نظرة حول القانون الدولي الإنساني
القانون الدولي الإنساني international humanitarian law هو فرع من فروع القانون الدولي العام، الذي يُقسم نظرياً إلى قسمين: القانون الدولي العام زمن السلم، والقانون الدولي العام زمن النزاعات المسلحة، ليتضمن هذا الأخير بدوره قانونين: القانون الدولي الإنساني، وقانون النزاعات المسلحة.
تعريفه:
هو مجموعة القواعد القانونية التي تهدف إلى حماية ضحايا مختلف أنواع النزاعات المسلحة دولية كانت أم غير دولية، من أشخاص وأعيان.
وقواعد هذا القانون هي قواعد ذات صفة إلزامية سواء أكانت قواعد مكتوبة أم عرفية، لتختلف بذلك عن القواعد الأخلاقية وقواعد المجاملة الدولية.
نطاق الحماية التي توفرها قواعد هذا القانون
تشمل الحماية التي يوفرها هذا القانون الفئات الآتية:
1ـ الأشخاص: وهم المدنيون بفئاتهم المختلفة من نساء ورجال وأطفال، ومن مقاتلين أصبحوا عاجزين عن القتال لكونهم جرحى أو مرضى، أو أولئك الذين يستسلمون للعدو ليصبحوا أسرى أو معتقلين. كما تشمل الحماية الأشخاص والمؤسسات التي يؤمّن لها القانون الدولي الإنساني حماية خاصة، ويظهر ذلك عن طريق شارات مميزة لأفراد هذه المؤسسات وآلياتهم كالصحفيين، وأفراد الوحدات الصحية، وعناصر المنظمات الإنسانية التي تعمل لتخفيف ويلات النزاع المسلح.
2ـ الأعيان المدنية والثقافية والمعالم الأثرية والمنشآت الدينية وأماكن العبادة والمشافي، أي كل الأعيان التي ليس لها طابع حربي أو ضرورة عسكرية.
تطبيقه:
يقع واجب احترام وتطبيق قواعد هذا القانون أولاً على عاتق الدول، ويظهر هذا الالتزام في المادة الأولى المشتركة بين اتفاقيات جنيف لعام 1949، (التي تسمى قانون جنيف) إذ جاء فيها: «تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة high contracting parties بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال»، إضافة إلى المنظمات الدولية العالمية والإقليمية حين لجوئها إلى استخدام القوة المسلحة لحل النزاعات الدولية، وأخيراً المنظمات غير الحكومية التي تعمل في إطار المساعدات الإنسانية زمن النزاعات المسلحة (كاللجنة الدولية للصليب الأحمر [رَ]، وأطباء عبر الحدود، وغيرها).
تؤدي اللجنة الدولية للصليب الأحمر دوراَ مهماَ في نشر مبادئ وقواعد القانون الدولي الإنساني، كما تعمل على تطوير قواعده وتقنين أعرافه حتى يتم تلافي ما في العرف الدولي من ثغرات. علماً أن اتفاقيات جنيف لعام 1949 واللِحَق (البروتوكول) الأول لعام 1977، كانت قد سمحت بإمكانية قيام اللجنة الدولية للصليب الأحمر بدور الدولة الحامية في حال فشل التوصل إلى اختيار هذه الأخيرة. لكن المهمة الرئيسية للجنة تبقى مد يد العون لضحايا النزاعات المسلحة، وخاصة في حالة النزوح. أما في حالة اللجوء فيعود الدور الأهم إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة [رَ].
نشأته
لم يعرف اليونان والرومان أنسنة قواعد الحرب، ليبقى السلوك الإنساني نادراً كموقف الرواقيين، أو الإسكندر الكبير حينما عفا عن ملك الهند عام 326. غير أن أثر المسيحية بدا واضحاً في سلوك المتحاربين، ولكن الإسلام كان أكثر الأديان تفصيلاً في السلوك الواجب اتباعه في الحروب سواء كان ذلك في آيات القرآن الكريم أم في السنة النبوية أم في وصايا الخلفاء الراشدين وأمراء الجيوش.
تطوره
بدأ القانون الدولي الإنساني المعاصر مسيرته مع اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان لعام 1864، ثم تلتها اتفاقية جنيف لعام 1906، واتفاقيات عام 1929 و1949 و(بروتوكول) عام 1977. ويبلغ عدد اتفاقيات القانون الدولي الإنساني وقانون النزاعات المسلحة (ما يعرف بقانون الأحكام) حتى تاريخه 91 اتفاقية، كان آخرها نظام روما الأساسي لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة أخطر الجرائم التي تمس الأمن والسلم الدوليين، وهي جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، وجريمة الإبادة الجماعية وجريمة العدوان.
مصادره
يعد العرف الدولي المصدر الأول لقواعد هذا القانون، لكن تطور حركة التقنين أدت إلى جعل الاتفاقيات الدولية المصدر التشريعي الرئيس فيه، من دون أن يفقد العرف ما له من قوة ملزمة، خاصة عندما يصبح عالمياً ليلزم عملياً الدول غير الأطراف في اتفاقات القانون الدولي الإنساني بالخضوع لأحكامه.
خصائصه
يقوم هذا القانون على مبادئ عدة أهمها:
1 ـ مبدأ عدم التمييز: أي المساواة في المعاملة من دون تفضيل بعض الفئات على الفئات الأخرى.
2 ـ مبدأ الأمن: أي عدم تحميل أي شخص عواقب عمل لم يقترفه، وبذلك يتم رفض العقوبات الجماعية وأخذ الرهائن وغيرها.
3 ـ مبدأ صيانة الحرمات: ويقصد بذلك حماية القيم الأساسية التي استقرت الدول وغيرها من أشخاص دولية على اعتبار أنها قيم لا يجوز المساس بها مثل الحق في الحياة، والحد الأدنى من الكرامة للأشخاص، وحظر التعذيب وغيرها.
4 ـ مبدأ التناسب بين مفهومين متعارضين وهما الإنسانية والضرورة العسكرية.
5 ـ مبدأ التفرقة بين المدنيين والعسكريين، لما في ذلك من أهمية خاصة في ميدان الحقوق التي قررها القانون الدولي الإنساني لكل فئة من هاتين الفئتين.
أهميته ومجالات تطبيقه
تأتي أهمية قواعد القانون الدولي الإنساني من تنامي اللجوء إلى العنف المسلح على المستوى الدولي وعلى المستوى الداخلي في آنٍ معاً، حيث يشهد العالم تزايداً ملموساً في عدد النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، ومن ثم تزايداً في عدد ضحاياها؛ مما يدعو إلى التركيز على أهمية نشر قواعد هذا القانون زمن السلم، خاصة بين صفوف القوات المسلحة التي ترتكب عادة كثيراً من الانتهاكات نتيجة جهلها بهذه القواعد القانونية. وليشمل النشر فئات غير مقاتلة مثل القضاة ورجال الأمن وطلاب المدراس والجامعات وخاصة طلاب كليات الحقوق والإعلام، إضافة إلى القائمين على الشأن السياسي والتشريعي في الدول.
أمل يازجي
اترك تعليقاً