أثر الرضا والرفض في جريمة الاغتصاب في التشريع السوري
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي حكماً أصدره قاض هندي بتبرئة مخرج من تهمة اغتصاب قائلاً إن لا “الضعيفة” قد تكون إشارة إلى استعداد الضحية المزعومة للمواقعة الجنسية.
وكانت محكمة أخرى أصدرت حكماً في العام الماضي بالسجن سبع سنوات بحق المخرج والكاتب والممثل المسرحي محمود فاروقي (39 عاماً) بعد ادانته باغتصاب باحثة أميركية (30 عاماً) مبتعثة من جامعة كولومبيا في شقته في نيودلهي يوم 28 آذار 2015. وقالت المرأة آنذاك إنها قالت “لا” مراراً ولكن فاروقي اعتدى عليها جنسياً. وفي مطلع هذا الاسبوع دحض القاضي أشوتوش كومار من محكمة نيودلهي العليا الإدانة قائلاً إن من المحتمل أن فاروقي لم تكن لديه أي فكرة أن الضحية المزعومة لم تكن راغبة في مواقعته جنسياً. وقال القاضي في الحكم: “من المعروف من خلال متابعة سلوكيات المرأة أن “لا الضعيفة” من جانبها ربما تعني “نعم”. وأثارت هذه القضية الجدل مجدداً بشأن معنى القبول والرضا وانتقد نشطاء حقوق المرأة ووسائل الإعلام المحلية الحكم لتشويهه مفهوم الموافقة.
ولما كان قانون العقوبات السوري في المادة 489 قد نص على أنه:
“1ـ من أكره غير زوجه بالعنف أو التهديد على الجماع عوقب بالأشغال الشاقة خمسة عشرة سنة على الأقل.
2ـ ولا تنقص العقوبة عن إحدى وعشرين سنة إذا كان المعتدى عليه لم يتم الخامسة عشر من عمره”.
ومعنى ذلك أن المشرّع لم يشأ التدخل في صميم العلاقة الزوجية لأن هذه الحالة تدخل ضمن سوء المعاشرة. وقد رتب قانون الأحوال الشخصية جزاءً مدنياً من أجلها هو ما ورد في المادة 112 فقرة /1/ ـ التفريق بين الزوجين ـ ولئن لم ترد عبارة (غير زوجه) في المادة 493 عقوبات، فليس لأنها مستثناة من ذلك الحكم لسببين:
الأول: أن المادة 493 وردت في فصل جرائم الاعتداء على العرض ولا يعقل أن يشمل النص المذكور الزوج لأن عرض الزوجة هو عرضه وشرفها هو شرفه.
والثاني: هو اتحاد العلة بين النصين.
وإذا كان القياس مرفوضاً في التجريم، فإنه مقبول في التبرير أو الإباحة؛ ذلك لأن التجريم قيد يرد على الحرية ولا يعقل أن تكون شرائط إلقاء القيد هي ذاتها شرائط فكه؛ لأن الحرية هي الأصل والتجريم هو الاستثناء كما تقول القاعدة الفرنسية الشهيرة. كما أن الأصل في الأمور الإباحة حسب الشريعة الإسلامية. ولكن إذا بلغ سوء المعاشرة الزوجية حداً تخطى القواعد الدينية أو الأخلاقية عند ذلك يطبق نص المادة 520 من قانون العقوبات (المجامعة على خلاف الطبيعة) لأن هذا النص لم يفرق بين الزوج وغيره، والمطلق يؤخذ على إطلاقه.
وقد كانت المادة 493 قبل تعديلها بالمرسوم التشريعي /85/ تاريخ 28 / 9/ 1953 تشترط لعقاب الجاني في هذه الجريمة توفر حالتي العنف والتهديد معاً، الأمر الذي لم يقصده الشارع، لذلك صححت هذه العبارة وأصبحت بالعنف أو التهديد.
فالاغتصاب، بمقتضى المادة 489 عقوبات، هو الإقدام على إكراه امرأة ليست زوجة الجاني على الجماع بالعنف أو التهديد. وحتى تحصل الجريمة لا بد من حصول الجماع تحت ظرف الإكراه المادي أو المعنوي. وحيث أن الشروع في ارتكاب الجناية هو أن يبدأ الفاعل بأفعال ترمي مباشرة إلى اقترافها، وفي جريمة الاغتصاب لا بد أن يقوم الفاعل بالإفصاح عن نيته بإجراء الجماع وأن يقوم بأعمال تنفيذية ترمي إلى تنفيذ مآربه، كأن يختلي بالمجني عليها ويجبرها على الانصياع لما يريد أو ينزع عنها لباسها ويمزقه، أو يقوم بأي فعل يعطي الدليل على الشروع بالاغتصاب.
فإذا قام الجاني بمراقبة الضحية في الشارع أو بين الأبنية أو الأزقة إلى أن استوقفها وأمسك بيدها ورماها على الأرض ورمى نفسه فوقها مهدداً إياها باستعمال السكين وحاول منعها من الصراخ فدافعت عن نفسها واستغاثت بتجميع بعض الناس أو عناصر الأمن، فإن الأفعال في هذه الحالة لا تعدو كونها من قبل التهتك وهي الجريمة المنصوص عنها بالمادة 492 من قانون العقوبات العام والتي تعاقب من أكره آخر بالعنف أو التهديد على تحمل أو إجراء فعل مناف للحشمة بالأشغال الشاقة مدة لا تنقص عن اثني عشرة سنة.
وفي ضوء ذلك يشترط لقيام جرم الاغتصاب ارتكابه بالعنف أو التهديد وهو بحسب الاجتهاد القضائي في سورية عنصر من عناصر جريمة الاغتصاب بالعنف ولا يعد جرماً مستقلاً في هذا الصدد. نقض سوري ـ جناية 869 قرار775 تاريخ 27/9/1967.
وإن عدم صراخ أو بكاء أو اشتكاء أو استغاثة الفتاة أثناء أو بعد افتضاض البكارة وسكوتها فترة طويلة عن الأمر الذي أفشاه الفاعل نفسه، ينفي وقوع الاغتصاب بالعنف أو الإكراه أو التهديد. ـ نقض سوري جناية 1061 قرار 1381 تاريخ 30/12/1975.
كما أن ممارسة المتهم الجنس مع المجني عليها لعدة مرات برضاها وفض بكارتها في وقت قد أتمت الخامسة عشرة من العمر يدل على توفر عنصر الرضا مما يجعل جرم الاغتصاب غير متوفر. أضف أنّ ثبوت العلاقة الغرامية وتطورها إلى حدّ الاتصال الجنسي ينفي الإكراه أو التهديد بالعنف.
كما أن فض البكارة بوعد الزواج المنطبق على المادة 504 من قانون العقوبات، إنما يشمل مثل هذه الجريمة لو وقعت بالرضاء، ولا يشمل جريمة الاغتصاب الواقعة بالعنف لأنها تستوجب عقوبة أشد، وقد استثنتها المادة المذكورة بأحكامها بنص صريح جاء فيه؛ (إذا كان الفعل لا يستوجب عقاباً أشد) وكان العنف أشد من الاغفال بوعد الزواج، والقانون حدد عقوبة جنائية خاصة لجرائم الاغتصاب المقترنة بالعنف.
وقد درج القضاء واستقر على أنه في مثل هذا النوع من الجرائم، والتي لا يوجد على وقوعها شاهد سوى المدعي الشخصي المضرور من الجريمة، بجواز سماعه كشاهد للحق العام وسماع إفادته بعد حلف اليمين.
وختاماً، تعد جريمة الاغتصاب من الجرائم الواقعة على العرض والتي تشكل اعتداءً على كرامة الأنثى وشرفها واعتبارها ووجودها في المجتمع؛ ذلك أن النظرة إلى هذه الجريمة تكون نظرة شجب وإدانة واستنكار لما لها من آثار اجتماعية وما تسببه من آلام نفسية للمجني عليها ولعائلتها والمجتمع الذي تعيش فيه. وحسناً فعل المشرّع في التعديل الأخير لقانون العقوبات بالمرسوم التشريعي رقم /1/ لعام 2011 عندما ألغى وقف الملاحقة في جرائم الاغتصاب عند عقد زواج صحيح بين الجاني والمجني عليها.. والذي كان منصوص عليه في المادة 508 واكتفى بالعذر المخفف وفق أحكام المادة 241، على أن لا تقل العقوبة عن الحبس سنتين، ويعاد إلى محاكمة الفاعل إذا انتهى الزواج إما بطلاق دون سبب مشروع أو بالطلاق المحكوم به لمصلحة المعتدى عليها قبل انقضاء خمس سنوات على الزواج وتحتسب المدة التي نفذها من العقوبة.
اترك تعليقاً