هل ازدراء الأديان تطاول أم حرية شخصية؟
يؤدي بصاحبه إلى السجن وتستغله الأنظمة وسيلة لخنق الحريات
يعاقب القانون الجنائي المغربي في فصله 267، بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين كل من أساء إلى الدين الإسلامي أو النظام الملكي أو حرض على الوحدة الترابية، ما يظهر جليا أن الدين الإسلامي من بين الخطوط الحمراء، التي يمنع الاقتراب منها، أو انتقادها أو الإساءة لأحد رموزه في إطار حرية الفرد الشخصية، ما يعني أن المغرب حريص على حماية الإسلام من النقد، فرغم أن القانون الجنائي جاء بمصطلح الإساءة وليس الانتقاد، إلا أنه فتح الباب أمام الرقابة الذاتية، وتخويف الناس من انتقاد الأديان ورموزها، ويعلل المدافعون عن تجريم ازدراء الأديان موقفهم،
من منطلق أن الدين من المقدسات التي وجب على المواطنين احترامها وتوقيرها وعدم المساس بها.
يطرح ازدراء الأديان في البلدان العربية إشكالا حقيقيا، إذ يلاحظ من الوهلة الأولة، أن المقصود بالازدراء هو الإسلام بعينه وليس الأديان، إذ يجتهد جل الإسلاميين في ازدراء والإساءة إلى الأديان السماوية والوضعية الأخرى، إذ يعتقدون أن الإسلام هو الدين الوحيد الجدير بالاحترام، وأما الأديان الأخرى، فتتعرض لأبشع أنواع التنقيص والتسفيه، وذلك راجع إلى بعض النصوص القرآنية التي تحتقر اليهود والمسيحيين، وتعتبرهم أدنى من المسلمين، وتصفهم بأنهم ناقصو إيمان وأنهم محرفون ولم يفوا بوعودهم مع ربهم، لذلك عاقبهم وحرمهم من نعمة الجنة، وأفقدهم الاحترام والثقة والنبل أمام المسلمين.
قبل سنوات تنبهت الدولة إلى مسألة مسببة لحرج كبير في التدين المغربي، إذ كان جل فقهاء المساجد، ينهلون على المسيحيين واليهود بالسب والشتم أمام آلاف المواطنين في الساحات والمساجد عند صلاة الجمعة، إذ كانت طقسا لابد منه كل يوم جمعة، والخطير في الأمر أن معاداة اليهود والمسيحيين والسخرية من أديانهم، أصبحت ثقافة عند البعض، كرسها خطباء المساجد، غير أن الدولة فطنت إلى هذه الفضيحة، وأمرت بوقف مسلسل ازدراء الأديان الأخرى.
ويجمع عدة باحثين أن الحضور القوي لازدراء الأديان في النصوص القانونية للبلدان العربية، راجع إلى رغبة بعض الأنظمة قمع الأصوات المعارضة لها، خاصة القوى الحداثية التي تؤمن بالمرجعية الكونية، إضافة إلى ارتباط الحكم السياسي في أغلب هذه البلدان بالدين، باعتباره مرجعية للحكم، ما يعني أن حماية الإسلام من النقد، فيه حماية للحاكم أيضا من المساءلة.
ومن جانب آخر تطرح فكرة ازدراء الأديان إشكالا حقيقيا في ما يتعلق بحرية الأفراد، فإذا كان معناها احترام حقوق المواطنين، الذين يعيش الشخص إلى جانبهم في دولة معينة، فإن هذا التعريف لا ينطبق على الدين، باعتباره فكرة وإيديولوجيا وتراثا إنسانيا، وهو ما يفتح عليه أبواب النقد وحتى الإساءة، لأن الدين ليست له حقوق وواجبات، أو لديه مشاعر يخشى أن تمس في حالة الإساءة.
ولا تشجع القوانين التي تجرم ازدراء الأديان على تحرير العقل، وتنمية قدرات النقد والابتكار، إذ تجد من حرية الشخص في نقد مجموعة من المواضيع التي يتدخل فيها الدين، والتي لها ارتباط وثيق بحياة ومصير الشخص، من قبيل انتقاد فكرة الآخرة أو العذاب الإلهي وغيرها من الأفكار التي تؤثر بشكل مباشر على الفرد، الذي يعيش في البلدان العربية على الخصوص.
وفي الوقت الذي تتسابق فيه الدول العربية على الحفاظ على بنود تجريم ازدراء الأديان في قوانينها، تسعى دول غربية أخرى إلى حذفها، وأبرز نموذج على ذلك، دولة الدنمارك، التي ألغى برلمانها في السنوات الأخيرة بأغلبية ساحقة قانون ازدراء الأديان، رغم أن الدول الاسكندنافية لها ارتباط وثيق بالدين المسيحي البروتستانتي، كما أنه من بين شروط تقلد بعض المسؤوليات السياسية، انطلاقا من إيمانها بحرية العقل في نقد جميع المواضيع، مهما كانت مقدسة.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً