صعوبة تحديد مفهوم المجرم
• إن تحديد مفهوم المجرم يكتفه بعض الصعوبات وذلك على النحو
الــــــــــــــــــــــــتالي.
• فمن ناحية، يعرف الفقه التقليدي المجرم بأنه ذلك الشخص الذي يرتكب جريمة مما
نص عليه في قانون العقوبات. وهذا يعني أن الشخص يجب أن يثبت ارتكابه
للجريمة من خلال محاكمته قانونًا. ويتميز هذا التعريف بأنه يسهل من خلاله التعرف
على المجرم.
• ومع ذلك فقد وجه لهذا التعريف عدة انتقادات. من ناحية، يعرف التشريع الحديث
عددًا هائ ً لا من النصوص الجنائية التي لا يعرف بوجودها الكثيرون. ومن هذه
النصوص ما يهدف إلى تنظيم إداري لبعض أوجه الحياة في المجتمع، ومخالفة هذه
القواعد لا تسعف في إضفاء صفة المجرم على من يخالفها. ومن ذلك مخالفات
المرور والبناء وغير ذلك. وفي مقابل ذلك يفلت البعض من الوقوع تحت قبضة
القانون رغم مخالفتهم له وذلك لما يتمتعون به من مهارة شخصية، فليس من الملائم
استبعاد هؤلاء من دائرة الدراسات الإجرامية نظرًا لما يتمتعون به من عقلية إجرامية
واضحة.
• وقد أدت هذه الانتقادات إلى نشأة اتجاه حديث يبحث عن تعريف جديد للمجرم يتلاءم
مع طبيعة الدراسات الإجرامية. ويرى هذا الاتجاه أن هناك أنواع من السلوك تعتبر
ذات طبيعة إجرامية في حقيقتها بصرف النظر عما إذا كان المشرع قد خلع عليها
هذا الوصف الإجرامي أو لا.
• وأهم ما يميز المجرم وفقًا لهذا المفهوم الحديث أنه يتمتع بعقلية لا اجتماعية أي عقلية
غير قادرة على التكيف اجتماعيًا. ويترتب على ذلك أن الإجرام من الناحية
القانونية لا يمثل إلا دلي ً لا يستدل من خلاله على وجود العقلية اللا اجتماعية. ومع
ذلك فإن هذا المدلول الحديث للمجرم يصطدم مع مبدأ الشرعية والاحترام الواجب
للحريات الفردية، لأنه من الصعب تدخل المشرع في الحالات التي تنذر بالإجرام
نتيجة تمتع الشخص بعقلية لا اجتماعية تقربه من احتمال ارتكاب جريمة ما.
• والخلاصة أن الأخذ بالمفهوم التقليدي للمجرم يؤدي إلى التضييق من نطاق الأبحاث
الإجرامية ويغلق الباب أمام فرص الوقاية من الجريمة قبل وقوعها نظرًا لاستبعاد
الشخص المتمتع بعقلية لا اجتماعية من مفهوم المجرم.
• كما أن الأخذ بالمفهوم الحديث يؤدي إلى التضحية بالحريات الفردية ويوسع بصورة
كبيرة من نطاق أبحاث علم الإجرام. وللخروج من هذه الأزمة ينادي جانب من الفقه
بضرورة اللجوء إلى حل توفيقي يجمع بين المفهومين معًا، على أن تكون الأولوية
لدراسة المجرمين وفقًا للمفهوم التقليدي أو القانوني، مع إمكانية شمول الدراسة
لأشخاص لم يعتبروا بعد مجرمين من الناحية القانونية، خاصة فيما يتعلق بالجرائم
التي ترتكب في الخفاء أو التي لم يبلغ عنها، مع ملاحظة عدم التوسع في هذه
الدراسات احترامًا للحرية الفردية للمواطنين.
• ولم تقتصر الصعوبات المتعلقة بتحديد مفهوم المجرم على مدى ملائمة الأخذ
بالمفهوم القانوني أو المفهوم الاجتماعي للمجرم، وإنما تثور المشكلة أيضًا فيما يتعلق
بنوعية المجرمين الذين يجب أن تشملهم الدراسات الإجرامية.
• وتثور هذه المشكلة بسبب ما جرى عليه الفقه من تقسيم للمجرمين إلى أنواع ثلاثة:
المجرم العادي، المجرم المجنون والمجرم الشاذ. فالمجرم العادي هو الذي يتمتع
بالإدراك والتمييز وحرية الاختيار – أي أنه يتمتع بالأهلية الجنائية ويكون مسئو ً لا
عن أفعاله مسئولية كاملة. والمجرم المجنون هو شخص مصاب بأحد الأمراض
العقلية على نحو يعدم لديه الإدراك والتمييز وبالتالي يعدم أهليته الجنائية، ويعتبر
الشخص تبعًا لذلك غير مسئول جنائيًا عن أفعاله التي يرتكبها تحت تأثير هذا
الجنون. أما المجرم الشاذ فهو شخص مصاب بخلل نفسي أو عقلي لا يعدم لديه
الإدراك والتمييز بصورة كاملة، ولذلك يتمتع هذا الشخص بأهلية جنائية ناقصة تؤدي
إلى تعرضه لنوع من المسئولية الجنائية يتفق مع حالته من حيث درجة التمييز
والإدراك وحرية الاختيار.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً