الطلاق المملك والطلاق بالخلع
الفصل الأول: نظرة عامة عن الطلاق
المبحث الثاني: أقسام الطلاق وحالات التطليق
الطلاق إما أن يكون متفقا مع أحكام الشرع ويسمى السني وإما أن يكون خلاف ذلك، ويسمى الطلاق البديعي كما أن الطلاق قد يكون رجعيا، وقد يكون بائنا كما يكون الطلاق بالخلع والطلاق لاتفاقي الذي يكون باتفاق الزوجين معا إلى جانب هذه الأنواع هناك ما يصطلح عليه بالتطليق الذي يكون إما بطلب أحد الزوجين بسبب الشقاق أو بأسباب أخرى ترتبط بالزوجة فقط .
ومن ثم نقسم الكلام في أنواع الطلاق وحالات التطليق إلى مطلبين نخصص الأول لأنواع الطلاق ونتناول في الثاني الطلاق المملك والطلاق بالخلع والطلاق الإتفاقي وفي مطلب ثالث لحالات التطليق .
المطلب الأول: أنواع الطلاقسبق وذكرنا أن الطلاق ينقسم إلى طلاق سني وطلاق بدعي ( فقرة أولى ) ، كما ينقسم إلـى طلاق رجعي وطلاق بائن ( فقرة ثانية ) كذلك إلى طلاق اتفاقي ( فقرة ثالثة ) .
الفقرة الأولى: الطلاق السني والطلاق البديعي
روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال عليه الصلاة والسلام :” أمره فليرجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ، ثم تطهر ، ثم إنشاء امسك بعد، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء رواه البخاري ” ، ومعنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الطلاق في حالتين أحدهما أن تكون الزوجة حائضة ، وثانيهما أن تكون طاهرة من الحيض، ولكن زوجها أتاها في هذا الطهر، فإن ثم وفق هاتين الحالتين يكون طلاقا سنيا ، أما إذا كان موافقا لهذه الأحكام فهو طلاق بدعي .
أولا: الطلاق السني
الطلاق السني هو الواقع وفق ما أرادت له الشريعة الإسلامية. وهو أن تطلق الزوجة المدخول بها طلقة واحدة في الطهر، لم يمسها فيه لقوله سبحانه وتعالى:
الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، بمعنى أن يكون الطلاق رجعيا إلى أن يكمل الثلاث حيث يخير بين إمساكها قبل انتهاء العدة أو تسريحها بإحسان.
كذلك لقوله تعالى: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ، أي إذا أردتم الطلاق فطلقوهن مستقبلات العدة وتستقبل المطلقة العدة إثر طلاقه ابعد أن تطهر من حيض أو نفاس قبل أن يمسكها. وهكذا يمكن تحديد شروط الطلاق السني وهو حصر على الزوجة المدخول بها في الأتي :
1- أن يتم طلاق الزوجة المدخول بها في طهر من الحيض
2- أن لا يتم الطلاق أثناء النفاس
3- أن يتم الطلاق في طهر دون مسيسا
4- أن يكون الطلاق رجعي
5- أن لا يطلقها اكثر من مرة دفعة واحدة
6- أن يكون الطلاق لمبرر معقول
ثانيا: الطلاق البدعي
الطلاق البدعي هو ما جاء على خلاف ما أمر به الشارع الحكيم،والمناقض للأحكام الخاصة بالطلاق السني، إذ لا أصل له في السنة، وإنما ابتدعه الناس واختلقوه من تلقاء أنفسهم ، ويكون كذلك عندما يختل شرطا من الشروط الواجب توافرها في الطلاق السني كأن يطلق الزوج زوجته حائض أو في طهر مسها الزوج فيه … وبإيقاعه يكون المطلق آثما حيث ذهب البعض إلى اعتبار الطلاق الثلاث كلمة واحدة طلاقا بدعيا، أو أن يطلقها ثلاثا متفرقات في مجلس واحد كأن يقول : أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق ، روي عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما ، أنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأل عمر ابن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال عليه الصلاة والسلام :”أ مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض ، ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد، وإن شاء طلق قل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء ،رواه البخاري معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الطلاق في حالتين إحداهما أن تكون حائضة ، وثانيهما أن تكون طاهرة من الحيض، ولكن زوجها أتها في هذا الطهر ، فإن تم وفق هاتين الحالتين يكون طلاقا سنيا أما إذا لم يوقع موافق لهذه الأحكام فهو طلاق بدعي. إذن فالطلاق السني هو الواقع وفق ما أرادت له الشريعة الإسلامية وهو أن تطلق الزوجة المدخول بها طلقة واحدة في طهر، لم يمسها فيه لقوله تعالى :
الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، بمعنى أن يكون الطلاق رجعيا إلى أن يكمل الثلاثة حيث يخير بين إمساكها قبل انتهاء العدة أو تسريحها بإحسان كذلك لقوله تعالى : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ، أي إذا أردتم الطلاق فطلقوهن مستقبلات العدة ، وتستقبل المطلقة العدة إذا طلقها بعد أن تطهر من حيض أو نفاس قبل أن يمسكها .
وهكذا يمكن تحديد شروط الطلاق السني وهو حصر على الزوجة المدخول بها في الآتي :
1-أن يتم طلاق المدخول بها في طهر من الحيض
2-أن لا يتم الطلاق أثناء النفاس
وذهب البعض الآخر (الفقه) إلى أن الطلاق لا يقع لأنه ليس من الطلاق الذي أذن الله به، بل هو في الطلاق الذي أمر الله بخلافه .
وأجمع العلماء على أن الطلاق البدعي حرام وأن فاعله آثم .
أما المشرع المغربي لم يتطرق للطلاق السني والطلاق البدعي، لكنه كنوع من أنواع الطلاق وارد وحرمه العلماء نظرا لما يطرحه من مشاكل خصوصا المشاكل التي تتعلق بالحمل، ولعل المشرع ترك الأمر للقضاء تطبيقا للمادة 400 من مدونة الأسرة التي تنص على أن ” كل ما لم يرد في هذه المدونة يرجع فيه إلى المذهب المالكي والاجتهاد الذي يراعي فيه تحقيق قيم الإسلام في العدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف .”
الفقرة الثانية: الطلاق الرجعي والطلاق البائن
كل طلاق أوقعه الزوج يكون دائما رجعيا إلا في حالات ثلاث وهي الطلاق قبل الدخول ، الخلع ، الطلاق المكمل للثلاث والطلاق بالاتفاق والطلاق المملك . ويكون الطلاق بائنا متى انتهت العدة دون مراجعة الزوجة أو في حالة التطليق قضائيا ، باستثناء التطليق لعدم الإنفاق وقد يكون بائنا بينونة كبرى متى اكتملت ثلاث طلقات إضافة إلى الطلاق بالاتفاق أو الخلع أو المملك، وتسري عليه نفس الآثار المترتبة عن الطلاق الرجعي ، كما سيأتي باستثناء الرجعة، ولا تعتبر المرأة في حكم الزوجة بل تصبح غريبة عنه، وإن أرادها يجب عليه أن يعقد عليها من جديد بعد موافقتها .
أولا: الطلاق الرجعي
1-التعريف: الطلاق الرجعي، هو الطلاق الذي يستطيع الزوج فيه إعادة زوجته إلى عصمته قبل انتهاء عدتها، حيث تستأنف الحياة الزوجية بينهما دون حاجة إلى عقد جديد ويمكن أن يتكرر هذا مرتين ، أما في المرة الثالثة فإن الطلاق يفصل العلاقة الزوجية حالا ونهائيا بعد إجراءات دقيقة حددتها النصوص الشرعية. فالشريعة الإسلامية السمحاء حريصة على بقاء الرابطة الزوجية ، فحتى في حالة صدور الطلاق يبقى الباب مفتوح لعودة الحياة الزوجية إلى سابق ودها وصفائها عن طريق المراجعة وقد تقرر هذا المبدأ بنص قرآني كريم في قوله جل جلاله : والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر ، وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أراد إصلاحا ، في هذه الآية يتبين أن للزوج حق مراجعة زوجته التي دخل بها في العدة ، فالطلاق الرجعي هو الذي يوقعه على زوجته التي دخل بها حقيقة، أو حكما .
2- الحالات التي يكون فيها الطلاق رجعي: تنص المادة 122 من مدونة الأسرة على أن ” كل طلاق قضت به المحكمة فهو بائن، إلا في حالتين التطليق للإيلاء وعدم الإنفاق ” وتضيف المادة 123 بان ” كل طلاق أوقعه الزوج فهو رجعي إلا المكمل للثلاث والطلاق قبل البناء والطلاق بالاتفاق والخلع والمملك ”
ويتضح مما سبق أن الطلاق الرجعي يكون في الأحوال التالية :
أ-الطلاق الذي يوقعه القاضي بناءا على دعوى الزوجة التطليق لعدم الإنفاق
ب-التطليق الذي يوقعه القاضي بسبب الإيلاء ( التطليق للإبلاء )
ج-طلاق الرجل زوجته باللفظ أو ما يقوم مقامه بعد الدخول الحقيقي.
د-إذا كان الطلاق في غير مقابل عوض ما لي ( طلاق الخلع)
هـ- إذا لم يكن مكملا للثلاث
3- الآثار المترتبة عن الطلاق الرجعي: تترتب عن الطلاق الرجعي آثار هامة سواء أثناء فترة العدة أو بعدها حيث تعتبر المطلقة رجعيا في حكم الزوجة – ويسري عليها ما يسري على الزوجة إلا المسيس، فإذا ضبط الزوج زوجته متلبسة بالخيانة داخل العدة مثلا يمكنه أن يتابعها لأنها في حكم الزوجة .
وتطبيقا لذلك ذهب المجلس الأعلى إلى ما يلي :
” أن يكون في مقابله مال وان يكون دون ثلاث طلقات ، وتكون المراجعة بالفعل أو القول ، فتكون بالجماع أو دواعيه أو مقدماته ، كما تكون بكلمة راجعتك أو أرجعتك .
والرجعة حق للزوج خلال العدة ولا يملك إسقاطه فلو قال لا رجعة لي كأن له حق الرجوع عنه، وحق مراجعتها لقوله تعالى : وبعولتهن أحق بردهن ،
الطلاق الذي يوقعه القاضي بناء على دعوى الزوجة يكون رجعيا في حالتين وهما عند التطليق لعدم الإنفاق والتطليق للإيلاء وتترتب عن الطلاق الرجعي الآثار الآتية :
+الطلاق الرجعي ( ينقص عدد الطلاقات التي يملكها الزوج على زوجته )
+يصبح طلاقا بائنا وينهي الحياة الزوجية، بانتهاء العدة دون مراجعة الزوج لزوجته.
+الطلاق الرجعي لا ينهي الرابطة الزوجية ولا يزيل ملك الاستمتاع ويعتبر بذلك مراجعا لها.
+لا يجعل المطلقة محرمة على زوجها بأي سبب من أسباب التحريم، فهي في حكم الزوجة
+ إذا مات أحدهما قبل انقضاء العدة ورثه الآخر .
+ يستمر في الإنفاق عليها إلى حين انتهاء العدة .
+ لا يحل به مؤخر الصداق لبقاء الزوجية حكما.
+لا يلزم بمهر جديد عند الرجعة، فهي في حكم الزوجة ، ولا يمكن إمهارالزوجة مرتين .
+يحق للزوج أن يعيدها لنفسه من جديد متى شاء ودون عقد جديد.
+تقضي المطلقة العدة في بيت الزوجية لأنه من مشمولات النفقة .
نستنتج مما سبق أن المطلقة تعتبر في حكم الزوجة، حيث يمكن للزوج، أن يراجعها متى شاء في فترة العدة إلا أن المشرع المغربي حدد الإجراءات الضرورية للرجعة من حيث الإشهاد على ذلك . وعلى هذا الأساس فإذا أراد الزوج مراجعة زوجته، وقبل انتهاء العدة حيث لا مجال للرجعة بعد ذلك بأن الطلاق يصبح بائنا .
والإشهاد على الرجعة فيه اختلاف بين الفقه ، حيث يذهب الرأي الغالب عند الفقهاء المالكية إلى عدم اشتراط الإشهاد في حالة الرجعة ولكن من باب الاستحباب يمكن الإشهاد لدرء الشبهات ، بإثباتها .
أما مدونة الأسرة فقد اشترطت الإشهاد على ذلك من طرف عدلين وقد أحسن صنعا لتوثيق الرجعة وإثباتها ووضع حد للنزاعات الناشئة في هذا الباب وهكذا فإن العدليين يخبران القاضي فورا، هذا الأخير قبل الخطاب على وثيقة الرجعة، يستدعي الزوجة ويخبرها بذلك وتعود لزوجها ، وتستمر الحياة ، حيث تعود الحالة إلى ما كانت عليه قبل الطلاق، وقد توافق الزوجة ، بان الحكمة من الرجعة هي التأمل وربما للندم ، مما يجعل الزوجان يندمان على الافتراق لكن وقد يقع العكس حيث ترفض الزوجة الرجوع إلى زوجها الأول كونه يسيء لها فلا ترى ضرورة العودة ، في هذه الحالة خول لها المشرع الالتجاء لمسطرة الشقاق التي سيأتي مناقشتها لاحقا .
ثانيا׃ الطلاق البائن
1-التعريف: الطلاق البائن هو الذي يجعل حد للعلاقة الزوجية في الحال بمجرد صدوره، وهو ينقسم إلى قسمين، الطلاق البائن بينونة صغرى والطلاق البائن بينونة كبرى فالأول لا يستطيع المطلق بعده إرجاع المطلقة إلى عصمته إلا بعقد جديد، والثاني لا يستطيع المطلق بعده أن يعيد المطلقة إلى عصمته إلا بعد أن تتزوج برجل آخر زواجا صحيحا، ويدخل بها دخولا حقيقيا ثم يطلقها أو يموت عنها وتنقضي عدتها منه.
2-حالات الطلاق البائن: كدراسة حالات الطلاق البائن يمكن أن نتطرق لحالات كل نوع من أنواعه وذلك من خلال حالات الطلاق البائن بينونة صغرى وحالات الطلاق البائن بينونة كبرى .
أ- حالات الطلاق البائن بينونة صغرى : يعتبر الطلاق البائن بينونة صغرى في الأحوال الآتية :
+الطلاق قبل الدخول، لأنه يكون بغير العدة، لقوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ، فهو طلاق بائن لأن الزوجة التي لم يدخل بها لا تعتد
+إذا افتدت الزوجة نفسها لقوله جلت قدرته : فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ، وتعني بذلك طلاق الخلع.
+الطلاق القضائي (التطليق ) للعيب أو الضرر أو الغيبة .
+الطلاق الذي توقعه الزوجة ، إذا كان الزوج قد ملكها حق إيقاعه وطلقت نفسها .
ب-حالات الطلاق البائن بينونة كبرى :
يقول تعالى : الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، ويقول عز وجل : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا إن ظنا إن يقيما حدود الله وتلك حدود الله بينها لقوم يعلمون ،إذن فحالات الطلاق البائن بينونة كبرى تتجلى فيما يلي :
+ يزيل الحل والملك ، فتعتبر المطلقة في هذه الحالة من المحرمات عليه مؤقتا.
+يشترط أن تتزوج زواجا صحيحا فيه دخول حقيقي لذاته دون نية التحليل.
+أن يكون للزواج بعد انتهاء العدة من الزوج الثاني بعد الطلاق أو الوفاة .
3- أثار الطلاق البائن بينونة كبرى׃
تترتب على الطلاق البائن بينونة كبرى نفس الآثار المترتبة على الطلاق البائن بينونة صغرى باستثناء ما يلي :
لايمكن أن يعقد عليها بعد العدة إلا بعد الزواج بآخر زواجا صحيحا وأن يدخل بها ثم يطلقها وتنتهي عدتها ولا محل لإيقاع المزيد من الطلقات في الطلاق البائن بينونة كبرى.
المطلب الثاني: الطلاق المملك والطلاق بالخلع
سنتناول في هذا المطلب الطلاق المملك في فقرة أولى ثم في فقرة ثانية سنتناول الطلاق بالخلع :
الفقرة الأولى: تمليك الطلاق للزوجة ( طلاق التفويض )
الأصل أن الذي يملك حق الطلاق هو الزوج فهو ملزم بأداء حقوق الزوجة والأطفال في حالة الطلاق مما يجعله أكثر حرصا على بقاء الحياة الزوجية، مادام الطلاق ملكا للرجل فله الحق في أن ينيب غيره لذلك سواء أناب زوجته أو غيرها حيث تكون هذه الإنابة على شكل توكيل أو تفويض، والفرق بينهما أنه يمكن عزل الوكيل، أما التفويض فهو نقل العصمة حيث يملك الزوج لزوجته ( أو غيرها) حق إيقاع الطلاق ولا يمكن للزوج عزل المفوض إليه وأن يتنازل الزوج لزوجته عن حقه في الاستقلال بملكية الطلاق فيشركها معه، حين يعطيها الحق في أن تطلق نفسها ويشار إلى هذا في عقد الزواج.
من خلال ذلك يقصد بالتمليك انه جعل الرجل أمر زوجته بيدها تتملك عصمتها ولها أن توقع الطلاق متى شاءت ، ليس للزوج أن يتراجع عن التمليك إلا إذا رضيت الزوجة بذلك ويلزم هذا التمليك إبان الفترة الزمنية المحددة له، ويلزمه على شكل التأبيد إذا تم بشكل يفيد ذلك. إذن فما هو السند الشرعي لتمليك الطلاق إلى الزوجة؟ وما هي صيغه وحالاته؟ ثم ما هو موقف المشرع المغربي من تمليك الطلاق للزوجة ؟
أولا: السند الشرعي لتمليك الطلاق للزوجة
لقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن تمليك الطلاق للزوجة يجد سنده الشرعي في قوله تعالى : يا أيها النبي قل لأزواجك عن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا إن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما ، فلما نزلت هذه الآية الكريمة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على زوجته عائشة أم المؤمنين فقال لها : ” إني ذاكر أمرا من الله على لسان رسوله فلا تعجلي حتى تستأ مري أبويك فقالت وما هذا يا رسول الله ؟ فتلا عليها الآية : قالت فيك يا رسول الله أستأمر أبواي ؟ …. بل أريد الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك ألا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلته، قال لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها. إن الله يبعثني …. الخ ، ثم فعل النبي صلى الله عليه وسلم مثلما فعلت عائشة فكلهن اخترن الله ورسوله و الدار الآخرة “.
وروى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها قالت ” خيرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاخترناه فلم يعد ذلك شيئا “.
أما من خلال معرفة طبيعة الطلاق المملك فقد تضاربت أراء الفقهاء في طبيعته هل هو رجعي أم بائن في هذا الصدد يرى الإمام مالك أن المملك يخضع للمبادئ العامة التي تجعل الأصل في الطلاق أن يكون رجعيا بخلاف الطلاق التخيير على أن من فقهاء المالكية من عارض في هذا الصدد فقد قيل طلقة رجعية وهذا رأي مطرف وأشهب، وهو مطابق لرأي الإمام مالك، وقيل إنها تكون البتة أي تقع بموجبه طلقات ثلاث وهو قول أصبغ سحنون . وقيل إنها طلقة واحدة بائنة وهو رأي لابن قاسم .
ومعلوم أن رأي ابن القاسم هو الذي يجري به العمل في المذهب المالكي يقول ابن عاصم الغرناطي :
وفي المملك والقضا بطلقة بائنة في المرتضى .
ثانيا: صيغ الطلاق المملك وحالاته
يجوز للزوج تمليك زوجته طلاقها منه بالصيغة الدالة على ذلك كأن يقول لها : أمرك بيدك أو طلقي نفسك، ويجوز أن يكون هذا التمليك مربوطا بأجل معين كشهر أو سنة مثلا، وحينئذ يمكن للزوجة أن تمارس ما تم تمليكه لها خلال أي فترة من الفترات داخل الأجل المحدد أو المذكور، أما إذا لم يكن مقيدا بأجل محدد كان المتعين على الزوجة عندئذ أن تبين قرارها في اللحظة التي منح لها فيه التمليك، بمعنى أن الزوجين إذا انصرف لمكان بصدد التفاوض فيه إلى حديث غيره أو إذا انقضى المجلس سقط حقها في التمليك ولم يعد بإمكانها طلاق نفسها من زوجها . وهذا ما قرره المجلس الأعلى في قراره الذي جاء فيه ” طلاق التمليك ينقسم إلى قسمين مطلق ومعلق على شرط فالمطلق يبقى بيدها بالمجلس بقد رما يرى الناس أنها تختار في مثله أن تفرق أو خرج مما كان فيه أو لم يتفرقا فاالإختيار لها ويبطل ما بيدها ، أما المعلق على شرط فيبقى بيده وإن تفرقا إلى أن يحصل المعلق عليه ” .
ثالثا: موقف المشرع المغربي
لقد أقر المشرع المغربي – من خلال المادة 89 من مدونة الأسرة – انه متى ملك الزوج زوجته إيقاع الطلاق، كان لها أن تستعمل هذا الحق عن طريق تقديم طلب إلى المحكمة للقضاء به ملتمسة في خضم ذلك الإشهاد بطلاق التمليك لدى عدلين منتصبين لهذا الغرض بدائرة نقود المحكمة التي يتواجد بها بيت الزوجية ، أو موطن الزوجة الطالبة ، أو محل إقامتها أو التي أبرم فيها عقد الزواج حسب الترتيب. ويتضمن طلب الإذن بالإشهاد على الطلاق المملك هوية كل من الزوج والزوجة ومهنتهما ومحل إقامتهما مع الإشارة إلى عدد الأبناء متى وجدوا وذكر تواريخ ازديادهم ووضعهم الصحي والدراسي، ويرفق الطلب لزوما بمستند الزوجية مرفوقا بما يفيد تمليك الزوج الطلاق لزوجته ، مع ذكر الحجج المثبتة لوضعية الزوج المادية والتزاماته المالية . وتجدر الإشارة إلى أن المادة 89 أعلاه أقرت أنه ما دام تمليك حق إيقاع الطلاق للزوجة، وقد تم بمبادرة إرادية ومنفردة من طرف الزوج فإنه لا يمكن استنادا لهذا الاعتبار أن يعزل زوجته من ممارسة حقها في التمليك الذي ملكها إياه. وهو الأمر الذي يتماشى وما استقر عليه الفقه الشرعي، فقد روي أنه جاء ابن مسعود رجل فقال :” كان بيني وبين امرأتي بعض ما يكون بين الناس فقالت : لو أن الذي بيدك من أمري بيدي لعلمت كيف أصنع.فقال فإن الذي بيدي من أمري بيدك، فقالت : أنت طالق ، قال أراها واحدة وأنت أحق بها مادامت في عدتها وسألقى أمير المؤمنين عمر، ثم لقيه فقص عليه القصة، فقال صنع الله بالرجل وفعل : يعمدون إلى ما جعل الله في أيديهم فيجعلونه بأيدي النساء ، ماذا قالت فيها؟ قال : قلت أراها واحدة وهو أحق بها ، قال: وأنا أرى ذلك – ولو رأيت غير ذلك علمت أنك لم تصب… ” وقد روي عن أبي هريرة قوله طلقت نفسها :” أمرك بيدك” .
إذن فمتى تأكدت المحكمة من توافر شروط التمليك المتفق عليها بين الزوجين أجرت محاولة الصلح بين الطرفين بغرفة المشورة ويمكنها لهذه الغاية انتداب حكمين أو دعوة مجلس العائلة للانعقاد لتوفيق بين طرفي الخصومة .
الفقرة الثانية: الطلاق بالخلع
الأصل أن الزواج ميثاق ترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام غايته الإحصان والعفاف- وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين معا، وقد يحدث أن يكره الرجل زوجته أو تكره هي زوجها وشريعتنا الإسلامية الغراء توصي بالصبر والاحتمال وتنصح بعلاج ما عسى أن يكون من أسباب الكراهية قال تعالى :
وعاشرهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا .
إلا أن الغاية من هذا الميثاق قد ينتابها نوع من الفتور، فتتنافر القلوب وتستحكم النفرة لدرجة يستحيل معها استمرار حبل المودة بين الزوجين وفي هذه الحالة يصبح سريان هذا الميثاق نقمة على الأسرة بأجمعها، مما يفسح المجال أمام خيار حل عقد النكاح كضرورة لا غنى عنها، أو كحل وحيد الذي لا بد منه. ففي الحالة التي تكون فيها الكراهية من جهة الرجل فهو بيده الطلاق وهو حق من حقوقه، وله أن يستعمله في حدود شرع الله وتحت الشروط التي جاءت بها مدونة الأسرة أما في الحالة التي تكون الكراهية من جهة المرأة فقد أباح لها الإسلام أن تتخلص من العلاقة الزوجية عن طريق الخلع، بأن تعطي الزوج ما أخذت منه باسم الزوجية لينهي علاقته بها ،وكلا الحالتين تجعل حل ميثاق الزوجية تحت الإشراف الفعلي والمراقبة الميدانية للمؤسسة القضائية بكيفية تصون كرامة المرأة، وتحافظ على حقوقها المكتسبة سواء الشخصية منها أو المقررة لفائدة أبناءها .
وعليه سوف نتناول الخلع من خلال تعريفه وبيان حكمه (أولا) ثم بيان شروطه (ثانيا) وطبيعة العوض في الخلع وحماية حقوق الأولاد (ثالثا ) وفي الأخير طبيعة الخلع.
أولا: تعريف الخلع وحكمه
1-تعريف الخلع .
الخلع لغة النزع والإزالة يقال خلع الرجل ثوبه ونعله إذا نزعه ، وخلع الرجل زوجته إذا أزال زوجيتها وخلعت المرأة زوجها واختلعت من زوجها إذا افتدت منه بمال، وبذلت له مالا ليطلقها ، فإذا فعل ذلك فهو الخلع لأن كل من الزوجين لباسا لآخر استخلاصا من قوله تعالى : هن لباس لكم وأنتم لباس لهن ، ويسمى هذا الطلاق أيضا بالفدية والمبارأة يقول ابن رشد اسم الخلع والفدية والصلح والمبارأة كلها تؤول إلى معنى واحد وهو بدل المرأة العوض على طلاقها إلا أن إسم الخلع يجب في بذله اله لجميع ما أعطاها والصلح ببعضه والفدية بأكثره والمبارأة بإسقاطها عنه حقا لها عليه على ما زعم الفقهاء .
أما في الاصطلاح الفقهي فقد عرفه الأحناف بأنه إزالة ملك بلفظ الخلع أو ما في معناه نظير عوض تلتزم الزوجة به .
وعند المالكية الخلع عقد معاوضة على البضع تملك به الزوجة نفسها ويملك به الزوج العوض أو صفة حكمية توقف حلية متعة الزوج بسبب عوض على التطليق ويتبين مما سبق أن الخلع هو أن يطلق الزوج زوجته بناء على رغبتها في ذلك وبعد أن تدفع له عوض مقابل هذا الطلاق .
2-حكمه :
حكم الخلع الجواز بدليل قوله تعالى : فإن خفتم ألا يقيم حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ، أي أن لا حرج على الزوجة في أن تدفع من مالها للحصول على الطلاق ولا حرج على الزوج في أن يأخذ ذلك ليطلقها، وكذلك الخلع جائز من خلال حجيته في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لقوله تعالى: ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ، أما السنة النبوية فقد روي أن زوجة ثابت ابن قيس جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ” فقالت ” يا رسول الله فقالت : إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكنني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتردين عليه حديقته قالت نعم فقال عليه السلام لزوجها أقبل الحديقة وطلقها تطليقه ” .
كما أن هناك للخلع ألفاظ تميزه بحيث يرى بعض الفقه ، أن الخلع لا بد أن يكون بلفظه أو بلفظ مشتق منه أو بلفظ يؤدي إلى معناه مثل المبارأة أو الفدية، فإذا لم يكن بلفظ الخلع ولا يلفظ فيه معناه … كأن يقول لها أنت طالق في مقابل مبلغ كذا وقبلت، كان طلاقا على مال ولم يكن خلعا ومن الألفاظ التي تقيد الخلع لفظ برأتك على مبلغ كذا وقبلت ، وقع الطلاق بائنا ولزمها المبلغ المذكور ، وإذا لم تقبل لم يقع الطلاق ولم يلزمها شيء والأمر نفسه بالنسبة لألفاظ، باينتك وفارقتك وطلقتك على مال.
المشرع المغربي اعتبر الخلع عقد يتراضيا فيه الزوجين على الطلاق وتطبق في ذلك أحكام المادة 114 من مدونة الأسرة التي تنص على الطلاق بالاتفاق وهكذا فإن الإجراءات التي تطبق في الطلاق بالاتفاق كما سنحلل ذلك لاحق هي نفسها المتبعة في الطلاق بالخلع .
ثانيا: شروط الخلع .
تنص المادة 115 من مدونة الأسرة على أنه ” للزوجين أن يتراضيا على الطلاق بالخلع طبقا لأحكام المادة 114 أعلاه .”
والخلع على ما يتضح من هذه المادة هو عقد يتم بتراضي الزوجين موضوعه الرئيسي هو خلع الزوجة من زوجيتها نظير بذل تدفعه إليه .
والطلاق مما سبق بيانه يشترط لصحة الخلع الشروط الآتية :
1- أن تكون الزوجة محلا لوقوعه حتى يتراضيا على الطلاق بالخلع أي أن تكون في زواج صحيح .
2- أن يكون الزوج كامل الأهلية فلا يصح خلع الصبي والمجنون والمعتوه ولا غيرهم من فاقدي الأهلية كالسكران والمكره أما المحجور عليه كالسفيه فيجوز طلاقه إن كان على غير مال – فمن باب أولى صحة مخالفته إلا أن مطلقته تسلم المال إلى وليه .
وإذا فعل الزوج ذلك وتم له الأمر تعسفا أو بعد إلحاق ضرر بالمرأة لإجبارها على ذلك . يكون قد ملك المال ملكا خبيثا لأنه خالف أمر الله به من تحقيق المودة والرحمة وحسن المعاشرة، حيث يجب أن يكون الطلاق عن تراضي بين الزوجين حيث يتم عن بينة واختيار ، وان لا تكره الزوجة ، فإذا تبت استعمال الزوج لأساليب تدفع المرأة لمخالعته وقع الطلاق بائنا دون التزام المرأة بذلك الخلع لقوله تعالى:
أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة .
وهذا ما أخذ به المشرع المغربي- من خلال المادة 117 من مدونة الأسرة الحالية- حيث أجاز للزوجة أن تسترجع ما خالعت به شريطة أن تثبت هذا الخلع كان نتيجة إكراه وإلحاق ضرريها .
فالأساس أن الزوج يعاقب بنقيض قصده مادام الزوج قد أكرهها أو استعمل أساليب إحتيالية لإجبارها على خلع نفسها .
3- أن تكون الزوجة المختلعة كاملة الأهلية رشيدة غير محجور عليها فإذا كانت دون سن الرشد القانوني لا يمكنها أن تلتزم بأداء الخلع إلا بموافقة النائب الشرعي وإذا خولعت وقع الطلاق ولا تلتزم بأداء الخلع إلا بموافقة النائب الشرعي ، وإذا خولعت وقع الطلاق ولا تلتزم بالبدل إلا بموافقة نائبها الشرعي .
ثالثا: طبيعة العوض في الخلع وحماية حقوق الأطفال
1- طبيعة العوض في الخلع
يشترط في العوض أو البذل الذي يقع به الخلع أن يكون مما يصح تملكه أو بعبارة أخرى مما يصح الالتزام به شرعا كما نصت المدونة الجديدة في المادة 118 ” كل ما صح الالتزام به شرعا، صلح أن يكون بدلا في الخلع دون تعسف ولا مغالاة” بناء عليه فبدل الخلع هو ما تلتزم به الزوجة مقابل طلاقها ، حيث يشترط في العوض أو البدل في الخلع الشروط التالية :
+ أن يكون مالا له قيمة لا يحق الخلع باليسير الذي لا قيمة له.
+ أن يكون ظاهرا يصلح الانتفاع به فلا يصح مثلا الخنزير والخمر والميتة وهي أشياء لا قيمة لها شرعا .
ويصح الخلع بالمال سواء كان نقدا أو عرض تجارة أو قيمة المهر أو نفقة أو أجرة الرضاعة أو الصداق حيث يمكن أن تخالع الزوجة بقيمة الصداق أو مؤخره وما تعلق بحق الأولاد إن وجدوا شريطة أن تكون معسرة حفاظا على حقوق الأولاد وتربيتهم وصحتهم وتغذيتهم ، وقد أكدت مدونة الأسرة من خلال المادة 114 ذلك إلا أن بدل الخلع يجب أن يكون معقولا في حدود ما تستطيعه المرأة دون تعسف ولا مغالاة وإلا اعتبر ذلك إكراها (كما سبق تحليله أعلاه) كمن يريد أن يعصف بثروة المرأة ببدل الخلع أو يطالبها بما يثقل كاهلها أو يفترقا .
2- حماية حقوق الطفل
قد تخالع المرأة زوجها بنفقة الأولاد أو حضانتهم أو أي من حقوقهم إذا كانت موسرة وتستطيع الإنفاق عليهم ، حيث توفر لهم كل مشمولات النفقة، وخلال حضانة الأطفال قد تعسر حيث تعجز عن الإنفاق عليهم، هنا أوجب المشرع النفقة على أبيهم مع الاحتفاظ للزوج بحق الرجوع على الزوجة قيما التزمت به في حالة يسرها .
وقد تتخلع المرأة بنفقة الأولاد أو حضانتهم وتظهر يسرها رغبة في إيقاع الخلع تم يتبين بعد ذلك أنها معسرة في هذا الموضوع ذهب القضاء المغربي إلى ما يلي :
” من ادعى الملا وتحمل بدين أو خلع لا يقبل منه إدعاء الفقر، ولا تنفقه ببينة” العدم إلا إذا أثبت أن هذا العجز قد حصل وطرا عليه بعد ذلك .
هذا يفيد نوعا من التدليس مادامت الأم قد ادعت أنها موسرة وتحملت مصاريف الأبناء من أجل طلاقها، هذا الأمر متداول بقوة عندما تضيف المرأة درعا بزوج يضربها ولا تستطيع إثبات ذلك فتلتجئ إلى المخالعة حتى ولو كانت معسرة، مما يجعل حقوق الأولاد في مهب الريح ويؤدي هذا إلى استفحال الظواهر الاجتماعية من تشرد وانحراف .
وتترتب عن الخلع جميع آثار انحلال ميثاق الزوجية من عدة وعدم التوارث ولا نفقة لها دون المساس بحقوق الأولاد .
ويحتسب الخلع كطلقة في عداد الطلاقات الثلاث ويعتبر طلاقا بائنا حيث تصبح مطلقته غريبة عنه .
فإذا ثبت الخلع وجب للزوج مقابلة، لأنه رضي بإسقاط حق مقابل بدل من المال ما لم يوجد ثمة سبب شرعي يمنع من أخذ البدل على سبق تفصيله أعلاه .
3- الاختلاف في مقابل الخلع
في حالة اتفاق الزوجين على مبدإ الطلاق بالخلع واختلافهما في مقداره يتم رفع الأمر إلى المحكمة التي تحاول الإصلاح بينهما فإذا تعذر ذلك حكمت بنفاد الخلع بعد أن تتولى تحديد وتقدير مقابلة مع مراعاة مبلغ الصداق الذي تم دفعه من
طرف الزوج وفترة الزواج وأسباب طلب الخلع، والحالة المادية للزوجة، وإذا تعلق الأمر بقاصرة على المحكمة أن تراعي مصلحتها عند تقدير بدل الخلع .
وفي حالة إصرار الزوجة على طلب الخلع وعدم استجابة الزوج لذلك فيمكن البت في الطلب على أساس الشقاق ، دون حاجة إلى فتح ملف جديد في الموضوع .
الفقرة الثالثة: الطلاق الإتفاقي
لم يكن ثمة بمدونة الأحوال الشخصية السابقة أي نص تشريعي يشير صراحة أو ضمنا إلى حل ميثاق الزوجية بتراضي طرفيه، أو ما يصطلح على تسميته بالطلاق لاتفاقي، بل كانت المبادرة تأتي دائما من الزوج أو وكيله أو من فوض له ذلك طبقا للقانون واستثناءا للمرأة متى ملكت هذا الحق هذا مع العلم أن العديد من التشريعات العربية المقارنة كانت تتبنى هذا النوع من الطلاق وتقننه صراحة ضمن قانونها الشرعي كما هو الشأن بالنسبة للمادة 48 من مجلة الأحوال الشخصية الجزائرية التي نصت على انه :” … يتم الطلاق بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين … ” والفقرة الأخيرة من المادة 31 من قانون الأسرة التونسي ” … يوافق القاضي على الطلاق بالتراضي …”.
والواقع أن الطلاق الإتفاقي يشكل نتيجة طبيعية لإرادة الزوجين في وضع حد لعلاقتهما الزوجية دون تشنجات أو مزايدات … بل إن هذا النوع من الطلاق يعتبر البديل النموذجي والحضاري لظاهرة التصادم والمواجهة في و أثناء حل ميثاق الزوجية .
وينقسم الطلاق الإتفاقي المقرر بمقتضى قانون مدونة الأسرة الجديد ، إلى نوعين رئيسيين:
*الطلاق الإتفاقي المجرد: وهو الذي يلجأ إليه الزوجان باتفاقهما دون أن يعلقانه على شروط محددة.
*الطلاق الإتفاقي المقيد: وهو الذي يقيده طرفاه بشرط واحد أو أكثر يتعين وجوبا أن لا يتنافى مع النظام العام وأحكام مدونة الأسرة وأن لا تكون له أية تبعات سلبية على مصالح الأبناء وحقوقهما المكتسبة .
بيد أن الطلاق الإتفاقي وإن كان يستند كأساس للرغبة الإرادية للأطراف واللذان يستقلان بتقدير دوافعه وموجبات إيقاعه ، فإن ذلك لا يجرد بأي حال من الأحوال المؤسسة القضائية من أحقية فرض الرقابة عليه ، كما لا يعفي المحكمة من القيام بمحاولة إصلاح ذات البين بين الطرفين .
وفي هذا الصدد يتقدم الزوجان أو احدهما بطلب إيقاع الطلاق الإتفاقي إلى المحكمة المختصة مصحوبا بعريضة الاتفاق ، والإذن بتوثيقه ، وتحاول هذه الأخيرة الإصلاح بين الزوجين وفي حالة ما إذا تعذر ذلك فإن المحكمة تأذن بالإشهاد على الطلاق الإتفاقي، كما تأذن بتوثيقه، وإلى ذلك تنص المادة 114 من مدونة الأسرة : “… يمكن للزوجين أن يتفقا على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية، دون شرط أو شروط لا تتنافى مع أحكام هذه المدونة ولا تضر بمصالح الأطفال”.
عند وقوع هذا الاتفاق، يقدم الطرفان أو احدهما طلب التطليق للمحكمة مرفقا بعريضة الاتفاق الإذن بتوثيقه … وتحاول المحكمة الإصلاح بينهما ما أمكن فإذا تعذر الإصلاح أذنت (المحكمة) بالإشهاد على الطلاق وتوثيقه “.
المطلب الثالث: حالات طلب التطليق
لم يبق الطلاق كما سلف حق إقاعه من طرف الزوج وحده دون أن يتوقف على رضى من زوجته عنتا وتتضرر من البقاء معه، بل أصبح حق إيقاعه من طرف أحد الزوجين أي أنه كما سلف ذكره الطلاق حل الميثاق الزوجية يمارسه الزوج والزوجة ، كل بحسب شروطه تحت المراقبة القضائية وطبقا لأحكام القاضي . فقد يتم بطلب من أحد الزوجين ويسمى طلب التطليق بسبب الشقاق (الفقرة الأولى) أو بطلب من الزوجة بناءا على الأسباب الآتية :
-إخلال الزوج بشرط من شروط العقد.
-الضرر.
-عدم الإنفاق.
– الغيبة.
-العيب.
-الإيلاء والهجر.
ويسمى في هذه الحالات كما سماه المشرع المغربي حالات طلب التطليق لأسباب أخرى . (فقرة ثانية ).
الفقرة الأولى: طلب التطليق بسبب الشقاق
قد تتلاشى سبل التواصل وتندثر مظاهر المودة بين طرفي الزوجية بسبب الخلافات الأسرية التي قد تنشأ بينهما وغالبا ما كانت هذه النزاعات والخلافات هي سببا مباشرا في التنافر بين الزوجين لدرجة قد يتولد عنها وضع حد نهائي لسريان ميثاق الزوجية ونجاعته في تحقيق الأهداف الشرعية المتوخى منها ….
ودرءا لجميع المظاهر ذات البعد السلبي المحتمل المترتبة عن هذا الوضع فقد أقرت مدونة الأسرة آلية جديدة لحسم النزاعات العائلية التي يخشى منها الشقاق تحت المراقبة القضائية .
من خلال ما سبق فما هو إذن الشقاق، وما هو مجالات الإصلاح ذات البين التي يجب على المحكمة القيام بها ؟
أولا: تعريف الشقاق
الشقاق هو الخلاف العميق والمستمر بين الزوجين بدرجة يتعذر معها استمرار العلاقة الزوجية .
فطلب التطليق في هذه الحالة يكون من طرف الزوج كما قد يكون أيضا من طرف الزوجة .
ثانيا: محاولات الإصلاح ذات البين التي يجب على المحكمة القيام بها
يعتبر حسم النزاعات التي يخشى منها الشقاق تحت المراقبة القضائية كتقنية بديلة غايتها إصلاح ذات البين إعادة الأمور إلى نصابها وتقويم مسار الزوجية إلى شكله الطبيعي ، مصداقا لقوله تعالى : إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله عليما خبيرا ، وجه استدلال هذه الآية أنها فسرت عمل الحكمين على بدل الجهد في الإصلاح بين الزوجين، وهكذا على الحكمين أو مجلس العائلة ببذل الجهد من أجل الإصلاح طبقا لمقتضات المادة 82 من مدونة الأسرة نفسها بعد تقديم طلب من أحد الزوجين أوهما معا إلى المحكمة لنزاع بينهما يخاف منه الشقاق حيث يدعي أحدهما أن الآخر يضر به ويعتمد الإساءة إليه، فعلى من وكلت إليه مهمة الصلح أن يقدم تقريرا بنتيجة تحقيقاته في النزاع وأسبابه وكذا الإصلاح أو التفريق .
وهذا ما نصت عليه المادة 94 من مدونة الأسرة أنه متى طلب الزوجان -على حد سواء – أو أحدهما من المحكمة حل النزاع بينهما يخاف منه الشقاق وجب على الهيئة القضائية أن تقوم بكل المحاولات للصلح بين الطرفين باعتماد الإجراءات التالية :
1-انتدب أهل الحكمة والمعرفة لإجراء الصلح بين الزوجين، سواءا في حكمين يعينان من طرف المحكمة لهذا الغرض، أو إسناد هذه المهمة لمجلس العائلة الذي يتكون من القاضي بصفته رئيسا ثم الأب والأم والوصي أو المقدم ثم أربعة أعضاء بعينهم القاضي من بين الأقارب أو الأصهار بالتساوي بين جهة الأب وجهة الأم أو جهة الزوج حسب الأحوال وإذا تعذر توفرهم من الجهتين أمكن تكوينه من جهة واحدة غير أن هذه المهمة (الإصلاح) ليست حكرا على المحكمة أو مجلس العائلة بل يمكن أن تستند إلى كل شخص طبيعي كان أو معنويا تستأنس المحكمة فيه الجرأة والحكمة والاستقامة والقدرة المادية والمعنوية على رأب الصدع القائم في شرح العلاقة الزوجية.
2-إن مهمة الإصلاح ذات البين لا تخلوا في نهاية مطافها من أحد الأمرين فإما أن يكون النجاح والفلاح حليفا لها في تحقيق الغاية المتوخى منها فيتم الإصلاح بين الزوجين ويحرر على الفور محضرا بلسانه يكتسب قوته الثبوتية ومصداقيته القانونية من الإشهاد القضائي للمحكمة على فحواه بعد تحرير مضمونه في تقرير من ثلاث نسخ يوقعها الحكمان والزوجان ويرفعانها إلى المحكمة التي تسلم لكل واحد من الزوجين نسخة منه، تحفظ نظيرتها الثالثة بالملف المخصص لها، وإما أن تصل محاولة الصلح بين الزوجين إلى الحل المسدود وآنذاك يتعين على المحكمة أن تحدد مبلغا ماليا يعمل الزوج وجوبا على إيداعه بكتابة الضبط ضبط المحكمة التي تنظر في دعوى الشقاق داخل أمد زمني لا يتعدى الثلاثون يوما ويحصى هذا المبلغ لتسديد واجبات الزوجة وأبنائها منه الملزم قانونا بالإنفاق عليهم .
3-تعتبر من مستحقات الزوجة في دعوى الشقاق ، مؤخر الصداق متى كان له محل بعقد الزواج- ونفقة العدة والمتعة المراعى في تقديرها أمد سريان ميثاق الزوجية والوضعية المالية للزوج، والموجبات المحتج بها من قبل طالب حل النزاع للشقاق، مع إجبارية مراعاة مسؤولية كل من الزوجين عن سبب الفراق في تقدير ما يمكن أن تحكم به المحكمة على المسؤول لفائدة الزوج الآخر.
4-عند تعيين الحكمين في دعوى الشقاق ، يتعين لهما المحكمة مهلة مناسبة لإنجاز المهمة المنوطة بهما، ويراعي في تحديدها الرغبة في تسريع آليات التقاضي مع منح -وفي نفس الوقت- الحكمين فرصة مواتية لإجراء الصلح تكون كافية لاستقصاء، أسباب الخلاف بين الزوجين وبذلك جهدها لإنهاء النزاع، وإذا ما تعذر عليهما تقديم تقريرهما داخل هذا الأجل وكذا الشأن في حالة تباين وجهة نظرهما عند تسطير محتوى التقرير أو على مستوى تحديد المسؤوليات ، فإن المحكمة بمقدورها إجراء بحث إضافي بجميع الوسائل المجدية التي تراها ملائمة في هذا الشأن .
5-إن تسريع وثيرة التقاضي وضمان حقوق الأطراف المتخاصمة في دعوى الشقاق وتقضي وجوبا تحديد سقف زمني للبث فيها من طرف المحكمة دفعا لأي تحايل أو مزايدات مجانية من الطرفين وحماية لحقوقهما وصيانة المكتسبات المقررة بقوة القانون الأبناء وهذا ما تبناه المشرع المغربي.
الفقرة الثانية: التطليق لأسباب أخرى .
وقع توسيع مفهوم الضرر المبرر لمطالبة الزوجة بتطليقها من زوجها لأسباب تجعلها تتضرر من البقاء معه، إذ أصبح من حقها أن تطلب تطليقها منه بسبب إخلال الزوج بشرط من شروط العقد أو عدم إعطاءها حقوقها الزوجية، وقد يكون تضررها من سوء المعاشرة، وإما بسبب عدم إنفاقه عليها أو غيبته عن بيت الزوجية بدون عذر مقبول، أو وجود عيب في الزوج أو عند ما يهجر الزوج فراش الزوجة وقد يكون لسجنه ففي تلك الحالات لم تهمل الشريعة الإسلامية جانب الزوجة بل عملت على رفع الظلم عنها فمنحتها حق طلب التطليق وأوجبت على القاضي أن يجيبها إلى طلبها . وينظر في الأسباب الضارة بالمرأة ويعمل على إنصافها حسبما تقره العدالة وأثبتت الزوجة بأي طريق من طرق الإثبات ما يسوغ شرعا تطليقها من زوجها حكم القاضي على الزوج تابت في أكثر المذاهب الفقهية لكن ليست على اتفاق من ناحية الأسباب المبررة للتفريق منها من توسع فيها ومنها من سلك فيها مسلكا ضيقا .
أما بالنسبة للمشرع المغربي فإنه حدد في المادة 98 الحالات التي يمكن للزوجة أن تطلب فيها التطليق وهذه الحالات هي كالآتي :
+ إخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج فقد يشترط أحد الطرفين على الآخر شروط في العقد فلا يلتزم بها .
+ الضرر: التطليق للضرر، عندما يلحق الزوج بالزوجة أضرار تستحيل معها العشرة.
+ عدم الإنفاق : عندما يمسك الزوج على الإنفاق على الزوجة والأطفال .
+ الغيبة : عندما يغيب الزوج وتنقطع أخباره.
+ العيب: عندما يكون هناك عيب مستحكم يحول دون المعاشرة.
+الإيلاء والهجر : حيث يهجر الزوج فراش الزوجة.
وهذا ما سنحلله كالآتي :
أولا: طلب التطليق لإخلال بشرط في عقد الزواج أو الضرر
1- طلب التطليق لإخلال بشرط :
قد تشترط الزوجة على زوجها بعض الشروط فيخل بها، كأن تشترط عليه أن لا تنتقل معه إلى مقر جديد للعمل بعيدا عن موطنها الأصل أو أن لا يتزوج عليها . وهي شروط لا تناقض العق لأن الزواج وعلى غرار أي التزام تبادلي-
– مع احتفاظه بطبيعة الاستثنائية المستمدة وخصوصياته من القواعد الشرعية – يقوم الإخلال بالشروط المضمنة به مبررا معقولا لطلب التطليق وفي هذا الصدد فقد أقرت المادة 99 من مدونة الأسرة، أن كل إخلال بشرط اتفاقي مضمن فحواه بعريضة عقد الزواج يعتبر مبررا لطلب التطليق ولكي ينتج هذا الشرط مفعوله وآثاره القانونية يتعين وجوبا ما يلي .
أ- أن يضمن الشرط صراحة في صلب عقد الزواج – مشفوعا بإشهاد العدلين .
ب-أن لا يخالف الشرط المذكور مقتضيات القانون أو النظام العام أو الأخلاق الحميدة ….
ومن ذلك مثلا أن تشترط الزوجة في أثناء العقد عليها أن لا يتزوج عليها زوجها… وإذا فعل يكون أمرها بيدها … إلى غير ذلك من الشروط المعتبرة قانونا وواقعا وشرعا، ويعتبر ضررا مبررا لطلب التطليق ، كل تصرف مشين أو مخل بالأخلاق الحميدة يلحق بالزوجة إساءة مادية أو معنوية ، وتجعلها غير قادرة على الاستمرار في العلاقة الزوجية .
2-طلب التطليق للضرر:
فإذا أضر الزوج بزوجته بأي نوع من أنواع الضرر الذي تصعب معه العشرة الزوجية كأن يضربها ضربا مبرحا أو يسبها أو يكرهها على محرم، أو كل سلوك مشين أو مخل بالأخلاق من سب وقذف وشتم وتشهير، أو أن الزوج يأتي أفعالا مخلة بالأدب العامة أو القيم الأخلاقية تسبب لها ضررا مادية أو معنوية حيث تصبح حياتها معه مكدرة واستمرار العلاقة الزوجية مستحلية .
أ-التطليق للضرر في الفقه الإسلامي والتشريع القانوني .
يذهب الفقه الحنفي والشافعي إلى عدم الأخذ بالتفريق للشقاق أو الضرر لأن الضرر يمكن إصلاحه عن طريق وعظ الزوج أو تحذيره أما الفقه المالكي والحنبلي فقول : إذا ادعت الزوجة الإضرار بها من طرف الزوج وبينت الأمر للقاضي- باعتراف الزوج : أو بالبينة – صحة دعواها وكان الضرر مما يتعذر معه دوام العشرة وعجز القاضي عن الإصلاح بينهما ، ورفض الزوج تسريحها فإنه يطلقها منه طلقة بائنة لقوله تعالى : وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا ، كذلك قوله تعالى:
فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، فالتحكيم ضروري فبل التسريح لأن الإمساك بمعروف يكون قد فات مما يحتم التسريح بإحسان والرسول صلى الله عليه وسلم قال ” لا ضرر ولا ضرار “.
أما بالنسبة للتطليق بسبب الضرر في التشريع فقد ظلت التشريعات العربية تحتكم إلى الموضوعية والمنطق واحترام كرامة الأسرة لما أمرت به الشريعة الإسلامية الغراء وخصوصا وإن مجال وطرق الاجتهاد تعطي متسعا للمشرع وهكذا فإن الكثير من في الدول الإسلامية نظمت التطليق للضرر رغم أنها تتبع مذهبي أبو حنيفة والشافعي حيث يكون قد أخذت في هذا الحكم بما قال بها لإمام مالك وابن حنبل ، وتشد أخرى فلا تجيز الفرقة إلا عن طريق القضاء للزوجين معا وبخصوص المرأة المتضررة من الطلاق لا بد من تعويضها من الضرر الحاصل لها من ذلك .
أما بالنسبة لتحديد الضرر فإن المشرع قد حدد بعض مظاهر الضرر كما شرحنا ، ولكن ترك السلطة التقديرية للقاضي ، كي يقف على جسامة هذه الأضرار مادية كانت أو معنوية ، إلا أنه لا يجب الاعتداد بالضر العادي الذي تحتمه مشقة الحياة، أو يفرض ذاته بفعل السنون، بل الضرر غير العادي الذي يشكل سلوكا مشينا وشاذا يقدر فيه القاضي مدى جسامته. أخذا بعين الاعتبار الظروف الشخصية للمرأة (كالصحة والمرض) ويضيف البعض من الباحثين ، أمثلة لذلك كالتالي ” الضرب المبرح، السكر المستمر، الهجر في الفراش ، القذف أمام الناس، إهانة الأقارب، الاعتداء على المال، تحويل البيت إلى محل للدعارة أو القمار أو بيع المخدرات،الخيانة الزوجية أو اتهام الزوجة بها أو إتيان المرأة من دبرها . لكن قد يصعب حقيقة تحديد الأضرار التي تلحق الزوجة وتجعلها تطلب التطليق نظرا باعتبارات تتعلق بثقافة وتربية الأطفال، ولمدى استجابتهم أو رفضهم لبعض التصرفات ويحدد مدى انغراس القيم والعقيدة في نفوسهم .
ب-إثبات الضرر:
يثبت الضرر بكل وسائل الإثبات الممكنة كالقرائن وشهادة الشهود الذين يتم الاستماع إليهم من طرف المحكمة .
كما يثبت بكل وسائل التحقيق التي تراها المحكمة مفيدة كإجراء البحث والمعاينة والخبرة وللمحكمة سلطة تقديرية في تقييم الأدلة والحجج المعروضة عليها .
وتجدر الإشارة إلى الاستماع إلى الشهود أو إجراء البحث والتحقيق يقع في جلسة بغرفة المشورة يحضرها أطراف النزاع فقط حفاظا على أسرار الأسرة.
ثانيا: التطليق لعدم الإنفاق
تعتبر النفقة على الزوجة واجب من الواجبات الملقاة على عاتق الزوج مادامت الزوجية قائمة حقيقة أو حكما ينص على ذلك المواد 194 إلى 196 من مدونة الأسرة وإذا أخل الزوج بهذا الواجب يحق للزوجة اللجوء للقضاء لطلب الإنفاق عليها وعند الاقتضاء تطليقها .
غير أن الفقهاء اختلفوا في حكم التطليق لعدم الإنفاق أما المشرع المغربي فقد سمح الزوجة بطلب التطليق بسبب عدم الإنفاق ، هذا ما سنتطرق إليه كالآتي:
1- موقف الفقه من التطليق لعدم الإنفاق.
2- السند القانوني أو موقف المشرع المغربي من طلب التطليق لعدم الإنفاق.
1-موقف الفقه من التطليق لعدم الإنفاق:
التطليق لعدم الإنفاق أقره كل من المذاهب المالكي والمذهب الحنبلي والمذهب الشافعي ورفضه المذهب الحنفي إلى جانب المذهب الظاهري.
وقد استدل الأئمة الثلاث لمذهبهم بالكتاب والسنة حيث استدلوا من الكتاب بقوله سبحانه وتعالى : ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ، ولا شك أن إمساك الزوج لزوجته مع الامتناع عن الإنفاق عليها يلحق بها ضررا بالغا يبرر تطليقها وفي هذا الشأن يقول تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ، أما دليلهم من السنة قوله عليه الصلاة والسلام ” لا ضرر ولا ضرار “.
وقد استدل أبو حنيفة لمنع التفريق بين الزوجين بسبب عدم الإنفاق بقوله تعالى: لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسها إلا ما أتاها سيجعل الله بعد عسر يسر ، وبقوله تعالى: وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة .
ويرى أن الحنفية أنه إذا لم يكن الزوج في هذه ظالما فلا يجوز أن تظلمه بإيقاع الطلاق عنه، وإن كان موسرا فهو بلا ظالم في امتناعه ، ولكن دفع ظلمه لا يتم بالتفريق بل هناك طرق أخرى لزجره كبيع ماله جبرا عنه الإنفاق على زوجته أو حبسه لإرغامه على الإنفاق وأيا كان فإن الظلم لا يرفع بالظلم .
أما الظاهرية فموقفهم يرتكز على أنه لا يوجد نص صريح في الكتاب والسنة يقرر دعوى التطليق لعدم الإنفاق .
والمشهور في المذهب المالكي أن المرأة إذا تزوجت وهي عالمة بفقر زوجها لا يمكنها أن تطالب بالتطليق لعدم الإنفاق، وأن المرأة التي لا ينفق عليها زوجها لا تجبر على رفع دعوى التطليق لعدم الإنفاق بل هي مخيرة في ذلك، كما أن الزوجة التي غاب عنها زوجها لا يمكنها أن تطالب بالتطليق لعدم الإنفاق وإنما يمكنها المطالبة بالتطليق للغيبة . كما نص المشرع في مدونة الأسرة.
2-موقف المشرع المغربي من التطليق لعدم الإنفاق:
أخذ المشرع المغربي طبقا لما نصت عليه المادة 102 من مدونة الأسرة بما اتفق عليه الفقه بصدد التطليق لعدم الإنفاق حيث تقاضى المرأة زوجها من أجل الإنفاق عليها، كما يمكنها أن تطلب التطليق لعدم الإنفاق ، وفي هذه الحالة فإن المحكمة تقرر وسائل لتنفيذ نفقة الزوجة عليه، إذا كان له مال يمكن استخلاص مبلغ النفقة منه، كأن يكون تاجرا وله مدا خيل من قبل أو موظف أو مستخدم وله أجر شهري في هذه الحالة لا تستجيب المحكمة لطلب التطليق مادامت الزوجة ستتسلم مبلغ النفقة .
أما إذا تبث بأنه عاجز عن الإنفاق وليس له مال يمكن استخلاص مبلغ النفقة منه، تحدد المحكمة وحسب ظروف الحال في أجل لا يتعدى ثلاثين يوما لينفق خلالها على زوجته فإن لم يفعل طلقت عليه إلا إذا كانت هناك ظروف قاهرة أو حالة استثنائية حالت دون ذلك .
أما إذا أصر الزوج على عدم الإنفاق ولم يثبت العجز فإن المحكمة تطلقها عليه وفي جميع الأحوال فإن الطلاق لعدم الإنفاق يعتبر طلاقا رجعيا ، حيث يمكن للزوج مراجعة زوجته بعد أن يثبت يسره واستعداده للإنفاق .
ثالثا: التطليق للغيبة
من بين الحقوق المتبادلة بين الزوجين معاشرة ومساكنة أحدهما للآخر، ويترتب عن خرق هذا الالتزام الأساسي من طرف الزوج إمكانية طلب الزوجة من القاضي الحكم بتطليقها من أجل الغيبة ، وللإمام بهذا الموضوع سنتطرق لموقف الفقه الإسلامي من التطليق للغيبة ثم نبين سنده القانوني في التشريع المغربي لنختم بشروط التطليق للغيبة .
1-موقف الفقه الإسلامي من التطليق للغيبة:
لقد تضاربت الآراء الفقهية حول حق المرأة في طلب التطليق بسبب غيبة زوجها عنها فهناك رأي معارض ورأي مؤيد – الأول يرى أصحابه ( الحنفية والشافعية والظاهرية والزيدية ) أن الغيبة لا يمكن أن تكون سببا مباشرا للتطليق واستدلوا بما يلي :
*أنه لا يوجد في الكتاب والسنة ما يفيد جواز التفريق لأجل الغيبة.
*الأخذ بالأصل القائل أن الطلاق لا يملكه إلا الزوج .
بينما يرى أصحاب الرأي الثاني ( الإمام مالك، والإمام أحمد بن حنبل ) فيستدلان على ذلك بقوله تعالى: فامسكوهن بمعروف أو فارقهن بمعروف ، وقوله عز وجل: لا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ، فيذهب هذا الرأي إلى جواز التفريق إذا طالت غيبة الزوج وتضررت بها المرأة كأن تخشى على نفسها الخروج عن الطريق السوء أو تنصرف إلى المزالق إن بقيت مرتبطة بزجها رغم غيابه ولو كان لها مال تنفق منه .
2- شروط التطليق للغيبة وسنده القانوني في التشريع المغربي.
صار المشرع المغربي ما قال به الإمام مالك حيث اشترط غياب سنة كاملة لكي ترفع الزوجة دعوى على زوجها الغائب إذا تضررت من هذا الغياب بالرجوع إلى مقتضيات المادة 104 من المدونة يتضح على أن دعوى التطليق للغيبة لم تعد تشترط سوى غياب الزوج عن زوجته لمدة سنة فيما تم إقصاء باقي الشروط التي كانت ينص عليها الفصل 57 من مدونة الأحوال الشخصية السابقة، فبينما تتأكد المحكمة من أحقية أو حقيقة وقوع الغيبة وأمدها الزمني بجميع الوسائل وكان للزوج عنوان أو محل إقامة فإنها تبلغه عريضة دعوى الطالبة ( الزوجة) ليبدي أوجه دفعاته النظامية والموضوعية بشأنها مع إشعاره بأن في حالة ثبوت الغيبة ، ستحكم المحكمة بالتطليق ما لم يحضر للإقامة مع زوجته أو ما لم ينقلها إليه … أما في الحالة الثانية والتي يكون خلالها الزوج المطلوب في دعوى التطليق مجهول العنوان ، اتخذت المحكمة في هذه الحالة بمساعدة ، وتنسيق مع مؤسسة النيابة العامة ما تراه من إجراءات مسطريه وتدابير موضوعية تساعد على تبليغ الزوجة إليه بما في ذلك تعيين قيم عنه فإن لم يحضر طلقتها عليه ، لكن ماذا عن طلب التطليق بسبب الحبس أو السجن ؟
يقول ابن تيمية في فتاويه ” القول في امرأة الأسير و المحبوس ونحوهما مما يعذر انتفاع امرأته به ، إذا طلبت فرقته كالقول في امرأة المفقود” .
فالفقه الحنفي والشافعي إنه لا يقول بالتطليق بسبب حبس الزوج، أما الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل فإنه يرى أن للمرأة حق طلب التطليق بحبس زوجها ، لأن حبسه يوقع الضرر بها لبعده عنها، كما هو الحال في الغيبة ، والواقع أن تضررها لحبسه، أشد كثيرا من تضررها لغيابه فإلى جانب الغياب هناك الضرر المعنوي لكونه محبوس نتيجة عمل غير مشروع.
والزوجة كما تتضرر بالأقوال – الكلام الفاحش – إلى الأفعال – من ضرب وغيره – فإنها تتضرر كذلك من غياب زوجها عليها ضررا ماديا ومعنويا والغيبة تعني إقامة الزوج في بلدة غير البلدة التي تقيم فيها الزوجة، أما الغيبة الناتجة عن هجر بيت الزوجية والقيام بنفس البلدة فلا تنظمها أحكام التطليق للغيبة.
فإذا رفعت الزوجة الدعوى للقاضي للطليق بسبب غياب الزوج وأثبتت دعواها، وكان الزوج معروف الجهة، حيث يمكن للرسائل أن تصل إليه وتأكد القاضي من ذلك فإنه يستجيب لطلبها نلاحظ أن المشرع المغربي كرس أحقية المرأة في طلب التطليق للغيبة ورفع الضوابط القيدية التي كانت تضيق الخناق على إمكانية سلوك مسطرته، فيسرت إجراءاته النظامية وكذلك العراقيل عن تدابيره الموضوعية ، حرصا على المحافظة على كينونة المرأة وحقوقها الطبيعية، وحتى في حالة توفر الزوج على مال ظاهر بإمكانه إعالة طوال مدة غيابه فالمسألة تتعلق بمبدإ إنساني ومعنوي اكثر من مادي وهي في طبيعتها تكتسي بعدا أخلاقيا خاصة وأنه يخل بأهم المبادئ الأساسية للحياة الزوجية وعلى رأسها المساكنة والمعاشرة بالمعروف، وتتقوى هذه الضمانات أيضا حتى في شقها الزجري ولا سيما أن المرأة التي يغيب عنها زوجها متى كانت أما أو حاملا يمكنها أن تلتجأ قبل ذلك إلى مسطرة إهمال الأسرة المنصوص عليها في المادة 479 من القانون الجنائي والذي يقضي بأنه يعاقب بالحبس من شهر إلى سنة وغرامة مالية يتراوح مقدارها بين 200 إلى 2000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط كل من الأب أو الأم الذي يترك بيت الأسرة دون موجب قاهر لمدة تزيد عن الشهرين وتملص من كل أو بعض واجباته المعنوية والمادية الناشئة عن الولاية الأبوية أو الوصاية أو الحضانة، ويطبق نفس الحكم على الزوج الذي يترك عمدا الأكثر من شهرين ودون موجب قاهر زوجته وهو يعلم أنها حامل.
المشرع المغربي تدارك الأمر في مدونة الأسرة ونص على التطليق بسب الحبس أو السجن كما هوا لشأن لكثير من التشريعات العربية ، وقد كان القضاء في السابق يستند إلى إحكام الفصل 56 من مدونة الأحوال الشخصية الذي ينظم أحكام التطليق للضرر .
فطبقا لمقتضيات المادة 106 من مدونة الأسرة فإنه إذا صدر على الزوج حكم نهائي بالحبس أو السجن أكثر من ثلاث سنوات جاز لزوجته أن تطلب التطليق بسبب ذلك بعد انصرام سنة من اعتقاله والعبرة في ذلك هو تضررها من بعده عنها كما يمكنها تقديم الطلب بعد مرور سنتين من تاريخ اعتقاله سواء صدر حكم أو لم يصدر .
رابعا: التطليق بسبب العيب
ينبني الزواج على المودة والألفة والرحمة والمساكنة والمعاشرة بين الزوجين واستمتاع بعضهما بالبعض ، لكن قد تطرأ عيوب أو أمراض تحول دون ذلك ، فإن لم تستطيع الزوجة الصبر على هذه العيوب، رفعت دعواها للقضاء قصد التطليق والعيوب قد تكون بالرجل أو بالمرأة ، إذن ما هو تعريف العيب المقصود هنا ؟ وما هو موقف الفقه الإسلامي ؟ ثم ما هو السند القانوني للتطليق للعيب في التشريع المغربي ، وأخيرا ما هي العيوب التي تعطي الحق لإنهاء العلاقة الزوجية؟ .
1 تعريف العيب:
العيب في اللغة جمعها أعياب وعيوب والمعاب والمعيب والعيب والوصمة والعار والمعايب .
أما في الاصطلاح فهو نقص بدني أو عقلي في أحد الزوجين يمنع من تحصيل مقاصد الزواج والتمتع بالحياة الزوجية .
2-موقف الفقه الإسلامي من التطليق للعيب .
لقد اختلف الفقهاء حول موضوع التفريق للعيب اختلافا كبيرا ، فقد ذهب الظاهرية إلى أنه لا يحق مطلقا لأحد الطرفين المطالبة بالتفريق علة حتى ولو كانت من العلل الجنسية، وهو ماروي عن عمر ابن عبد العزيز ومال إليه لشوكاني وابن حزم ، لأنه لا يوجد بشأن هذا التفريق دليل شرعي يمكن الاعتماد عليه وإنما هناك مجرد أقوال للصحابة والتي تعد مجرد أراء اجتهادية لا تبنى عليها الأحكام الشرعية.
وذهب جانب من الأحناف والحنابلة بالخصوص إلى أن كل عيب بأحد الزوجين لا يحصل بسببه المقصود من الزواج، من تناسل أو توافر المودة بينهما بموجب الخيار بينهما.
أما المالكية فقد اتخذت موقفا وسطا بخصوص مسألة التفريق للعيب حيث أنها قررت أن كل عيب لا يصلح لكي يكون سببا لطلب التفريق هناك بعض العيوب فقط يمكن الاعتماد عليها في التفريق إذا كانت تؤدي إلى عكس الهدف المتوخى من الزواج وبالرغم من اتفاق جمهور العلماء حول هذه المسألة فقد اختلفوا حول مسألة من يثبت له حق الخيار من الزوجين .
3-السند القانوني للتطليق للعيب في التشريع المغربي :
طبقا للمادة 107 من مدونة الأسرة الجديدة فإن العيوب المؤثرة على الحياة الزوجية ، وتعتبر موجبا معتبرا لطلب التطليق للعيب .
ما يلي :
+ العيوب المانعة من المعاشرة يتعين فيها التميز بين تلك العائدة للرجل ونظيرتها العائدة للمرأة هذا ما تجمع عليه المذاهب السنية بجميع توجهاتها.
+ الأمراض الخطيرة على الحياة الزوجية للآخر، أو على صحته لا يرجى الشفاء منها داخل سنة من وقوعها ومن ذلك داء فقدان المناعة المكتسبة والأمراض المعدية الخطيرة والعيوب المؤثرة على الحياة الزوجية كالجنون والجذام والبرص والسل وغيرها من العيوب المماثلة.
ويشترط النظر في إمكانية الاستجابة لطلب التطليق للعيب – في ظل المقتضيات الجديدة التي جاء بها قانون مدونة الأسرة – توافر الشروط التالية :
+ ثبوت العيب المحتج به من قبل احد الزوجين مع إجبارية إقامة الدليل عليه تقنيا ويستعان في ذلك بأهل الخبرة والأخصائيين ولا سيما الأطباء منهم في معرفة العيب أو المرض طبقا للمادة 111 من المدونة تأسيسا على ما استقر عليه العمل الفقهي والقضائي المقارن المصري مثلا في إحدى قراراته الصادرة عن محكمة الاستئناف بالإسكندرية .
+ عدم صدور ما يثبت الرضى بالعيب من لدن طالب الفسخ بعد العلم بتعذر الشفاء.
كما أن المشرع المغربي قرر من خلال المادتان 109 و 110 أن التطليق للعيب تترتب عليه مجموعة من الآثار القانونية الشرعية، ففي حالة وقوعه عن طريق القضاء قبل البناء فإن الزوج غير ملزم بسداد قيمة الصداق ، أما إذا وقع بعد البناء فإن اللزوم الأحقية في الرجوع بقدر الصداق على من غرر به أو كتم للعيب قصدا أو عمدا، وإذا علم الزوج بالعيب قبل البناء لزمه نصف الصداق .
كذلك هناك مسألة لم يتعرض لها المشرع بنص صريح وهي انعدام البكارة هل يرقي إلى مرتبة العيب الموجب للتطليق؟ مع ما يترتب عن ذلك شرعا من أثار قانونية فالقضاء هنا كان سباقا في إقرار أحكاما خاصة بها وهي أحكام أجمعت على كون انعدام البكارة بالزوجة لا يعد عيب يلزم الرد ، ما لم يشترطها الزوج بالعقد ، كما هو الشأن بالنسبة للقرار الصادر عن محكمة الاستئناف بمراكش بتاريخ 18 يوليوز . 1968.
3-استعراض العيوب التي تعطي الحق لإنهاء العلاقة الزوجية .
لا يمكن حصر العيوب ، في عدد بعينه ، فمن الفقهاء من توسع فأجاز التفريق بين الزوجين ومنهم من ضيقه ،ومنهم من سلك طريقا وسطا
+ العيوب الخاصة بالزوج:
العيوب الخاصة بالرجل هي بالأساس عيوب تناسلية مثل الجب والخصاء والعنه
+ العيوب الخاصة بالزوجة:
وهي عيوب تتعلق بالجهاز التناسلي للمرأة كالرتق والقرن والعفل والإفضاء والبخر .
+العيوب المشتركة بيت الزوجين :
العيوب المشتركة بين الزوجين كثيرا نظرا لأنها تخرج عن الجهاز التناسلي للرجل والمرأة فهي لا علاقة لها بذات الشخص كالعيوب العقلية والجذام والبرص والعذيطة والعقم.
ويمكن لأحد الزوجين طلب التطليق للعيب، الذي قد يكون مستحكما بأحدهما خصوصا منها العيوب المانعة من المعاشرة كما سبق التفصيل في ذلك ، وكذا الأمراض الخطيرة على الزوج الأخر أو على صحته التي لا يرجى الشفاء منها داخل مدة سنة .
وهي حالات يجب على القاضي أن يستجيب فيها لطلب التطليق خصوصا وأن الرجاء في شفائها مستبعدا وكذا عيوب الفرج التي يستعصى شفاؤها كالجب والخصاء والعنه وغيرها ، أما العيوب التي يؤمل شفاؤها فإن القاضي أن يمهل سنة العلاج فإن لم يشفى الزوج المريض طلق عليه زوجه.
خامسا: التطليق للإيلاء أو الهجر
الإيلاء عادة كانت منتشرة عند عرب الجاهلية واستمرت بعد مجيء الإسلام حيث كان تعدد الزوجات ظاهرة غالبة إلى جانب الإماء والجواري ، وأما اليوم حيث اختفت الجواري نهائيا وأصبح التعدد مهجورا فإن الزوج لا يلتجأ إلى الإيلاء إلا إذا كان منحرفا أو شاذا .
وقد نظم الذكر الحكيم أحكام الإيلاء بنصوص جد صريحة وطبقا لذلك نظمت مدونة الأسرة الإيلاء والهجر وجعلته مبررا لطلب التطليق وذلك بموجب المادة 112.
فما هو الإيلاء؟ وما هي شروطه ، وما هو سنده القانوني في التشريع المغربي
1-تعريف الإيلاء:
الإيلاء في اللغة : هو الحلف على فصل الشيء أو على تركه، تقول أليت أن أفعل كذا حلفت وأقسمت ومنه قوله تعالى : ولايأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يأتوا أولى القربى ، وهو اليمين والحلف مطلقا سواءا كان ترك وطء زوجته أو غيره.
وفي الاصطلاح الفقهي هو حلف الزوج أن لا يجامع زوجته أو على ترك معاشرتها لمدة تزيد على أربعة أشهر أو تعلق ذلك على أمر فيه مشقة على نفسه
وقد عرفه ابن عرفة بأنه ” … حلف زوج على ترك وطء زوجته بموجب خيارها في تطليقه ” .
2-شروط الإيلاء :
لتحقيق الإيلاء لا بد من الشروط التالية :
+ أن تكون للزوجة قائمة بين الموالى عليها حقيقة أو حكما.
+أن يكون الزوج مسلما عاقلا وقادرا على إتيان زوجته، فإن كان مجنونا أو معتوها، أو مجبوبا أو مريضا مرض شديد ما صلح إيلاؤه من الناحية الشرعية.
+أن يحلف الزوج على زوجته على ترك الوطء اكثر من أربعة أشهر ولو بيوم واحد عند المالكية بخلاف الأحناف الذين يجعلونها أربعة أشهر فقط .
3-السند القانوني للتطليق بسبب الإيلاء والهجر.
يلاحظ من خلال ما سبق أن المشرع المغربي أخد بما ذهب إليه الفقه حيث أن التطليق بسبب الإيلاء يؤجله القاضي أربعة أشهر فإن لم يعد الزوج أي لم يمسها في الأربعة الأشهر طلقها عليه وفق للضرر وهذا قول المالكية والحنفية، هؤلاء قالوا بعدم المراجعة لأنه أساء استهلاك حقه بامتناعه عن الوطء بغير عذر .
المشرع المغربي اعتبر الطلاق الناتج عن الإيلاء والهجر طلاقا رجعيا يعطي الحق للزوج في مراجعة زوجته أثناء فترة العدة ويجب أن تكون الرجعة مصحوبة بالوطء حتى لا يتضرر الزوج أكثر وإلا اعتبر فترة الهجر أطول وهكذا إذا رجع الزوج عن إيلاءه وباشر زوجته سقطت الدعوى وعليه الكفارة لقوله تعالى :
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم عليه الإيمان فكفارته طعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون به ألهيكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم.
اترك تعليقاً