نظرة قانونية حول سحب مشروع قانون هيئة مكافحة الفساد
* المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين
قامت الحكومة وبشكل مفاجئ بسحب مشروع القانون المعدل لقانون هيئة مكافحة الفساد من مجلس النواب والذي أثار جدلا واسعا في الأوساط الإعلامية والبرلمانية وتحديداً المادة (23) منه والتي اعتبرها النواب أنها تستهدف تقييد حرية الصحافة وذلك من خلال تجريم كل من أشاع أو عزا أو نسب من دون وجه حق إلى أحد الأشخاص أو ساهم في ذلك بأي وسيلة علنية كانت أياً من أفعال الفساد بشكل أدى إلى الإساءة لسمعته أو المس بكرامته أو اغتيال شخصيته, لذلك فقد قرر مجلس النواب شطب هذه المادة بالكامل من مشروع القانون باعتبارها تكمم الصحافة والحريات الاعلامية إلا أن مجلس الأعيان قد أصر على إبقائها في القانون.
إن رد الفعل النيابي على ما قامت به الحكومة قد جاء على لسان النائبين عبد الله النسور ومحمود الخرابشة واللذين اعتبرا أن سحب الحكومة لمشروع القانون يشكل مخالفة للنظام الداخلي لمجلس النواب وتحديدا الفقرة ب من المادة (65) منه والتي تنص على أنه “يجوز لمجلس الوزراء استرداد مشروع القانون قبل التصويت على احالته للجنة المختصة”. حيث أكد النائبان السابقان أن مجلس النواب قد أحال مشروع القانون المعدل لقانون هيئة مكافحة الفساد إلى اللجنة القانونية المختصة التي ناقشته وأقرته في وقت سابق مما يجعل من أمر سحبه واسترداده من قبل الحكومة مخالفا للنظام الداخلي لمجلس النواب.
إن مثل هذه التصريحات التي صدرت عن النائبين النسور والخرابشة يجب أن لا يعتد بها كونها لا تستند إلى أساس قانوني ودستوري سليم, فالفقرة ب من المادة (65) من النظام الداخلي لمجلس النواب قد سبق وأن أعلن عدم دستوريتها في القرار الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور رقم (1) لسنة 2001 والمتضمن الإجابة عما إذا كان يمتنع على رئيس الوزراء بمقتضى أحكام الدستور استرداد مشروع قانون سبق وأن أحاله إلى مجلس النواب سواء كان المجلس منعقدا أو منحلا حيث قرر المجلس العالي بالإجماع أنه يحق لرئيس الوزراء استرداد مشروع أي قانون من مجلس النواب في أي وقت يشاء حتى وإن تم التصويت على إحالته للجنة المختصة, كما جاء في القرار نفسه أن الفقرة ب من المادة (65) من النظام الداخلي لمجلس النواب غير دستورية ويجب تعديلها على اعتبار أن الحكومات المتعاقبة ومنذ صدور دستور عام 1952 كانت تقوم باسترداد مشاريع القوانين التي سبق وأن أحالتها إلى مجلس النواب, بالتالي فقد تحولت تلك الممارسة إلى عرف دستوري مستقر يجب عدم النص على مخالفته في النظام الداخلي لمجلس النواب, فالقرار السابق كما يعلم النائبان المحترمان قد أصبح جزءا لا يتجزأ من النص الدستوري ويُقرأ معه وبالتالي تكون له الأولوية في التطبيق على أحكام النظام الداخلي.
إن المشكلة الأساسية تتمثل في أنه رغم مرور أكثر من عشر سنوات على إعلان عدم دستورية الفقرة ب من المادة (65) من النظام الداخلي المجلس النواب إلا أن المجلس لم يحرك ساكنا لتعديل نظامه الداخلي وفق مقتضيات الحاجة, أما المشكلة الأخرى فهي أن تصدر مثل هذه التصريحات المخالفة للواقع والقانون عن نائبين مخضرمين بحجم عبد الله النسور ومحمود الخرابشة والذي هو بالمناسبة عضو في اللجنة القانونية لمجلس النواب حيث يفترض بالنائبين المحترمين أن يكونا في مقدمة الأشخاص الذين ينادون بتعديل أحكام الفقرة ب من المادة (65) من النظام الداخلي لمجلس النواب عوضا عن التمسك بها من دون وجه حق في مواجهة رئيس الوزراء التي تعتبر الإجراءات التي قام بها بسحب مشروع القانون المعدل لقانون هيئة مكافحة الفساد موافقة للقواعد الدستورية المرعية في النظام الدستوري الأردني.
اترك تعليقاً