نظريات حول الاعتقال الاحتياطي
بقلم الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالبيضاء
الدكتور عبد العزيز الفيلالي
– أساس الاعتقال الاحتياطي :
هل يمكن ابقاء شخص متهم بارتكاب جريمة ما رهن الاعتقال الاحتياطي مدة طويلة ما لم يصرح نهائيا بادانته من طرف هيئة المحكمة
ان لجواب بالنفي عن هذا السؤال يقرر مبدا ” البراءة هي الاصل”.
وإذا تم تطبيق هذا المبدا حرفيا فان ذلك يعني ان كل شخص ولو كان ذا سوابق عدلية – اتهم بارتكاب جريمة ( جناية او جنحة او مخالفة ) كيفما كانت خطورتها يعتبر بريئا طوال مدة التحقيق وبالتالي يحق له التمتع بحريته ما دام لم يصدر في حقه حكم نهائي.
غير انه من الممكن ان تمر عدة شهور ان لم تكن عدة سنوات ما بين تاريخ اقتراف الجريمة وتاريخ صدور حكم نهائي فيها للكشف عن الحقيقة واستجلائها.
ولا ينبغي حرمان الشخص المشبوه فيه من حريته خلال
الفترة الزمنية التي يعمد فيها لاقامة الحجج على إدانته، وفي هذه الحالة سنساعد المجرمين على ابادة الادلة والاستمرار في نشاطهم الاجرامي.
ولذلك يجب اعطاء هيئات الزجر وسائل الاكراه ضد الشخص المشبوه فيه متى كانت هذه الوسائل الزجرية لازمة لتمكين القاضي من القيام باجراءات التحقيق.
وفي بعض الحالات يكون من اللازم التمكن من شخص المشبوه فيه ولو قبل محاكمته، فالإمكانية الممنوحة للقاضي لاعتقاله طيلة مدة التحقيق وحتى في حالة انتهائها الى غاية الحكم النهائي تقرر مبدا الاعتقال الاحتياطي.
1- محاسن ومساوئ الاعتقال الاحتياطي
أ- المحاسن وهي كثيرة منها :
1- وضع المتهم في حالة تمعنه من الاستمرار في نشاطه الاجرامي.
2- منعه من الفرار او التملص من اجراءات البحث والتحقيق.
3- منعه من محو الأدلة وإخفاء معالمها او القيام بوسائل احتيالية او التاثير على الشهود.
4- مساعدته في تطبيق عقوبات فعالة على المجرمين الخطيرين او ذوي المهارة منهم.
فالقاضي بالتجربة يحس من أول اتصال بالمتهم ما اذا كان في الحقيقة مذنبا او بريئا.
فالأسلوب الذي يتكلم به المتهم ونبرة صوته واشارته في الحالات العصبية كل ذلك يكون بالنسبة للقاضي النبيه تعبيرا غنيا بالدلالات والمعاني.
ونجد – حسب الإحصائيات المستند اليها في هذه المادة – ان عدد المعتقلين احتياطيا والذين هم حقا أبرياء قليل جدا وان 90 في المائة على الاقل من المتهمين هم في الحقيقة مذنبون.
5- مساهمته في المحافظة على النظام العام الذي تخل به الجريمة المقترفة.
6- حماية المتهم من ردود فعل انتقام الضحية او الجمهور.
وينبغي الاشارة هنا الى ان القاضي في الاحتماليين الاخيرين يتصرف في الواقع تصرف الشرطة الإدارية مخترقا بذلك حدود السلطة التنفيذية الشيء الذي يتنافى مع مبدا فصل السلطات.
ب- المساوئ وهي كثيرة أيضا :
1- مس خطير بالحرية الشخصية، حيث يفقد المتهم حريته ويحرم من ممارسة حقوقه العامة في الذهاب والإياب والتجمع والتظاهر والتعبير وما الى ذلك.
2- اقامة الشكوك حول شخصية المتهم لان الاغلبية العامة من الناس لا تفرق بين المتهم المحكوم عليه بالحبس بصفة نهائية وبين المعتقل بصفة احتياطية، فكل شخص يوجد بالسجن هو عنصر خطير ينبغي اجتنابه.
3- يلقى بالمتهم المعتقل وسط عالم خشن ذي اخلاق منحرفة يعاني فيه من القساوة وظروف الحياة الصعبة ما ينشا عنه غالبا انهيار الشخصية.
4- يتحمل باعتقاله ما يوازي العقوبة والحالة انه لم يحاكم بعد.
فقاضي الموضوع هو ذو ميول تجاري قاضي التحقيق في تصريحه بعقوبات تعادل على الاقل فترة الاعتقال الاحتياطي، ولا يوافق على منح السجن المؤجل اذا كانت مدة الاعتقال الاحتياطي طويلة.
2- موقف المشرع المغربي
ان المبدا القائل بان البراءة هي الاصل غير منصوص عليه بصفة صريحة في قانون المسطرة الجنائية، الا انه يساند مقتضياتها الرئيسية.
فالقاعدة التي تنص على ان اقامة الحجة في المادة الجنائية تقع على كاهل النيابة العامة او على الطرف المطالب بالحق المدني عندما يكون هو الذي تولى تحريك الدعوى العمومية وكذا الاعتقال الاحتياطي المقنن يأخذان مصدرهما من المبدا القائل بان البراءة هي الاصل.
والمشرع المغربي حرصا منه على حماية الابرياء وأخذا بمبدأ الواقعية والمصلحة العامة قد أخضع الاعتقال الاحتياطي الى تنظيم دقيق كي لا ينقلب الى تسعف وشطط وحتى يبقى المعتقل بصفة احتياطية محميا الى أقصى حد.
ولا يمكن تبرير الاعتقال الاحتياطي – حسب توجيهات المشرع المغربي – الا بالضرورة الملحة للبحث والكشف عن الحقيقية او في الحالة التي يساعد فيها على استقرار النظام العام او على حماية مرتكب الجريمة من اخطار انتقام الضحية او الجمهور.
فالفصل 152 الى 165 من قانون المسطرة الجنائية يوضح بدقة ان الاعتقال الاحتياطي هو تدبير استثنائي يوجب من حيث المبدأ إبقاء المتهم في حالة السراح المؤقت.
ولا يحق للقاضي الاكتفاء باستعمال الحيثيات الشكلية المألوفة لتعليل قراره اذ ان الحيثيات المعبر عنها هكذا: ” حيث ان اعتقال المتهم ضروري للكشف عن الحقيقة” او “حيث النظام العام يستوجب ابقاء المتهم رهن الاعتقال” هي غير كافية.
فالقاضي ملزم بتعليل قراره بكيفية دقيقة تبين السبب القاطع المبرر للاعتقال الاحتياطي.
1- مدة الاعتقال الاحتياطي
تتغير هذه المدة حسب خطورة الجريمة والسوابق القضائية للمتهم.
أ- الاعتقال الاحتياطي في مرحلة التحقيق :
1- إذا كانت العقوبة القصوى في القضايا الجنحية تقل عن سنتين حبسا فان المتهم المستوطن بالمغرب لا يمكن ان يعتقل اكثر من شهر واحد بعد استنطاقه الاول ( الفصل 153 من ق م ج ).
2- اذا كانت العقوبة القصوى في القضايا الجنحية تساوي سنتين حبسا او اكثر وفي الجنايات، فان الاعتقال الاحتياطي لا يمكن ان يتعدى مبدئيا اربعة اشهر، وبعد مرور هذا الاجل فان على القاضي ان يتساءل هل من الواجب الاحتفاظ بالمتهم داخل السجن، ففي حالة الايجاب يعمل على توجيه الملف الى النيابة لتقديم ملتمساتها التي يجب ان تكون معللة.
ويجوز للقاضي ايضا ان يصدر أمرا قضائيا معللا يامر فيه بتمديد فترة الاعتقال الاحتياطي لمدة اربعة اشهر اخرى، وعند انتهائها يجدد الإجراءات السابق ذكرها ويفرج عن المتهم مؤقتا اذا لم يصدر أي أمر عند نهاية هذا الاجل ( فصل 154 ق م ج).
1- المتهم المتابع من اجل جنحة معاقب عليها بالحبس والمودع في السجن من طرف النيابة العامة يجب عرضه على المحكمة داخل ثلاثة ايام على الاكثر (76 و395 ق م ج ) وتستدعي المحكمة خصيصا ان اقتضى الحال ذلك وإذا انصرم الاجل يفرج مؤقتا عن المتهم تلقائيا.
2- المتهم المتابع من اجل التلبس بالجناية غير المعاقب عليها بالاعدام او السجن المؤبد والمودع رهن الاعتقال من طرف النيابة العامة يجب إحالته على غرفة الجنايات بمحكمة الاستئناف ضمن الشروط المحددة في الفصلين الثاني والرابع عشر من ظهير رقم 1.74.448.
وينبغي الاشارة هنا الى ان مدة الاعتقال الاحتياطي في هذه الحالة غير محددة ومن المستحسن ان يطلب الوكلاء العامون للملك من نوابهم عرض المتهمين المعتقلين على غرفة الجنايات في اقرب الاجال لتفادي الاعتقالات التعسفية.
ب- الاعتقال خلال مرحلة المحاكمة :
يمكن بعد الاحالة على هيئة المحكمة ان تطول مدة الاعتقال الاحتياطي حتى يفصل في الموضوع وليس من اللازم في هذه الحالة إصدار قرار قضائي بتمديدها مهما طالت المدة التي مضت على الاحالة، ولكن من اللازم اصدار قرار قضائي بالإفراج المؤقت يضع حدا لهذا الاعتقال الاحتياطي.
3- وضعية المعتقل بصفة احتياطية :
ان وضعية المعتقلين الاحتياطيين اخف من وضعية المحكوم عليهم نهائيا، وذلك ان المعتقل بصفة احتياطية يجب مبدئيا وضعه داخل جناح خاص لا يختلط بالمحكوم عليهم ولا يلزم بالعمل ولا بارتداء لباس السجن غير انه يسمح له باستقبال الزوار بقاعة الاتصال وبالتراسل بحرية مع محاميه، وان الإذن بالاتصال الممنوح للمحامين تكون له صفة استمرارية.
ويجوز لقاضي التحقيق تشديد حالة الاعتقال الاحتياطي بإصدار قرار يمنع الزوار من الاتصال بالمتهم الذي لا يمكنه وقتئذ ان يتصل الا بمحاميه، وقد يستمر هذا المنع مدة عشرة أيام تجدد مرة واحدة فقط (129 ق م ج).
ويمكن للمعتقل بصفة احتياطية ان يكاتب – حسب اختياره جميع الاشخاص وان يتسلم الرسائل منهم ما لم يصدر أمر مخالف لذلك الا ان هذه المراسلة تخضع للمراقبة اذا رغب قاضي التحقيق في الاطلاع عليها باستثناء المراسلة المتبادلة بين المتهم ومحاميه فانها لا تخضع للمراقبة.
4- ضرورة تحديد السلطة التقديرية للقاضي :
قد صدرت عدة اعتقالات احتياطية ضد بعض الاشخاص ارتكبوا جنحة بسيطة وفي حالات اخرى استمروا في الاعتقال رغم انتهاء مدة البحث ورغم ان إبقاءهم رهن الاعتقال لم يعد لازما لاظهار الحقيقة.
ومن المستحسن تفاديا للوقوع في مثل هذه لإساءة في الاستعمال ان يحدد المشرع المغربي المدة القصوى للاعتقال الاحتياطي بالنسبة لخطورة الجريمة وان يوضح بكيفية دقيقة الحالات التي تستوجب الاعتقال الاحتياطي لتقيد حرية التقدير الكاملة الممنوحة للقاضي.
وانه لمن المستحسن ايضا ان يسير المشرع المغربي – أسوة بالمشرع الفرنسي – تعويضا للذين اعتقلوا احتياطيا بصفة مخالفة للقواعد الرئيسية تتحمله الدولة في حالة عدم وجود أي خطا ينسب لاعوانها.
الدكتور عبد العزيز الفيلالي .
* مجلة المحاكم المغربية، عدد 12، ص 5
اترك تعليقاً