي القومي بحركة التطور العالمي(53)، فالإنتاج والاختراع تجمعهما علاقة دائمة، ولهما تأثير متبادل ومشترك(54)، مما أدى ذلك إلى ازدياد الدخل القومي للدول المتقدمة صناعياً(55).
إن مثل هذه القوانين تكتسب أهمية خاصة بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فلقد ثبت بصورة واضحة أن المتضرر الرئيسي من إغراق بعض الأسواق الخليجية بالبضائع المقلدة هو الصناعات الخليجية الوليدة خاصة، وأن تلك البضائع تشمل بصورة أساسية سلعاً استهلاكية، وترفيهية أصبح بإمكان المستثمر الخليجي القيام بتصنيعها.
وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي فإنها تسعى – أيضاً في الوقت الحاضر – إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية لإقامة مشاريع مشتركة في مختلف الميادين الاقتصادية الحيوية. إن تلك الاستثمارات التي تنطوي بصورة أساسية على نقل تكنولوجيا متطورة معها سوف تجد في قوانين حماية الملكية أحد أهم الحوافز التي يمكن أن تتوفر لها. إن إدخال هذه القوانين بقوة إلى دول المجلس من شأنه حماية الصناعات الوطنية من الإغراق، علاوة على تشجيع الابتكارات الوطنية، إضافة إلى تشجيع الاستثمارات الأجنبية.
إن قوانين الملكية الفكرية الفعالة قد ينتج عنها استثمارات أجنبية ضخمة بشكل مباشر، أو غير مباشر، ففي السنوات السابقة قامت الدول العربية ومعها بعض الدول النامية بالتركيز على الإطار العام للعملية من دون التعرض إلى لب الموضوع المتعلق بالاستثمارات الخارجية(56).
فمثلا تنتج شركة «جلفار» حاليًّا 400 مستحضر صيدلاني، وهذه المستحضرات مسجلة في دولة الإمارات، ومعظم الدول العربية، وتواجه العديد من هذه المستحضرات صعوبات في التسويق العالمي بالنظر إلى اعتراضات الولايات المتحدة التي تتهم شركة «جلفار» بالاعتداء على براءات اختراع لأدوية أمريكية، وإنتاج أدوية محلية مماثلة بدون الحصول على ترخيص(57).
ويتضح مدى الحاجة الماسة في هذه الصناعة إلى خبراء عرب متخصصين في هذا المجال، ويعود السبب في ذلك إلى أننا لو نظرنا إلى قانون براءات الاختراع لوجدناه قد صُمم ليسيطر على 80% من برامج الصناعة الدوائية، والقاعدة الرئيسة له هي صناعة المركبات الكيماوية الجديدة (N.C.E. New Chemical Entity)، وهذا يرجع إلى التراكم العلمي الذي أدى إلى محورية هذا القطاع الصناعي، وتربعه على عرش البراءات العلمية، وذلك على حساب قطاع الصناعة الهندسية التي كانت الأكثر استفادة من قوانين براءات الاختراع، ويمكننا ملاحظة ذلك من خلال سجلات براءات الاختراع المسجلة في هذين القطاعين في الماضي والحاضر(58)، وبالنظر إلى ما سبق، وبملاحظة أهمية التوجه العربي لقطاع الصناعة الدوائية التي تشهد نموًّا ملحوظاً في العديد من الدول العربية(59)، فإن مثل هذا الموضوع يُشكل – حاليًّا ومستقبلاً – هاجساً خطيراً يجب أن يضطلع به أبناء هذا الوطن دون غيرهم، وأن يكسروا الاحتكار الأجنبي للخبرة العلمية في هذا المجال، وعلى هذا الصعيد. أما من الناحية الاقتصادية فيكفينا أن نعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي تسيطر على 80% من صناعة الدواء العالمية، وأن دول العالم الأخرى تحظى بنسبة 20% من هذه الصناعة، ويعود السبب في ذلك إلى ما تمنحهم إياه براءات الاختراع من حق استئثاري يخولهم دون غيرهم التحكم في هذه الصناعة، ومعلوم أن من سيطر على غذاء العالم ودوائه فقد سيطر عليه دون منازع(60). إننا لن نجد الطريق إلى حياة أفضل ما دمنا في الهامش(61)، وإن طريق المعرفة هو الطريق الوحيد الذي يمكننا من أن نجد لنا مكاناً في هذا العالم. إن نسبة 20% الذي بقي لدول العالم الأخرى تنافسنا فيها بلدان صناعية شديدة الأهمية مثل اليابان وأسترالية والصين، لذا فإن حصة الوطن العربي في هذه الصناعة لا تتجاوز 2% من أصل 20% تركها الغرب لنا(62).
براءات الاختراع وأصول الشركة
ولأهمية هذه الأصول محاسبيًّا لدى الشركات العملاقة نرى أن مجموعة من الشركات تجتهد سنويًّا لإظهار قيمة ما تملكه من أصول مرتبطة بعناصر الملكية الفكرية؛ كبراءات الاختراع، والعلامات التجارية، وتوجد شركات مختصة تصدر تقديرات سنوية لقيمة مثل هذه العلامات كمؤسسة جي بي موغان(63).
تتكون أصول الشركات من عناصر مادية، وأخرى غير مادية. وتدخل في هذه الأخيرة مجموعة المعارف، والمنتوجات العلمية(64)، والتقنية التي تعد الأساس لمنتوجاتها الحالية التي تدعم قدرتها التنافسية في كسب نسب مهمة من السوق، وتتميز هذه المعارف بكونها ثمينة وهشة.
ثمينة، لأن اكتساب هذه المعارف يتطلب استثمارات مهمة بشرية ومادية غالباً غير مضمونة النتائج والمردود، كما أن حمايتها عن طريق حقوق الملكية الصناعية يزيد من حجم التكاليف.
هشة، لأنها سرعان ما يتم تجاوزها، خاصة في مجال التقنية المتطورة التي تتطلب تجديداً مستمراً، بالإضافة إلى أنها تشكل أسراراً صناعية تستهدف من طرف المنافسين حيث من السهل السطو على المعلومة(65) بدلا من خلقها وإنتاجها.
لهذا؛ فإن سندات الملكية الصناعية والتجارية، وعقود التراخيص تسجل في بيانات الشركة وفقاً لقيم معينة، وينتج عنها آثار قانونية، وفي مجال الضرائب والمحاسبة.
ازدهار الاقتصاد
ربما يمثل النموذج الأمريكي مثالاً عن أهمية براءات الاختراع على الصعيد الاقتصادي حيث إن دورة الازدهار التي شهدتها الولايات المتحدة خلال سنوات التسعينات وبداية القرن (2003-1993) قد سبقها نقاش عن القدرة التنافسية للاقتصاد في الثمانيات(66) حيث لوحظ أنه رغم سيطرة الولايات المتحدة على قطاع الأبحاث عالميًّا لم تستفد الشركات من هذه النتائج عن طريق تجديد وتحسين جودة منتوجاتها على عكس الشركات اليابانية التي أبانت قدرة كبيرة على التطوير انطلاقا من الأبحاث نفسها، وفي هذا السياق تم طرح مسألة حماية حقوق الملكية الفكرية، وخاصة حماية براءات الاختراع، وذلك بتعزيز التشريعات الخاصة، وإحداث محكمة استئناف للحقوق الملكية الفكرية سنة1982 (FDCA) بعد إصدار قانون جديد سمي بقانون (BOYH DOLEACT)، فكان من نتيجة التصويت على هذا القانون هو الارتفاع الذي عرفه عدد البراءات الممنوحة للجماعات، فبينما كان هذا العدد خلال العشرين (1979-1969) لا يتجاوز 188؛ وصل سنة 1989 إلى 264 براءة اختراع قبل أن يرتفع إلى 1228 سنة 1994 و2436 سنة 1997، وبالموازاة مع هذا الارتفاع شهدت البراءات نموًّا بلغ 400 مليون دولار سنة 1994 بعد أن كان لا يتجاوز 20 مليون دولار سنة 1980(67).
براءة الاختراع ودورها في دعم التطور العلمي
لقد زادت أعداد طلبات البراءات في دول العالم بدرجة كبيرة نتيجة للتطور العلمي والتكنولوجي الهائل الذي شهده العالم خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين وحتى الآن، وقد ساهمت معاهدة التعاون من أجل البراءات بنسبة كبيرة في تحقيق تلك الطفرة نظراً لأنها وفرت العديد من الوقت والجهد والمال على الأشخاص سواء كانوا عاديين أم اعتباريين لحماية براءات اختراعاتهم، وتعد الأرقام التالية دليلاً على مدى التطور الذي شهدته المعاهدة منذ إبرامها وحتى الآن، حيث تضاعف عدد الدول الأطراف بالمعاهدة من 18 دولة عام 1978 إلى 115 دولة حتى الآن، وزيادة عدد الطلبات الدولية التي تلقاها المكتب الدولي لـ (الوايبو) من 2500 طلب دولي عام 1979 إلى 100000 طلب دولي عام 2001(68).
ارتفاع كلفة البحث والتطوير لـ(الأدوية والمستحضرات الطبية):
عندما قدمت الولايات المتحدة المزيد من الحماية عن طريق إصدار مرسوم (the patent restoration act) سنة 1984، أدى إلى زيادة الإنفاق على البحث والتطوير من 4 بليون دولار سنة إلى 7 بليون دولار 1989 أي بزيادة قدرها 75 %. كما أن النسبة الكبرى من الأرباح والعائدات توجه للإنفاق على التطوير حسب ما تصرح به المختبرات العالمية، حيث يتطلب إنزال الدواء الجديد للسوق ما بين 500 و800 مليون دولار(69).
وطبقا للإحصائيات المنشورة يبلغ متوسط الإنفاق على أنشطة البحث والتطوير الدوائي على المستوى العام 17.3 % من جملة المبيعات أي أن هناك علاقة طردية ما بين الإنفاق على البحث والتطوير، وحجم المبيعات(70)، وتتركز هذه الأبحاث على تطوير الأشكال الصيدلانية: الأقراص، الكبسولات، القطرات….) واستحداث أنظمة جديدة لتوصيل الدواء إلى المكان المقصود داخل الجسم (New delivery system) (71).
ارتفاع كلفة المعرفة الفنية (التقنية) Technical know how
عقد نقل التكنولوجيا هو اتفاق يتعهد بمقتضاه (مورد التكنولوجيا) بأن ينقل بمقابل معلومات فنية إلى (مستورد التكنولوجيا) لاستخدامها في طريقة فنية خاصة لإنتاج سلعة معينة أو تطويرها أو لتركيب أو تشغيل آلات أو أجهزة أو لتقديم خدمات، ولا يعتبر نقلا لتكنولوجيا مجرد بيع أو شراء أو تأجير أو استئجار السلع، ولا بيع العلامات التجارية أو الأسماء التجارية أو الترخيص باستعمالها إلا إذا ورد ذلك كجزء من عقد نقل تكنولوجيا أو كان مرتبطا به. (م 73 من قانون التجارة المصري لعام 1999).
وتتنوع عقود نقل التكنولوجيا، وتتباين أنواعها موضوعا والتزامات، فبعضها عقد تسليم مفتاح كعقد إنشاء مصنع، وتركيب معداته والتدريب، وبعضها تراخيص بالاستغلال، وبعضها مجرد مساعدة فنية، وأخرى عقود بحث وتبادل معلومات.
وفي مجال الصناعة الدوائية على سبيل المثال يأخذ هذا المفهوم بعداً أوسع، وأثرًا أعمق على هذه الصناعة؛ إذ إن عملية التوصل إلى هذه المعرفة تتطلب جهداً ووقتاً أطول، وارتفاعاً في التكلفة، نظراً للمخاطر التي يواجهها المستثمر؛ كإمكانية فشل تجارب السمية على الدواء، وتكاليف التجارب على الإنسان. خاصة وأن من بين عشرة آلاف مركب كيميائي هناك تجربة كيميائية واحدة تقود إلى إنتاج دواء تجاري.
ارتفاع القيمة المضافة للتكنولوجيا والإبداع العلمي:
القيمة المضافة value added هي تحويل المادة من شكل أو صورة أو تركيب غير مفيد للمستهلك إلى صورة أخرى تحقق احتياجات هذا المستهلك، وهذه العملية من شأنها أن ترفع قيمة المادة في السوق، فإذا أخذنا الزجاج نجد أنه يصنع بنسبة: 85% من الرمل، و15% من مواد أخرى مثل رماد الصودا وغيره، وقيمة الرمل الذي يصنع منه الزجاج تكاد لا تذكر، في حين أن الزجاج المصنوع من خلال تكنولوجيا الزجاج يقدر بعشرات أو مئات الدولارات للقطعة أو للطن حسب طبيعة الحال، وإذا أخذنا الدائرات المتكاملة في الصناعات الإلكترونية المصنوعة من رقائق السيليكون وخطوط النحاس، نجد أن المادة الخام من رمل ونحاس تكاد قيمتها لا تتجاوز 10 سنتات، في حين أنها كقطعة جاهزة مصنعة ارتفعت قيمتها بعشرات أو بمئات الدولارات، وهذا ما نلاحظه في الدول الصناعية المتقدمة؛ حيث تقدر العائدات الاقتصادية الممثلة بالقيمة المضافة التي تضيفها التكنولوجيا إلى مدخلات الإنتاج تقدر بـ 80% من الناتج الاقتصادي لتلك الدول.
ولنأخذ مثالاً سنغافورة التي تبلغ مساحتها عدة مئات من الكيلومترات المربعة فقط، في حين أن صادراتها من الماكينات والمعدات فقط 82.5 بليون دولار في عام 2000، أي ما يزيد عن الناتج الإجمالي في مصر بكاملها، كما أن صادراتها من الكيماويات 7 بلايين دولار لعام 2000، أي ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي في الأردن لعام 1999، كما أن صادراتها من المواد المصنعة الأخرى 7 بلايين دولار، ومن الوقودات المعدنية 11 بليون دولار للسنة نفسها، أو ما يعادل دخل دولة نفطية عربية، وهي تحتل المرتبة الثانية بعد هونج كونج في الحرية الاقتصادية، وتحتل المرتبة الثانية في العالم بعد الولايات المتحدة في التنافسية.
اترك تعليقاً