نظرة في نظام الحبس الاحتياطي
يقصد بحقوق الإنسان ببساطة أن الإنسان لمجرد كونه إنساناً أي بشراً بصرف النظر عن جنسيته أو جنسه أو ديانته أو أصله العرقي أو القومي أو وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي، يملك حقوقاً طبيعية خاصة به حتى قبل أن يكون عضواً في مجتمع معين، ونبرز هذه الحقوق في صورة قيم مشتركة في مجتمع معين أو أكثر أو في المجتمع الدولي بأسره وهي كثيرة ومتعددة حثت عليها الكتب المقدسة منها القرآن الكريم وهو أعظمها وأكملها، وكتب المفكرين الرجال عبر عصور التاريخ ومنها الكتاب الأخضر للمفكر (معمر القذافي) وهو أشملها ونادت بها أصوات العظماء وفي مقدمتهم سيدنا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الخليفة الثاني لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي قال :”متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً” ونصت عليها الوثائق والإعلانات والمعاهدات الدولية ومنها الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان في عصر الجماهير والإعلان العالمي لحقوق الإنسان.. وفيما يلي نلقى نظرة تاريخية موجزة من حيث النشأة والمصدر لكل من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان في عصر الجماهير باعتبارهما المطبقين حالياً في العالم، الأول على مستوى العالم والثانية على مستوى الجماهيرية العظمى، فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان صدر بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 10 (ديسمبر) سنة 1948 ف، وهذا الإعلان مرجعيته تعود إلى آراء المفكرين والفلاسفة والمصلحين والأدباء ولاسيما في القرن الثامن عشر إضافة إلى الوثائق الانجليزية والأمريكية ثم الدستور الأمريكي الصادر سنة 1787ف، وإعلان حقوق الإنسان الصادر عن الثورة الفرنسية سنة 1789ف.
أما الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان في عصر الجماهير فقد صدرت عن مؤتمر الشعب العام في 12 من شهر الصيف سنة 1988 ف بعد مناقشة مستفيضة لمشروع الوثيقة من قبل المؤتمرات الشعبية الأساسية في الجماهيرية العظمى والمؤتمرات الشعبية القومية والأممية في داخل الجماهيرية وخارجها، وللمبادئ الواردة في الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان المستمدة من الكتاب الأخضر فكر (معمر القذافي) دليل البشرية نحو الخلاص النهائي من أدوات الحكم التقليدية وإقامة مجتمع كل الناس الذي شريعته مستمدة من الدين والعرف.
ولقد التزم الشعب الليبي بتطبيق هذه الوثيقة حيث أصدر مؤتمر الشعب العام القانون رقم 20 سنة 1991ف والذي جاء ترجمة للوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان في عصر الجماهير ولأجل تطبيقها عملياً في المجتمع الجماهيري في الجماهيرية العظمى كما أنه يُشار إليها غالباً في ديباجة كل قانون يصدر باعتبارها كوثيقة دستورية.
والذي يمكن ملاحظته من هذا العرض التاريخي السريع لكل من نشأة الإعلان ونشأة الوثيقة هو أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد صِيغ من أكثر من نصف قرن ونيف وأنه كان أثراً من آثار الحرب العالمية الثانية وكراسب من رواسب الثقافة الغربية وبخاصة أدبيات الثورة الفرنسية والأمريكية وأنه وضع بكيفية تحقق أهداف النخبة أصحاب القرار وتبرر تصرفاتهم وبما يمكنهم من كيل الأمور بمكيالين والأخذ بالمكيال الذي يوفي لهم مصالحهم الخاصة ومكاسبهم الذاتية ويوافق وجهة نظرهم المقلوب دون إقامة أي اعتبار للآخرين مهما انتهكت حقوقهم ويظهر ذلك واضحاً وجلياً من موقفهم تجاه انتهاك حقوق الإنسان في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرهم من دول العالم، بمعنى أنه لم يُراد بإعلان حقوق الإنسان العالمي منذ البداية أن توضع له إجراءات عملية لتطبيقه بعدالة ومساواة بين دول العالم وشعوبه.
وأما الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان فقد نشأت في مجتمع يعيش في ظل عصر الجماهير، أي ظهرت بعد إعلان قيام سلطة الشعب التي امتلك بموجبها الإنسان في ليبيا سلطته وثروته وسلاحه، ولذلك جاءت مبادئها معبرة تعبيراً صادقاً عن طموحات الإنسانية في كل العالم في الحرية والانعتاق النهائي من حكم الفرد والطبقة والطائفة والقبيلة والحزب وفي إقامة مجتمع كل الناس الأحرار المتساوين في السلطة والثروة والسلاح، وملبية لكافة حقوق الإنسان الإنسانية، فالديمقراطية وحقوق الإنسان هما وثيقة ثابتة مستقرة.
علاقة الديمقراطية بحقوق الإنسان إن الديمقراطية وحقوق الإنسان وجهان لعملة واحدة فلا تُقام ديمقراطية بدون احترام حقوق الإنسان ولاتوجد حقوق إنسان بدون ديمقراطية.
إذن حقوق الإنسان بموجب هذا المفهوم مرتبطة بمدى مشاركة الفرد في السلطة أي مشاركته في صنع القرار في بلده، فمتى كانت المشاركة في السلطة مباشرة كان الفرد أقرب إلى حقوقه وألصق بها وتلبي جميع احتياجاته لأنه يشارك في تحديدها وتكييفها وتحقيقها بنفسه ، ومتى كانت المشاركة في السلطة غير مباشرة أي يمارسها عن طريق الإضراب أو التمثيل النيابي أو لا يباشرها مطلقاً كأن يكون الفرد في ظل حكم فردي كان الفرد حينئذ بعيداً عن كافة حقوقه في أغلب الأحيان ولا تلبي جُلها له بل ينتهك ولا يستطيع أن يفعل شيئاً بشأن تحقيقها سواء بالاحتجاج أو التظاهر أو كلاهما لا يجديان نفعاً كما نرى في العالم عبر الشاشات أمامنا، وإن وجدت بعض الحقوق للأفراد في هذه الأنظمة غير الديمقراطية فهي بمثابة منحة أو عطية من صاحب السلطة فيها وليست حقاً طبيعياً للإنسان، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان نتيجة لارتباطه وتأثره منذ نشأته بنظم سياسية غير ديمقراطية بل هي التي أنشأته أو ساهمت في إنشائه وفق مصالحها.
والإعلان العالمي لحقوق الإنسان نتيجة لارتباطه وتأثره منذ نشأته ساهمت في إنشائه وفق مصالحها وما تمليه عليها ثقافتها المبنية على الطغيان والاستغلال دون أخذ رأي الآخرين لأن في ذلك الوقت أغلب الدول في افريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية تحت الهيمنة الاستعمارية وبالأحرى تحت هيمنة الدول واضعة الإعلان عليه فإنه لا يلبي كافة حقوق الإنسان ذلك الإنسان المتطلع إلى المشاركة الايجابية في صنع القرار الدولي بالتساوي بين جميع الدول، دون فرض الهيمنة والتبعية.
الديمقراطية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان لا ننكر أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يشكل تطوراً تاريخياً ايجابياً كبيراً في مفهوم حق الإنسان في الحياة والحرية قياساً على ما كان عليه من معاناة في إهدار تام لهذا الحق في العصور الأوروبية الوسطى أو في عصر ما قبل الثورة الفرنسية أو في عصر الموجات الاستعمارية التي صاحبت نمو الرأسمالية العالمية مع نشأة الثورة الصناعية، وفي نفس الوقت نلاحظ أن لرواسب مرحلة الاستعمار ولآثار الحرب العالمية الثانية بصماتها على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهي آثار لم ينج منها ميثاق الأمم المتحدة الذي أعطى حقوقاً تميزت بها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي التي قادت الحرب ضد النازية وهي المنتصرة في الحرب ولذلك احتكرت المسؤولية الكبرى في حفظ السلام والأمن الدوليين وفق رؤيتها هي لا كما يرى الآخرون فكأن العالم بأسره مهزوماً أمامها تتصرف فيه كيفما تشاء وبنظرة الاستعلاء هذه في الحقيقة لا يتحقق منها مبدأ المساواة في حقوق الإنسان وتؤثر عليه في كل الأنظمة.
وإن كافة الأنظمة السياسية في العالم الآن هي نتيجة صراع أدوات الحكم على السلطة صراعاً سلمياً أو مسلحاً.
إن الشعب في مثل هذه الأنظمة هو الفريسة المتصارع عليها وهو الذي تستغفله هذه الأدوات السياسية المتصارعة على السلطة.
إن الديمقراطية المباشرة هي الأسلوب المثالي وليس للديمقراطية إلا أسلوب واحد ونظرية واحدة، ليس لسلطة الشعب إلا وجه واحد، ولايمكن تحقيق السلطة الشعبية إلا بكيفية واحدة وهي المؤتمرات الشعبية واللجان الشعبية فلا ديمقراطية بدون مؤتمرات شعبية واللجان في كل مكان.
الأصل أن الدولة هي التي تمارس هذه المهمة عن طريق أداة الحكم مستعينة بالقوانين المؤيدة بقوة الإلزام، ولكن ما هي أداة الحكم وما إذا كان قائماُ على قواعد ومؤسسات ديمقراطية أم لا ..؟ هذه السلوكية هي التي ننشئ علاقات من مقتضاها أن تخضع لضوابط ومبادئ تتبنى حلول المشاكل التي تثور في المجتمعات تبعاً للأيديولوجية القائمة في كل مجتمع.
والواقع الذي يسود وفق الثقافة التي يروج لها في المجتمعات الغربية هو أن المفهوم الوحيد للديمقراطية هو المشاركة غير المباشرة عن طريق التعددية الحزبية والمشاركة الانتخابية في اختيار النواب يدعون زوراً أن هذا المفهوم هو نهاية تاريخ التطور السياسي وهذا يُعد مغالطة كبيرة يكذبها الواقع لأن الفكر السياسي والاقتصادي والاجتماعي العالمي قابل للتطور، ويظهر لنا أن ما تدعيه الليبرالية وما تقوم عليه من مؤسسات حزبية وبرلمانية وحكومية ليس عملا ديمقراطية ولايمت إلى الديمقراطية بصلة، بل هو اجهاض للديمقراطية، لأن التعدديا الحزبية ليست هي التعددية الديمقراطية التي تتسع لتستوعب سائر أفراد المجتمع وفعالياته في ممارسة الحق المتساوي في السلطة وإنما التعددية الحزبية لا تعدو أن تكون تعددية نخبوية محدودة وبنفس القدر أيضاً فإن المشاركة في ظل التعددية الحزبية والقاصرة على المشاركة الانتخابية الدائمة في اختيار من يمثلونهم في ممارسة السلطة نيابة عنهم تُعد بعيدة عن مفهوم الديمقراطية لأن المشاركة الحزبية الانتخابية الدورية هي مشاركة سلبية وشكلية ومن ثم فهي تنتقص من مبدأ المشاركة الديمقراطية بل هي تزييف للديمقراطية.
إن حقوق الإنسان كلما تخلصت من الديمقراطية المزيفة التي يروج لها واتجهت نحو تطبيق الديمقراطية الحقيقية وهي ممارسة الديمقراطية المباشرة من كل أفراد المجتمع الحكم الشعبي لا التعبير الشعبي دون استثناء أحد، فإن ذلك يجعل تحقيق حقوق الإنسان ممكناً بل يصبح من الضرورة تحقيقها وأنه كلما اتسعت دائرة تطبيق الديمقراطية على وجهها الصحيح على المستوى العالمي فإن ذلك يساعد على تحقيق حقوق الإنسان لأفراد تلك الدول بأكثر شفافية وجدية لو طبقت الديمقراطية في دولة لوحدها، وفي غياب تطبيقها في محيطها يجعل هذا الغياب جهود تلك الدولة متعثرة في تحقيق حقوق الإنسان لمواطنيها لعدم قدرتها على الانقطاع عن تلك أو ذلك المحيط بسبب تشابك المصالح بين الدول وخاصة عندما تكون تلك الدولة صغيرة والرأي الأرجح هو أن تسعى كل دول العالم إلى إلغاء أسلوب مشاركة الفرد غير المباشرة في إدارة الشؤون العامة في بلاده عن طريق التمثيل النيابي أو الانتخابات الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإبقاء على أسلوب المشاركة المباشرة أسلوب الديمقراطية المباشرة عن طريق ممارسة الفرد للسلطة بنفسه.
حقوق الإنسان والأنظمة السائدة في العالم ومن هنا ندرك أيضاً أن الأنظمة السائدة القائمة على الحزبية والتمثيل النيابي لا تحقق للفرد حقه في المشاركة الايجابية الفاعلة في إدارة شؤون بلاده وبالأحرى عدم تمكينه من ممارسة السلطة، وكذلك الأنظمة المبنية على العسف والاستغلال والتي تحكم فيها إما الدولة وإما الطبقة (البرجوازية) لا توفر للفرد حقه في العائد المجزي لعمله والذي يحقق له المستوى المعيشي اللائق بالكرامة الإنسانية أو المستوى المطلوب من الصحة العقلية والجسدية.
إذن كيف تكون مشاركة الفرد في إدارة شؤون بلاده مشاركة فاعلة ومؤثرة لا بشكلية سالبة دون أن تكون هذه المشاركة مباشرة يمارس الفرد فيها سلطة مباشرة لا بالنيابة عنه ..؟
وكيف يتوافر له العائد المجزي لعمله والمستوى الكفائي من المعيشة دون أن يكون شريكاً في الملكية والإدارة للمؤسسات الاقتصادية..؟ هذا بالنسبة إلى المستوى المحلي .. أما على المستوى العالمي فإن الأنظمة السائدة في العالم الآن إذا لم تكن ديمقراطية وعادلة هي الأخرى فإنه كذلك يشكل أكبر عائق لتحقيق حقوق الإنسان في أي دولة، وبنفس القدر تكون الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية متأثرة بالنظام الاقتصادي العالمي عندما يكون غير عادل وقائم على علاقات تبادلية غير متكافئة، إذن كيف يضمن الأفراد في الدول النامية حقوقهم الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كحق الضمان الاجتماعي وحق العمل والحق في التعليم وحق التمتع بنظام صحي عادل وحق ممارسة السلطة في ظل النظام الاقتصادي العالمي الذي يقوم على فرض التبعية والهيمنة من الدول الصناعية على الدول النامية من خلال الشروط الاستثمارية والتجارية المجحفة..؟
وكيف يتحقق الحق الأساسي للإنسان في التنمية والتطور مع احتكار الدول الصناعية لمراكز البحث العلمي والتكنولوجيا المتطورة مع غياب سلوك دولي في نقلها وتوطينها وتكييفها، بل مع عدم السماح للدول النامية حتى بمجرد التفكير في اقتنائها ..؟
وفي واقع الحال .. إن الغرب يروج لنموذجه الديمقراطي وما يتضمنه من ليبرالية سياسية مدفوعاً بالقوة أي بالقوة الاقتصادية والتكنولوجية أحياناً أخرى وهو مصيره الفشل لأنه كلما علمنا لايكفي لتحقيق المشاركة الشعبية ولا يضمن تكافؤ الفرص سياسيا بين مختلف الطبقات داخل المجتمع الواحد وبين مختلف الدول عالمياً.
كما يروج إلى ظاهرة العولمة التي تستند إلى الليبرالية الجديدة فكل ما نشاهده من صور الدعاية هو الترويج لهذه الظاهرة وفرض تصوراتها ورؤاها في شتى المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية باعتبارها مرحلة جديدة في عملية التوسع الرأسمالي تعيد الرأسمالية هيكلة نفسها بشكل يحافظ على جوهرها الاستغلالي، بل تكييف هذا الاستغلال لكل شعوب العالم.
وواقع الحال أيضاً أن قيم الحرية والعدالة ليست بخير على مستوى العالم وأن كل مبادئ حقوق الإنسان لن تتعدى النصوص في إعلاناتها ووثائقها إذا لم تمارس الديمقراطية بشكلها المباشر على المستوى المحلي والعالمي وإذا لم يتم تضييق الفجوة الكبرى في التقدم الاقتصادي والتكنولوجي التي تفصل الدول الصناعية عن الدول النامية، وإذا لم تتم محاربة الفقر والمرض والجهل في هذه الدول.
وإذا أردنا وضع مبادئ بين حقوق الإنسان موضع التطبيق الفعلي والحقيقي محلياً ودولياً لابد من الربط حقوق الإنسان والأنظمة على المستوى المحلي والعالمية، ولابد من الربط بين حقوق الإنسان وبين التنمية ونزع الأسلحة والحفاظ على البيئة بأن تكون نظيفة، ولابد من الربط بين حقوق الإنسان وبين دول وأنظمة اجتماعية قائمة على العدل والمساواة وبما يجعل تحقيق هذه الحقوق ممكناً، ومن ذلك حق الإنسان في ممارسة سلطته بنفسه دون وصاية أو نيابة أو تمثيل من أحد وحقه في المشاركة في امتلاك ثروة بلاده وامتلاك سلاحه الذي يدافع به عن بلاده، وحق الإنسان في تنمية محلية ودولية اقتصادية واجتماعية وثقافية متوازنة، وحقه في نظام دولي خال من التمييز بين الدول في حقوق السيادة الدولية وخال من الإرهاب نتيجة أسلحة الدمار الشامل من النووي والكيماوي والجرثومي وغيرها أو التهديد بالدمار البيئي.
إن حقوق الإنسان كلما تخلصت من الديمقراطية المزيفة التي يروج لها واتجهت نحو تطبيق الديمقراطية الحقيقية وهي ممارسة الديمقراطية المباشرة من كل أفراد المجتمع الحكم الشعبي لا التعبير الشعبي دون استثناء أحد، فإن ذلك يجعل تحقيق حقوق الإنسان ممكناً بل يصبح من الضروري تحقيقها وأنه كلما اتسعت دائرة تطبيق الديمقراطية على وجهها الصحيح على المستوى العالمي فإن ذلك يساعد على تحقيق حقوق الإنسان لأفراد تلك الدول بأكثر شفافية وجدية من لو طبقت الديمقراطية في دولة لوحدها وفي غياب تطبيقها في محيطها يجعل هذا الغياب وجهود تلك الجولة متعثرة في تحقيق حقوق الإنسان لمواطنيها لعدم قدرتها على الانقطاع عن ذلك المحيط بسبب تشابك المصالح بين الدول وخاصة عندما تكون تلك الدولة صغيرة، والحل وفق هذا الرأي لابد أن تسعى كل دول العالم إلى إلغاء أسلوب مشاركة الفرد غير المباشرة في إدارة الشؤون العامة في بلاده عن طريق التمثيل النيابي أو الانتخابات الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والإبقاء على أسلوب المشاركة أسلوب الديمقراطية المباشرة عن طريق ممارسة الفرد للسلطة بنفسه بل إلغاء الإعلان بصورة كاملة والعمل على تحقيق عالمية حقيقية لحقوق الإنسان تشارك في صياغة مبادئه سائر الثقافات وسائر المجموعات البشرية بحيث تلبى فيها حاجات المجتمع البشري وطاقاته الجديدة وبما تواجه به تحديات الحياة البشرية الجديدة والمتجددة.
ولقد ساهم المجتمع الجماهيري في ليبيا لتحقيق ذلك بأن أصدر الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان في عصر الجماهير التي تؤكد ديباجتها أن حقوق الإنسان الذي استخلفه الله في الأرض هي حقوق طبيعية ليست هبة من أحد، وأنه لا وجود لهذه الحقوق في مجتمعات العسف والاستغلال وأنها لا تتحقق إلا بانتصار الجماهير على جلاديها واختفاء الأنظمة القامعة للحرية فتقيم الجماهير سلطتها وتعزز وجودها على وجه الأرض عندما يسود الشعب بالمؤتمرات الشعبية فلا ضمان لحقوق الإنسان في عالم فيه حاكم ومحكوم وسيد ومسود، والتي من صياغة مبادئها وبقراءة متأنية لهذه المبادئ نجد أنها تخاطب أبناء المجتمع الجماهيري في كل مكان من الدنيا وأنها تلبي حاجات المجتمع البشري وتدعوا للاحتكام فقط إلى شريعة مقدسة ذات أحكام ثابتة لا تخضع للتغيير أو التبديل وهي (الدين والعرف) دون تحديد لدين أو عرف معين فكل مجتمع يحتكم إلى دينه وعرفه لقوله تعالى :(لكم دينكم ولي دين)(الكافرون-6) .
فهذه الوثيقة تستحق أن تكون وثيقة عالمية صالحة للاهتداء بها في وضع إعلان عالمي جديد لحقوق الإنسان قادر على أداء دوره بفاعلية في مجتمع بشري عالمي مختلف الأطياف والأعراق والطوائف والثقافات والديانات.
ومن كل ما سبق يتضح لنا أنه يتطلب لتحقيق حقوق الإنسان أن تمارس تلك الحقوق في ظل هذه الأنظمة التي تمارس في ظل نظام دولي حر عادل وهذا لا يتحقق إلا ببناء عالم جماهيري تمتلك فيه الشعوب السلطة والثروة والسلاح وتختفي فيه الحكومات والجيوش وتتحرر فيه الجماعات والشعوب والأمم من خطر الحروب وأسلحة الدمار الشامل في عالم يسوده السلام والاحترام والمحبة والتعاون.
اترك تعليقاً