تقييد حرية التعبير عن الرأي
نزار أيوب
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
تندرج حرية التعبير عن الرأي ضمن الحريات الأساسية للإنسان، وهي مكفولة بموجب الاتفاقيات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تنص على أن لكل إنسان الحق في حرية التعبير الذي يشمل حرية اعتناق الآراء، وتلقي وتقديم المعلومات والأفكار، دون تدخل من السلطة العامة.
وعلى الرغم من هذا، فإن حرية التعبير ليست مطلقة، إذ يجوز تقييدها لدرء المخاطر السلبية لاستخداماتها كالترويج للأفكار والآراء التي تدعو للتحريض والكراهية، ونشر الأفكار العنصرية أو إذاعة ونقل أنباء، تشكّل خطرًا على أمن الدولة والأفراد. ومن هذا المنطلق نجد أن هنالك قيودًا على ممارسة الأفراد لحق التعبير عن الآراء، عندما يتعلق الأمر بالمساس بحقوق أو سمعة الآخرين أو بالأمن العام أو بالنظام العام أو بالصحة العامة أو بالأخلاق (المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وكذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية).
ووتتضمن بعض الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان أحكامًا، تجيز للسلطات إخضاع حرية التعبير، لشكليات إجرائية وشروط قيود وعقوبات محددة في القانون، حسب ما تقتضي الضرورة في مجتمع ديمقراطي، لصالح الأمن القومي وسلامة الأراضي وأمن الجماهير وحفظ النظام ومنع الجريمة وحماية الصحة والآداب واحترام حقوق الآخرين ومنع إفشاء الأسرار، أو تدعيم السلطة وحياد القضاء (الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، المادة العاشرة).
لكن في كثير من الأحيان، تتعمد السلطات إساءة تفسير واستخدام القيود التي يفرضها القانون على ممارسة الأفراد لحرية التعبير، وهذا لا يقتصر على الدول الفقيرة والنامية، بل إنه يحدث أيضًا في الدول المتطورة التي تتبنى مذهب الديمقراطية الليبرالية.
ولتفادي حدوث ذلك، أوجب العهد الدولي أن تحدد القيود المفروضة على حرية التعبير، بموجب نصوص قانونية على أن يتم تفعيلها في حالات الضرورة، لمدة محددة، وأن يتم رفعها وإبطالها في حال انتفاء الأسباب التي أوجبت فرض هذه القيود؛ الأمر الذي يحد من تعسف السلطة في عملية وضع القيود على حرية التعبير، ويجعلها ضمن إطار ديمقراطي.
يعدّ التجمع السلمي أحد أبرز الأدوات التي تتيح الممارسة الفعلية لحرية التعبير عن الرأي، حيث تنص معظم الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان على أن لكل شخص الحق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان). ويكون الحق في التجمع السلمي معترفًا به، ولا يجوز أن يوضع من القيود على هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقًا للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم (العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية).
تأسيسًا على ذلك؛ فإن ممارسة الأفراد والجماعات لحقهم في التجمع السلمي تفسح أمامهم المجال للتعبير عن آرائهم، من خلال التداول في مختلف المواضيع السياسية والاجتماعية وغيرها، والتي تكون محط اهتمامهم. ومن هنا؛ فإن الحق في التجمع السلمي الذي يمارسه الناس في الأماكن العامة أو الخاصة، بما في ذلك على شكل تظاهرات سلمية، هو ملازم لحق التعبير عن الرأي؛ لذلك فإن الحق في التجمع السلمي يندرج ضمن الشروط الضرورية للممارسة الديمقراطية، وفي حالة تغييب السلطة السياسية لهذا الحق يتعذر سير وإنجاز الحملات والعمليات الانتخابية للدول بصورة نزيهة.
غالبًا ما يتم تنظيم التجمعات السلمية لخدمة أجندات سياسية أو للاحتجاج على سياسات معينة، ويعود لكل شخص الحق في الدعوة للتجمع السلمي أو رفض المشاركة فيه. وعندما تدعو السلطات، أو جهات أخرى كالنقابات أو الأحزاب السياسية، إلى تجمعات من أجل أجندات سياسية أو غيرها؛ فإنه لا يجوز إرغام الأفراد على المشاركة فيها أو ممارسة الضغط عليهم أو تهديدهم بالفصل من الوظيفة أو الحرمان من بعض الامتيازات التي يتلقاها المواطنون أو التمييز بين من لبّى دعوة السلطة في المشاركة، ومن رفض هذه الدعوة، لأنه من شأن ذلك أن يضع عوائق جدية، قد تساهم في الحيلولة دون ممارسة أفراد المجتمع لحقهم المشروع في التعبير عن آرائهم.
لوسائل الإعلام دور مهم في تكوين الآراء، وتمكين الأفراد والجماعات في التعبير عن الرأي من عدمه، وهذا مرتبط أساسًا بمدى نزاهة وحياد وسائل الإعلام وقدرتها على لعب أدوار إيجابية أو سلبية في أي قضايا أو أحداث، من حيث التعاطي الموضوعي معها أو تشويهها تماهيًا مع مصالح وسياسات الجهة التي تمتلكها، سواءً كانت دولة أو شركات أو أفراد. وينطوي التدخل في وسائل الإعلام وتوجيهها على تهديد حق التعبير عن الرأي، حيث يلجأ أصحاب الإمبراطوريات الإعلامية إلى اتباع أسلوب التحكم بالحياة الثقافية والأفكار السياسية للمواطنين، باستخدام وسائل الإعلام؛ ما يجعل منها مجرد آلة توظف في خدمة السياسة العامة التي تتبعها السلطة في سبيل ضمان استمراريتها الهادفة إلى استمرارية حكمها وحماية مصالحها، وهذا بدوره يؤدي إلى تهميش المعارضة السياسية، ويفسح المجال أمام السلطة لانتهاك الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، وفي مقدمتها حرية التعبير.
ومن هنا، فإن حياد ونزاهة وسائل الإعلام مرتبط بعدم احتكارها أو توجيهها من قبل السلطة أو الشركات. وإن صدقية وسائل الإعلام مرتبطة بالضرورة بتوفير المنابر للحوار الحر في سياق مجتمع ديمقراطي يقوم على الديمقراطية وحرية التعبير. ولذلك، ينبغي تمكين الإعلام من أداء دوره بكل حرية وحياد، بصفته منبرًا حرًا ومفتوحًا، يوفر للجمهور والأحزاب والمؤسسات فرصة التعبير عن الأفكار وتبادل الآراء من خلاله، وعرض وجهات نظرها السياسية المتباينة، في سبيل التنافس على إقناع المواطن بوجهة النظر التي تعبّر عن مصالحه.
اترك تعليقاً