إعادة نشر بواسطة محاماة نت
أباح الإسلام والقانون للرجل أن يتزوج أربع زوجات وقد ورد ذلك في القرآن الكريم بقوله تعالى: “فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة”.
والزواج كما شرع الله، فيه سكن للنفس وراحة للضمير والقلب، واستقرار للحياة والوجدان. ولكن قد تعترضه بعض العقبات كأن يصاب الفرد بعقم زوجته، أو بمرض مزمن يلمّ بها، وهو حريص على عدم فراقها. وقد تبتلي الأمم بكوارث ونكبات تفقد نسبة كبيرة من شبابها فيزيد عدد النساء أضعافاً عن عدد الرجال؛ فما هو الحال لمعالجة مثل هذه الحالات التي تحدث خللاً وضررا بالمجتمع، غير الحل الذي ذكِر في القرآن الكريم حين أباح تعدد الزوجات، والذي كان معروفاً عند العرب دون قيد؛ فجاءت حكمة التشريع الإسلامي وقيدته بثلاثة قيود:
1ـ حصر العدد بأربع زوجات؛
2ـ العدل بين النساء؛
3ـ القدرة على الإنفاق؛
وهذه القيود حددتها الشريعة الإسلامية للرجل إذا أراد أن يتزوج على زوجته لضرورة كمرض أصابها أو أمر آخر ألمّ بها يدعوه للزواج بغيرها، وهو حريص على أن يبقى بجانبها. وقد أجاز الفقهاء للزوجة إن تضررت بزواج زوجها أو قصّر بواجبه نحوها أن تطلب الطلاق، وللقاضي أن يجيبها لهذا إذا لم تشترط حين عقد الزواج ألا يتزوج عليها، فلها شرطها وطلب فسخ عقد الزواج، إن تزوج عليها. وكذلك للمرأة التي تفاجأت بأن زوجها متزوج من غيرها دون أن يخبرها أن تطلب التفريق للتغرير أو التدليس لأنها تزوجته على أنه غير متزوج عرفاً والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً.
فالتعدد إذن علاج وقاية وليس بمشكلة كما يتصوره البعض، وهذا ما ذهب إليه القانون حيث أباح التعدد ولكن بشروط وردت في المادة 17 من قانون الأحوال الشخصية، التي تنص على: “للقاضي أن لا يأذن للمتزوج بأن يتزوج على امرأته إلا إذا كان لديه مسوغاً شرعياً وكان الزوج قادراً على نفقتهما”؛ فالمشرع اشترط لإباحة تعدد الزوجات القدرة على الانفاق، ولكنه لم يحدد ما هي النفقة التي إن عجز عنها الزوج منعه القاضي من التعدد؛ هل هي نفقة الموسر أو نفقة الفقير، وهل تعتبر حال الزوجة إن كانت فقيرة فتكفيها النفقة الضرورية. أم ماذا…؟!
في الحقيقة، إن المشرع ترك لتقدير القاضي مقدار الإنفاق وعدمه، وكثرته وقلته. والواقع إن شرط الإنفاق هو شرط عام في جميع حالات الزواج ولو للمرة الأولى، ولا يعتبر من شروط صحة الزواج حتى يفسده عدم توافره، لأن فساد العقود لا يتعلق بأمور احتمالية، والمال غاد ورائح فقد يصبح فقير اليوم غنياً غداً أو بالعكس.
أما الشرط الآخر الذي أضافه المشرع عند تعديل قانون الأحوال الشخصية سنة 1975، فهو وجود المسوّغ الشرعي، وهو شرط عام مرن تدخل تحته حالات لا حصر لها.. وغاية المشرع منع العبث باستقرار الأسرة وجعلها مصانة وبعيدة عن الاستهتار أو الطيش. ومن حالات العمومية فيه الرغبة في الإنجاب، ومن المسوغات الشرعية الخاصة الرغبة بالتعفف والخشية من الوقوع بالفتنة. وقد انتقد بعض الفقهاء هذا الشرط واعتبره مخالفاً للشريعة الإسلامية التي أباحت التعدد، لكن هذا الرأي في غير محله لأن اشتراط المسوغ الشرعي هو من قبيل الحرص على العدل الذي نص عليه القرآن الكريم.
وفي هذا السياق، ثمة من ينتقد الصياغة التي جاءت عليها المادة 17 من قانون الأحوال الشخصية ويرى أن القاضي لا يجوز له تقدير المسوغ الشرعي، بل عليه فقط أن يتأكد؛ هل الأمر الذي يدفع الزوج للزواج مرة أخرى هو شرعي أو غير شرعي؛ فإذا ثبت أن الدافع للزواج أمر شرعي ليس عليه أن يناقش الزوج فيما هو مقدم عليه. وكان من الأفضل أن يترك لتقدير القاضي قبول المسوغ الشرعي كما كان عليه الحال في مسودة مشروع القانون قبل إلغائها في مناقشات مجلس الشعب. وبموجب النص الحالي أضحى لا دخل للقاضي في تقديره وما عليه إلا أن يتأكد من وجوده وهل هو مسوغ شرعي نص الإسلام عليه بنصوصه وقواعده الكلية وروحه العامة، أم أنه مسوغ لا يقبله الشرع؛ بالمقابل نجد أن المشرع منح القاضي كامل السلطة التقديرية في التحقق من شرط القدرة على الإنفاق.
ومع وجوب توافر هذين الشرطين، يستطيع القاضي الإذن بالزواج مرة أخرى إذ جاء في النص: “للقاضي أن لا يأذن”، مما يعني أن المشرع ترك للقاضي أن يأذن بالزواج مرة أخرى إذا توفر الشرطان، وله أن يأذن إذا لم يتوافر شرط منهما أو الشرطان؛ فالخيار للقاضي عند عدم توافر الشرطين وليس له حق الرفض إذا توافر الشرطان.
وختاماً، لابد من القول إن اشتراط المشرع تعدد الزوجات بإذن القاضي وموافقته أمر إيجابي ولا يخالف الفقه الإسلامي باعتباره المصدر الرئيسي للتشريع. ولكن حبذا لو أنه أضاف إلى الشروط السابقة ضرورة استدعاء الزوجة الأولى والمرأة المراد الزواج منها للتأكد من موافقتهما على هذا الزواج، بما يبعد التدليس أو الغش ويمنع ظاهرة الزواج السري التي قد تهدد المجتمع بما تخلقه من شبهات وريبة في سلوك الأفراد، وما يؤدي إليه الزواج السري من ضياع وفساد الأسرة وتشتتها، ويحفظ حق الزوجة الأولى في القبول بمشاركة امرأة أخرى بزوجها. وبإتخاذ مثل هذا الإجراء، يكون المشرّع أكثر انسجاماً مع الالتزامات الدولية لاسيما اتفاقية اعلان القضاء على التمييز ضد المرأة الصادرة عام 1979 والتي تسمى اختصاراً (سيداو) CEDAW والتي صادقت عليها عام 2002 الجمهورية العربية السورية، وسائر الدول الإسلامية، وتعتبر من حيث أهميتها للمرأة بمثابة الميثاق الدولي لحقوق المرأة.
اترك تعليقاً