نفاذ عقد الايجار القديم وأثره في حق مالك العقار الجديد – مقال قانوني .
تنص المادة 146 من القانون المدني على أنه: “إذا أنشأ العقد التزامات وحقوقاً شخصية تتصل بشيء انتقل بعد ذلك إلى خلف خاص، فإن هذه الالتزامات والحقوق تنتقل إلى هذا الخلف في الوقت الذي ينتقل فيه الشيء، إذا كانت من مستلزماته وكان الخلف الخاص يعلم بها وقت انتقال الشيء إليه”.
ويبين من هذا النص أنه يُشترط لانصراف أثر العقد إلى الخلف الخاص توافر الشروط الآتية:
الشرط الأول: أن يوجد عقد منشئ لالتزامات وحقوق شخصية تتصل بالشيء الذي انتقل بعد ذلك إلى الخلف الخاص. وأن تكون هذه الالتزامات والحقوق الشخصية من مستلزمات هذا الشيء.
الشرط الثاني: أن يكون تصرف السلف سابقاً على انتقال الشيء إلى الخلف الخاص.
الشرط الثالث: أن يعلم الخلف الخاص بالحقوق والالتزامات المُترتبة على تصرف السلف وقت تلقيه ملكية الشيء محل التعاقد.
هذا، وتنص الفقرة الأولى من المادة 604 من القانون المدني على أنه: “إذا انتقلت ملكية العين المُؤجرة اختياراً أو جبراً إلى شخص آخر، فلا يكون الإيجار نافذاً في حق هذا الشخص إذا لم يكن له تاريخ ثابت( 1 ) سابق على التصرف الذي نقل الملكية”. فقد جاء هذا النص تطبيقاً إلى حد كبير للمادة 146 سالفة الذكر..
حيث أنه بالنسبة للشرط الأول: اعتبر المُشرع الحقوق والالتزامات الناشئة عن عقد الإيجار مُكملة لملكية العين المُؤجرة من ناحية، ومُحددة لها من ناحية أخرى بحيث تدخل في مقومات هذه العين وتنتقل معها إلى من تلقي ملكيتها.
وبالنسبة للشرط الثاني: فقد نصت عليه المادة 604 صراحة إذا اشترطت لنفاذ الإيجار في حق الخلف الخاص أن يكون له تاريخ ثابت سابق على التصرف الذي نقل الملكية.
أما بالنسبة للشرط الثالث: فقد تغاضى عنه المُشرع، فلم يستلزم لنفاذ الإيجار في حق من انتقلت إليه الملكية أن يكون الأخير على علم به وقت انتقال الملكية إليه. ويُعتبر حكم المادة 604 فيما يتعلق بذلك خروجاً على القاعدة العامة المنصوص عليها في المادة 146. ومعنى ذلك أن الإيجار ينصرف إلى الخلف بحكم القانون.
وحكم المادة 604 مدني لا يسري على البيع فقط، سواء كان بيعاً اختيارياً أو جبرياً، وإنما يسري على كل عقد ناقل للملكية كالمُقايضة والهبة والوصية والشفعة …الخ.
ويترتب على نفاذ الإيجار في حق مُتلقي ملكية العين، كالمُشتري والموهوب له والموصى له، انصراف آثار الإيجار إليه منذ تاريخ العقد إن كان وارداً على منقول ومن تاريخ تسجيله إذا كان وارداً على عقار. ولو كانت مدة الإيجار لا تبدأ إلا بعد صدور التصرف أو كان المُستأجر لم يضع يده على العين المُؤجرة. فيثبت للخلف حقوق المؤجر ويلتزم بالتزاماته، وذلك بحكم القانون نفسه وبتمام التصرف غير متوقفة على علم المُستأجر.
هذا، ومن المُقرر في قضاء النقض أنه: “خلافة المُشتري للبائع على الحقوق والواجبات المتولدة من عقد الإيجار تحدث بحكم القانون نفسه وبتمام البيع، غير متوقفة على علم المُستأجر، فلا يجري على هذه الخلافة حكم حوالة الديون ولا حكم الحلول محل الدائن بالوفاء له”. (نقض مدني في الطعن رقم 92 لسنة 3 قضائية – جلسة 22/11/1934 – مجموعة عمر – جـ 1 – صـ 496 وما بعدها).
إلا أن المادة 30 من القانون رقم 49 لسنة 1977 بشأن إيجار وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر تنص على أنه: “استثناءً من حكم المادة 604 من القانون المدني تسري عقود الإيجار القائمة على المالك الجديد للعقار ولو لم يكن لسند الإيجار تاريخ ثابت بوجه رسمي سابق على تاريخ انتقال الملكية”.
فقد أوردت هذه المادة استثناءً على القواعد العامة المُتقدم ذكرها، مُقتضاه أن عقود الإيجار القائمة وقت العمل بالقانون 49 لسنة 1977 تسري في حق المالك الجديد الذي تنتقل إليه ملكية العين، أياً كان سبب هذه الملكية، كالبيع أو الهبة أو المُقايضة أو الشركة أو الشفعة أو غير ذلك من أسباب نقل الملكية، ولو لم يكن لعقد الإيجار تاريخ ثابت (بأحد الطرف سالفة الذكر في الهامش رقم 1) سابق على تاريخ انتقال الملكية.
ولا يُشترط علم المالك الجديد بعقود الإيجار قبل انتقال الملكية إليه.
وقد ورد هذا الاستثناء كذلك في القانون رقم 121 لسنة 1947 بالمادة 12 وبالقانون رقم 52 لسنة 1969 بالمادة 22.
ويسري هذا الاستثناء على وجود العلاقة الإيجارية، ومدتها، والامتداد القانوني الذي يترتب عليها، وباتخاذها أساساً لحساب الأجرة القانونية، وعلى سائر الشروط الواردة بالعقد. حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: “النص في المادة الثانية والعشرين من القانون رقم 52 لسنة 1969 في شأن إيجار الأماكن التي تقابل المادة الثانية عشر من القانون رقم 121 لسنة 1947 (المُقابلة للمادة 30 من القانون 49 لسنة 1977) على أنه “استثناء من حكم المادة 604 من القانون المدني تسري عقود الإيجار القائمة على المالك الجديد للعقار ولو لم يكن لسند الإيجار تاريخ ثابت بوجه رسمي على تاريخ انتقال الملكية” يدل على أن الأجرة المحددة بعقد الإيجار الخاضع لقانون إيجار الأماكن الصادرة من المالك السابق حجة على المالك الجديد دون اشتراط أن يكون له تاريخ ثابت سابق على التصرف الناقل للملكية، وترتيباً على ذلك فإن اتفاق المالك السابق والمستأجر أثناء الامتداد القانوني للعقد على أجرة تقل عن الأجرة القانونية حجة على المالك الجديد ولو لم يكن لهذا الاتفاق تاريخ ثابت سابق على التصرف الناقل للملكية ما لم يثبت المالك الجديد صورية هذا الاتفاق”. (نقض مدني في الطعن رقم 221 لسنة 47 قضائية – جلسة 5/5/1982).
وفيما عدا الأحكام الواردة بقانون إيجار الأماكن، فإن العلاقة بين المالك الجديد والمستأجر تخضع لأحكام القانون العام، فلا يجوز للمستأجر أن يتمسك بما عجله من الأجرة قِبل من انتقلت إليه الملكية إذا أثبت هذا أن المُستأجر وقت الدفع كان يعلم بانتقال الملكية أو كان من المفروض حتماً أن يعلم بها، فإذا عجز من انتقلت إليه الملكية عن الإثبات فلا يكون له إلا الرجوع على المؤجر (المالك القديم – طبقاً لنص المادة 606 من القانون المدني).
وينبني على ما تقدم، أن قيام المالك الجديد بتحرير عقد إيجار باسمه مع المستأجر لا يعني قيام علاقة إيجارية جديدة بل يعتبر استمراراً للعلاقة الايجارية ذاتها. حيث أنه من المُقرر في قضاء النقض أن: “النص في المادة 22 من القانون رقم 52 لسنة 1969 – الذي تخضع له واقعة النزاع – على أنه “استثناء من حكم المادة 604 من القانون المدني تسري عقود الإيجار القائمة على المالك الجديد ولو لم يكن لسند الإيجار تاريخ ثابت بوجه رسمي سابق على تاريخ انتقال الملكية”، يدل على أن عقد الإيجار يظل سارياً في حق المالك الجديد بذات شروطه دون حاجة لتحرير عقد إيجار جديد وأن قيام المالك الجديد بتحرير عقد إيجار باسمه مع المستأجر لا يعني قيام علاقة إيجارية جديدة، بل يعتبر استمراراً للعلاقة الإيجارية ذاتها”. (نقض مدني في الطعن رقم 388 لسنة 49 قضائية – جلسة 10/5/1984).
وبديهي فإنه يُشترط لسريان الإيجار في حق المالك الجديد أن يكون الإيجار عقداً جدياً لا عقداً صورياً، صحيحاً وليس باطلاً، وعلى المالك الجديد يقع عبء إثبات صورية العقد أو عدم صحته.
وحتى ولو كان عقد الإيجار جدياً وصحيحاً، فإنه يجوز للمالك الجديد أن يثبت أن تاريخه العرفي غير صحيح، وأن الإيجار صادر من المالك القديم بعد صدور التصرف الناقل للملكية، فلا يسري الإيجار في حقه.
ولا يكفي قيام علاقة بين المالك القديم والمستأجر لإثبات الصورية أو التواطؤ على تقديم التاريخ، فإذا كان المستأجر هو أبن للمالكة القديمة فهذه القرابة لا تمنع من أن يكون عقد الإيجار جدياً، وأن يكون تاريخه العرفي صحيحاً، ومن ثم يسري في حق المالك الجديد.
وهذا الاستثناء لا يسري في حق المالك الجديد إلا بالنسبة لما كان قائماً من المباني فعلاً وقت انتقال الملكية إليه.
(المصدر: “موسوعة الفقه والقضاء والتشريع في إيجار وبيع الأماكن الخالية” – للمُستشار/ محمد عزمي البكري – الجزء الثاني – الطبعة الرابعة عشر 2001 القاهرة – البنود من 52 : 54 – صـ 242 : 250).
هذا، والله أعلى وأعلم،،،
( 1 ) ويُعتبر التاريخ ثابتاً طبقاً للمادة 15 من قانون الإثبات:
1- من اليوم أن يُقيد بالسجل المُعد لذلك.
2- من يوم أن يثبت مضمونه في ورقة أخرى ثابتة التاريخ.
3- من يوم أن يؤشر عليه موظف عام مختص.
4- من يوم وفاة أحد ممن لهم على المُحرر أثر مُعترف من خط أو إمضاء أو بصمة أو من يوم أن يُصبح مستحيلاً على أحد من هؤلاء أن يكتب أو يبصم لعلة في جسمه.
5- من يوم وقوع أي حادث آخر يكون قاطعاً في أن الورقة قد صدرت قبل وقوعه.
اعادة نشر بواسطة محاماة نت .
اترك تعليقاً