الكتابة شرط لصحة الاتفاق على التحكيم
يستند التحكيم في جوهره إلى اتفاق يعتمد على إرادة الأطراف بإحالة نزاعهم إلى التحكيم كبديل عن القضاء العادي، كما ذكرنا في مقالنا السابق.
باعتبار أن اتفاق التحكيم من العقود الرضائية، بما يتضَمنه من شروط موضوعية تعتبر أساس التحكيم والأساس الذي يقوم عليه نظام التحكيم برمته، لذا فإن الشرط الشكلي المتمثل في الكتابة والتوقيع على الاتفاق يزداد أهمية؛ لأنه بدون الكتابة يفقد التحكيم كل مقوماته ووجوده فهذا الشرط يستمد اتفاق التحكيم منه صحته وسلامة وجوده.
أوجب قانون التحكيم الإماراتي رقم 6 لسنة 2018 في المادة رقم 7 الفقرة الأولى بأنه “يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاَ”.
وقد عدد المشرع صور السند الكتابي لاتفاق التحكيم؛ ما بين أن يكون في شرط ضمن شروط العقد الذي يثور النزاع بصدده، أو أن يكون في هيئة وثيقة مستقلة عن العقد الأصلي. أتاح المشرِع أن تكون الصورة الكتابية في هيئة مراسلات كتابية وبرقيات وفاكسات أو رسائل الكترونية يحكمها قواعد المعاملات الإلكترونية.
ويعتبر دليلًا على كتابية اتفاق التحكيم، الإحالة في العقد الذي يثور حوله النزاع إلى أحكام العقد النموذجي أو اتفاقية دولية، أو الإحالة إلى وثيقة أخرى تحتوي على شرط التحكيم على أن تكون الإحالة واضحة لا لبس فيها وأن يكون المستند المحال جزءًا من العقد محل النزاع.
كما تكون أيضًا كتابية حكم التحكيم صحيحة بالإقرار أمام القضاء بإحالة النزاع إلى التحكيم. هنا يعد الإقرار بمثابة الصورة الكتابية، أو إذا تم الاتفاق أثناء نظر النزاع على التحكيم من قبل المحكمة المختصة بنظره.
يكون شرط التحكيم مكتوباً ومستوفياً لشروط الكتابة ” وذلك وفقاّ لنص المادة 7 من قانون التحكيم الإماراتي في فقرته الثانية ” إذا:
تضمنه محررًا، وقعه الأطراف، أو أورد فيما تبادلوه من رسائل وغيرها من وسائل الاتصال المكتوبة أو تم بموجب رسالة إلكترونية وفقاً للقواعد النافذة في الدولة بشأن المعاملات الإلكترونية.
إذا أحيل في عقد ثابت بالكتابة إلى أحكام عقد نموذجي أو اتفاقية دولية أو أية وثيقة أخرى تتضمن شرط تحكيم وكانت الإحالة واضحة تم اعتبار هذا الشرط جزءًا من العقد.
إذا تم الاتفاق على التحكيم أثناء نظر النزاع من قبل المحكمة المختصة بنظرة وتصدر المحكمة حكمها بإثبات اتفاق التحكيم ويترك للخصوم مباشرة إجراءات التحكيم في المكان والوقت الذي يتم تحديده وبالشروط التي تحكمه والقضاء باعتبار الدعوى كأن لم تكن.
إذا ورد في المذكرات الخطية المتبادلة بين الأطراف أثناء إجراءات التحكيم أو الإقرار به أمام القضاء والتي يطلب فيها أحد الأطراف إحالة النزاع إلى التحكيم ولا يعترض على بذلك الطرف الأخر في معرض دفاعه فيعد الإقرار بمثابة الاتفاق.
يشير نص المادة بدلالة ألفاظه إلى وجوب أن يكون التحكيم في شكل مكتوب أو في سند كتابي وألا يكتفى بمجرد الادعاء به دون أي دعائم كتابية تدل على وجوده بين الأطراف المتنازعة ويترتب على هذا الشرط الشكلي بطلان التحكيم لانعدام السند الكتابي.
هنا يثور التساؤل؛ هل تطبق نفس شروط التحكيم العادي فيما يخص شرط الكتابة في التحكيم الإلكتروني؟
نوضح أن التحكيم الإلكتروني يعد صورة حديثة ومتطورة للتحكيم العادي أو التقليدي والذي يعتبر وسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات ولا تختلف طبيعة اتفاق التحكيم الإلكتروني في هذه الناحية عن طبيعة اتفاق التحكيم بصورة عامة إلا أن ما يميزه هو أنه يُبرم عبر وسيلة إلكترونية.
كي يعد التحكيم الإلكتروني عقداً إلكترونياً تترتب آثاره على طرفيه؛ فلابد من توافر أركانه الأساسية (الرضا والمحل والسبب) وأركانه الشكلية وهي الكتابة، وهو الشرط الشكلي الوحيد الذي حدده المشرع الإماراتي ولكن المشرع اشترط أن يكون شكل الكتابة في المادة رقم 7 من ذات القانون في فقرته الثانية بأن نص على أن يعد اتفاق التحكيم مستوفياً لشرط الكتابة ” إذا تم بموجب رسالة إلكترونية وفقاً للقواعد النافذة في الدولة بشأن المعاملات الإلكترونية “
بالرجوع للنص، يجب أن نوضح مفهوم الرسالة الإلكترونية، وذلك وفقاَ لقانون المعاملات والتجارة الإلكترونية الاتحادي في المادة رقم 1 “ بأن الرسالة الإلكترونية هي معلومات إلكترونية ترسل أو تستلم بوسائل الكترونية أيًا كانت وسيلة استخراجها في المكان المستلمة فيه”
ونص ذات القانون في المادة رقم 7 بشأن الكتابة بأن ” إذا اشترط القانون في أي بيان أو مستند أو سجل أو معاملة أو بينة أن يكون مكتوباَ أو نص على ترتيب نتائج معينة على عدم الكتابة؛ فإن المستند أو السجل الإلكتروني يستوفى هذا الشرط إذا تم الالتزام بالمادة 5 من ذات القانون والتي من شأنها حفظ المراسلات الإلكترونية “
حيث اشترط القانون للأخذ بالمراسلات الإلكترونية أن يتم حفظها بشكل محدد ووفقا للمادة 5 والتي نصت على أنه ” إذا اشترط القانون حفظ مستند أو سجل أو معلومات لأي سبب فإن هذا الشرط يكون محققًا إذا تم حفظ المستند أو السجل أو المعلومات في شكل سجل إلكتروني شريطة مراعاة ما يلي:
حفظ السجل الإلكتروني بالشكل الذي أُنشيء أو أرسل او استلم به أو بشكل يمكن إثبات أنه يمثل بدقة المعلومات التي أنشئت أو أرسلت أو استلمت في الأصل.
بقاء المعلومات محفوظة على نحو يتيح استخدامها والرجوع إليها فيما بعد.
حفظ المعلومات إن وجدت والتي تمكن من تحديد منشأ الرسالة الإلكترونية وجهة وصولها وتاريخ ووقت إرسالها واستلامها.
أي أنه يشترط في الكتابة الإلكترونية لاتفاق التحكيم أن تكون ثابتة بحيث يمكن استخدامها والرجوع إليها فيما بعد فلا يكفى ان يكون شرط التحكيم الإلكتروني مكتوبًا وظاهرًا ساعة إبرام العقد فقط، إنما ينبغي فوق ذلك أن تكون المعلومات الخاصة بشرط التحكيم الإلكتروني محفوظة بحيث يمكن الرجوع إليها.
لذا تعد المراسلات الإلكترونية مكتوبة إذا توفر فيها الشروط السابق ذكرها من حيث مفهوم الرسالة الإلكترونية وطريقة حفظها على أن تصبح باطلة حال عدم توافرها.
وأخيرا فإن القانون قد حدد لإنشاء العقود أن يجب أن يتوفر الإيجاب والقبول سواء كليًا أو جزئًيا عن طريق المراسلات الإلكترونية ولا يفقد العقد صحته أو قابليته للتنفيذ لمجرد أنه تم بواسطة مراسلة إلكترونية.
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
اترك تعليقاً