الموازنة بين النظريتين: نظرية بطلان بيع الفضولي و نظرية توقف بيع الفضولي
الموازنة بين النظريتين
عرضنا في المطلبين السابقين حجج القائلين ببطلان بيع الفضولي، وحجج القائلين بتوقف آثار هذا البيع على إجازة المالك، وشاهدنا الانتقادات التي وجهت إلى كلا الرأيين، وبقي علينا في هذا المطلب أن نعرف الرأي الراجح في هذه المسألة.
لو نظرنا إلى الرأي القائل ببطلان بيع الفضولي، لوجدنا هذا الرأي ينطلق من الحرص على عدم الوقوع في الإثم والحرام وأكل أموال الناس بالباطل، ولأن هذا الرأي لا يعرف فكرة العقد الموقوف، فلا يجد أمامه من سبيل سوى القول ببطلان هذا البيع الذي يتم دون إذن صاحبه. هذا البيع الذي نهى الله عنه في كتابه الكريم ونهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم في سنته الشريفة، هو البيع الذي يتم دون إذن من صاحبه، ولكن ما هي المشكلة لو أعملنا حكم الله ورسوله دون أن نقضي على هذا البيع بالبطلان؟
في الحقيقة نحن نستطيع تحقيق ما أراده لنا عز وجل ورسوله الكريم، من خلال وقف نفاذ هذا البيع، على إجازة المالك، فإن رأى هذا المالك مصلحته في رفض البيع، كان له ذلك، استنادا إلى قول الله تعالى ورسوله الكريم، وإن رأى أن مصلحته في إجازة هذا البيع، كان له ذلك أيضا، لأنه إن كان من الممكن أن نتصور مثل هذا البيع في حالة الإجازة السابقة، فما المانع إذن من تصوره في حالة الإجازة اللاحقة.
أما الانتقاد الذي وجه إلى قياس بيع الفضولي على الوصية، فهو انتقاد وجيه وصحيح، ولكن لا يصلح للقول بعدم صحة تطبيق نظرية العقد الموقوف على بيع الفضولي، ذلك أن الأصل هو البحث عن مدى صحة وشرعية القول بتوقف بيع الفضولي على إجازة المالك، وقد رأينا ما قاله الفقهاء المسلمين في شأن شرعية هذا الرأي مستمدين حكمهم من القرآن والسنة.
لهذا فإننا نرى في حكمة العقل التي توصل إليها الفقهاء القائلون بفكرة العقد الموقوف أفضل من حكمة العقل التي تمسكت بفكرة البطلان، من حيث اعتبار ملكية البائع للشيء المبيع شرط نفاذ وليس شرط وجود أو صحة، وتخلف هذا الشرط يؤدي إلي اعتبار العقد موقوف النفاذ وليس باطلا. ذلك أن القول بوقف النفاذ فيه تسهيل لمعاملات الناس القائمة على الرضائية من جهة ومن جهة أخرى يمنع وقوع الضرر بالآخرين، إذ لا يجبر شخص على بيع شيء يملكه دون إذنه. فالعقد توافرت أركانه فالأصل انعقاده، ذلك أن ملكية المحل ليست شرطا للانعقاد إنما وجود المحل هو الركن، وعدم ملكية العاقد للمحل تؤدي إلى احتمالين، احتمال القول بالبطلان، واحتمال القول بنظرية توقفه.
أخيرا فإن الرأي الذي يقول بتوقف آثار بيع الفضولي على إجازة المالك هو الرأي الراجح، وهو الذي يتمشى مع القواعد الفقهية، ذلك لأن العقد يمكن أن ينعقد مع تخلف حكمه، فالبيع مع اشتراط البائع خيار الشرط عقد منعقد ومع ذلك لا يخرج المبيع من ملكية البائع حتى تنتهي المدة وهذا بإجماع الفقهاء. فمن المقرر فقها أن الأصل صيانة كلام العقلاء من العبث وتفرع منها تصحيح الكلام أولى من إبطاله، وعليه لو حكمنا بالبطلان لمنعت إجازة العقد، لذا الأصل أن يعتبر العقد صحيحا موقوفا على إجازة المالك. فلو قال شخص لآخر بعتك هذا البيت إذا ملكتهفهو عقد موقوف على شرط الملك، وجميع الفقهاء يجمعون على أنه عقد صحيح ملزم ولكن انتقال الملكية متوقف على حصول شرط الملك، وهذا قريب من موضوع بيع الفضولي.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً