رضاء المجني عليه وتأثيره في المسؤولية والأصول الجزائية
إعادة نشر بواسطة محاماة نت
مخطط البحث
رضاء المجني عليه وتأثيره في المسؤولية والأصول الجزائية
القسم الأول : النظرية العامة لرضاء المجني عليه .
الفصل الأول : تعريف رضاء المجني عليه وتمييزه عن غيره من النظم القانونية.
الفقرة الأولى : تعريف رضاء المجني عليه .
– تعريف قانوني .
– تعريف بالشريعة الإسلامية .
الفقرة الثانية : التمييز بين رضاء المجني عليه والنظم القانونية المشابهة له .
– مقارنة بين الرضا بفعل الغير وبين الإضرار بالنفس.
– بند الإعفاء من المسؤولية .
– الرضا والسكوت .
– الرضا والتغاضي .
– الرضا والتنازل .
– الرضا والخضوع .
الفقرة الثالثة : العناصر القانونية لرضاء المجني عليه .
أولاً – الإرادة .
ثانياً – طريقة التعبير عن الإرادة :
– الرضا المفترض .
– الشكل والشرط .
– الشرط والأجل .
الفقرة الرابعة : الشروط المتطلبة لاعتداد القانون برضاء المجني عليه.
أولاً – صدور الرضاء عن شخص مميز .
ثانياً – صدور الرضاء عن حرية وعلم .
آ – حكم الرضاء الصادر تحت تأثير إكراه مادي أو معنوي .
ب – حكم الرضاء الصادر تحت تأثير خداع: مدني ، جزائي .
ج – حكم الرضاء الصادر تحت تأثير الغلط.
ثالثاً – صدور الرضاء عن المجني عليه بالذات .
رابعاً – معاصرة الرضاء للفعل الجرمي .
الفصل الثاني : التشريع المقارن حول رضاء المجني عليه :
– العربي .
– الأجنبي .
القسم الثاني : تأثير رضاء المجني عليه بالمسؤولية الجزائية والنماذج العلمية.
الفصل الأول: تأثير رضاء المجني عليه بالمسؤولية الجزائية .
الفقرة الأولى: الآثار على الركن المادي للجريمة .
الفقرة الثانية: الآثار على الدعوى العامة .
الفصل الثاني: النماذج لرضاء المجني عليه .
الفقرة الأولى : رضاء المجني عليه والاعتداء على حق الحياة.
أولاً – الانتحـار .
ثانياً – القتل الناشئ عن مبارزة رياضية.
ثالثاً- القتل بدافع الشفقة (الموت الرحيم) .
الفقرة الثانية: رضاء المجني عليه والاعتداء على السلامة الجسدية.
أولاً – الاغتصـاب .
ثانياً- الإجهـاض .
ثالثاً- رضاء المجني عليه والأعمال الطبية .
– العمليات التجميلية .
– عمليات التعقيم والخصاء .
– عمليات نقل وزرع الأعضاء والدم.
رابعاً- رضاء المجني عليه والتجارب الطبية .
– الإنجاب الصناعي (أطفال الأنابيب– استئجار الأرحام …).
– بنوك الأجنة المجمدة .
– التجارب الطبية على أشخاص لصنع أدوية لأمراض مستعصية .
– تجميد الحبل السري .
– الأصل أن المشرع عندما يجرم فعلاً ويعاقب عليه ، فإنما يضع في اعتباره مدى ما ينطوي عليه هذا الفعل من مساس بمصالح المجتمع. وكثيراً ما يتحقق المساس بمصلحة المجتمع من خلال المساس بحق من حقوق الفرد ، كما هو الشأن في القتل والإجهاض..
ولما كان مناط التجريم والعقاب هو مساس الفعل بمصلحة المجتمع فالقاعدة أن إرادة المجني عليه لا شأن لها في تجريم الفعل ولا في إباحته ، ويترتب على ذلك أن اعتراض المجني عليه لا يعتبر من العناصر اللازمة لقيام الجريمة ، كما أن رضاه ليس شرطاً مانعاً من قيامها ولا هو سبب يبيح فعلها ، هذا هو الأصل .
ومع ذلك فإن إرادة صاحب الحق أو المجني عليه تؤدي في بعض الأحيان دوراً في مجال قانون العقوبات من شأنه التأثير في قيام الجريمة أو في إباحة فعلها . وهذا استثناء عن الأصل وفي حدود هذا الاستثناء ينحصر أثر رضاء المجني عليه .
والقاعدة العامة في الجرائم الجزائية أنها تعتبر جرائم عامة وتشكل اعتداءً مباشراً أو غير مباشر على المجتمع إذ لم تعد الجرائم الخاصة موجودة.
والأصل في الملاحقة الجزائية تلقائيتها وعموميتها ، أي أنها تجري دون أي قيد ومن قبل شخص عام هو النيابة العامة ، وذلك بقطع النظر عن رضاء المجني عليه.
والشائع في الجريمة أنها تقترف ضد إرادة المجني عليه أو على غير علم منه .
وعليه فإنه يبدو للوهلة الأولى ، أن طرح موضوع رضاء المجني عليه وتأثيره في المسؤولية والأصول الجزائية ، هو أمر غريب ويتعارض مع المألوف والمتعارف عليه .
فالمجني عليه لا يرضى عادة بجريمة تقع عليه ولا تأثير من حيث المبدأ لموافقته أو لمعارضته ، في المسؤولية الناجمة عنها وفي الملاحقة عليها .
غير أنه يتضح ، بعد إمعان النظر ، أن هذا الموضوع ليس بالأمر الغريب أو النظري فهناك أعمال وأفعال جرمية ، تحصل في الواقع برضاء المجني عليه ، بل إن منها ما لا يحصل لولا هذا الرضاء وهناك ملاحقات جزائية لا تتم دون شكوى من المجني عليه ويسقط صفحه فيها الدعوى العامة بل العقوبة ، مما يدل على أن الرضاء يلعب في بعض الأحوال دوراً هاماً ويستوجب ذلك دراسة ماهيته واستخراج قواعده وتحديد آثاره..
ومن أهم الأعمال والأفعال أو الأمثلة التي تطرح موضوع رضاء المجني عليه:
الأعمال الطبية والجراحية ، الألعاب الرياضية – مصاب ميؤوس من شفائه ويعصره الألم فيطلب بإلحاح من أحد المقربين إليه وضع حد لحياته وآلامه …
فهل تؤثر إدارة المجني عليه ، في مكونات الجريمة ومسؤولية الفاعل وفي الملاحقة عليها وتنفيذ العقوبة وما هو مدى هذا التأثير في حال وجوده؟.
إنه ليس من السهل إعطاء جواب دقيق وسريع وشامل في هذا الشأن .. إلا أنه يمكن القول ، منذ الآن بأن لرضاء المجني عليه السابق للفعل تأثيراً استثنائياً في المسؤولية الجزائية من شأنه أن يؤكد القاعدة المشار إليها بعدم تأثيره بصورة عامة في هذا المجال .
ويمكن القول أيضاً ، بأنه من المتعارف عليه حالياً أن يبحث هذا الرضاء في عداد أسباب التبرير دون أن يعتبر واحداً منها بشكل كامل ، أو دون أن يعتبر سبب تبرير عام ، ما دام أن تأثيره يأتي كاستثناء وليس كقاعدة عامة ، وما دام أن هذا التأثير لا ينطبق تماماً على تأثير أسباب التبرير ، وما دام أن مبادئه لا تزال غير مستقرة ، والآراء مختلفة حوله.
القسم الأول
النظرية العامة لرضاء المجني عليه
الفصل الأول : تعريف رضاء المجني عليه والفرق بينه وبين النظم القانونية المشابهة له
لم يضع قانون العقوبات في قسمه العام نصاً عاماً على رضاء الضحية ولكنه وضع بعض النصوص ذات الموضوع المحددة كما فعل في اشتراط الرضا في العمليات الجراحية أو المواد التي تنص على تبرير الأفعال التي تتعرض لإرادة الغير إذا اقترفت برضا هذا الغير قبل وقوعها أو أثناؤه . المادة 185 – 186 قانون عقوبات سوري.
تعددت النظريات التي حاولت تحديد آثار الرضا وهل أن رضا المجني عليه يمحو الصفة الجرمية ومسؤولية الفاعل ، فمنها ما قال أن الرضا يسقط الاعتداءات على الحقوق التي يجوز التصرف بها فقط ومنها ما يقول بأن الرضا ينفع في حالة العدوان على حق مطلق وهنا تعترضنا مسألة تحديد الحق النسبي والحق المطلق الذين لا يوجد اتفاق تام عليهما .
ومع تعدد النظريات يكاد يكون مستحيلاً إيجاد الحل ولذلك يترتب على المشرع هنا أن يدرس كل جريمة على حدة ويقرر ما إذا كان للرضاء أثر فيها أم لا.
وقد تطرق الدكتور عبد الوهاب حومد في كتابه (شرح قانون العقوبات) في هذا الصدد :
” إذا كان الجرم يضر بمصلحة شخصية بصورة مباشرة ولا ينعكس على المجتمع إلا بصورة غير مباشرة فإنه ممكن أن ينفع فيه الرضا وتسقط الجريمة ” .
– الفقرة الأولى : تعريف رضاء المجني عليه :
تجدر الإشارة إلى أن المقصود برضاء المجني عليه هو الرضاء السابق للفعل وليس الرضاء اللاحق له . ومع اختلاف المشرعون على تحديد تعريف معين وموقف واضح من رضاء المجني عليه على تعاقب الأزمان فقد اتفق الجميع أن رضاء المجني عليه لا يمحو الجريمة ولا يدفع العقاب لأن العقاب من حق المجتمع وليس من حق الأفراد . والقانون يعاقب على أعمال الاعتداء التي تقع ضد الأشخاص لأنها تمس المجتمع نفسه ومتى كان الأمر كذلك فلا يحق لأحد أن يسمح لغيره بأن يخل في شخصه بالقوانين التي تهم النظام العام فمن يقتل غيره أو يصيبه بجروح بناء على طلبه لا يفلت من العقاب إذ لا عبرة للبواعث إلا أنه بمقدور القاضي أن يخفف العقاب بما له من سلطة الأخذ بأسباب الرأفة العامة .
وبالعودة للتعريف القانوني لرضاء المجني عليه الأكثر شمولاً ووضحاً هو التالي:
” رضاء المجني عليه هو إذن لا ينشئ أي حق أو التزام ، يمكن الرجوع عنه ، معطى من شخص من أشخاص القانون الخاص أو من أشخاص القانون العام إذا ما عمل في نطاق القانون الخاص ، إلى شخص أو عدة أشخاص للقيام بعمل مادي من شأنه الإضرار أو التعويض للضرر حقاً عائداً لمن أعطى هذا الإذن وقد يؤلف هذا العمل جريمة جزائية لولا الرضاء في مجال تأثيره القانوني ” .
وليكون لرضاء المجني عليه تأثيره ينبغي أن يكون الحق الذي يأذن صاحبه بالتعرض له من الجائز له التصرف به ، وهذا الاعتبار يدل على الميزة الأساسية للرضاء أي أنه لا تعارض بين إرادة الرضاء وإرادة القانون وما دام تأثيره ينبغي أن يتناول فقط الحقوق التي يجيز القانون التصرف بها أو التنازل عنها .
– أما رضاء المجني عليه بالتشريع الإسلامي :
إن مبدأ تأثير رضى المجني عليه في إسقاط العقوبة أو تخفيفها أمر ثابت في التشريع الإسلامي ، فكلما كانت مسؤولية الجاني تجاه المجني عليه من قبيل حق المجني عليه على الجاني ، كلما كان رضاء المجني عليه يؤثر في إلغاء أو تخفيف العقوبة . وكلما كانت هذه المسؤولية من قبيل الحكم الشرعي أو من قبيل الحقوق غير القابلة للإسقاط فرضاء المجني عليه لا أثر له والمعيار هنا ما يرضى به الشرع وما يحرّمه .
– لقد أمر الله تعالى بالعدل والإحسان ونهى عن الفحشاء والمنكر وكل ما من شأنه إلحاق الضرر بمصالح العباد . هذا ويمكن القول لجهة آثار الجريمة بأنها ترتب مسؤولية على الجاني أمام الله تعالى دائماً وحق للمجني عليه في كثير من الحالات . أما مسؤولية الجاني أمام الله سبحانه وتعالى فلا يسقطها رضاء المجني عليه ، وإنما أمرها راجع لله تعالى .
نورد بعض الحالات التي لا تأثير للرضاء السابق بشأنها :
– في الاعتداء على الحق في الحياة والحق في السلامة الجسدية ليس للرضاء تأثير في المسؤولية وتكوين الجريمة ، فالدماء لا تباح إلا للأسباب التي نص عليها الشرع {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ}.
– جريمة القذف (نسبة معصية إلى شخص كأن يقال عن فلانة بأنها زانية … {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} .
– وبالنسبة للجرائم التي تخص العرض والنسل : كجريمة الزنا فحكم المشرع فيها هو التحريم المطلق .
أما الجرائم الواقعة على الأموال : فإذا تعارض الفعل مع النصوص الشرعية ومع المصلحة الجماعية المحمية فلا يعتبر جائزاً الرضاء .
– الفقرة الثانية : التمييز بينه وبين النظم القانونية المشابهة له :
ليس من السهل أحياناً التفريق بين الرضاء وبين بعض الحالات المشابهة ، لذلك سنورد مقارنة بين الرضاء وبين إضرار الشخص بنفسه أي بين رضاء المجني عليه بفعل الغير وبين إقدامه بذاته على الإضرار بنفسه بصورة إرادية والمقارنة بين الرضاء وبند الاعفاء المسبق من المسؤولية الجزائية وبعض الحالات الأخرى الأبعد نسبياً إلا أنها تتشابه .
– مقارنة بين الرضى بفعل الغير وبين الإضرار بالنفس :
تعاقب معظم قوانين العقوبات على جريمة القتل إشفاقاً بناءً على الطلب رغم رضاء المجني عليه بها .
وتعاقب على جريمة المبارزة بقطع النظم عن النتيجة الجرمية مع أن هذه الجريمة لا تحصل إلا بصورة رضائية .
وتضع هذه القوانين عقوبات مختلفة لجريمة إجهاض المرأة لنفسها أو محاولتها لذلك ولجريمة إجهاضها برضائها من قبل شخص آخر أو دون رضائها .
وتعاقب القوانين على أفعال المساهمة في الانتحار /539/ عقوبات سوري رغم رضاء المجني عليه بالفعل ، غير أن القوانين المذكورة لا تعاقب على فعل محاولة الانتحار أي عندما يلحق المجني عليه الضرر بنفسه ولا يلحقه الغير به ، فهنا ثمة تشابهاً ظاهرياً أو من حيث النتيجة الحاصلة بين فعل اضرار الشخص بنفسه وبين فعل الإضرار به برضائه من قبل الغير ، إلا أن الاختلاف لجهة العقاب ولجهة الفاعل.
– أما بالنسبة للأساس القانوني لعدم العقاب على الإضرار الذاتي بالنفس والمال فإن ذلك قد يرجع بصورة عامة إلى أن الإنسان لا يستطيع أن يدخل في علاقات متعددة مع نفسه فكل علاقة قانونية تفترض وجود أكثر من طرف ، ولهذا لا يمكن أن يكون الشخص نفسه جانياً ومجني عليه. إلا أن هناك بعض الحالات يمكن أن تجتمع الصفتان بشخص واحد كتشويه شخص لنفسه تهرباً من الخدمة العسكرية التي هي جريمة معاقب عليها ، كما قد يقدم أشخاص على إيذاء أنفسهم في ظروف وملابسات ولعوامل وأهداف لقيامهم بواجب مقدس أو اجتماعي أو لانتحارهم يأساً وبؤساً … كحادثة المجزرة الجماعية الرضائية للمنظمة الدينية الأمريكية في جزر غويان .
– بند الاعفاء المسبق من المسؤولية الجزائية :
إن هذا البند يعني التنازل المسبق عن الادعاء بضرر ينجم عن جريمة جزائية مقصودة قد تقترف وذلك بهدف عدم حصول الملاحقة وإسقاط العقوبة التي قد تترتب ، وكما يبدو فإنه ثمة تشابه بين بند الإعفاء من المسؤولية وبين رضاء المجني عليه شكلياً فقط . حيث أن الرضا هو إذن مسبق بعمل يتعرض لحق يخص المجني عليه ويجوز له التصرف به أو هو صفح لاحق عن الشكوى وعن الدعوى والحق الخاص وهو عمل جائز قانوناً أما البند الثاني للمسؤولية فهو تنازل مسبق عن الادعاء أو المسؤولية بالنسبة لجريمة جزائية ستقترف وهو عمل غير جائز لأن العقاب هنا لا يخص الفرد وإنما الجماعة ولا يمكن للفرد أن يتنازل عما لا يخصه وعليه فإن هذا البند باطلاً بطلاناً مطلقاً ليس فقط على الصعيد الجزائي وإنما على الصعيد المدني أيضاً بنص المادة /218/ قانون مدني سوري.
” يقع باطلاً كل شرط يقضي بالاعفاء من المسؤولية المترتبة على العمل غير المشروع ” .
– الرضا والسكوت :
إن التعبير عن الإرادة يقتضي أن يتخذ مظهراً خارجياً يدل عليه صراحة أو ضمناً.
فالسكوت من حيث الأصل لا يدل على الرضاء وليس بوسيلة للتعبير عنه لأنه موقف سلبي .
إلا أنه في بعض الأحوال يمكن أن يعد السكوت تعبيراً عن الرضاء إذا اقترن ببعض الظروف التي تنم عن هذا الرضاء ، كثبوت العرف على اعتبار السكوت في معاملة معينة رضاء ، أو إذا كان العرض نافعاً للمعروض عليه ويمكنه رفضه .
واستخراج الرضاء من السكوت يعود تقديره إلى قاضي الموضوع حيث يجري تحليل وقائع وظروف كل حالة على حدة .
– الرضا والتغاضي :
يرى بعض الفقهاء أن من يمكنه منع الاعتداء على حقه فلا يمنع ويتغاضى ، يعتبر راضياً بالاعتداء على هذا الحق ، إلا أن هذا الرأي غير منطقي لأن عدم منع الاعتداء لا يفسر من حيث المبدأ دليل على الرضا أو كتنازل عن الحق وذلك باعتبار أن منع الاعتداء هو أمر يتم بحكم القانون ولا يوجد على عاتق صاحب الحق موجب منع، وبالتالي فإن الرضاء الضمني لا يستنتج بصورة عامة من الموقف السلبي لصاحب الحق المعتدى عليه،فتسهيل دور المرتكب للفعل لا يدل مبدئياً على الرضاء به فصاحب المنزل الذي يترك باب منزله مفتوحاً ليدخل شخص ويأخذ شيئاً منقولاً يخصه يتعين العودة إلى حقيقة نيته ، فإن كان قصده نصب شرك للفاعل فلا يعتبر تساهله من قبيل الرضاء بفعل السرقة ، أما إذا كان القصد من ترك الباب مفتوحاً هو السماح لأحد الأشخاص بأخذ بعض الأشياء مساعدة له ودون منّة فيكون التصرف تعبيراً عن الرضاء.
وكمثال توضيحي آخر : التاجر الذي يشاهد صبيّاً يأخذ لعبة من محله ولا يحرك ساكناً يتعين العودة إلى الوقائع لمعرفة ما إذا كان تغاضيه يعني إذناً أو موافقة من قبله على فعل الأخذ بدافع الشفقة أم يعني محاولة منه لمسك الصبي بالجرم المشهود .
– الرضا والتنازل :
إن رضاء المجني عليه السابق للفعل لا يؤلف تنازلاً بل إذناً بالتعرض لحق ما . أما رضاء المجني عليه اللاحق للفعل فإنه يؤلف سكوتاً عن تقديم الشكوى أو تنازلاً عنها وعن العقوبة ، وليعتد بالتنازل يجب أن يكون صريحاً وخطياً إذ لا يؤخذ بالتنازل الضمني أو غير الصريح .
– الرضا والخضوع :
يمكن القول أن الرضاء يتضمن الخضوع أو الرضوخ إلا أن الرضوخ لا ينطوي دائماً على الرضاء . ومن الحالات المذكورة في هذا المجال : الجرائم المتعلقة بالأخلاق والآداب العامة التي تقع على الأحداث أو على من هم تحت سلطة معينة كسلطة الوصي أو الولي أو المخدوم أو على من لا يستطيعون المقاومة بسبب نقص جسدي أو نفسي أو بسبب ما استعمل نحوهم من إكراه . وقد حمى القانون هؤلاء الأشخاص بنصوص صريحة فالمخدوم الذي يواقع خادمته لا يؤلف رضوخها له رضاءً من قبلها.
الفقرة الثالثة : العناصر القانونية لرضاء المجني عليه :
أولاً – الإرادة :
وهي العنصر الجوهري لرضاء المجني عليه وعلى عكس القانون المدني الذي يعرف الرضاء بأنه اجتماع إرادتين أو أكثر وتوافقهما على إنشاء علاقات إلزامية بين المتعاقدين ، فإن رضاء المجني عليه في قانون العقوبات هو إذن بإرادة منفردة وهو تعبير عن إرادة من صدر عنه ، يتخذ صورة القبول بالفعل وبالنتيجة المتوقعة له ويكفي لينتج الرضا آثاره أن يتم التعبير عن هذه الإرادة ، ولو كان الشخص الموجهة إليه على غير علم بها ، على أن تصدر عن معرفة وتكون حرة ، مميزة ، فالمجنون ومن فقد وعيه بسبب السكر والمخدرات لا تكون له إرادة فينعدم رضاؤه.
والعبرة لرضاء المجني عليه هي الوجود وليس الإعلان أو العلم به . وبما أن الرضاء هو نظام جوهره الإرادة التي تتجه إلى القبول بفعل التعرض للحق ، فإذا تبين عدم توافرها أو عدم اتخاذها موقفاً إيجابياً واضحاً ينتفي العنصر الأساسي للرضاء أو ينتفي الرضاء من أساسه .
ويقتضي لتكون إرادة المجني عليه منتجة أن لا تبقى طي الكتمان أو في خفايا الوجدان ويجب أن يعبر عنها وأن تكون حرة واعية مميزة .
ثانياً – طريقة التعبير عن الإرادة في تكوين رضاء المجني عليه :
إن التعبير عن الإرادة قد يكون صريحاً أو ضمنياً ، خطياً أو شفهياً.
فهو صريح إذا اتخذ مظهر يجزم بحصوله كالكتابة أو القول أو الإشارة وهو ضمني عندما ينجم عن أعمال أو مواقف يفهم منها الرضاء.
كما قد يكون مفترضاً في بعض الظروف ويرتدي أحياناً بعض الأشكال والشروط .
– الرضا المفترض :
يذهب البعض إلى القول بوحدة الفضالة بالقانون المدني (بالرضاء المفترض)، إلا أن هناك اختلافات بين الفضالة التي تنشئ التزامات على الفضولي وعلى رب العمل والرضاء بالقانون الجزائي الذي لا ينشئ أي حق أو التزام .
والفضالة تتعلق بأعمال مادية وقانونية بخلاف رضاء المجني عليه الذي يتعلق بأعمال مادية محظورة من حيث الأصل .
– الشكل والشرط :
إن القانون لا يفرض شكلاً خاصاً للتعبير عن إرادة الرضاء ، إلا أنه ينص على ذلك في بعض الحالات ويحدد شكلاً يقتضي أن يصدر الرضاء بموجبه لأسباب عديدة منها ما يتعلق بأهمية الفعل موضوع الرضاء أو ماهيته .
ومن القوانين التي تنص على شكل معين يجب أن يصدر فيه الرضاء، القانون الذي صدر في سوريا بتاريخ 10/6/1972 تحت رقم /31/ وقد جاء بالمادة الثانية منه بند /3/ ما يلي :
” أن لا يتم نقل العضو من المتبرع إلا بعد الحصول منه على موافقة خطية صريحة حرة غير مشوبة ، شريطة أن يكون المتبرع متمتعاً بكامل أهليته ” .
وقد اشترط القانون السوري أيضاً بالنسبة للمستفيد من العضو المنقول أن يصدر رضاؤه بموجب موافقة خطية وصريحة أن ورد بالمادة /8/ منه : ” لا يجوز إجراء عملية النقل والغرس على المريض المستفيد قبل الحصول على موافقة خطية صريحة منه أو من وليه الشرعي إذا كان قاصراً أو من عائلته في حال كونه غير قادر على الإفصاح عن إرادته ” . وذلك كله نظراً لأن الحق بالحياة والسلامة الجسدية هو مقدس وهبة من الله فلا يجوز أن يمس إلا في سبيل غاية علاجية أو ممارسة حق .
– الشرط والأجل :
قد يتخذ رضاء المجني عليه صيغاً معينة في قانون العقوبات ، فقد يصدر الرضاء معلقاً على شرط أو أجل أو على طريقة معينة بالتنفيذ .
1 – الشرط : قد يضع من يصدر عنه الرضاء شرطاً معيناً مثل شخص ما يقدم كليته لآخر شرط تزويجه ابنته هذا وينبغي أن يوضع الشرط ليعمل به ، كما ينبغي أن يصدر الرضاء قبل حصول الفعل لأنه ليس من أثر رجعي للشرط أو الرضاء .
كما يذكر أيضاً عملية البيع بواسطة آلة البيع الأوتوماتيكية ، فرضاء صاحبها المسبق بأن يأخذ المشتري شيئاً منها مشروط بوضع مبلغ من المال في المكان المخصص لذلك في الآلة ، فإذا حصل الأخذ دون تحقق شرط الدفع يكون الفاعل قد ارتكب جريمة السرقة .
2 – الأجـل : قد يرتبط الرضاء بأجل يكون موقفاً ، كمن يسمح لآخر دخول منـزله أو أخذ مال يملكه حين حلول تاريخ معين ، فإذا حصل الفعل قبل التاريخ المعين فلا يكون للرضاء تأثيره .
وقد يكون الأجل فاسخاً كوضع من يرضى بالتعرض لشيء يخصه حتى تاريخ محدد فإذا حصل الرضاء بعد التاريخ المحدد ينعدم تأثير الرضاء.
فالدولة مثلاً تسمح بالصيد خلال فترة معينة من السنة فإذا حصل فعل الصيد في غير هذه الفترة فإن الرضاء يكون منتفياً ويؤلف الفعل جريمة جزائية .
الفقرة الرابعة : الشروط المتطلبة لاعتداد القانون برضاء
المجني عليه :
أولاً – صدور الرضاء عن شخص مميز :
لقد تناول القانون المدني السوري موضوع شروط التعاقد في
المواد 110– 120 في معرض بحث الرضاء وعيوبه . ومن الثابت أن شروط الأهلية ” أهلية التعاقد ” يدخل بحثها في الأصل في نطاق القانون المدني ، أما أهلية الفاعل لترتب المسؤولية عليه فيتعلق بحثها بقانون العقوبات . إلا أن هناك أهلية أخرى تتعلق بقانون العقوبات غير أهلية الفاعل ، وهي الأهلية الواجب توافرها بالمجني عليه ليمكنه إعطاء رضاء صحيح يعتد به قانوناً ، وهذه تشترط توافر التمييز ، أي يتعين أن يكون المجني عليه مميزاً ، كما تشترط عدم توافر حالات الجنون والسكر والتسمم بالمخدرات.
– إن رضاء المجني عليه غير منصوص عليه بشكل كامل أو شامل في قوانين العقوبات ولم تحدد النصوص سن التمييز لإعطاء رضاء صحيح إلا في بعض الأحوال، وكون الفقه غير متفق أو غير واضح ولم يحسم المسألة ، كما وأن الاجتهاد لم يتناولها بدوره ، وكون أن رضاء المجني عليه هو عمل قانوني من نوع خاص أو هو نظام قائم بذاته ، وقد يفسر ضمن ذلك أن يكون له بعض القواعد الخاصة لا سيما لجهة سن التمييز وكون أن تصرفات القاصر محددة بصلاحيات الولي، وهي تخضع من حيث المبدأ للقواعد المدنية أو لقواعد الأحوال الشخصية .
– يضاف إلى ذلك كون قانون العقوبات عندما يحدد سن معينة للتمييز، فإنه يحددها بصورة مختلفة من جريمة إلى أخرى مما يدل على أنه لكل جريمة ظروفها الخاصة بما فيها ظروف سن المجني عليه وإمكانية التمييز لديه وهذا ما تُرك لقاضي الموضوع بقرار معلل .
وعلى سبيل المثال حدد قانون العقوبات السوري سن التمييز في جريمة الاغتصاب بـ15 سنة في نص المادة /491/ق.ع.س . كما وقد يعود القاضي لنص القانون المدني عند الاقتضاء .
– أما في حالة الجنون فيعتبر الرضاء باطلاً وغير موجود ولا تأثير له على مسؤولية الفاعل الموجهة إليه ، إلا أنه لتتوافر أركان جريمة الجاني يتعين أن يكون على علم بجنون أو بحالة من صدر عنه الرضاء ، وإلا قد ينتفي العنصر المعنوي أو القصد الجرمي لديه ويكون متوافر العنصر القانوني والمادي فقط ، وهذا لا يكفي لتكوين جريمة .
– كما أنه من المفيد الإشارة إلى أن قانون العقوبات السوري في
مواده 230 – 235 في معرض بحث انتفاء التبعة الجزائية أو التبعة الناقصة أشار إلى أن الجنون والعته والسكر والتسمم بالمخدرات تنقص أو تفقد الوعي أو الإرادة ، وأنه ولو كان موضوع رضاء المجني عليه يختلف عن موضوع مسؤولية المدعى عليه باعتبار أن الأول يتعلق بالمجني عليه وبالعنصر الموضوعي للجريمة أما التبعة فتتعلق بالمدعى عليه وبالعنصر فإن تأثير الجنون والحالات المشابهة هو ذاته بصورة عامة بالوضعين باعتبار أنه ينصب على الإرادة أو الوعي ويجعل التصرفات باطلة . وتتساوى حالة الجنون مع حالة القصر دون تمييز مع حالات السكر والتخدير والنوم حيث يعتبر الشخص عاجزاً عن التعبير على إرادته . ولكي ينجم عن السكر والتخدير … التأثير المذكور سابقاً ينبغي أن يفضي إلى فقد الوعي أو الإرادة . وغني عن البيان بأن حالة الجنون وما شابها ينبغي أن تكون متوافرة وقت صدور الرضاء أي معاصرة له ، فلا تأثير من حيث المبدأ للجنون الطارئ بعد الرضاء أو السابق له .
– أما فيما يتعلق بالمحكوم عليهم : فالمحكوم عليهم بعقوبة الأشغال الشاقة أو الاعتقال الجنائيين يعتبرون فاقدين الأهلية وذلك في المادة /50/ عقوبات سوري (كل محكوم عليه بالأشغال الشاقة أو الاعتقال يكون في خلال تنفيذ عقوبته في حالة حجر وتنقل ممارسة حقوقه على أملاكه ما خلا الحقوق الملازمة للشخص إلى وصي وفاقاً لأحكام قانون الأحوال الشخصية المتعلقة بتعيين الأوصياء على المحجور عليهم، وكل عمل أو إرادة أو تصرف يقوم به المحكوم عليه يعتبر باطلاً بطلاناً مطلقاً مع الاحتفاظ بحقوق الغير من ذوي النية الحسنة …) . وبحكم القانون عن محكوم عليه بالأشغال الشاقة أو الاعتقال يعتبر الرضاء إذا كان الفاعل الذي تلقاه على علم بوضع المجني عليه الذي صدر عنه ، يعتبر باطلاً أو كأنه لم يكن ولا يؤثر في المسؤولية وفي أركان الجريمة ، لأن الرضاء الباطل لا يعتد به .
ثانياً – الحرية والعلم :
كي تكون إرادة الرضاء صحيحة يجب أن تصدر عن حرية بإختيار المجني عليه وعن علم أي أن لا تكون معيبة
آ – حكم الرضاء الصادر تحت تأثير إكراه معنوي أو مادي :
رغم أن رضاء المجني عليه هو نظام قانوني قائم بذاته إلا أنه بشكل عام كسائر التصرفات القانونية لا يعد صحيحاً إذا أخذ بالإكراه سواء المادي أو المعنوي، وفيما يلي بعض الجرائم التي يعتبر انتفاء الرضا الناجم عن الإكراه ركناً جرمياً فيها :
– جريمة الاغتصاب وجريمة الفحشاء حسب نص القانون :
لتتوافر عناصر هذه الجريمة يتعين أن يعترف الفعل بالعنف والتهديد أي بالإكراه المادي والمعنوي فإذا لم يتوافر عنصر الإكراه أي إذا لم ينتف رضاء المجني عليه لا تكون جريمة . وفي البداية كان يؤخذ فقط بالإكراه المادي دون المعنوي إلا أن محكمة التمييز الفرنسية وكخطوة سباقة قالت بأن القانون إذا لم يعرف وسائل تنفيذ جريمة الاغتصاب أو الفحشاء ولم يحدد نوعية الإكراه فليس من المنطق الإعتبار بأنه لا يعاقب على الأفعال المرتكبة في ظل الإكراه المعنوي لأن التهديد يجب أن ينزل من حيث تأثيره منزلة الإكراه المادي .
– جريمة الخطف :
إن المادة القانونية المتعلقة بجريمة الخطف تنص على العنف كسب لانعدام الرضاء ، ولكن دون تحديد العنف ، هل هو إكراه مادي أو معنوي، فمن حيث التأثير يتساوى الإكراه المادي والمعنوي هنا من حيث النتيجة وهي فقدان الرضاء .
وتفترض جريمة الخطف انعدام رضاء المخطوف ما عدا جريمة خطف القاصر تعدياً على حق حراسته ، حيث يفرض العقاب ولو حصل الخطف برضاء المخطوف وكذلك خطف القاصر غير المميز الذي لا رضاء له .
– جريمة السرقة بالعنف :
لقد نص قانوناً بالنسبة للجرائم المتعلقة بالسرقة بواسطة العنف على العنف فقط لينعدم الرضاء ويتوافر عنصر الجريمة المادي وهذا يعني إقتصار الأمر على الإكراه المادي دون المعنوي إلا إذا نزل العنف المعنوي منزلة العنف المادي في تأثيره بالرضاء.
فالإكراه المعنوي في جريمة السرقة يمكن أن يفقد المجني عليه حريته ويجعل التسليم غير إرادي من قبله ، فقد يكره الجاني عجوزاً على تسليم مال بفعل تهديدها بالقسوة وبالمعاملة السيئة حتى ولو لم يكن هذا التهديد باستعمال السلاح أو بحرق المنزل ، وهكذا يجب أن يكون تهديد الفاعل من النوع الذي يؤدي إلى سلب حرية الاختيار لدى المجني عليه ويحمله على الاعتقاد بوجود خطر كبير وحال . ولا يكفي أن يكون التهديد غير واضح أو غير فاعل لأن في هذه الحال وإن كانت الإرادة ليست حرة بصورة كاملة فإن التسليم يظل إرادياً .
– جريمة التهويل :
إن التهديد إذا استهدف فضح أسرار أو أخبار أو إشاعة تهم تشهيرية تصبح الجريمة من قبل التهويل ، وجريمة التهويل لا يمكن أن يعاقب عليها كسرقة لأن تسليم المال من المجني عليه للجاني يحصل إرادياً والتسليم يتم بنتيجة تهديد بأمور قد تكون صحيحة كالتهديد بجنحة ارتكبت فعلاً.
وفي معرض بحث جريمة التهويل في بعض الحالات ينص قانوناً لتتوافر الأركان الجرمية على الإكراه المعنوي دون المادي حيث يعتبر الإكراه المعنوي هنا هو العنصر المادي للجريمة وجريمة التهويل هي من جرائم التهديد الواقعة على الأشخاص إلا أن لها نتائج مالية .
ب – حكم الرضاء الصادر تحت تأثير الخداع :
قد جاء بالمادتين 216 ، 217 ق مدني سوري التدليس هو الغلط الناجم عن استعمال طرق احتيالية ويؤدي إلى تضليل المخدوع وحمله على إعطاء رضائه .
ورغم أن الأخلاق تفرض الصدق والأمانة التامين فإن القانون لا يجازي على الأكاذيب إلا إذا كانت على درجة معينة من الخطورة ، فلا يعتبر مثلاً المبالغة بإبراز محاسن الشيء والسكوت عن سيئاته خداعاً .
وتعبر قوانين العقوبات عن الخداع الذي يؤثر في الرضاء بأشكال مختلفة أحياناً إلا أن المعنى والنتيجة واحدة فقانون العقوبات السوري تكلم عن الحيلة في المادة (481 – فقرة /20/) المتعلقة بجريمة خطف القاصر وعن ضروب الخداع في المادة (490) المتعلقة بجريمة الاغتصاب وعن ضروب الحيلة (المادة 494) المتعلقة بجريمة الخطف وعن الخداع في المادة (510) المتعلقة بجريمة الإغواء من أجل الفجور وعن المناورات الاحتيالية في المادة (641 ع.س) المتعلقة بجريمة الاحتيال .
ولا يختلف الخداع الجزائي عن الخداع المدني من حيث هدف إيقاع الضحية في الغلط (فهو نشاط متجه إلى الإيقاع في الغلط فيترتب عليه ذلك) ولكنهما يختلفان بالدور القانوني وفي الماهية .
فالخداع بالقانون المدني يستهدف الحصول على صفقة نافعة أكثر ما يستهدف إلحاق الضرر بالغير كما هي الحال في فعل الإحتيال الجزائي.
وفيما يلي بعض الجرائم التي يعتبر انتفاء رضاء المجني عليه الناجم عن الخداع ركناً جرمياً فيها أو بعض الحالات التي تدل على أن سلامة هذا الرضاء أو وجوده تشترط عدم توافر عامل الخداع .
– جريمة الاحتيال :
إن الخداع الجزائي ينحصر بحيل محددة ولا يسهل كشفها وقد حددت المادة /641/ ق.عقوبات سوري المتعلقة بجريمة الاحتيال وبصورة حصرية الحيل المكونة لهذه الجريمة والتي تؤدي إلى انتفاء الرضاء .
فهناك خمس وسائل للاحتيال أي لجعل رضاء المجني عليه باطلاً أو بحكم غير الموجود هي :
1 – استعمال الدسائس .
2 – تلفيق أكذوبة أيدها شخص ثالث .
3 – ظرف مهد له المحتال أو ظرف استفاد منه .
4 – التصرف بأموال منقولة أو غير منقولة مع علم الفاعل بأنه ليس له صفة التصرف بها .
5 – استعمال اسم مستعار أو صفة كاذبة .
هذا وتقتضي الإشارة إلى أن تسليم المال نتيجة الوسائل الاحتيالية المنصوص عليها قانوناً يؤلف جريمة الاحتيال ، لأن رضاء المجني عليه الحاصل هو رضاء ظاهري وباطل وقد صدر تحت تأثير خداع ولا يعتبر رضاء صحيحاً معبراً عن الواقع ، أي أن انتفاء الرضاء هو ركن في هذه الجريمة.
إلا أن الجريمة تنتفي عندما يصدر الرضاء عن معرفة بالمناورات المجراة أي دون خداع أو عندما لا تؤثر هذه المناورات في صدوره.
– جريمة حرمان الحرية :
وقد تحدثت عنها المادتان (555 ، 556) ع.س فإن القانون ينص على حصول هذه الجريمة بأية وسيلة كانت ، الأمر الذي يعني العقاب عليها مهما كانت وسائل اقترافها ومنها وسائل الإكراه بنوعيه والخداع .
وتفترض جريمة الحرمان من الحرية إنعدام رضاء المجني عليه ، أما إذا توافر رضاء المجني عليه فتنتفي الصفة الجرمية ، فمن يرضى باختياره أن يحجز في غرفة لا يعتبر في حالة حرمان من حريته من الناحية القانونية.
ج- حكم الرضا ءالصادر تحت تأثير الغلط :
الغلط يتفرع إلى قانوني ومادي ، فالغلط القانوني يتناول قاعدة قانونية أما الغلط المادي فيتناول واقعة ذات كيان مادي .
في النطاق الجزائي وبالتحديد بالنسبة للمجني عليه الذي يصدر عنه الرضاء لا يصح الكلام عن غلطه في القانون بالمعنى الحقيقي أو الكامل للكلمة وذلك لأن القواعد الجزائية هي قواعد آمرة وملزمة ولا يجوز التذرع بجهلها ولكن ينبغي الكلام عن فقدان أحد العناصر المكونة للرضاء، فإذا رضي أحد الأشخاص بالتعرض لحق يخصه يمكن أن يؤلف جريمة جزائية وكان معتقداً بأن القانون يجيز له التصرف بهذا الحق ، خلافاً لما هو واقع ، فالرضاء هنا يعتبر غير موجود أصلاً (وليس موجوداً وفيه عيب) ، لأن جواز التصرف بالحق على هذا الصعيد هو أحد العناصر المكونة لرضاء المجني عليه ولذلك يكون هنالك عدم إكتمال عناصر هذا الرضاء أو بعدم وجوده وليس بالغلط في القانون وبالتالي فانتفاء أحد العناصر المكونة لرضاء المجني عليه يجعل هذا الرضاء غير قائم قانوناً وبدون تأثير لجهة نفي الصفة الجرمية للفعل المقترف .
ثالثاً – صدور الرضاء عن المجني عليه بالذات :
إن رضاء المجني عليه يتعين أن يصدر من حيث الأصل عن المجني عليه ، صاحب الحق المعتدى عليه . غير أنه يحصل أن يصدر هذا الرضاء عن غير المجني عليه نتيجة ظروف قانونية أو اتفاقية أو واقعية . وللتوضيح يجدر تعريف المجني عليه : ان المجني عليه هو الطرف السلبي للجريمة ، أي الشخص الذي يقع عليه عدوان الجريمة المباشر أو الذي يكون مقصوداً بهذا العدوان .
والمجني عليه الذي يصدر عنه رضاء له تأثيره ، لا ينبغي أن يكون إلا شخصاً من أشخاص القانون الخاص وليس شخصاً من أشخاص القانون العام ، فالدولة أو أشخاص القانون العام ، لا يحق لهم إعطاء الرضاء من حيث الأصل ، إلا إذا تصرفوا في نطاق القانون الخاص .
وقد يحصل أن لا يصدر الرضاء عن المجني عليه بالذات حيث لكل رأي استثناء ، بل قد يصدر عن شخص آخر ، كالولي والوصي والوكيل ، إلا أن السلطة المخولة لهؤلاء لها حدود قانونية معينة ، لا يجوز تجاوزها فالممثل ملزم برعاية مصالح الشخص الذي يمثله ، فإن تعدى ذلك يكون مسؤولاً حتى جزائياً ، وإذا توافرت الأركان الجرمية لجريمة ما بالإضافة إلى بطلان التصرفات .
رابعاً- معاصرة الرضاء للفعل الجرمي :
إن المبدأ هو أن رضاء المجني عليه ليؤثر في المسؤولية الجزائية ينبغي أن يصدر قبل أو في أثناء تنفيذ الفعل موضوع هذا الرضاء . وقد نصت المادة /186/ عقوبات سوري على ذلك (على أن الفعل الذي يعاقب عليه لتعرضه لإرادة الغير لا يعد جريمة إذا اقترف برضى منه ، سابق لوقوعه أو ملازم له ) .
فالضابط كما يؤخذ من هذا النص هو أن يكون الرضاء موجوداً حين وقوع الفعل فإذا صدر الرضاء قبله بزمن طال أو قصر فيشترط استمراره حتى وقت اقتراف هذا الفعل .
فرضاء المجني عليه السابق للفعل يؤثر في المسؤولية الجزائية وفي مكونات الجريمة بالنسبة للأفعال التي تتم بعد صدوره .
الفصل الثاني
التشريع المقارن حول رضاء المجني عليه
اختلفت الطريقة التي عالجت فيها التشريعات الأجنبية والعربية موضوع تأثير رضاء المجني عليه .
اعتبر تشريعنا السوري رضاء المجني عليه كأحد أسباب التبرير في بعض الحالات التي جاء على ذكرها ولم يعترف به كسبب مبيح عام يبرر الجرائم .
فقد جاء في المادة /186/ق. عقوبات سوري :
” إن الفعل الذي يعاقب عليه لتعرضه لإرادة الغير لا يعد جريمة إذا اقترف برضاء من الغير قبل وقوع الفعل أو أثناء وقوعه ” .
كما ذكر بالمادة /185/ قانون عقوبات سوري .
إجازة العمليات الجراحية والعلاجات الطبية المنطبقة على أصول الفن شرط أن تجري برضى العليل أو ممثليه الشرعيين أو حالات الضرورة الماسة . وأيضاً أعمال العنف التي تقع أثناء الألعاب الرياضية …
– كما تأثير المشترع الكويتي بموضوع رضاء المجني عليه حيث جاء على ذكره في المادة /39/ :
( لا يعد الفعل جريمة إذا رضي المجني عليه بارتكابه وكان وقت ارتكاب الفعل بالغاً من العمر 18 سنة ، غير واقع تحت إكراه مادي أو معنوي ، عالماً بالظروف التي يرتكب فيها الفعل وبالأسباب التي من أجلها يرتكب ) .
– أما القانون اللبناني فقد عالج الموضوع بنظرة طبق الأصل عن القانون السوري بمادته /187/ قانون عقوبات لبناني .
ومن القوانين الجزائية ، ما لا تعتبر موافقة الضحية من أسباب التبرير ولا تتعرض لها بأي نص في باب الأحكام والقواعد العامة، كالقانون البلجيكي والفرنسي ، حيث لا قيمة شرعية مبدئياً لرضاء المجني عليه ، بسبب عدم فعاليته القانونية على التكييف الجرمي للأفعال المعاقب عليها .
أما موقع موافقة الضحية في القانون الفرنسي بالنسبة لجرائم الاعتداء التي يرتكبها الفرد على نفسه لا يبني القانوني الفرنسي عدم المعاقبة على إباحة الفعل أو تبريره، وإنما على عجز القانون في كبح إرادة الفاعل غير المشروعة إجتماعياً وخلقياً، أما فيما يتعلق ببعض الجرائم الفردية الخاصة والاستثنائية التي تؤثر موافقة الضحية على تجريمها، فإن الاجتهاد الفرنسي لم يبلغ درجة تسمية هذه الموافقة بأسباب التبرير والإباحة ، بل اعتمد تعبيراً يتجاوز هذه الأسباب ولو كانت النتيجة واحدة، وهو أن سبب محو هذه الجرائم تعود إلى طبيعتها وماهيتها بحكم تعريفها وتحديد عناصرها وفق الوضع الخاص بها الذي يسمح لرضاء المجني عليه أن يقوم بدوره فيها.
– ومن القوانين الجزائية السباقية ، ما تعتمد موافقة الضحية سبباً خاصاً للتبرير والإباحة ضمن الأحكام ، المتعلقة بواقع التجريم في نفس فصل الدفاع المشروع وممارسة الحق ، كالقانون الإيطالي في المادة /50/.
– كما أن القانون اليوناني اعتمد نصاً خاصاً يأخذ بعين الاعتبار رضاء المجني عليه لا يتبين من موقعه أنه قد تأثر بالقانون الإيطالي لوروده في المادة /308/ المتعلقة في جرائم الاعتداء على السلامة الجسدية ، وهذا النص هو الوحيد من نوعه بين القوانين الجنائية .
– أما القانون البرتغالي فقد اعتمد بصورة ضمنية أثر موافقة الضحية بالتعليل المنطقي العكسي في المادة /59/ فقرتها الخامسة .
وقد أورد هذا القانون في بعض النصوص الخاصة بالاعتداء على الحريات الفردية وعلى الحشمة ، شرعية بعض الأعمال الجرمية المقترنة برضاء المجني عليه كالمادة /227/ ويستفاد ضمناً من نص المادة /34/ الفقرة /3/ ما يفيد أثر موافقة الضحية.
– وقد احتوت بعض التشريعات الجزائية في أمريكا اللاتينية نصوصاً منها عامة ومنها خاصة ، تعرّضت لسبب الإباحة المبني على موافقة الضحية.
القانون الأرجنتيني في المادتين /74 – 150/ .
القانون البرازيلي في المادة /14/ .
والقانون الاوروغوياني /44/ .
– أما القانون البريطاني العرفي غير المكتوب لا يزال يحتفظ بالقاعدة الرومانية القديمة (لا جريمة لمن ارتضى لنفسه الأذى الناشئ عنها) صراحة في قرارات واجتهادات سابقة وخاصة في الجرائم الواقعة على الأموال وخرق حرمة المنزل وجرائم الأخلاق في غالبيتها .
وقد تأثرت قوانين بعض ولايات أمريكا الشمالية بهذا الاتجاه بالإضافة إلى المبدأ المكرس فيها لجهة احترام الحريات والحقوق الفردية ، فنصت على ذلك شرعة الاستقلال الأمريكية وإعلان حقوق الإنسان .
ومن أكثر ما يلفت للنظر هو التشريع الدنماركي الذي أقر حديثاً عام 2008 تأثير رضاء المجني عليه في موضوع الموت الرحيم .
القسم الثاني
آثار رضاء المجني عليه
بالمسؤولية الجزائية والنماذج العلمية
الفصل الأول
تأثير رضاء المجني عليه بالمسؤولية الجزائية
لقد نصت المادة /186/ من قانون العقوبات السوري على :
(أن الفعل الذي يعاقب عليه لتعرضه لإرادة الغير لا يعد جريمة إذا اقترف برضى من الغير قبل وقوع الفعل أو أثناء وقوعه ) .
تطرح هذه المادة التي تعتبر أن رضاء الضحية بالتعرض لإرادتها سبب تبرير مسألة رضى الضحية وأثره على الأفعال التي يمكن أن تتعرض لها من قبل الغير ، وهي تشكل جرائم أصلاً ، والصورة الأكثر شيوعاً لهذه المسألة هي في قبول الضحية بتصرف الغير بجسدها وإن حصل إيذاءً لها ، وكذلك الطلب من الغير إنهاء حياتها أو الموافقة على أن يتصرف الغير بجسدها بعد وفاتها .
إن رضاء المجني عليه من حيث المبدأ ليس له تأثير على المسؤولية الجزائية إلا في حدود ضيقة واستثنائية ، والسبب في تلك القاعدة أن معظم نصوص قانون العقوبات تتصل بالنظام العام ومعظم الحقوق التي رآها المشرع الجزائي جديرة بالحماية وفق نموذج قانوني معين يبررها ولا يلغيها ولا يمنع من العقاب منها رضى المجني عليه إلا في أحوال استثنائية تقدرها سياسة التشريع والعقاب ، والمعيار في ذلك هو بالنظر إلى موضوع الجريمة أي طبيعة الحق المعتدى عليه .
فالشارع يعاقب على القتل كونه إعتداء على حق المجني عليه في الحياة ، ويعاقب على الإيذاء كالضرب والجرح لأنه يشكل إعتداء على حق المجني عليه في سلامة جسمه ويعاقب على جريمة الإغتصاب والفحشاء لصون حق المجني عليه وعرضه ، ويعاقب على السرقة أو الإتلاف …الخ .
وفيما يلي شرحاً مفصلاً للتوضيح ..
الفقرة الأولى : الآثار على الركن المادي للجريمة :
إنه من حيث الأصل وبشكل عام لا تأثير للرضاء على مكونات الجريمة ، إلا أن قانون العقوبات يحدد في بعض الجرائم عناصر الركن المادي الجرمي ، بطريقة تدل على أن عدم رضاء المجني عليه هو أحد هذه العناصر، وذلك لجواز التصرف أو التنازل عن الحق الذي يجري التعرض له ، ونظراً أيضاً لتوجب حصول الإعتداء على وجه منصوص عليه في القانون .
فالركن المادي يتكون أو يكتمل إذا انتفى رضاء المجني عليه المسبق، وإذا حصل الفعل على الوجه المحدد ، أما إذا توافر هذا الرضاء فينتفي العنصر الأساسي القائم عليه الركن المادي ، وذلك باعتبار أن هذا الركن يتألف من عنصرين ، التعرض للحق والتعرض لإرادة صاحب الحق ، وعند وجود الإرادة أو الرضاء فيعدم هذا العنصر الأخير .
ولتوضيح هذا الجانب من تأثير الرضاء ، يجب استظهار الجرائم التي يعتبر فقدان الرضاء فيها أحد عناصر الركن المادي .
وهناك : – جرائم واقعة على الأشخاص .
– وجرائم واقعة على الأموال .
بالنسبة للجرائم الواقعة على الأشخاص ، من زاوية تأثير رضاء المجني عليه والمجال الذي يؤلف فيه انقضاء رضاء المجني عليه أحد عناصر الركن المادي للجريمة :
– جريمة حرمان الحرية الشخصية :
كرست نصوص قانون العقوبات السوري ، تكاملاً مع المبادئ الدستورية ، حماية الحرية الشخصية من الأعمال التعسفية التي تقع عليها من قبل الغير ، وذلك بصورة متساوية للجميع .
لقد نصت المواد /555 – 556/ من قانون العقوبات السوري على مايلي:
– /555/ق.ع.س : (من حرم آخر حريته الشخصية بأية وسيلة كانت عوقب بالحبس من /6/ أشهر إلى سنتين ، وتخفض العقوبة عن المجرم (م 241) إذا أطلق عفواً سراح الشخص المختطف في خلال 48 ساعة دون أن ترتكب به جريمة أخرى سواء جناية أو جنحة) .
– /556/ق.ع.س (يقضى على المجرم بالأشغال الشاقة المؤقتة :
آ – إذا جاوزت مدة حرمان الحرية شهر .
ب – إذا أنزل بمن حرمت حريته تعذيب جسدي أو معنوي .
ج – إذا وقع الجرم على موظف أثناء قيامه بوظيفته أو في معرض قيامه بها .
وقد استعمل المشرع عبارة حرمان الحرية الشخصية بأي وسيلة كانت ، واعتبر الخطف إحدى هذه الوسائل أو المثال عليها واعتمد لمبدأ العام القائل بأنه لا يجوز أن يحرم أي شخص حريته في غير الحالات التي ينص عليها القانون ، فلا يجوز مثلاً توقيف شخص إلا بموجب مذكرة توقيف صادرة عن مرجع قضائي مختص .
وللتوضيح نطرح المثال التالي :
لو رضي شخص بأن يحرمه آخر حريته ، أو لو تم هذا الأمر باتفاق بينهما لغاية معينة ، هل إن جرم حرمان الحرية يتكون في هذه الحالة رغم رضاء المجني عليه؟
إن الركن المادي الجرمي في هذا المحل لا يتكون تبعاً لانعدام العنصر الأساسي فيه لأنه يشترط لتوافر هذا الركن أن يحصل الفعل ضد إرادة المجني عليه أما إذا حصل برضاه ، لا يكون هناك جرم .
إلا أن هناك بعض الحالات بصورة استثنائية ينعدم تأثير الرضاء فيها :
أولاً- إذا وقع هذا الفعل على موظف أثناء تأديته وظيفته ، حتى لو حصل برضاه، لأنه لا يحق للموظف أن يتصرف بحريته في أثناء الوظيفة ، باعتبار أن الوظيفة والحرية هما هنا ملك الدولة والمجتمع .
ثانياً – تعاقب المواد 502 ، 503 ق.ع.س كل من يقدم على خطف أو تخبئة ولد دون السابعة من عمره بقطع النظر عن رضائه .
وكل من يخطف أو يبعد قاصر دون 18 سنة ولو برضاه ، قصد نزعه عن سلطة وليه .
ثالثاً – وأيضاً مديري وحراس السجون أو المعاهد التأديبية أو الإصلاحيات، إذا قبلوا شخصاً دون مذكرة قضائية أو قرار قضائي أو استتبعوه إلى أبعد من الأجل المحدد ولو كان ذلك برضاه ، فجرم التعدي على حرية الأفراد من قبل الموظفين العموميين تتوافر أركانه بقطع النظر عن الرضاء .
رابعاً – إذا حصل حرمان حرية بقصد إخفاء شخص للحؤول دون القبض عليه نتيجة إرتكابه جريمة جنائية أو دون تأديته خدمة عامة يكون الفعل هنا معاقب عليه رغم الرضاء .
خامساً- أخيراً إن القانون يمنع على الإنسان بيع نفسه من الغير ولو برضاه.
المادة /9/ : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
المادة /4/ : الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (لا يجوز استرقاق أو استبعاد أي شخص ويحظر الاسترقاق وتجارة الرقيق بسائر أوضاعها).
– جريمة خرق حرمة المنـزل :
ثانياً – القتل الناشئ عن مبارزة رياضية :
لقد أحسن قانوننا في نصه على جريمة المبارزة بحد ذاتها ، متميزاً بذلك عن كثير من التشريعات الجزائية كالتشريع الفرنسي ، التي تربط العقاب على هذه الجريمة، بالنتائج المترتبة على الفعل ، دون أن تنص على عقوبة على فعل كجريمة قائمة بذاتها ، بقطع النظر عن النتيجة الجرمية ، التي تؤثر فقط أو تغير بالوصف الجرمي وفي تحديد العقوبة بدليل أن المادة /422/ع.س تحدد عقوبة المبارزة بصورة عامة دون أن يكون من المفروض حصول أي نتيجة جرمية والمادة /423/ع.س تعاقب على الدعوة إلى المبارزة وإن رفضت ، والمادة /424/ع.س تعاقب من أهان آخر علانية أو استهدفه للازدراء العام لأنه لم يتحدّ امرءاً للمبارزة أو لم يلب من تحداه ، والسبب في إتجاه قانوننا لهذا الإتجاه هو ما تؤديه المبارزة من خلل في النظام الإجتماعي ومن إحتكام للعنف الذي يتنافى مع العدالة.
هذا وقد أورد قانوننا أيضاً جريمة المبارزة في باب الجرائم المخلّة بالإدارة القضائية وفي فصل إستيفاء الحق لأنها تشكل خروجاً على الأصول القاضية بوجوب العودة إلى المراجع القضائية أو المراجع المختصة بفصل القضايا والنزاعات .
أما لتوضيح موقع رضاء المجني عليه بالمبارزة فيجدر بنا تعريفها :
المبارزة : هي نزال رضائي منظم ، متفق عليه بين شخصين أو أكثر ، من أجل تصفية خلاف بينهما بواسطة السلاح وقد يؤدي إلى الإيذاء أو القتل ويحصل هذا الأمر خارج إطار الحروب العامة أو لا يمت بصلة لها .
فكلا الخصمين يرضى مسبقاً بتعريض حياته وسلامته الجسدية لما قد يتلقاه من خصمه ، مقابل ما يمكن أن يوجهه بدوره إلى خصمه ، فالمبارزة لا تحصل إلا رضائياً والنتيجة الناجمة عنها هي من قبيل النتيجة الحاصلة برضاء المجني عليه .
والاتفاق الذي يحدد الزمان والمكان والشروط للمبارزة هو اتفاق جرمي وغير مشروع ولا يمكن أن ينجم عنه أية مفاعيل قانونية أو أن يحق لأحد أن يتذرع به .
إلا أنه من الواضح أن التخفيف الحكمي للعقوبة الوارد بالمادة /425/ق.ع.س هو نتيجة عامل الرضاء بالمبارزة ، دون أن يصل هذا العامل إلى سلخ الصفة الجرمية عن الفعل .
ثالثاً – القتل بدافع الشفقة (الموت الرحيم) :
تنص المادة /538/ قانون عقوبات سوري على ما يلي :
” يعاقب بالإعتقال عشر سنوات على الأكثر من قتل إنساناً قصداً بعامل الإشفاق بناءً على إلحاحه بالطلب ” .
لقد لحظت المادة المذكورة سابقاً عامل الاشفاق على الضحية وعامل الإلحاح ، مما يفيد أن المستفيد من العقوبة المخفضة يجب أن يكون ساوره شعور بالإشفاق على الضحية التي تتألم من مرض اعتراها وليس من سبيل لشفائها منه بل إن نهايتها حتمية فأخذته الرأفة بها لما تعانيه من آلام لا شفاء منها ولا مهرب ، كما يجب أن يكون طلب الضحية إنهاء حياتها قد حصل بإلحاح أي بالتكرار والتأكيد الذين يعبران عن يأس الضحية ورغبتها بإنهاء حياتها للتخلص من الآلام ، وبما أن إنهاء الحياة أمر ممنوع قانوناً ، لمساسه بالانتظام العام ، ويعاقب عليه ، إلا أنه بالنظر إلى العامل النفسي الذي ساور الفاعل والدافع الذي حمله على ارتكاب فعله جعل المشرع يأخذ بعين الاعتبار هذه العوامل لتخفيض العقوبة بحقه .
ومن الجدير بالذكر إلى أن أول من أوجد هذا المصطلح هو الفيلسوف Froincis Facon الذي قال: “على كل طبيب أن يؤمن لمرضاه موتاً هادئاً”.
– أما بالعودة للمادة /538/ قانون ع.س فيتضح لنا بعض الأمور
التي تتمثل في :
أولاً – رغم أنه لم يرد النص صراحة في قانوننا على الحوادث والحالات المرضية فإن الوضع المقصود هنا في القانون لا يبدو أنه يجوز أن يتجاوز النطاق المذكور إلى غير نطاق ، كالفقر أو العوز أو أي وضع آخر قد يستدعي الإشفاق.
ثانياً – إن قانوننا العقابي لم يعتبر أن رضى المجني عليه يسلخ هنا الصفة الجرمية عن الفعل ، أي أنه لم يعتبر ذلك الرضاء سبب تبرير أو سبباً لانتفاء أحد عناصر الركن المادي للجريمة ، إلا أنه اعتبر جريمة القتل إشفاقاً بطلب المجني عليه جريمة من نوع خاص وذات عقوبة مخففة ومختلفة عن عقوبة القتل العادي . لكن هذه الجريمة تبقى جريمة قتل مكتملة الأركان ، فالقصد الجرمي فيها متوافر أي قصد القتل ، وذلك بقطع النظر عن الدافع لدى الفاعل الذي لا يؤثر في هذا القصد ، وكذلك فإن الركن الموضوعي متوافر أيضاً ، وهو إزهاق روح إنسان محظور قانوناً .
ثالثاً – رتب المشرع بالنسبة لهذه الجريمة شرطاً خاصاً بها ، يتعلق بالمجني عليه ويتألف من الحاجة بطلب النتيجة من الفاعل وبلوغها على يده وليس فقط الرضاء بأمر معروض عليه ، هذا بالإضافة لعامل الإشفاق .
– أما السبب في تخفيف عقوبة الفاعل دون إعطاءه تبرير أو تأثير في أركان الجريمة واعتبار العقوبة من نوع الاعتقال وليس الأشغال الشاقة يعود إلى رضاء المجني عليه وإلحاحه بالطلب ، وكذلك إلى عامل الإشفاق .
فمن يقتل بناءً على طلب المجني عليه وبدافع العطف ، إن لم يكن جديراً بالإعفاء الكامل من العقاب ، فهو جدير بالرحمة والتخفيف ، بخلاف من يقتل عن عدوان أو مصلحة في الجريمة .
– إن موضوع الموت الرحيم هو موضوع يطرح حديثاً ويثير الكثير من الاختلافات في الآراء وفي التقبل وما إلى هنالك ..
فبعض علماء الطب يرى أن مسألة القتل بالطلب لا ترتدي طابعاً استثنائياً وإنما هي وضع معقول لإنهاء أوجاع لا تطاق وحياة ميؤوس منها وتوفير نفقات وعلاج …
إلا أن كثيراً من رجال الطب والدين أيضاً ، ينكرون هذه المسألة ويعارضونها حتى في الحالات المستعصية على أساس أن :
1 – الحياة هبة الخالق للمخلوق وهو وحده الذي يستردها ساعة يشاء، ولا يحق لأي كان أن يخالف إرادة الله في خلقه وفنائه .
2 – لا يجوز القول بالإصابة التي يستحيل الشفاء منها ، إذ أنه ما دام في الإنسان خلجة من الحياة ، فيظل موجوداً بريق أمل في الشفاء ولو ضعيف والعناية الإلهية لا توصد باب رحمتها .
– ومن الجدير بالذكر بروز بعض المنظمات التي تشجب فكرة القتل الرحيم كالمنظمة العالمية لمناهضة القتل الرحيم (International Anti Euthanasia Task Force) والتي تقوم باستغلال هذه الحملة لصالح المرضى بحيث يلقوا مزيداً من الرعاية الطبية والتعاطف . وهناك أيضاً منظمة (لسنا موتى بعد Not dead yet) ومن خلالها يطالب المعاقون في أمريكا بالحرية كبديل للشفقة وحقنة الرحمة المزعومة تلك ويعارضون بشدة جعل القتل الرحيم فعل مشروع قانوناً .
– إلا أن المجتمع والطب والدعاوى المعروضة أمام المحاكم تميل إلى القتل الرحيم أحياناً وتشجبه أحياناً أخرى .
والشواهد على هذه الأعراض الطبية المتعددة والحالات المختلفة ، ومن الأمثلة على ذلك :
– شخص مصاب بداء السرطان وعذابه لا يحتمل وموته محتوم ، وآخر أصيب بحادث أدى إلى كسور بكل أنحاء جسمه ونزيف دموي صاعق ويتلوى ألماً ولا أمل من إنقاذ حياته ، وقد لا تنقضي أكثر من ساعات معدودة ، فيتطوع أحد الأشخاص لإنهاء حياته وهو كومة من لحم وعظام بإطلاق النار عليه وقتله إشفاقاً . كما قد يحصل في معركة حربية أن يصاب أحد الجنود إصابة قاتلة ولكنه لا يموت لتوه وهو معرض للتلف مع الأوجاع بسبب الوضع الحربي والبعد عن المعالجة فيقدم أحد رفاقه على إطلاق النار عليه لاستعجال وفاته .
ومن أكثر الدعاوى إثارة للتساؤلات :
– في عام 1925 قتلت فتاة خطيبها المصاب بالسرطان وكانت قد أجريت له عملية جراحية ونقل دم ، ولكن الآلام التي ظل يعاني منها كانت آلاماً لا إنسانية ، ولا يمكن أن تحتمل ، فراح يتوسل إليها بصورة ملحة لتضع حدّاً لآلامه فضعفت إرادتها واستجابت لطلبه ، وقامت بحقنه بكمية كبيرة من المورفين ثم أدخلت فوهة المسدس في فمه وأطلقت النار ، وقد برأتها المحكمة .
– في عام 1912 قتل أحد وكلاء النيابة الفرنسيين زوجته المصابة بشلل نصفي ناشئ عن إصابة دماغية وأعلن أمام المحكمة بأنه قام بواجبه تجاه زوجته التي كانت تعاني آلاماً لا تطاق .
– في عام 1930 قتل طبيب خطيبته لأنه وجدها مصابة بنوع من السرطان وحين شرحت الجثة تبين أن الإصابة بسيطة ، فأبلغ النيابة العامة بالواقعة وانتحر ، وقد ثبت أنه قتل أربعين شخصاً مصابين بأمراض عضال من باب الشفقة والرأفة بهم.
– في عام 1948 قامت سيدة نمساوية بقتل زوجها رأفة به وإشفاقاً عليه من الآلام التي كان يعانيها والناشئة عن إصابته بسرطان الكبد ، وكانت تنوي أن تموت معه إلا أنها أُنقذت في اللحظات الأخيرة وقد برأتها محكمة فيينا .
– في عام 1950 إهتزت المحافل الطبية والقانونية الأمريكية بحادثة خطيرة ارتكبها طبيب يدعى ساندر حيث قام بقتل زوجة أحد زملائه التي كانت مصابة بالسرطان وقد أظهر الكشف الطبي بأنها سائرة نحو نهايتها المحتومة ، فقد ذاب لحمها ولم يبق عليها لا الجلد والعظم ، ولم تعد قادرة على أن تأكل شيئاً ، ثم تبين بأن زوج المريضة رجاه مراراً لينهي آلام زوجته فأقدم على تخليصها من آلامها ، وفي النهاية حكم ببرائته .
– في عام 1963 قامت سيدة بلجيكية بالاشتراك مع والدتها وطبيب العائلة بقتل طفلها المولود حديثاً بصورة مشوهة إشفاقاً عليه ورأفة به من أن لا يعيش حياة طبيعية بشكله غير الطبيعي ، وكان المحلفون قد أعلنوا براءة كل المتهمين في القضية .
– وقد حدث أيضاً في فرنسا سنة 1966 قضية نشرتها
جريدة Le monde الفرنسية في عددها الصادر في 2/12/1966 ، أن السيدة Mireille Gouroind قتلت طفلها بمادة gardinal لأنه كان مصاباً بفقدان التوازن والصم والبكم والعمى ، وحين سألها رئيس المحكمة عما إذا كانت تعيد الفعلة لو وجدت نفسها مرة أخرى في نفس الموقف فأجابت بنعم .
– كما جاء في قرار لا يخلو من الجرأة لمحكمة الاستئناف الكندية بإنهاء حياة طفلة مصابة بالسرطان بحالة متقدمة .
بعكس قرار المحكمة الألمانية الذي جاء برفض طلب إمرأة مصابة بكسور إثر حادث سير مروع بإنهاء حياتها .
والمجدي طرح فكرة علماء الطب للوسائل القانونية والحدود الإنسانية التي تسمح لهم بالتصرف من خلال طرح لمراحل الموت طبياً :
وهي ثلاثة :
1 – الموت الاكلينكي وفيها يتوقف القلب والرئتان عن العمل.
2 – موت المخ بعد بضعة دقائق من توقف دخول الدم المحمل بالأوكسجين للمخ .
3 – الموت الخلوي .
يمكن للإنعاش في الحالة الأولى أن يعيد للشخص حياته ولذلك فإزالة الآلة تعتبر جريمة حتى ولو طلب المريض أو أهله ذلك لأن الموت هنا ظاهري ومن الجائز إعادة الحياة للمريض .
أما الحالة التي يموت فيها المخ فلا أمل في الحياة باستعمال الوسائل ، وعليه فإن على الطبيب أن يراعي الضمانات اللازمة لإزالة وسائل الإنعاش.
– أما بالنسبة للشريعة الإسلامية عدت القتل بدافع الشفقة إذا أقدم عليه الطبيب وأياً كان الدافع إليه يعتبر جريمة قتل لنفس معصومة الدم ، وإذا كان القتل بإذن المريض وهو بكامل عقله سقط القصاص .
– مما سبق يلاحظ أن الأحكام القضائية على اختلافها لم تعطِ تبريراً لأحكامها سواء بالتجريم أو بالبراءة ، فكل الأحكام صدرت عن هيئة محلفين وحسب قناعتهم الشخصية وبالتالي ما زال القضاء عاجزاً عن الجزم في هذا الموضوع .
رغم أن هذا الموضوع قد شهد تطوراً كبيراً منذ الربع الأول من هذا القرن نادت أصوات متعددة بتقنين هذا النوع من القتل بقصد إباحته في الحالات التي لا يرجى فيها شفاء المريض .
– ففي ألمانيا قاد هذه الحملة كل من الفتية ساندينغ والدكتور هوش في 1920 وقدم الأستاذ (بورشادت) مشروع قانون لإباحته لكنه لقي مقاومة .
– وفي بريطانيا قام اللورد (مونو هيم) أشهر الجراحين بترأس جمعية شكلت للمطالبة بإباحة الموت الرحيم ورفض من مجلس اللوردات عام 1936 وأعاد المحاولة اللورد شورلي عام 1950 وعارضته الحكومة.
– وفي قضية البروفيسور السويسري (هيمرلي) في قضية حديثة عرضت على القضاء السويسري عام 1975 أعرب 60% من المواطنين عن موافقتهم على قيامه بالقتل إشفاقاً على المريض .
– بينما رفضت أكادمية الطب بفرنسا بشدة كل الوسائل التي تهدف إلى إزهاق أرواح المشوهين والمجانين والمرضى الذين لا يرجى شفاؤهم .
– وفي أحاديث وتشريعات جديدة عن الموت الرحيم ، نشرت وكالة (الفيدس) الإرسالية في 12/11/2007 مقالة عن المطران كلاوس كونغ أسقف سانكت بولتن بالنمسا يندد فيها بتشريع الموت الرحيم في أوروبا وضمنه نداء عاجل للتصدي لتلك الحملات .
– أما مجلس اللوردات البريطاني فقد ناقش مشروع قانون (الموت الرحيم) الذي يسمح للأطباء بوصف جريمة قاتلة للمريض الذي يعاني من آلام غير ممكن تحملها ومقدر أن يعيش أقل من ستة أشهر ، وينطبق هذا المشروع على المريض القادر على إتخاذ قرارات ويقوم بتوقيع إعلان شرعي يشير إلى رغبتهم بالموت كما أنه يتناول بنفسه الدواء القاتل ، وقد أثار هذا المشروع جدلاً واسعاً في بريطانيا .
– وكقضية هزت العالم العربي كانت قضية عرفات الرئيس الفلسطيني ، حيث قالت زوجته يريدون دفنه حياً بعد أن أعلنت مصر عن استعدادها لإقامة مراسيم العزاء في القاهرة قبل وفاته وأيضاً وزيره نبيل شعث ورئيس وزراءه حيث قالوا بأن لا أمل في شفائه على حد قول الأطباء الذين اعتنوا به في مستشفى باريس، وعارضت زوجته فك الآلات عنه ..
– وفي أمريكا في قضية دفعت الكونغرس الأمريكي يجتمع حتى وقت متأخر من الليل في 20/4/2005 حيث أقر قانوناً يسمح لوالدي تيري شايغو بأن يطلبا من قاض فيدرالي أن يبقى على حياة ابنتهما بعد أيام من جدل عاطفي أثير حول أحقية من يقرر الحياة والموت وانتظر الرئيس الأمريكي بوش في البيت الأبيض لتوقيع الإجراء الذي يسمح بإجراء مراجعة اتحادية قد تحفز على إعادة إدخال أنابيب التغذية المطلوبة للإبقاء على حياة الفتاة التي أصيبت في دماغها بضرر كبير … ويذكر أن شايغو تخضع لحالة سبات منذ 15 سنة وأزيلت أنابيب التغذية الجمعة بناءً على طلب الزوج ، الذي صرّح أن زوجته طلبت منه قبل مرضها التصرف في حال أصابها حادث ما حيث أنها لا ترغب بالبقاء حية في مثل هذه الظروف …
غير أن والدي السيدة يريدان بقاء ابنتهم حية ولو عن طريق أنابيب التغذية فقط ، بانتظار أمل ما قد يعيد إليهم ابنتهم ، ويمكن لشايغو أن تظل على قيد الحياة مدة تتراوح بين أسبوع وأسبوعين من دون أنابيب التغذية.
– أما في فرنسا وعلى الرغم من تعدد القضايا المتعلقة بالموت الرحيم فلم تقننه الحكومة ، ومن أشهر تلك القضايا التي أثارت انفعال ناتج عن منح الموت الرحيم للشاب فينسان هوبير – المصاب بالشلل الرباعي ، والذي انتظر ثلاث سنوات حتى وضع طبيب متعاطف معه حداً لمعاناته، أصدرت الحكومة في 12 حزيران
2005 إثر هذه القضية قانوناً يتعلق بحق المرضى في إنهاء حياتهم ، إلا أن هذا القانون على حد قول جمعية الحق بالموت بكرامة وحزب الاتحاد … كان خداع وقد وضعت له حواجز تمنع تطبيقه .
– وفي أخبار جديدة اخترع وزير ألماني سابق آلة انتحار للمرضى يثير جدلاً ، وذلك في 5/4/2008 ، حيث علق وزير العدل السابق روجر كوش في ولاية هامبورغ أن اختراعه يعد الطريقة الأقل ألماً لمن يريدون الموت من مرض لا شفاء منه.
وطبقاً لطريقة كوش تعطى آلة الانتحار مادة مخدرة وجرعة قوية من كلوريد البوتاسيوم يمكن أن تقتل المريض بعد دقائق من حقنها في جسمه ، ويتزامن تقديم الاختراع مع جدل أوروبي إزاء المساعدة على الإنتحار حفزه وضع الفرنسية شانتال سبير حداً لحياتها في 19/3/2008، وعانت شانتال من ورم بالوجه وناشدت المحاكم الفرنسية والحكومة السماح للأطباء بإنهاء حياتها ، لكنها خسرت قضيتها ليعثر عليها بعد أيام ميتة .
– أما بالنسبة لفتاوى علماء الدين فقد صدرت فتوى عن الدكتور يوسف القرضاوي بإباحة الموت الرحيم أو الموت بدافع الشفقة وجواز رفع أجهزة التنفس الصناعي عن الميؤوس من شفائه . أما علماء الأزهر فقد أكدوا رفضهم لإباحة القتل بدافع الشفقة وقالوا أن مثل هذه العمليات تعد جريمة قتل موجبة للقصاص من الذين قاموا بها أي من الأطباء ، في حين أيد العلماء رفع أجهزة التنفس الاصطناعي عن المريض الميؤوس من شفائه خاصة إذا كانت أسرته لا تمتلك تكلفة بقاء هذه الأجهزة وإقرار الأطباء بموته .
– الفقرة الثانية : رضاء المجني عليه والاعتداء على
السلامة الجسدية :
السلامة الجسدية هي كل ما له علاقة بحق الإنسان في المحافظة على صحته الجسدية والعقلية والنفسية والجنسية وعوارض العافية التي ترافقها بنيته الفيزيولوجية والباتولوجية في تناسبها وجمالها كما خلقها الله وخاصة الحفاظ على حواسه وأعضائه وأطرافه من قيامها بوظائفها دون خلل .
وإعمال الاعتداء على السلامة الجسدية هي كل ما من شأنه إلحاق الأذى والضرر بتلك السلامة كالتسبب بالأمراض والحوادث التي تضعفها أو تحدث الضرر بوظائفها العضوية وخاصة ضروب الشدة والعنف والضرب والجرح …
مع استثناء ما يدخل ضمن العلاجات الطبية والعمليات الجراحية.
أما بالنسبة لحق الإنسان في التصرف بسلامته الجسدية :
في الأساس يعتبر الإنسان حر بأن يتصرف في تلك السلامة سواء أن يلحق الضرر بنفسه وجسده ، أو يشوه وجهه أو يتضرر جوعاً حتى الموت ولا يمكن أن يعاقب على الجروح التي يتسبب بها لنفسه .
– أما بالنسبة لإباحة هذه التصرف للغير :
يتخذ تصرف الغير بجسد الضحية إما صورة العلاقة الجنسية وإما المعالجة الطبية أو التصرف بأطراف الجسم أو بأعضائه من استئصال أو تقويم أو زرع تجميل أو الاختبار الطبي بأن يخضع الإنسان إلى تجارب أدوية أو عمليات جراحية عليه أو وسائل تطبيب أخرى أو التبرع بعضو من أعضائه في سبيل إنقاذ الغير أو القبول بإنزال ضروب الأذى بالجسد إما بمعرض ممارسة ألعاب رياضية معينة أو مناسبات دينية تجيز في بعض الطرق الصوفية أو المذهبية مثل هذا الأذى .
وهذه بعض النماذج للتوضيح :
أولاً – الاغتصاب :
وهي من الجرائم الواقعة على الحرية الجنسية ، وقد أدرج المشرع هذه الجرائم في الباب السابع من قانون العقوبات المتعلق بالجرائم المخلة بالأخلاق والآداب العامة ، تحت تسميات مختلفة (الإغتصاب ، الفحشاء ، الخطف …) .
فهناك رأي يعتبر أن الجرائم الجنسية تشكل اعتداء على الشرف والكرامة وتمس قواعد الحشمة والطهارة وتدخل ضمن النطاق الأخلاقي .
أما الرأي الثاني والذي يبدو متوافقاً مع مكونات هذه الجرائم فهو الذي يعتبر بصورة عامة ، أنها تؤلف من الناحية القانونية ، اعتداء على الحرية الجنسية ، ذلك لأن الحق هنا هو من الحقوق الجائز التصرف بها وللإنسان الحرية ، في أن يحافظ على علاقاته الجنسية أو ينتقص منها ، على أن يظل ذلك ضمن حدود القانون والنظام والآداب العامة .
أما بالنسبة لأثر رضاء المجني عليه وحالاته :
فمن الثابت أن لرضاء المجني عليه تأثيراً هاماً بالنسبة للجرائم الواقعة على حق الإنسان في الحرية الجنسية وذلك بالاستناد إلى حق التصرف والتنازل في هذا المجال ضمن النظام كما ذكرنا سابقاً .
فمن شأن الرضاء هنا أن يحول دون تكون العنصر الأساسي في الركن المادي الجرمي باعتبار أن قيام هذا الركن يفترض إنتفاء رضاء المجني عليه ، فإذا توافر هذا الرضاء انتفى الركن المذكور وانتفت بالتالي الصفة الجرمية.
– فعندما نتحدث عن جريمة الاغتصاب :
تنص المادة /489/ق.ع.س صراحة أنه لتتوافر أركان هذه الجريمة وبالتحديد ركنها المادي ، يتعين أن يحصل الفعل بالعنف والتهديد أي يقتضي أن ينعدم الرضا ، أما إذا كان موجوداً فتنتفي الصفة الجرمية.
وتحصل النتيجة ذاتها إذا اقترف الفعل بالخداع ، أو كان المجني عليه لا يستطيع المقاومة أو كان قاصراً أو خادماً أو فرعاً للفاعل على ما هو مفصل في المواد 490 – 491 – 492 ع.س .
ففي جميع هذه الحالات ينتفي الرضاء أو لا يكون صحيحاً ، وتتوافر أركان الجريمة ، التي لا تتكون في حال وجود هذا الرضاء .
– أما بالنسبة لجريمة الفحشاء :
يدل أيضاً نص المادة /493/ قانون عقوبات سوري بصورة صريحة على أنه ليتوافر الركن المادي لهذه الجريمة ، يتعين أن يقترف الفعل كذلك بالعنف والتهديد أي ينعدم الرضاء ، أما إذا توافر الرضاء فلا تتكون جريمة الفحشاء الجنائية ، ويصبح الفعل جنحة منطبقة على المادة /520/ عقوبات سوري ” كل مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى ثلاث سنوات ” .
فالرضاء هنا يغير الوصف الجنائي ولكنه لا ينفي الصفة الجرمية عن الأفعال التي تجري على خلاف الطبيعة ، حتى ولو كانت حاصلة بين أشخاص مميزين ودون إكراه أو خداع أو غلط أو عيب من عيوب الإرادة وذلك بخلاف تأثيره في جريمة الاغتصاب .
مع العلم أن المواد اللاحقة للمادة /493/ أي 494 – 495 – 496 عقوبات سوري عددت الحالات الأخرى التي تنـزل منـزلة الرضاء المأخوذ بالعنف والتهديد أي بالإكراه المادي والمعنوي .
– بالنسبة لجريمة الخطف لغاية جنسية :
– بالنسبة لجريمة الخطف بقصد الزواج (المادة 500)ق.ع.س فإن فقدان الرضاء يؤلف العنصر الأساسي في الركن المادي الجرمي إذ يفترض النص أن يحصل الفعل بالخداع أو العنف أي دون رضاء المجني عليه .
وهكذا بالنسبة لجريمة الخطف بقصد ارتكاب الفجور (المادة /501/)ق.ع.س يوجد لتوافر الركن المادي الجرمي نفس الشروط السابقة.
أما المادة (502)ق.ع.س تعاقب على خطف القاصر الذي لم يتم 15 عام من عمره حتى لو حصل الفعل دون خداع أو عنف ، إذ أن القاصر يعتبر غير مميز ولا قيمة لرضائه .
وكذلك الأمر بالنسبة لجريمة الاغواء بوعد الزواج ، وجريمة الأفعال المنافية للحياء وجريمة الحض على الفجور … تبعاً للركن المادي الجرمي وتوافر الرضاء من عدمه ، مع التنويه إلى اهتمام المشرع بسن التمييز .
ثانياً – الإجهـاض :
نص قانون العقوبات السوري في فصله الثالث عن الوسائط المانعة للحبل والإجهاض .
وقد نص بالتفصيل عن جريمة الإجهاض في مواده (525– 526– 527– 528 – 529 – 530 – 531) قانون عقوبات سوري .
إلا أن المادة /528/ق.ع.س نصت على ما يلي :
” من أقدم بأية وسيلة كانت على إجهاض امرأة أو محاولة إجهاضها برضاها عوقب بالحبس من سنة إلى ثلاثة سنوات ” .
أما إذا أفضى للموت عوقب الفاعل بالأشغال الشاقة من أربع إلى سبع سنوات .
وتكون العقوبة من خمس سنوات إلى عشر سنوات إذا تسبب الموت عن وسائل أشد خطراً من الوسائل التي رضيت بها المرأة .
فالإجهاض الرضائي وهو الذي تقوم به المرأة الحامل بنفسها أو ترضى أن يجريه لها شخص آخر – يعتبر إذا لم يفض إلى الوفاة جنحة ، أما إذا أفضى إلى الوفاة فيعطى الوصف الجنائي سواء كان رضائياً أم غير رضائي .
ثالثاً – رضاء المجني عليه والأعمال الطبية :
نصت المادة 185 قانون عقوبات سوري : ” القانون يجيز العمليات الجراحية والعلاجات الطبية المنطبقة على أصول الفن شرط أن تجري برضى العليل أو رضى ممثليه الشرعيين أو حالات الضرورة الماسة ” .
وهذا النص جاء لحماية الفرد وسلامته البدنية من الأذى ، فإذا كان المساس بهذا الجسد يؤدي إلى علاجه وبالتالي إلى شفائه من قبل من خولهم القانون ممارسة هذه المهنة لعلاج الرضى وشفائهم من الأمراض والعاهات والمصائب الجسدية التي تلم بهم ، عندها فقط ينتفي هذا التجريم وتنقضي عنه الصفة الجرمية .
– وبنظرة تحديد للعمل الطبي نعرّفه بـ :
” نشاط يتفق مع كيفية وظروف مباشرته مع القواعد والأعراف المقررة في علم الطب ويهدف إلى شفاء المريض ” .
– كما أن الفقه والإجتهاد في غالبية التشريعات الأجنبية والعربية والمتفق مع المبادئ القانونية ، استقر على أن :
” أعمال الطب والجراحة التي تتعرض لجسم المريض بالإصابة أو الجرح …. هي أعمال بالأصل تدخل تحت طائلة العقاب ولكن سبب مشروعيتها وإباحتها هو ترخيص القانون بمزاولة هذه المهنة لكل إنسان مؤهل وحاصل على شهادة علمية معترف بها ” .
وبالمجمل فإن الأعمال الطبية والجراحية تعتبر مبررة إذا توافرت شروط معينة وقد أشار نص المادة /185/ق.ع.س إلى شرطين صراحة .
1 – إنطباق العمل على أصول الفن ، 2 – رضاء المجني عليه.
أما الشروط الأخرى الغير مذكورة صراحة هي – الصفة المهنية للفاعل والقصد العلاجي ، ويجب أن لا ننسى عدم التعرض للنظام العام والآداب العامة .
أما عن وجوب أن يكون الفاعل طبيباً فقد جاءت على ذكر ذلك المادة /383/ قانون عقوبات سوري .
” من زاول دون حق مهنة خاضعة لنظام قانوني عوقب بالحبس ستة أشهر على الأكثر وبغرامة من مائة إلى مائتي ليرة سورية ” .
فلا تبرير لهذا الفعل حين يقوم به غير طبيب حتى ولو تم برضاء العليل فالتطبيب أو الجراحة لا يباح إلا إذا كان من أجراه مرخصاً له بذلك حسب القانون العام والأنظمة المهنية ومرخص له بمزاولة مهنة الطب وذلك حسب المادة (2) والمادة (49) من قانون مزاولة المهن الطبية بالمرسوم التشريعي /12/ تاريخ 7/1/1970 .
– الجراحة التجميلية (عمليات التجميل) :
تحدثت المادة /185/ق.ع.س عن هذا الموضوع : إن الجراحة التجميلية لا تعني أعمال التزيين العادية أو أعمال إزالة السمنة وإراحة الأعصاب التي لا تعتبر من الأعمال الطبية أو الجراحية ، وتبقى في النطاق العادي أو العام ، وتعلق الملاحقة عليها ، في حال توافر الأركان الجرمية على شكوى المجني عليه ، بالنسبة للإيذاء البسيط ، أي الإيذاء الذي لا تتجاوز مدة التعطيل فيه العشرة أيام .
وفي حال تجاوز هذا الحد يكون الفعل ملاحقاً ومعاقباً عليه ، عفواً وتلقائياً، كإيذاء قصدي أو غير قصدي ، حسب طبيعته ، أو حسب النتيجة الحاصلة .
ويقصد بالجراحة التجميلية ، الأعمال الجراحية التي لا تكون الغاية منها شفاء العليل من داء أصابه أو حادث ألمّ به ، وإنما إزالة تشويه أو تصحيح في البيئة لا تستلزمه صحته ، بصورة جازمة .
وإذا كان النص لم يتناول هذه الجراحة بصورة صريحة فإنه من المسلم به مع التطور الذي أصبحنا عليه ، أنها بصورة عامة تنزل منزلة الجراحة العادية وأنها تدخل في عداد الحقوق الجراحية التي يجيزها القانون ، وترتكز بطبيعتها على رضاء المجني عليه ، إلا أنه ليسوغ تبرير العمليات الجراحية ينبغي أن لا تنال الصحة بضرر ، وينبغي أن تحقق مصلحة ذات أهمية أو على الأقل أن لا تهدر أي مصلحة للجسم تمنعه من القيام بدوره الطبيعي الكامل ، وترتكز هذه العمليات بطبيعتها على رضاء المجني عليه .
وبالخلاصة فإن عمليات التجميل لا يقصد منها العلاج بمعناه المعتاد وإنما يمكننا إطلاق عليها إسم تقويم اعوجاج عضوي في جسم الإنسان واستخدمت هذه العمليات في جميع أنحاء العالم نظراً لتقدم العلم مما دفع بالفقه الفرنسي (كما جاراهم بعض الدول العربية) إلى إعتبار هذه العمليات أخيراً مباحة بالعرف العام شرط أن لا تنال الصحة بضرر . وهذا ما قررته محكمة باريس عام 1959 ومحكمة بوانتيه عام 1953 .
إلا أن القضاء الفرنسي أوضح مسؤولية الطبيب فحكت محكمة باريس الاستئنافية ” بأن الطبيب يعد مخطئاً إذا قام بعملية تحتوي في طياتها على أخطاراً ذات جسامة معينة على عضو من أعضاء الجسم السليم ، وذلك بقصد إعادته إلى وضعه الطبيعي . أي أنها أقرت بالعمليات التجميلية وأخضعتها للقواعد العامة كالعمليات العلاجية العادية لكن بنوع من التشدد .
في هذا الحكم المستأنف من باريس نجد أن المحكمة الابتدائية حكمت على طبيب أجرى عملية تجميلية في فخذ امرأة وفشلت العملية واضطر الطبيب إلى بتر الرجل ، على أنه مخطئاً بمجرد مباشرته بالعملية ، لكن محكمة الاستئناف نقضت الحكم وقالت بجواز هذه العمليات مع شروط مشددة .
– كما وشدد القانون على تخصص الطبيب ودقته ، فقد قررت محكمة باريس (جنح) بأنه إذا كان الحصول على شهادة الليسانس أو الدبلوم في الطب يجيز لحامله ممارسة سائر فروع هذا العلم ، إلا أنه هذا لا يعفي الطبيب الذي يريد ممارسة فعل دقيق من الطبابة يتطلب تخصصاً ومهارة من أن يتزود مما يتطلبه هذا الفرع من دراسة ، ولا يقبل من الطبيب الذي لم يحصل إلا على الدبلوم المشار إليه أن يجازف دونما ضرورة أو حاجة ملحة أو عاجلة في ممارسة هذا الفرع من الطبابة الذي يحتاج إلى تخصص ومهارة عالية .
– عمليات التعقيم والخصاء :
التعقيم : وهو جعل الشخص ذكراً كان أم أنثى غير صالح للإنجاب من جراء عملية جراحية .
أما الخصاء : عملية جراحية ترمي إلى جعل الذكر غير صالح للإنجاب .
وفي كلتا الحالتين نكون أمام عمليات منافية للآداب العامة ومخالفة للقانون.
فمعظم التشريعات تمنع إجراء مثل هذه العمليات ولو حصلت برضاء المجني عليه ، إلا إذا كانت ضرورية أو ملائمة لشفاء المريض ، حيث تعد ذات غاية علاجية ، وخارج هذا الإطار لا يكون للتبرير محل .
ومن التشريعات التي ترضى به إنكلترا مثلاً فقد رخص
ت به لأسباب تحديد النسل وتبرره إذا تم برضاء صاحبه إذا استدعت مصلحته ذلك . وأمريكا قالت بأنه لا يحق للمستشفيات أن ترفض إجراء عملية التعقيم لغاية تحديد النسل حتى لا تسأل عن عدوان على حقوق الإنسان الدستورية .
أما التشريعات العربية فلم تجيز هذه العمليات واعتبرتها غير مشروعة ومخالفة للأخلاق والدين والآداب العامة ولا عبرة فيها لرضاء صاحبها .
– عمليات نقل وزرع الأعضاء والدم :
بالنسبة لعملية نقل وزرع الأعضاء فسنذكر حالتين الأولى من الحي والثانية من الميت .
– حالة استئصال الأعضاء البشرية والأنسجة أثناء الحياة :
فإذا كان العضو المستأصل مريضاً أو تالفاً ويعرض حياة المريض للخطر فلا يوجد صعوبة ، إلا أنه لا بد من أخذ موافقة المريض أو ذويه في حالة الاستحالة الشخصية .
– أما فيما يتعلق بالعضو السليم والذي يراد استئصاله لزرعه في جسم شخص آخر . فهذا الموضوع قد أثار الجدل ، إلا أنه مع تقدم الطب في هذا المجال أصبح هذا الأمر مسموحاً به برضى من تجري عليه عملية الإستئصال إذا كان مدركاً وواعياً وذا إرادة حرة في تقرير رضاه والموافقة على العملية شرط أن لا تتعرض سلامة الجسم للخطر .
فاستئصال كلية وزرعها لدى آخر أصبحت شائعة بعد أن أثبت الطب أن بإمكان الإنسان أن يستمر في حياة سليمة بكلية واحدة .
وقد صدر قانون في سوريا في 23/8/1972 تحت رقم 31 “يجيز لرؤساء الأقسام في المشافي والمؤسسات الطبية التي تحددها وزارة الصحة ، نقل أي عضو أو أحشاء أو جزء منها كالعين والكلية وغرسه أو تصنيعه لمريض آخر يحتاج إليه .
ويعتبر هذا القانون أنه في حالة كون النسيج أو العضو منقولاً من جسم إنسان حي إلى آخر ، يتعين أن لا يقع النقل على عضو أساسي للحياة ويقتضي أن تحدد لجنة مختصة ما إذا كان نقل العضو لا يشكل خطراً على حياة المتبرع وأن تكون موافقته على التبرع خطية صريحة وحرة وأن يكون متمتعاً بأهليته وأن تقوم لجنة مختصة تقرر مدى حاجة المستفيد لعملية النقل وأن لا يكون التبرع لقاء بدل مادي أو لغاية الربح .
وإذا تخلف إحدى هذه الشروط سقط سبب التبرير ولا يعود بالإمكان الإعتداد به لنفي المسؤولية الجزائية .
– أما بالنسبة لاستئصال الأعضاء والأنسجة البشرية بعد الوفاة :
فطرحت هذه المسألة في بدايتها موضوع استئصال العين أما فيما بعد ومع التطور الذي يحدث في عمليات زرع القلب وما رافقها من نجاح وإخفاق فقد أثارت جدلاً واسعاً .
وأيضاً صدر قانون في سوريا بتاريخ 23/8/1972 رقم 31 (م3 وما بعدها) يجيز إقتلاع الأعضاء بعد الوفاة برضاء من له الحق .
” يعاقب بالغرامة من 100 إلى 250 ليرة وبالحبس مدة لا تزيد عن ستة أشهر أو بإحدى العقوبتين من أقدم لغرض علمي أو تعليمي دون موافقة من له الحق على أخذ جثة أو تشريحها أو على استعمالها بأي وجه آخر ” .
وأخيراً فإنه ليجاز الاستئصال من الميت فرض شرطين :
1 – أن يكون المتوفى قد أوصى بذلك بموجب وصية منظمة حسب الأصول أو خطية ثابتة .
2 – أن تكون عائلة المتوفى قد وافقت على ذلك .
– أما بالنسبة لعمليات نقل الدم :
فهي دائماً مشروعة لمن ينقل إليه الدم إذ تعد علاجاً بالنسبة له ، كما يمكن أن تعد مشروعة لمن ينقل الدم منه ، على أساس أن المادة التي فقدها من جسمه وهي الدم يمكن أن تعوض عن طريق تناول أغذية معينة . والرأي الراجح هنا :
يعتبر أن الضرر الذي يلحق به لا يحول بينه وبين آراء وظيفته الاجتماعية على النحو العادي والمألوف ، لذلك فإن الرضاء فيه سبباً لتبريره .
وقد صدر مرسوم في سورية برقم /141/ وتاريخ 30/11/1961 وقضى بإنشاء المؤسسة العسكرية لصنع المصول ونقل الدم وأهم ما ورد به المادة /4/ : تزود المؤسسة بالدم اللازم لأعمالها بالوسائل والطرق التالية :
1 – بالعطاءات من المدعوين لخدمة العلم ضمن كمية من الدم تحدد بربع لتر ولمرة واحدة وعند الضرورة .
2 – التبرع بالدم بصورة اختيارية من قبل العسكريين والمدنيين .
3 – شراء الدم من القادرين من المواطنين عسكريين ومدنيين لقاء ثمن يحدده وزير الدفاع بقرار يصدر عنه .
رابعاً- رضاء المجني عليه والتجارب الطبية :
سبق وذكرنا أن رضى الضحية لا يمكن أن يشكل سبب تبرير إذا وقع الفعل على سلامة الجسد وعلى حياة الإنسان وذلك خارج الحدود التي ذكرنا آنفاً لأن الحفاظ عليهما أمر يتعلق بالنظام العام وهما بحماية القانون والمجتمع .
بالإضافة للمبادئ التي تحمي سلامة الإنسان في حياته وجسده ، تمنع الأنظمة الطبية والمبادئ التي يقوم عليها علم الطب بأن يكون جسم الإنسان موضع تجارب طبية وعمليات جراحية جديدة .
وفيما يلي ذكر لأكثر التجارب والعمليات الجراحية الجديدة التي جرت وتجري بكثرة :
وقد حددت الجمعية الدولية للطب في مؤتمرها المنعقد في هلسنكي سنة 1964م وفي إعلان صدر عنها ، عُرف بإعلان هلسنكي ، الشروط التي يجب أن تتوفر في التجربة وهي :
1 – إحترام المبادئ الأخلاقية والعلمية التي تبرر الأبحاث في الطب الإنساني على أن تجري التجربة على الإنسان بالإستناد إلى فحوص مخبرية وتجارب على الحيوانات وإلى معطيات علمية ثابتة .
2 – تجري التجربة على الإنسان بواسطة أشخاص أكفّاء علمياً وتحت رقابة طبيب كفؤ .
3 – لا يجوز إجراء التجربة إلا إذا كانت أهمية الهدف الذي تصبو إليه متناسبة مع المخاطرة التي يتعرض لها من تجري عليه .
4 – قبل الإقدام على التجربة يجب إجراء التقييم بعناية للمخاطر والمكاسب المعلنة والتي تلحق بمن تجري عليه وبالآخرين.
5 – يجب أن يكون الطبيب محترزاً بصورة خاصة عندما يكون من شأن الدواء أو التقنيات المستعملة تعريض شخصية الإنسان للمساس .
– أخيراً وبالاستناد إلى المبادئ والشروط المذكورة سابقاً يمكن القول بأن لا شيء يمنع من إخضاع المريض لعلاج جديد أو لطريقة جديدة في إجراء العمليات الجراحية شرط أن يوافق عليها المريض بعد أن يكون الطبيب المختص أعلمه بماهيتها وبمخاطرها دون أن يكون ملزماً بالدخول في التفاصيل التقنية.
وتعتبر موافقة المريض هنا ورضاه بأن يخضع لهذه الطرق الجديدة بمثابة تبرير لما يمكن عنها من مخاطر .
فالطب لا يمكن أن يتقدم إلا بالتجربة على أن تكون التجربة معقولة وخالية من مخاطر تفوق الغاية منها وهي شفاء المريض على أن تكون مستندة إلى إختبارات سابقة أجريت في المختبرات وعلى الحيوانات .
– الإنجاب الصناعي :
تعد دراسة القضايا الاجتماعية والقانونية التي لها صلة بالقضايا الأخلاقية من أهم الموضوعات التي شملها علم الأخلاق الحيوي ، خاصةً بكل ما يتعلق بالصحة الإنجابية والتي هي (قدرة الأفراد على التمتع بحياة جنسية مرضية ومأمونة فضلاً عن قدرتهم على الإنجاب وحريتهم الكاملة في تقريره وموعده) .
ويشكل العقم واحداً من أعمق وجوه المعاناة الإنسانية وأصعبها على وجه الإطلاق ، فالإنجاب غريزة فطرية لا يمكن الإستغناء عنه، لكونه يمثل استمرارية لحياة الوالدين بعد وفاتهما .
– ويعد الإنجاب الصناعي بجميع سبله أحد مظاهر التطور المذهل في مجال الطب الحديث الذي فتح باب الأمل لمن يرغب الذرية ويحول دون تحقيق هذه الرغبة موانع مرضية أو خلقية متبعاً في تحقيق ذلك تقنيات طبية مستحدثة يتم بها السيطرة على الآثار الإجتماعية الخطيرة للعقم ويتحقق بها أمنية غالية وغريزة فطرية لدى الأزواج .
– ويفرق العلماء بين العقم وعدم الإخصاب .
فعدم الإخصاب هو كل حالة من الحالات التي يمكن معالجتها طبياً بعد مرور فترة زمنية ، بالإضافة إلى الإلتزام بتعليمات الطبيب المعالج والإستمرارية بتناول الأدوية المناسبة .
أما العقم : هو الذي لا علاج له ، مثل الأمراض الخلقية والوراثية التي تصيب الجهاز التناسلي ، ويصيب عدم الإخصاب كل من الرجل والمرأة على السواء وتتعدد الأسباب التي تؤدي إلى عدم القدرة على الإخصاب والعقم معاً .
– ونظراً لما للزواج من أهمية في الشريعة الإسلامية باعتباره الطريق الأوحد للتناسل وماله من أهمية قصوى حثت عليها جميع الديانات السماوية وكذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة .
لذا تعد مشكلة ضعف الخصوبة أو عدمها من المشاكل الطبية الشائعة لدى المتزوجين والتي أعطاها الطب إهتمام خاص .
وتختلف الوسيلة المقترحة للعلاج بحسب ما إذا كان المسؤول عن ذلك الرجل أو المرأة .
ووسيلة التلقيح الصناعي هي من أهم الوسائل الطبية المتبعة لعلاج ضعف خصوبة الرجل وفي حين أنه إذا كانت المرأة هي المسؤولة عن عدم القدرة على الإنجاب كانت الوسيلة المقترحة هي الإخصاب في أنبوب .
ونظراً لما يترتب على هذه الوسائل من تداخل للغير وخروج عملية الإنجاب عن أحد مظاهرها وخصوصيتها المتعلقة بالسرية والخصوصية ، فضلاً عما يمثله ذلك من اعتداء على مبدأ حرمة الجسد الإنساني وأهمية رضاء صاحب الحق فيما سبق .
سنسرد الشرح التالي :
هناك ما يسمى : – التلقيح الصناعي الداخلي .
– التلقيح الصناعي الخارجي .
– الإنجاب الصناعي بتدخل الغير .
– التوليد الصناعي .
– التلقيح الصناعي الداخلي :
وهو عملية طبية غير معقدة تتضمن تلقيح المرأة عن طريق وضع مادة الزوج داخل رحمها على نحو تلتقي به هذه المادة مع بيضة الزوجة ، إذا كان هناك مانع طبي في إتمام ذلك على نحو طبيعي .
وهناك التلقيح بحيوانات متبرع لا تربطه بالمرأة رابطة زوجية.
في هذه الحالة يتم تكوين الجنين داخل رحم الزوجة بغير اتصال طبيعي مع الزوج وسبب إجراء هذه الحالة هو عقم الرجل الناتج عن قلة حيواناته المنوية أو وجود تشوهات ، وهذه النطفة المتبرع بها من طرف ثالث غير الزوجين ساعد على وجودها ظهور ما يعرف حالياً بإسم بنوك المني والمنتشرة في كثير من البلاد الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وغيرها .
ولقد اختلفت الآراء والتشريعات والأحكام على موضوع التلقيح الصناعي ونظراً لخلو القانون من ثوابت خاصة بهذا الموضوع فكانت الأحكام تارة معتمدة على مذاهب التفسير والتأويل وتارةً على مبادئ القانون الطبيعي ومقتضيات العدالة.
وقد جاء في حكم من محكمة استئناف فرنسا في بداية إنتشار هذا الموضوع قراراً،قضت به مؤكدة بأن وسيلة التلقيح الصناعي غير مقبولة ومحظورة ومهينة وتعطي للزوج حق طلب التطليق ، مؤكدة على أن عجز الزوج عن ممارسة الجماع لا يبرر إلحاح زوجته وإصرارها ولا إجباره على قبول تلقيحها صناعياً بغرض إشباع غريزة الأمومة لديها ، وبناءً على ما سبق قضت المحكمة بالتطليق .
إلى عام 1987 حيث صدر حكم من محكمة استئناف تولوز والذي قضى بمشروعية سلوك سبيل التلقيح الصناعي بين الأزواج تأسيساً على عدم إخلال التلقيح بالحماية المقررة للطفل .
وترجع أول تجربة خاصة بالأم البديلة إلى سنة 1980 حيث قبلت سيدة أمريكية أن تعير رحمها لطفل ناتج عن إخصاب بيضة امرأة عاقر بمني زوجها ولإنجاز هذه المهمة تلقت مبلغ 5000 دولار .
وبعد ذلك تطور الإتجار بالأرحام وامتلأت الصحف بإعلانات مثل (أم للإيجار) أو (مطلوب رحم للإيجار) .
وشهد العالم للمرة الأولى في التاريخ (الجدة البديلة) وهي أول جدة وأم بديلة في آن واحد تلد ثلاث توائم وذلك حين أنجبت (بات أنتوني) من جنوب إفريقيا أول ثلاث أحفاد لها وهم أطفال ابنتها ، بعد جراحة قيصرية سنة 1988 وقد تم بيع حقوق نشر هذه العملية وظروفها لصحيفة (دي ميل أو صنداي) البريطانية بسعر مرتفع لغرابتها .
وقد شهدت أمريكا أكثر القضايا إثارة بالتاريخ ..
فلم تدع الأم البديلة (ماري بيت وايتهيد) محكمة إلا طرقت أبوابها للإحتفاظ بالطفلة التي أنجبتها من رحمها المؤجر سنة 1986 ، لكن القانون وقف ضدها ومنحت الطفلة للأم التي لم تنجب ، والتي دفعت الثمن بموجب عقد قانوني، ولكونها الأم الحقيقية بالوراثة ، فهي صاحبة البويضة .
وتقوم هذه الأم البديلة حالياً بشن حملة لإصدار قانون بمنع هذا التعامل التجاري إلى إنجاب أطفال الآخرين .
وقد أدى إنتشار الأرحام المستعارة في أوروبا وأمريكا إلى تنظيمها في إطار شركات ووكالات لتأجير الأرحام في فرانكفورت بألمانيا ، وهو المركز الأول في العالم ، ثم انشأ وكالة شبيهة في ميتشيجان بأمريكا ، وقد تلقت خلال اليوم الأول بها 12 طلباً من الراغبات في تأجير أرحامهن وتوجد في لوس انجلس بكاليفورنيا جمعية عنوانها (جمعية الأمهات البديلات).
لم يعرض على القضاء السوري – على حد علمنا – أية وقائع خاصة بالوسيلة محل البحث نظراً لحداثتها وعدم إنتشارها كغير دول .
فيما خلا قضية واحدة من هذا النوع ولم يتم البت فيها بعد موجودة في محكمة ريف دمشق – زبلطاني ، ما زالت قيد النظر أمام قاضي التحقيق .
– أما من ناحية الشريعة الإسلامية فقد صدر عن دار الإفتاء المصرية 23/3/1980 فتوى شرعت فيها التلقيح الاصطناعي إذا كان
من الزوج فقط.
– أما تدخل الغير في الإنجاب بما يسمى الرحم النظير أو الإخصاب فهما أمران مرفوضان شرعاً وقانوناً .
وجل ما يخصنا هو رضاء الزوجين بإجراء تقنية التلقيح الصناعي والذي يعد ضابطاً ومن المفترضات الأساسية التي يجب توافرها فهو شرط بديهي حيث أن الولد من ناحية يحمل اسم أبويه ومن ثم يجب رضاء كل منهما صراحة أو ضمناً قبل إجراء عملية التلقيح فالبنوة مسألة خيارية وليست إطلاقاً إجبارية .
ورفض أحد الزوجين أو كلاهما لهذه العملية يجعل إجرائها مستحيلاً .
– أما التلقيح الصناعي الخارجي : (أطفال الأنابيب) :
فهو عبارة عن أخذ بويضة المرأة وتلقيحها بمني الرجل خارج الجسد (في أنبوب) وذلك بوسيلة طبية معينة وبعد أن يتم تكوين البويضة الملقحة تنتقل إلى داخل الرحم وتزرع في جداره ثم تترك بعد ذلك لتنمو وتتطور .
– وتتمثل دواعي الإلتجاء إلى الوسيلة محل البحث في حالات العقم المستعصية التي لا يمكن التوصل إلى سببها وحالات العقم غير المستعصية والتي يمكن التوصل لسببها كحالات إنسداد الأنابيب عند الزوجة أو إصابة الرجل ببعض الأمراض أو حالات الإنخفاض الشديد في عدد الحيوانات المنوية لدى الرجل أو عدم وجودها مطلقاً .
– والتلقيح الصناعي الخارجي جائز شرعاً وقانوناً بشرط وجود الضرورة الطبية وأن تجري هذه العملية بين الأزواج فقط مع إشتراط موافقتهما معاً وأن يقوم بهذه العملية طبيب مختص ، بمركز متخصص.
– التوليد الصناعي :
على الصعيد القانوني : هو المرأة التي ترضى باستخراج بويضة منها ليصار إلى تلقيحها إصطناعياً وتنميتها في رحم امرأة أخرى ومن ثم استخراج البويضة الملقحة بعد بدء عملية النمو وإعادتها إلى رحم المرأة الأولى لتنمو فيها وتصبح جنيناً ومن ثم يولد بصورة طبيعية أو قيصرية ، وكأي عملية طبية جديدة تثير الجدل ثار جدل كبير حول هذه المسألة وتعددت الأسئلة فيما إذا كانت البويضة عضواً من أعضاء المرأة ومدى جواز استخراجها منها
هذه المسألة كلها لم تجد حلاً أمام المحاكم ، إلا أنه من الواضح أن البويضة جزء حي من جسم المرأة فإذا كان إستخراجها لا يضر بصحتها ولا يعرض حياتها للخطر فإن العملية تخضع للتشريع الذي يجيز استئصال الأعضاء لغاية طبية أو علاجية إلا أن هذا الموضوع ما زال يشكل جدلاً للآن .
وقد عمل القضاء الأمريكي والفرنسي وحتى الإنكليزي إلى تبيان مصلحة الطفل في كل مرة عرض عليه قضية تخص الأبوين أصحاب البويضة والمرأة البديلة ، حيث اعتبر مصلحة الجنين فوق كل شيء وليس العقد المتفق عليه سابقاً وكأنه يوافق ساعتها على مبدأ بيع وشراء الأطفال وهذا مرفوض .
– بنوك الأجنة المجمدة :
وهي عبارة عن (ثلاجات أو غرف كيميائية صغيرة يستخدم فيها النيتروجين السائل بغرض التبريد ويتم الحفظ بتجميد الأنسجة والخلايا تماماً وتقف كل التفاعلات وحينما يريد الأطباء الإستفادة منها يسمحوا بارتفاع درجة الحرارة تدريجياً فتعود لهذه الأنسجة والخلايا الحياة مرة أخرى) .
وبشرح آخر قد يكون أكثر وضوحاً : تحتوي هذه البنوك بويضات أنثوية تم تلقيحها بحيوانات منوية ذكرية وفق شروط طبية معينة ضمن أنبوب اختبار حيث يتم بعد ذلك تخزين أو حفظ هذه البويضات الملقحة في (البنك) في سائل النيتروجين بدرجة حرارة تصل إلى 180 درجة مئوية تحت الصفر ، وبذلك يتوقف اقتسامها طوال مدة الحفظ وعند زرع هذه البويضة داخل الرحم تنقسم بسرعة كبيرة حيث يتكون منها بعد ذلك مختلف أعضاء وأجهزة الإنسان وذلك ضمن مدة الحمل .
ففي الغرب قامت بعض الدول بإنشاء مخازن للحيوانات المنوية ومخازن للبويضات الأنثوية وحفظها لمدة زمنية قد تطول إلى ربع قرن ، إلا أن أول بنك أنشأ للأجنة المجمدة كان مدينة مالبورن بأستراليا حيث ولد أول طفل أنبوب في العالم عام 1984 وذلك بعد أن ظل جنيناً مجمداً لمدة شهرين .
ومن الجدير ذكره أنه وبنفس الفترة وربما سابقاً ظهر أول بنك في نيويورك ورغم كل التطور الحاصل بهذا الموضوع فإن تجميد الأجنة ما زال يواجه صعوبات عدة حيث يموت بين 30-50% من جميع الأجنة المجمدة بالتثليج .
ومن أشهر البنوك التي أنشأت وأفرزت نشاطاً إقتصاديا
اترك تعليقاً