إعادة نشر بواسطة محاماة نت
صدر عن السيد رئيس الجمهورية بشار الأسد القانون رقم 5 لعام 2016 حول التشاركية بين القطاعين العام والخاص ويهدف إلى تنظيم عملية إنشاء وتشغيل المرافق العامة ومشاريع البنية الأساسية في إطار استراتيجية الدولة لتشجيع وزيادة مشاركة القطاع الخاص في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق العدالة بين القطاعين في فرص الاستثمار، وبما يكفل سهولة تنفيذ عقود الشراكة مع تعظيم موارد الدولة المالية وضمان الوصول إلى أعلى مستوى من الخدمات العامة للجمهور وبأفضل الشروط.
فالقانون جاء ساعياً إلى دفع عجلة التنمية الاقتصادية والارتقاء بالخدمة العامة من خلال آلية فاعلة وناجزة لتنفيذ المشروعات الأساسية وتحفيز القطاع الخاص لزيادة استثماراته المباشرة في تنفيذ المرافق العامة، وبما يحقق إنجاز أسرع وخدمة أرقى وكلفة أقل وصيانة أفضل لتلك المشروعات، والمحافظة بذات الوقت على الأصول العامة وبما يحقق خلقاً لفرص عمل جديدة، وبمستويات دخول أعلى ودون الإخلال بالتزامات الدولة تجاه مواطنيها أو حقها في ملكية المرافق العامة والإشراف عليها والرقابة على حسن أدائها. ويوفر القانون البيئة التشريعية المناسبة التي تكفل تحقيق التوازن المنشود بين واجبات الشركاء الذين تلاقت إراداتهم على هدف إنجاح مشروعاتهم بأجدى كلفة اقتصادية، بحيث يتحمل كل شريك تبعات الالتزام الذي يجد نفسه أقدر على تحمله. ومما ميز هذا القانون استناده إلى القواعد القانونية التقليدية المعروفة في القانون الإداري والتجاري لاسيما أحكام قانون الشركات وقانون العقود رقم /51/ لعام 2004؛ فجاء حريصاً على كفالة التنظيم القانوني المتكامل للشراكة مع القطاع الخاص بحيث يضمن اختيار الشريك الجدي وفق مبادئ العلانية والشفافية وحرية المنافسة وتكافؤ الفرص. ويحدد نطاق مشروعات التشاركية وضمانات إنجاحها ودور الحكومة على المستوى الوزاري وعلى المستوى التنفيذي في اختيار واعتماد الشركاء ومتابعة تنفيذ المشروعات ويمهد لتنميط عقود التشاركية ويسهل في الوقت ذاته دور القطاع الخاص في تمويل تلك المشاريع.
وقد جاء هذا القانون في ثلاثة وثمانين مادة موزعة على بابين، الأول، منها عُني في تحديد المقصود بالتعابير والمصطلحات الواردة فيه والغاية من القانون وأهدافه والأغراض التي يرمي لتحقيقها وتكليف مجلس الوزراء وضع نماذج عقود التشاركية وإصدار دليل استرشادي لكل منها. وفي الباب الثاني، من القانون رسم المشرّع الإطار التنظيمي والمؤسساتي لعقود التشاركية من خلال إحداث مجلس أعلى للتشاركية يتولى إقرار المشاريع التي يشملها القانون والمصادقة عليها وإقرار السياسات والإجراءات المتعلقة بالتشاركية وتطويرها، والموافقة على منح الدعم الاقتصادي لأي مشروع ومنح الحقوق والامتيازات والإشراف على تنفيذ المشاريع وتوافقها مع معايير الأداء والتنفيذ المحددة.
وفي هذا السياق، كلف القانون لجنة خاصة تسمى “لجنة تقييم العروض” حيث تمارس مهامها على النحو الذي يضمن تقييماً “عادلاً” للعرض المقدم من القطاع الخاص. وسمح القانون لهذه اللجنة بالإستعانة بمدقق خارجي أو أكثر بصفة مراقب بغية ضمان الاستقلالية والسرية ومنع تضارب المصالح. والمشرّع في هذا الصدد حدد المراحل والإجراءات المتبعة في تلقي العروض ودراستها والمفاضلة بينها وتقييمها وتأهيل العارضين والمعايير المتبعة في كل مرحلة من المراحل. وخصص الفصل الثالث من هذا الباب لإبرام عقود التشاركية غير التنافسية. وفي الفصل الرابع عالج العروض التلقائية التي يتقدم بها القطاع الخاص دون طلب أو عرض عندما يرغب في تنفيذ مشروع مع الدولة. ولضمان الشفافية وتكافؤ الفرص والعلانية والنزاهة خُصص الفصل الخامس من هذا الباب للاعتراضات على قرارات لجنة العروض والجهة التي يستطيع العارض تقديم اعتراضه إليها.
ومن النقاط الإيجابية في هذا القانون هي تحديد القانون الواجب التطبيق على هذه العقود والمشاريع التشاركية وهو القانون السوري النافذ، وكذلك تحديد مدة المشروع، وحصرَ القانون مسألة تحديد الأجور والبدلات المترتبة على الانتفاع بهذه المشاريع بالدولة. ولم يترك هذه الأمر للقطاع الخاص يحدده كما يحلو له، وإنما للحكومة التي تقوم بهذا الدور بناء على دراسة جدوى اقتصادية للمشروع، وعلى نحو يضمن أفضل الشروط المناسبة لتقديم الخدمة للمواطنين، ويحقق الريعية المعقولة للمستثمر. والمشرّع سعى إلى المحافظة على القطاع العام والعاملين به عندما يتعلق المشروع بأحد مشاريع القطاع العام؛ فقد ألزم المشرّع الشريك استخدام عمال القطاع العام حسب مؤهلاتهم في شركة المشروع بعد أن يتم إنهاء علاقتهم الوظيفية مع الجهة العامة.. أما باقي عمال المنشأة، فيبقون خاضعين لأحكام قانون العاملين الأساسي مع احتفاظهم بحقوقهم المكتسبة كاملة.
وعند الحديث عن الأمور المميزة في هذا القانون والحديثة على التشريع السوري لا بد من الإشارة إلى ما جاء في هذا القانون عند الحديث عن تغيير الظروف الاقتصادية والمالية والتشريعية وهو ما يعرف في فقه القانون الإداري الدولي الخاص بـ”الثبات التشريعي والاقتصادي” للعقد. وهذا الأمر يعد من الأمور التي طالما أرّقت المستثمرين في العقود الدولية الخاصة وكانت إحدى العقبات الرئيسية في عدم انطلاقة عجلة الاستثمار والنمو. لذلك فإن المشرّع عندما لحظ هذه القضية عبر الحرص على خلق مزيد من الضمانات والاستقرار في عملية التنمية، أفرد في المادة 75 منه نصاً خاصاً لمعالجة مسألة التوازن الاقتصادي والمالي، والتغييرات التي تطرأ على المشروع وتحول دون توقف المشروع أو تأخر إنجازه أو تقصيره في جودة الخدمة المقدمة للمواطن.
لذلك يمكن القول إن القانون جاء متطابقاً مع القواعد الواردة في قانون الأونسترال النموذجي والمعتمد من قبل الأمم المتحدة بشأن مشاريع البنية الأساسية والممولة من القطاع الخاص لعام 2004. وهذا التشريع النموذجي يعد إكمالاً للدليل التشريعي الذي أصدرته لجنة الأونسترال عام 2001 بعنوان: الدليل التشريعي بشأن مشروعات البنية الأساسية الممولة من القطاع الخاص. وقد جاء في حيثيات قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي اعتمد هذا القانون النموذجي: “أنها اعتمدته أخذاً في الاعتبار بالدور الذي تلعبه الشراكة فيما بين القطاعين العام والخاص في تحسين وتقديم الخدمات العامة وتطوير البنية الأساسية على النحو الذي يحقق توفير بيئة ملائمة لتشجيع الاستثمار الخاص في البنية الأساسية.. مع مراعاة المصلحة العامة للدولة المعنية”. وأكدت الجمعية العامة في قرارها هذا على أهمية فاعلية وشفافية إجراءات ترسية عقود مشاريع البنية الأساسية والعدالة والإستدامة طويلة الأجل وإزالة القيود على مشاركة القطاع الخاص في عملية تنمية البنية الأساسية.
من هنا نجد أن المشرّع وفي إطار خطته التشريعية الرامية إلى تحديث القوانين الوطنية ضمن عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي التي شرع فيها منذ عام 2011، عمد إلى الأخذ بالمعايير العالمية الواردة في قانون الأونسترال النموذجي، ووفق ضوابط وطنية وعصرية معروفة أثبتت التجربة نجاحها في دول آسيا، ولم يختار اعتماد التجربة المصرية في سبعينيات القرن الماضي أو تجربة البيرسترويكا في الاتحاد السوفيتي السابق؛ فالقانون جاء ضمن عملية إصلاح مدروس وليس عشوائياً أو مرتجلاً.
وأخيراً، فتح القانون الباب واسعاً أمام القطاع الخاص للمشاركة في قيادة قاطرة التنمية الاقتصادية بالتعاون مع القطاع العام وهو ما ينسجم مع نصوص الدستور الحالي، والدور الذي تلعبه الدولة في الوفاء باحتياجات المواطن، وبما يضمن عدم الهدر ويحقق النزاهة والشفافية والعدالة الاجتماعية، ومكافحة الاحتكار والفساد التي تصب في مصلحة المستهلك على المدى القصير والطويل في آن واحد.
اترك تعليقاً