هل تعتبر موافقة الملك المسبقة شرطا لإصدار القانون المؤقت ؟
هل يتطلب إصدار القوانين المؤقتة موافقة مسبقة من جلالة الملك ؟ (د.نوفان العجارمة)
لقد طرح هذا التساؤل مؤخرا، وعلى اثر الحكم القضائي الذي أصدرته أحدى المحاكم والتي اعتبرت موافقة جلالة الملك المسبقة شرطا لإصدار القانون المؤقت،وبخلاف ذلك فان القانون يعد غير دستوري،وقد قضت تلك المحكمة بعدم دستورية قانون الضمان الاجتماعي المؤقت رقم(9) لسنة 2010.
وقبل الإجابة على هذا السؤال نجد بان الدستور الأردني- في المادة 94- منح السلطة التنفيذية صلاحية إصدار القوانين المؤقتة بشرط أن تتوافر الشروط التالية:
1. أن يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحل، وهذا الشرط سهل ولا يثير أي إشكال.
2. وجود حالة ضرورية أي وجود أمور تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير، وقيام حالة الاستعجال لإصدار القوانين المؤقتة في غيبة البرلمان، أمر متروك تقديره لمجلس الوزراء تحت رقابة البرلمان، وتحت رقابة القضاء من حيث مدى توافر الوقائع المادية الموجبة لإصدار تلك القوانين.
3. أن لا تخالف القوانين المؤقتة الدستور، وهذا شرط موجود بداهة وضمنا في أي قانون سواء كان قانونا مؤقتا أو قانونا دائما.
وبالرجوع إلى مطلع المادة (94) من الدستور نجدها تنص على ((عندما يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحلاً يحق لمجلس الوزراء بموافقة الملك أن يضع قوانين مؤقتة….)) ، ومن اجل استظهار إرادة المشرع الدستوري ، لابد من قراءة نصوص الدستور بشكل متكامل ، للوقوف على حقيقية الأمر .
إن المتفحص لإحكام الدستور يتوصل إلى نتيجة مفادها ، بان موافقة جلالة الملك المسبقة ، لا تعتبر شرطا لدستورية القوانين المؤقتة وللأسباب التالية:
1. إن الحق- في إصدار القوانين المؤقتة- منح لمجلس الوزراء في المادة (94) من الدستور فالمشرع قال ((..يحق لمجلس الوزراء..)) و لم يقل يحق لجلالة الملك .
2. لقد بينت المادة(40) من الدستور كيفية ممارسة جلالة الملك لصلاحياته عن طريق إرادة ملكية وتكون الإرادة الملكية موقعة من رئيس الوزراء والوزير أو الوزراء المختصين ويبدي جلالة الملك موافقته بتثبيت توقيعه فوق تواقيعهم . وعبارة ((يبدي الملك موافقته بتثبيت توقيعه فوق التواقيع المذكورة…)) تعني بالضرورة إن العمل قد تم انجازه وقد وقع من قبل رئيس الوزراء و الوزراء المعنيين، ثم يأتي لاحقا دور جلالة الملك بتثبيت توقيعه فوق تواقيعهم ، وهذا يعني إن القانون المؤقت يتم أعداده أولا من قبل مجلس الوزراء، ويوافق عليه جلالة الملك عند توشيحه بالإرادة الملكية لإصداره .
3. من المستقر فقها وقضاء أن العرف الدستوري يصلح أساسا لتفسير النصوص الغامضة في الدستور أو التي تحتمل التأويل ” وبالنسبة للعرف الدستوري، فقد قامت الحكومات المتعاقبة ومنذ صدور الدستور عام 1952 بسن العديد من القوانين المؤقتة(382 قانون) ، دون أن تأخذ موافقة جلالة الملك المسبقة،وهذه الممارسة أصبحت عرفا دستوريا مستقرا . وفيما يتعلق بالقيمة القانونية للعرف الدستوري، فإنه يأخذ – أيا كان نوعه- قوة ومرتبة النصوص الدستورية ذاتها . ذلك أن اعتبار العرف الدستوري وسيلة لتفسير وإيضاح النص الدستوري الغامض أو المبهم، أو وسيلة لتنظيم موضوعات سكت عنها المشرع الدستوري، أو إضافة أحكام جديدة على جوار الوثيقة الدستورية، لا يستقيم في الواقع إلا بالاعتراف لهذا العرف بذات مرتبة وقوة الوثيقة الدستورية ذاتها، وإلا لما استطاع بداهة أن ينتج آثاره في هذا الخصوص.
4. لو سلمنا جدلا ، بان القوانين المؤقتة تتطلب موافقة جلالة الملك المسبقة ، فمن المستقر فقها وقضاء – في إطار القانون الإداري- انه إذا صدر العمل الإداري من جهة غير مختصة ، و تم اعتماده من الجهة المختصة ، فان هذا العمل يتحول من عمل غير مشروع إلى عمل مشروع ، وبما إن القوانين المؤقتة توشح بالإرادة الملكية السامية ويأمر جلالة الملك بإصدارها، فان هذه الإرادة الملكية تضفي عليها طابع المشروعية ، وتجردها من العيب الذي أصابها ، هذا على فرض وجود مثل هذا العيب.
وعليه ، نخلص إلى القول إن إصدار القوانين المؤقتة، لا يتطلب – من الناحية القانونية الخالصة- موافقة جلالة الملك المسبقة ، بل يتم إعداد هذه القوانين من قبل مجلس الوزراء ، وتوشح بالإرادة الملكية لإصدارها . و القول بغير ذلك يعني تحميل النص أكثر مما يحتمل.
اترك تعليقاً