هل شراء المرشحين و القوائم الانتخابية تعد جريمة ؟
جريمة شراء المرشحين والقوائم الانتخابية
د. ليث كمال نصراوين
انتهت المدة القانونية لتسجيل المرشحين والقوائم الوطنية للانتخابات النيابية المقبلة، حيث أشارت الأرقام الأولية الصادرة عن الهيئة المستقلة للانتخاب إلى أن عدد القوائم الانتخابية قد وصل إلى 61 قائمة ضمت ما يقارب 820 مرشحا يتنافسون على 27 معقدا في المجلس النيابي، في حين وصل عدد المرشحين المستقلين إلى 699 مرشحا يتنافسون على 123 مقعدا انتخابيا. إن هذه الأرقام غير المسبوقة تشير إلى وجود تخمة في المرشحين المستقلين وتزاحما بين القوائم الانتخابية والتي سيكون لها تأثيرات سلبية على مجريات العملية الانتخابية وعلى مجلس النواب السابع عشر. فالعدد الكبير من المرشحين سيكون له أثر عكسي على ثقة المواطن في جدية الانتخاب والجدوى من التوجه إلى صناديق الاقتراع، خاصة وأن أسماء المرشحين لم تتغير كثيرا عن أعضاء مجلس النواب المنحل.
كما سيكون لعدد المرشحين المستقلين أثر سلبي على الناخب أثناء الدعاية الانتخابية، والذي سيجد نفسه محاطا بالمرشحين الذين يطرحون عليه البرامج الانتخابية نفسها، ما سيشتت ذهنه ويدفعه إلى العزوف عن التصويت نظرا لانعدام الجدية في الترشح.
أما على مستوى القوائم الانتخابية التي فاق عددها حجم التوقعات، فإنها لم تسفر عن أية مفاجآت حول شخصية من يترأس كل منها وترتيب المرشحين فيها. فالأسماء الكبرى قد جاءت على قمة هرم كل قائمة انتخابية تلاها في الترتيب من يرتبط بهم بمصالح شخصية ومالية قوية، ليكتفي باقي المرشحين من المرتبة الرابعة وما دون بلعب دور “الكومبارس”، حيث تنعدم تقريبا فرص نجاحهم ووصولهم إلى البرلمان.
وأمام هذا العدد غير المسبوق من المرشحين والقوائم الانتخابية تثور مشكلة في غاية الأهمية تتمثل في قيام نوع جديد من جرائم المال السياسي وهي جريمة شراء المرشحين والقوائم الانتخابية، فمن المتوقع أن يقوم بعض المرشحين من أصحاب الأموال بشراء منافسين لهم في الدوائر المحلية، أو حتى شراء قوائم كاملة للحد من المنافسة على صعيد القوائم الوطنية. فبعد أن كان المال السياسي يقتصر على قيام المرشحين بتقديم منافع ووعود للناخبين لدفعهم إلى التصويت لمرشح معين من دون الآخر، فإنه من الممكن جدا أن نرى بعض المرشحين يدفعون المال لمرشح آخر لدفعه إلى التنحي جانبا بغية تعزيز فرصهم في الفوز في الدوائر المحلية.
أما على صعيد القوائم الوطنية، فقد يأخذ المال السياسي شكل قيام قائمة وطنية بشراء قائمة أخرى منافسة وذلك بهدف التقليل من التزاحم بين القوائم، أو أن يقوم مرشح بشراء موقع شخص آخر في قائمة معينة بأن يدفع له المال السياسي مقابل أن يحل محله في الترتيب. وما يشجع من هذه الفرضية أن كلا من قانون الانتخاب وتعليمات الهيئة المستقلة للانتخاب تسمح للمرشح من تلقاء نفسه بأن ينسحب من إحدى القوائم الوطنية وأن يتم استبداله خلال فترة زمنية معينة قبل الانتخاب. كما تعطي المادة (18) من قانون الانتخاب مفوض القائمة الحق في أن يسحب بإرادته المنفردة اسم أي شخص من قائمة المرشحين وأن يستبدله خلال فترة زمنية معينة، وهو ما سيسهل من مهمة الراغبين في شراء مواقع متقدمة في القوائم الوطنية التي تنجح من خلال حملتها الانتخابية في حشد أصوات الناخبين على مستوى الوطن.
ومن الآثار السلبية الأخرى على عدد القوائم الوطنية وتزاحمها أنه سيضعف من فرص تشكيل حكومة برلمانية بعد الانتخابات، ذلك أن الزيادة في عدد القوائم الوطنية من شأنه أن يقلل من عدد المقاعد النيابية التي ستحصل عليها كل قائمة، وبالتالي عدد النواب الذين سيصلون إلى مجلس النواب من خلال القائمة الوطنية الواحدة والذين يفترض بهم أن يكونوا نواة لتشكيل كتل برلمانية سيتم التشاور معها لاختيار شخص رئيس الوزراء ومن بعده أشخاص الوزراء.
ومن الملاحظات الأخرى على المشهد الانتخابي أن قائمة وطنية واحدة فقط قد تضمنت العدد الكلي من المرشحين بواقع 27 مرشحا، في حين اكتفت باقي القوائم الانتخابية الأخرى بالحد الأدنى المتمثل في تسعة مرشحين. مثل هذا الموقف الانتخابي يعطي دلالة قوية على أن تعديل قانون الانتخاب بزيادة عدد مرشحي القوائم الانتخابية من 17 إلى 27 لم يكن له ما يبرره نظرا لأن القوائم التي تشكلت بعيدة كل البعد عن الطابع السياسي الحزبي. ففي الوقت الذي كان يفترض به أن تكون القوائم الوطنية قوائم حزبية لها أرضية فكرية وسياسية واضحة تسعى إلى تحقيقها من خلال مجلس النواب، نجد أن القوائم المترشحة للانتخابات هي قوائم رملية متحركة لا تخرج في حقيقتها عن تجمع لأشخاص معينين تربط بينهم مصالح شخصية ومالية مشتركة وذلك من دون وجود حد أدنى من الاتفاق على برنامج عمل انتخابي، غير تلك العبارات والشعارات الرنانة كمحاربة الفساد والمحسوبية والبطالة التي ستقع على أرض بور ولن يكون لها أي صدى سياسي أو شعبي.
إن الأرقام والإحصائيات عن عدد المرشحين والقوائم الانتخابية يفيد بما لا يدع مجالا للشك بأن هناك حاجة ملحة للتشدد في شروط الترشح للانتخابات وذلك من خلال ايجاد آلية واضحة تدفع فقط بالمرشحين الراغبين في الخدمة العامة إلى الوصول إلى البرلمان وتضمن إقصاء أولئك الذين يحجزون لهم صفحات في الجرائد اليومية كدعاية انتخابية .
اترك تعليقاً