إعادة نشر بواسطة محاماة نت
يتساءل البعض عن مفهوم السلطة الزوجية ومدى استقلال الزوجة عن زوجها في الأمور التي لا صلة لها بالحقوق والواجبات الناشئة عن عقد الزوج وحقوق المعاشرة الزوجية التي أقرها الشرع ونظمها القانون.
فهل ثمة وجود لهذه السلطة في عالم القانون والفقه؟
لقد تحققت هذه السلطة للزوج في العصر الروماني بإحدى الطرق التالية؛ الامتلاك حيث تباع الزوجة للزوج رمزياً على يد أحد الموظفين وبشهادة خمسة شهود وهذه طريقة القوم من المستوى العادي وبانقضاء سنة على معاشرته لها تصبح خاضعة لسلطة الزوج؛ أما الطريقة الثانية فهي الزواج، وهذه خاصة بالأشراف من علية القوم، وينعقد الزواج فيها بحفل ديني وبحضور كبار القساوسة، وعشرة شهود، ويكون للزوج بموجب ذلك الامتلاك حق تعذيبها وموتها.
ومع تطور المجتمع صارت الزوجة مستقلة عن يد الزوج وخضع أمر علاقاتها الزوجية لرقابة القضاء. وقد تأثر القانون الفرنسي القديم بذلك وغالى بعض الشيء في قوامة الرجل؛ ويوضح ذلك ما نصت عليه المادتين 213 و214 من القانون المدني القديم من إلزام الزوجة بإتباع الزوج والخضوع له. لكن القضاء الفرنسي اتجه إلى تقييد سلطة الرجل على زوجته؛ فإذا منع الزوج زوجته من اتصالها بأهلها الأقربين بغير أسباب جدية، عُدّ متجاوزاً للحقوق الزوجية. وكذلك قيد الزوج في رقابة مراسلات زوجته وتنقلب هذه الرقابة إلى مساءلة إذا أجريت على نمط يحرج الزوجة فلا يباح للزوج أن يقحم نفسه ـ استبداداً منه ـ في الرسائل الخاصة لزوجته التي لا غبار على مسلكها بغير موافقتها ولمجرد اشباع رغبته في الاستطلاع المنبعثة عن غيرته الجامحة؛ فيجب على الزوج أن يستعمل ما له من حقوق زوجية فيما يعود بالنفع العائلي ولأغراض جدية ومشروعة، وإلا فإنه يخرج بها عما تهدف إليه مما يوجب الانفصال أو الطلاق.
أما في الشريعة الإسلامية، فقد جاء في الكتاب الكريم، قوله تعالى: “الرجال قوامون على النساء”. وبمقتضى هذا النص يكون للزوج على زوجته حق القوامة في مختلف الأحوال قبالة النفقة الزوجية عليه لها جراء احتباسها؛ كما عليه تحمّل ما يحق لها من أعباء وللزوج منع الزوجة من مقابلة أحد أو الدخول عليها حتى الأهل، ولكن يقيد بالنسبة للأهل أن لا يبلغ قطيعة الرحم؛ وله كذلك حق تأديبها بالضرب غير المبرح؛ ومن المعاصي التي يباح فيها الضرب، ترك الزينة التي يريدها الزوج وترك الإجابة إذا دعاها، أو ترك الصلاة أو الخروج من البيت بغير إذن، أو كشف الوجه لغير محرم مع خوف الفتنة؛ فإذا حصل التأديب في غير الأحوال السابقة أو أسرف فيه عن الحد الذي يستوجبه، أو كان بقصد الانتقام، أو مجرد الإيذاء، فإنه يكون قد أساء استعماله ويعتبر تعدياً يوجب الجزاء.
ومن الحقوق المقررة للزوج بمقتضى سلطة الزوجية، أولاً، حق الانتقال؛ فللزوج أن ينتقل بزوجته حيث يريد على ما تقضي وسائل العيش أو ظروفه الخاصة ما دام مأموناً عليها، وليس لها الامتناع إلا إذا كان غير مأموناً عليها، أو كان الانتقال مقصوداً به ضررها؛ فإذا كان الزوج مأموناً وأوفى معجل الصداق فله أن ينقلها إذا كانت المسافة بين البلدين أقل من السفر الشرعي وهو مسافة ثلاثة أيام بالسير الوسط. ثانياً، حق الطلاق؛ يقول بعض الفقهاء أن الأصل في الطلاق الحظر؛ بمعنى أنه محظور إلا لعارض يبيحه؛ والإباحة تكون للحاجة إلى الخلاص؛ فإذا كان بلا سبب أصلاً يكون حمقاً وسفاهة ومجرد نكراناً للنعمة، وبه خلوص الإيذاء للزوجة وأهلها.
أما في القانون السوري، فيحكم مفهوم السلطة الزوجية قانون الأحوال الشخصية وأحكام الشريعة الإسلامية؛ وبمقتضى هذا القانون وتلك الأحكام، تقرر ولاية الزوج على زوجته فيما يحفظ به عرضه وماله؛ فله حق الرقابة ومنعها من الخروج من بيته إلا إذا كانت لزيارة والديها في كل أسبوع مرة، ولزيارة غيرهما من المحارم كالأخ والأخت كل سنة مرة. وله أن يخرج بزوجته من البلد الذي كان قد تم فيه عقد زواجهما، وللزوج حق تأديب زوجته تأديباً خفيفاً عما يصدر عنها من معصية ولم يرد في شأنها حد مقرر؛ فإذا تم الضرب في هذه الحدود وبقصد الإصلاح والتأديب ولم يحدث للزوجة ضرراً يستلزم علاجها، كان مباحاً.. وإن كان قانون العقوبات في المادة 185 لم يستثن ضرب الزوجة من العقاب مهما كان حجمه أو تأثيره، واعتبره جريمة يعاقب عليها ويستوجب التعويض؛ كذلك لم يستثن المشرّع في قانون العقوبات الزوج من العقاب في جريمة إفشاء الأسرار المنصوص عليها في المادة 567 عند الاطلاع على الرسائل والمكالمات الخاصة بزوجته أو اتلافها أو إذاعتها بقصد إلحاق الضرر.
وفي المحصلة، لا بد من الإشارة إلى أن الدستور السوري وضع المرأة على قدم المساواة مع الرجل وتتمتع بذات الحقوق التي يتمتع بها؛ فهي تستطيع بمجرد اكتمال أهليتها أن تتصرف التصرفات المالية كاملة بما في ذلك العمل التجاري من دون حاجة لأية إجازة، وتعدّ ذمتها المالية مستقلة عن ذمة زوجها بحيث يستقل كل منهما فيما يملك، وليس لأحد منهما سلطة قانونية على أموال الآخر. كما أن كلاً منهما لا يُسأل قانوناً عن الديون الخاصة بالزوج الآخر.
اترك تعليقاً