نظرة قانونية في إزدراء الأديان

إعادة نشر بواسطة محاماة نت

تؤكد معظم دساتير الدول الحديثة على حماية كاملة أو شبه كاملة لحرية العقيدة الدينية وترفض أي نوع من أنواع التمييز لأسباب دينية أو لأسباب ترتبط بالعقيدة الدينية.

والدستور السوري من بين هذه الدساتير التي أكدت على حرية الاعتقاد وحرية ممارسة الشعائر الدينية، إذ نص في المادة الثالثة منه، على: “تحترم الدولة جميع الأديان وتكفل حرية القيام بجميع شعائرها على أن لا يخل ذلك بالنظام العام”.

وقد تدرجت الضمانات الدولية لحرية المعتقد من حالة التسامح الديني مع انتهاء الحرب العالمية الأولى، إلى رفض التمييز القائم على الدين أو المعتقد في نهاية القرن العشرين وإقرارها في مختلف المواثيق الدولية.

وتركز البحث في اتفاقيات السلام التي وضعت حداً للحرب العالمية الأولى حول مسألة حماية الأقليات، التي كانت في الغالب أقليات دينية، وضرورة حماية حرية المعتقد ورفض انتهاكه إلا في الحدود التي يفرضها النظام العام والعادات السليمة. وبعد الحرب العالمية الثانية، وبسبب أعمال الإبادة التي تعرضت لها بعض المجموعات الدينية في أوروبا على أيدي النازيين، شدّد الحلفاء على مبدأ حرية العقيدة الدينية أكثرَ من تشديدهم على مبدأ حماية الأقليات الدينية، مؤمنين أن انتصارهم على الأعداء، ضرورة ملحة من أجل الدفاع عن حرية المعتقد وحماية حقوق الإنسان والعدالة، ليس في بلادهم فحسب، بل في البلدان الأخرى أيضاً. ورغم هذا التوجه الإيجابي الذي ورد في عبارات واضحة في هذا التصريح، إلا أننا لم نلحظ هذه الإيجابية في ميثاق الأمم المتحدة الذي تحدث فقط عن حقوق الإنسان والحريات العامة، دون أن يحدد ما إذا كانت حرية المعتقد هي من الحرية العامة الأساسية مثلها مثل حرية التعبير؟

ولم تتضح الصورة إلا مع صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، حيث نص هذا الإعلان في المادة الثامنة عشر منه على أنّ: “لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم بمفرده أو مع جماعة وأمام الملأ أو على حدى”. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الإعلان لم يكن يشكّل أي التزام قانوني يفرض على الدول الموقعة عليه الالتزام به، إلا أن المسألة ما لبثت أن حلت بعد أن تحول الإعلان إلى قرار إلزامي مع صدور الاتفاقية الدولية المتعلقة بالحقوق المدنية والسياسية عام 1966. وفي ضوء ذلك يمكن تحديد المقصود بهذه الحرية أن يعتنق الإنسان الدين أو المعتقد الذي يرغب وأن يكون حراً في ممارسة شعائر ذلك الدين في السر والعلانية. كما لا يجوز أن يُفرض عليه دين معين أو أن يُجبر على مباشرة المظاهر الخارجية أو الاشتراك في الطقوس المختلفة لغير دينه، وأن تؤمَّن له الحماية ضد أي نوع من أنواع التمييز الذي قد يُمارس عليه بسبب معتقداته الدينية.

والحقيقة، فإن هذه الحرية ليست مطلقة، إذ من الممكن أن توضع لها بعض الضوابط من أجل حماية حق الآخرين في ممارسة حريتهم، ومن أجل تأمين النظام العام والاستقرار الداخلي. من هنا، فإن حرية التعبير عن المعتقد وممارسة الشعائر المرتبطة به يجب أن تتم ضمن إطار احترام حقوق الآخرين وبشكل لا يؤدي إلى التمييز الذي يهدد معتقدات وشعائر الأديان الأخرى.. لذلك نجد أن قانون العقوبات السوري نص في المادة 462 على أنّ: “مَن أقدمَ بإحدى الطرق المنصوص عليها في المادة 208 على تحقير الشعائر التي تمارس علانية أو حثَّ على الازدراء بإحدى تلك الشعائر عُوقب بالحبس من شهرين إلى سنتين”. ويعاقب في المادة 463 من ذات القانون بالحبس من شهر إلى سنة، مَن أحدث تشويشاً عند القيام بتلك الطقوس أو بالاحتفالات أو الرسوم الدينية المتعلقة بتلك الطقوس، أو عرقلها بأعمال الشدة، أو التهديد أو هدم أو حطّم أو شوّه أو دنّس أو نجّس بناءً مخصصاً للعبادة، أو شعاراً أو غيره مما يُكرِّمه أهل ديانة أو فئة من الناس.

وختاماً، فإن ما نشهده على صفحات التواصل الاجتماعي وفي بعض الوسائل الإعلامية من تهجم على الأديان والتعرض لها، تحت مسمى العلمانية أو الشيفونية أو إعلان (الالحاد) بذريعة استنكار أفعال التنظيمات الإرهابية (داعش وأخواتها)، للنيل من الدين الإسلامي والتهجم عليه، إنما يعتبر في نظر القانون جريمة يعاقب عليها في النصوص السابقة، ويشكّل اعتداءً سافراً على حرية المعتقد وتجاوزاً على قواعد النظام العام؛ فلا يمكن بأي حال من الأحوال قبول المبرر الذي يتذرع به هؤلاء فالإسلام لم يكن يوماً تنظيم “داعش” أو “جبهة النصرة”، أو غيرها من التنظيمات الإرهابية، بل هو دين التسامح والإخاء والمساواة، دين مدنية وحضارة، دين إنسانية وعدالة، دين أخلاق، دين يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، دين يحرم الحرام الذي يضر بالمسلمين ويحلل الحلال الذي ينفعهم، وشذوذ البعض عن هذه المفاهيم والقيم لا ينال من الإسلام وعظمته.. لذلك ندعو إلى التشدد في ملاحقة مرتكبي جرائم ما يمس الشعور الديني وعدم التهاون فيها أو التغاضي عنها لأنها تهدد مفهوم الوحدة الوطنية من جهة، ومبدأ الأمن العام من جهة أخرى.

شارك المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر بريدك الالكتروني.