هل المحامي ملزم بالإعلام ؟
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
طرح الالتزام بالاعلام حديثاً وتطور مع ظهور قانون الأخطاء الطبية وقانون التعاقد الالكتروني ولكون تقدم العلوم قد جعل من الصعب على المتعاملين مع المحامي الالمام بكل جوانب القانون فقد أرتايت أن أسقط هذا الواجب على عمل المحامي وعلاقته بموكله مستعيناً بمقالة للأستاذ الدكتور عدنان سرحان عميد كلية الحقوق في جامعة الشارقة منشورة في مجلة الميزان الاماراتية(1) عدد كانون الأول 2010.
يعد الالتزام بالاعلام جوهر المهن الحرة ذاتها وبه يكسب المحترفون ثقة عملائهم وأزدادت أهمية هذا الالتزام مع تزايد الجانب الفني والتخصصي الذي جعل المستهلكين من الجاهلين بما يستهلكون في مواجهة المهنيين المحترفين أصحاب التأهيل والاختصاص مما يؤثر على التوازن الضروري بين طرفي العقد فظروف الحياة المدنية الحديثة والمعقدة كشفت عن نوع جديد من عدم التوازن العقدي(2) أطلق عليه (اختلال التوازن المعرفي) بين محترف يعرف أو يفترض فيه المعرفة لأن بإمكانه ويجب عليه أن يعرف كل ما هو مهم بشأن ما يعرضه من خدمة وبين عميل جاهل بما يطلبه ولا يفترض به العلم ولم يقصر في جهله الذي لا حيلة له فيه لخروجه عن إمكانياته وتخصصه ودرايته فيكون في غالب الأحيان غير قادر على الاحاطة بطبيعة العمل الذي سيقدم عليه.
ولأن القاعدة التقليدية تقضي بعدم الزام المتعاقد بأن يزود المتعاقد الآخر بالمعلومات المتعلقة بالعقد إذ على كل شخص أن يطلب العلم بنفسه ويستعلم عما هو ضروري لكمال رضاه بالعقد ومحله فنجد من الضروري أن يحصل المتعامل مع المحامي على المعلومات التي تمكنه من اصدار رضا الحر والمستنير بالعقد فالجانب المعرفي للإرادة أهم عامل من عوامل تكوين هذه الإرادة وتقييم كافة الآثار القانونية التي يمكن أن تترتب عنها في إطار المعاملات المدنية فحرية ووعي الإرادة شرط لوجودها في نظر القانون ولن يتحقق هذا الشرط إلا إذا توافر لكل من الطرفين العلم الكافي بالبيانات والمعلومات التي تتصل بالعقد المراد إبرامه.
و نرى في ذلك أن العلاقة بين المحامي وموكله تمر بالمراحل التالية:
1- عرض الحالة على المحامي.
2- إعلام المحامي للعميل(3).
3- إنعقاد العقد.
4- التزام الطرفين بالعقد وبذل الجهد الصادق من قبل المحامي وفق الأصول في الدفاع عن حقوق موكله.
و في المرحلة الأولى والتي هي مرتبطة ارتباطاً لايقبل التجزئة بالمرحلة الثانية نرى تقصيراً كبيراً من الموكلين في عرض الحالة بشكل صحيح على المحامي فيسهو الموكل عن ذكر تفاصيل قد يراها صغيرة لكنها قد تغير من مجرى الدعوى كلها كوجود إشارة سابقة لاشارته على صحيفة العقار أو قد يقوم بعرض الحالة خلافاً للواقع أملاً منه في الحصول على تعاطف المحامي وجهده بشكل أكبر أو بدافع أخر قد يكون الحياء أو الخجل كأن يدعي أنه قد أوفى كامل الدين المستحق بذمته ولم يحصل على إبراء لذمته أو مخالصة لثقته في الدائن وهنا يتوجب على المحامي عدم الركون إلى أقوال موكله وحدها فيتوجب عليه استخراج بيان قيد عقاري مع مخطط مساحي في الاستشارات العقارية والاطلاع على ملف الدعوى في القضايا الجنائية والاطلاع على سند التنفيذ في الدعاوى التنفيذية وكل ما يجعله مطمئناً إلى أنه يرى الصورة الصحيحة للمشكلة ولا يراها فقط من وجهة نظر موكله.
و بعد اطلاع المحامي على الموقف القانوني الموكل يجب أن يزوده بالمعلومات التي تشمل حقيقة هذا الموقف سواء أكان إيجابياً أم سلبياً والنتيجة المتوقعة من الدعوى أو العمل القانوني الموكل به كأن يرى أن الموكل الذي يستشيره ستبرأ ساحته من الجرم المنسوب له أو أن الجرم المنسوب للموكل جنحوي الوصف بخلاف وصف قاضي التحقيق أو إدعاء ممثل النيابة أو احتمال تثبيت الحق العيني الذي يريد الموكل المطالبة به أو احتمال نقض القرار أو فسخه أو المبالغ التي قد يحكم للموكل بها أو احتمال رد الدعوى حال تمسك الخصم بمرور الزمن كما يجب على المحامي اعلام الموكل بالتكلفة المتوقعة للدعوى من رسوم ونفقات قضائية وأتعاب للمحامي وكيفية دفع هذه التكاليف ويتوجب على المحامي أن يبين للموكل أيضاً المخاطر المتوقعة على سلوك الطريق الذي يقترحه المحامي فيبين له مخاطر التنازل عن شرط التحكيم في العقد وما يترتب على توجيه اليمين الحاسمة للخصم وما قد يترتب على الاقرار بقبض مبلغ من المال مع الادعاء بوفائه كدين ترتب على المورث مثلاً ويمتد واجب الاعلام إلى إعلام الموكل بما سيفوضه الموكل للمحامي من تفويضات بموجب سند التوكيل فيبين له صلاحياته في سند التوكيل العام وسند التوكيل الخاص فقد يختار الموكل أن يفوض المحامي بسند توكيل خاص وقد يختار تفويضه بسند توكيل عام كما في حالة احتمال تشعب النزاع وتفرع دعاوى اخرى عنه في غيبة الموكل خارج القطر.
و يجب في حال اقرار هذا الواجب بذمة المحامي ألا يكون الوفاء بهذا الالتزام مفترضاً(4) وفي ذلك قضت الغرفة المدنية الأولى في محكمة النقض الفرنسية في قرار لها صدر بتاريخ 25/2/1997 ورد فيه (حيث أن المدين قانوناً أو اتفاقاً بالتزام خاص بالاعلام يجب عليه إقامة الدليل على تنفيذ هذا الالتزام) ومؤدى ذلك وجوب اثبات وفاء المحامي بهذا الالتزام خطياً ولا يكتفى منه القرائن التي قد تدل على الوفاء بهذا الالتزام ولا يكفى المحامي الحصول على تفويض خطي بالتنازل عن الحق المدعى به دون ان يكون مكملاً بما يفيد أن الموكل قد علم بأن التنازل عن الحق المدعى به يعني عدم أحقيته بالمطالبة بذات الحق مرة أخرى ولا يسعف المحامي في ذلك أن يختار إقامة دعوى الحيازة دون أن يعلم الموكل بأن الحكم الصادر في هذه الدعوى ليس له حجية لدى اقامة دعوى بأصل الحق والاعلام الكتابي لا يكون كافياً تجاه موكل أمي لا يعرف القراءة بل يجب أن يكون الاعلام شفهياً وبذلك يكون المحامي قد ادى التزامه بالاعلام كاملاً.
كما وينقضي هذا الالتزام بذمة المحامي إذا كان موكله يعلم مسبقاً نتائج العمل الذي سيقدم عليه كما لو كان له خصومة سابقة لجأ فيها لليمين الحاسمة وعلم نتائجها أو كان له مستشار قانوني أو كان من أصحاب الخبرة في المجال القانوني كما لو كان محامياً أو قاضياً.
جزاء الاخلال بهذا الواجب: إذا ما تم تقرير هذا الواجب في ذمة المحامي فإنه يترتب على الاخلال به عدة أثار تختلف في مداها:
أولاً– العلاقة فيما بين المتعاقد مع المحامي والغير: جعل قانون أصول المحاكمات طريقاً لتخلص الموكل من اثار العمل الذي قام به وكيله ضمن حدود وكالته ودون أن يكون الموكل قاصداً لهذا العمل وهو دعوى التنصل(5) فإن لم تتوافر شروط هذه الدعوى كان الوكيل مسؤولاً عن تعويض الضرر الذي لحق بالموكل.
ثانياً– في العلاقة بين المحامي والموكل: أن الإخلال بالالتزام بالإعلام قبل التعاقد يؤدي إلى تعييب إرادة المتلقي عديم الخبرة بما يسمح له بالمطالبة بفسخ العقد وقيام المسؤولية المدنية لمصلحة الدائن في الالتزام بالإعلام:
1- المطالبة بإبطال العقد: يمكن المطالبة بإبطال العقد لوقوع المتعاقد عديم الخبرة في الغلط تأسيساً على الغلط بشرط أن يكون الغلط جوهرياً وأن يتصل بالمتعاقد الآخر وفي هذه الحالة يكون لمن وقع في هذا الغلط المطالبة بإبطال العقد وهذا الشرط يقيد من استعماله كعيب من عيوب الإرادة ما لم يتم التقرير أن الإخلال بواجب الإعلام إنما ينشئ قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس باتصال الغلط للمتعاقد الآخر.
لذا فإن المطالبة بإبطال العقد للتدليس أو التغرير أكثر جدوى فهي توجب أن يقوم المدلس باستخدام طرق وأساليب احتيالية وأن تصدر هذه الأساليب الاحتيالية من المدلس أو يكون على علم بها وبقصد تضليل المتعاقد الآخر ويعتبر السكوت عن تقديم البيانات والمعلومات التي يجب الإفصاح عنها نزولا عند حكم قانون ويعد تدليساً وهذا ما يطلق عليه الكتمان ذلك أن المحامي الذي يملك المعلومات المتصلة بالعقد بسبب خبرته ولا يمكن له بأي حال من الأحوال أن يجهل واقعة معينة أو حتى يجهل أهميتها للمتعاقد الآخر الذي يرغب في التعاقد معه وتزويده بالمعلومات والوقائع التي يعرفها عند التعاقد.
2- قيام المسؤولية المدنية لمصلحة الدائن في الالتزام بالإعلام قبل التعاقد: احتدم في الفقة والقضاء حول الطبيعة القانونية لهذه المسؤولية وما إذا كانت عقدية أم تقصيرية وبالتالي وجد اتجاه يقول بالطبيعة العقدية للمسؤولية ويميل أصحاب هذا الرأي إلى نظرية الخطأ في تكوين العقد ويعني وجود عقد سابق على هذا العقد الأصلي وأن هذا العقد السابق هو عقد مشورة مفترض بكل التعاقد ويؤخذ على هذا الاتجاه أنه يقوم على افتراض محض حيث يستند الالتزام إلى العقد الذي لم ينشأ بعد ويفترض اتفاق ضمي بتقديم المشورة بين العاقدين ويوجب عليهما عدم القيام بما يعوق إبرام العقد أو يؤدي إلى بطلانه والتالي المسؤولية الناتجة عن الإخلال به ومما يؤكد ذلك عدم وجود دليل ملموس على قيام تعهد عقدي سابق على العقد الأصلي في كل العقود.
هذه الانتقادات تجعلنا نميل إلى الرأي القائل بالطبيعة التقصيرية للمسؤولية عن الإخلال بالالتزام بالإعلام قبل التعاقد حيث أنه يترتب على قيام هذه المسؤولية نشوء حق للمتعاقد المتضرر في التعويض عن الضرر الذي أصابه وفقاً لحكم القانون المدني (كل من ارتكب خطأ سبب ضرراً يلزم بالتعويض) وجميع أركان المسؤولية متوفرة وهي:
1-فعل الأضرار غير المشروع: ويتحقق فعل الأضرار في حالة كتمان المعلومات من قبل المتعاقد المحترف عن المتعاقد الآخر رغم علمه بها ويستوي في تلك أن يكون الكتمان كلياً لجميع المعلومات أو جزيئاً كما يتحقق فعل الأضرار في حالة قيام المتعاقد المحترف بالكذب أثناء تقديم البيانات والمعلومات الجوهرية المتصلة بالعمل المراد الاقدام عليه.
2- الضرر: الضرر قد يكون ماديا أو أدبياً ويتمثل الضرر المادي بكل نقص مادي يصيب المتعاقد عديم الخبرة أما الضرر المعنوي فقد يتمثل بإدخال التوتر إلى علاقة أسرية نتيجة دعوى غير محقة رفعها الدائن بالتزام الاعلام أو اصابة علاقاة العامل برب عمله بالضرر نتيجة ذات العمل.
3- العلاقة السببية بينهما
الخلاصة أن الاعتراف بالالتزام بالاعلام كالتزام بذمة المحامي والاعتراف بالطبيعة التقصيرية للمسؤولية عن الإخلال بالالتزام بالإعلام الإلكتروني قبل التعاقد يوفر حماية فعالة للمتعاقد غير المهني مع المحامي حيث يحق له بمجرد إثبات ما لحقه من ضرر ناتج عن عدم تزويد بالمعلومات المتصلة بالعمل الذي سيقدم عليه المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي اصابه سواء كان معنوياً أو مادياً.
(1) الرابط
(2) ولما كان عدم الخبرة لا يعتبر في حد ذاته عيبا من عيوب الإرادة فقد استلزم ذلك البحث عن التوازن العقدي خارج نطاق القواعد العامة لنظرية العقد التي أصبحت قاصرة عن توفير حماية فعالة لرضى الطرف الضعيف ولعل ذلك ناجم بشكل مباشر عن استمرارية سيادة مبدأ سلطان الإرادة والمقصود بالطرف الضعيف الطرف الذي تنقصه القوة ومن صوره ضعف المؤهلات التقنية ويتمثل إما في ضعف التجربة أو الخبرة أو الكفاءة أو الأمية
(3) الالتزام بالإعلام يختلف عن الالتزام بتقديم النصح أو المشورة فالالتزام بالإعلام لا يحتاج إلى عقد يقرره بل يمكن أن يلتزم به المتعاقد قبل إبرام العقد وهدفه علم الموجه إليه بالعناصر والشروط الجوهرية التي يتم على أساسها التعاقد بعكس الالتزام بتقديم النصح أو المشورة الذي يستلزم وجود اتفاق خاص يقرره
(4) تلزم قواعد الأصول المدنية كل طرف من أطراف النزاع (ونقصد هنا النزاع بين المحامي والموكل) اثباته للوقائع الازمة للنجاح فيما يدعيه وتؤيدها قواعد القانون المدني في ذلك التي تلزم كل من يدعي شيئاً اثباته في كل مرة يلقى الادعاء معارضة من خصمه
(5) لئن استقر الفقه على تعريف دعوى التنصل بأنها (الطلب الذي يوجهه من تصرف باسمه بغير توكيل أو تفويض منه إلى من باشر ذلك التصرف وغلى كل من يتعلق له مصلحة فيه بقصد إلغاءه والتخلص من سائر الأثاره القانونية المترتبة عليه بما في ذلك إلغاء الاجراءات والأحكام المؤسسة عليه) إلا أني أرى أن مدار طلب التنصل هو الأعمال التي قام بها الوكيل ضمن حدود وكالته بسبب خطأ من الموكل أو الوكيل فلو كانت الأعمال التي قام بها المحامي أو الوكيل بالخصومة تخرج عن حدود وكالته لما انصرفت للموكل أصلاً عملاً بنص المادة 106 من القانون المدني بدلالة المادة 679 من ذات القانون فجزاء خروج الوكيل عن حدود وكالته هو عدم اعتبار قيام نيابة للوكيل عن الأصيل وبالتالي عدم انصراف أثار التصرف الذي أجراه الوكيل إلى الأصيل فيما تجاوز به حدود الوكالة وإن قضى الحكم بانصرافها له كان عرضة للفسخ وإن كان قد صدر عن محكمة الدرجة الثانية كان عرضة للنقض وإن كان مبرماً كان عرضة للإبطال بداعي الخطأ المهني الجسيم وبذلك تنسجم نصوص التوكيل بالخصومة الواردة في قانون أصول المحاكمات مع نصوص القانون المدني المتعلقة بأحكام عقد الوكالة باعتبار أن الوكالة بالخصومة إنما هي نوع خاص من أنواع الوكالة وتخضع لأحكامه.
المحامي حازم زهور عدي
اترك تعليقاً